الانجازات العامة للامام العسكري(ع)
- المجموعة: 2014
- 10 كانون2/يناير 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2542
إن الأساس والمرتكز الذي تقوم عليه فكرة إرجاع الأمة إلى الفقيه العادل العالم هو أن الأجيال تحتاج دائماً إلى المرشد والموجه والمفكر والمدبر الذي يعلمهم أحكام دينهم ويعمق لهم إيمانهم ويوجههم في سلوكهم إلى العدل والصلاح ورضا الله عز وجل.
نص الخطبة:
بسم الله الرحمان الرحيم
في هذا اليوم نلتقي بذكرى شهادة الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع) وهو الإمام الحسن العسكري (ع) الذي ولد في المدينة المنورة في الثامن من ربيع الثاني سنة 232هـ وكانت شهادته في يوم الجمعة في الثامن من شهر ربيع الأول في مثل هذا اليوم من سنة 260هـ.
وقد استشهد (ع) بسم دسه في طعامه أحد أعوان الخليفة العباسي المعتمد، وكان عمره 28 سنة ودفن إلى جانب أبيه الإمام علي الهادي (ع) في سامراء، ومقامهما في سامراء لا يزال شامخاً يقصده المؤمنون والزوار من كل أنحاء العالم الإسلامي بالرغم من التفجير الآثم الذي تعرض له هذا المقام قبل سنوات على أيدي التكفيريين الحاقدين [يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون].
لقد تسلم الإمام الحسن العسكري (ع) مهام الإمامة بعد وفاة والده الإمام الهادي (ع) وكان عمره اثنين وعشرين سنة، وعاصر في فترة إمامته التي استمرت ست سنوات (من سنة 254 ـ 260) ثلاثة حكام من العباسيين هم: المعتز والمهتدي والمعتمد.. هؤلاء الذين واجهوا الإمام بأحقادهم وبطشهم، وزجوا به في سجونهم عدة مرات، وأخضعوه لرقابتهم المشددة، ولاحقوا كل من يتواصل معه.
وقد عبر الإمام (ع) عن معاناته الشديدة مع السلطة العباسية الحاكمة وعن الظروف والأوضاع الصعبة والعصيبة التي كان يعيشها في ظل هذه السلطة الجائرة عبر عن ذلك بقوله لأصحابه وأتباعه وشيعته:
(ألا لا يُسلمنّ عليَّ أحد، ولا يُشير إليَّ بيده، ولا يُومئ، فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم).
ولكن الإمام (ع) بالرغم من كل هذه الظروف الصعبة وبالرغم من كل المضايقات والاضطهاد وسياسة الإرهاب التي فرضها الحكم العباسي عليه وعلى أصحابه وشيعته استطاع بحكمته وحنكته وصبره أن يحقَّق مجموعة أمور:
أولاً: استطاع أن يفرض احترامه حتى على أشد الناس حقداً عليه وعلى أهل البيت (ع). فعبيد الله بن يحيى كان وزيراً في الدولة العباسية وكان معادياً وحاقداً ولكنه مع ذلك كان يقول بحق الإمام:
(لو زالت الخلافة عن بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه).
ثانياً: استطاع الإمام (ع) أن يربي ويعلم طلاباً كان لكل واحد منهم دور في نشر العلوم والمعارف الإسلامية وفي مواجهات الشبهات والأضاليل التي كان يبثها الأعداء.. وقد عدَّ الشيخ الطوسي تلامذة الإمام فبلغوا أكثر من مئة عالم، وكان من بينهم شخصيات بارزة وكبيرة.
ثالثاً: تمكَّن الإمام (ع) من إيجاد شبكة اتصالات مع الشيعة في المناطق المختلفة من خلال نصب وتعيين الوكلاء والممثلين.. وتدريب الشيعة على التواصل غير المباشر مع الإمام عبر هؤلاء الوكلاء والممثلين تمهيداً لغيبة الإمام المهدي (عج) وطريقة التعاطي والتواصل معه..
رابعاً: توجيه الشيعة للرجوع إلى الفقهاء والعلماء وربط الأمة بالعلماء والفقهاء وتقليدهم وأخذ معالم الدين وأحكام الدين عنهم خصوصاً في زمن الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عج) حيث لا إمام معصوم يرجع إليه الناس.
يقول الإمام العسكري (ع): (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواء مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه).
وفكرة ربط الأمة بالعلماء وجعلهم مرجعية لها يأخذون منهم معالم الدين وأحكام الدين هي فكرة أسس لها أهل البيت (ع) منذ زمن الإمام الصادق (ع) الذي قال: (يُنظر من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنه استخف بحكم الله وعلينا ردّ، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله).
إن الأساس والمرتكز الذي تقوم عليه فكرة إرجاع الأمة إلى الفقيه العادل العالم هو أن الأجيال تحتاج دائماً إلى المرشد والموجه والمفكر والمدبر الذي يعلمهم أحكام دينهم ويعمق لهم إيمانهم ويوجههم في سلوكهم إلى العدل والصلاح ورضا الله عز وجل.
الأمة بحاجة باستمرار إلى من يُشخِّص لها مصالحها ويحدد لها أهدافها ويحفظ لها عزتها ويبين لها دورها ووظيفتها وتكليفها حيال الأحداث والمستجدات والتحديات وهذا ما يقوم به الفقيه العادل نيابة عن الإمام المعصوم.
خامساً: بالرغم من الرقابة الشديدة والظروف الصعبة فإن الإمام (ع) تمكَّن من حفظ ولده المهدي (عج) وكتمان ولادته والتمهيد لغيبته وقام بتعريف خواص أصحابه عليه.
روى أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (ع) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض، فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من ابن ثلاث سنين فقال: يا أحمد لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، انه سُمّي باسم رسول الله وكنيته، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا أحمد مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق: فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام، فقال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه ولا تطلب أثراً بعد عين.
سادساً: توجيه رجال الشيعة وشخصياتهم البارزة أخلاقياً واجتماعياً وسياسياً. فقد بعث الإمام (ع) برسالة جامعة إلى الشيخ علي بن الحسين بن بابويه القمي وهو أحد كبار الفقهاء الشيعة في قم المقدسة آنذاك قال فيها:
أما بعد أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقك الله لمرضاته، أوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الأخوان، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل ومن استخف بصلاة الليل فليس منا، فاعمل بوصيتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتى يعملوا عليه، وعليك بالصبر وانتظار الفرج.. فاصبر يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن وأمر جميع شيعتي بالصبر، فإن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء والعاقبة للمتقين.
لقد أوصى أئمتنا على الدوام بالصبر والثبات..
وكما كنا نقول دائماً: الصبر والثبات والتحمل وعدم التسرع، والتدبر في الأمور، يؤدي إلى النجاح والعاقبة الحسنة، هذه السياسة ينبغي أن تبقى هي السياسة المعتمدة في مواجهة التحديات والاستحقاقات السياسية وغير السياسية.. وهذه هي ميزة فريقنا السياسي.
أما الفريق الآخر فإنه يتسرع ويطرح سقوفاً سياسية عالية ليس قادراً على تحقيقها.. فهو تارة يريد مقاومة مدنية سلمية ديمقراطية لنزع السلاح غير الشرعي كما يقول، وتارة أخرى يرفض حكومة جامعة وحكومة شراكة ويدفع باتجاه تشكيل حكومة أمر واقع.. وتارة ثالثة يرفض أن يجلس معنا على طاولة الحوار.. وهكذا..
إن المواقف الحادة لهذا الفريق ضد حزب الله هي مواقف مقصودة وتستهدفه سياسياً ومعنوياً.. وتريد النيل من صورته وهيبته، وتستهدف في العمق والجوهر مشروع حزب الله وخياره السياسي المتمحور حول فكرة المقاومة.. هم يستهدفون المقاومة ومشروعها، وكل ذلك بإيعاز مباشر من مشغليهم الإقليميين.. ولكن قد تكون لهذه المواقف الحادة أبعاداً أخرى تتصل بالحرب النفسية وممارسة الضغوط كشكل من أشكال التفاوض.. وبالتالي يجب أن لا نفاجأ إذا ما بدّل هؤلاء مواقفهم تبعاً للمستجدات والمتغيرات أو تبعاً لتبدل مواقف الراعي الإقليمي. وهذا ما بدأنا نسمعه اليوم من أن الفريق الآخر قد يقبل بحكومة جامعة تبعاً لمواقف الراعي الإقليمي الذي بدأ يغير من مواقفه وبات يقبل اليوم ما كان يرفضه بالأمس.
والحمد لله رب العالمين