مشاهدات النبي (ص) في الآفاق أثناء المعراج (31)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 24 أيلول/سبتمبر 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 20851
تتحدث النصوص الإسلامية عن قضية المعراج وما شاهده النبي (ص) في رحلته في الآفاق وفي أرجاء الكون، وتذكر: أن النبي(ص) شاهدََ النجومََ والكواكب، واطلعََ على نظام العالم العُلويِّ السماوي، وتحدثَ مع أرواح الأنبياء، كما تكلم مع الملائكة، واطلعَ على مواقع الرحمةِ والعذاب أي على الجنة والنار،
ورأىََ درجاتِ أهل الجنة، والنعيمََ الذي يعيشون فيه، كما رأى أهلَََ النار عن قرب والعذابَََ الذي ينالونه بسبب أعمالِهم السيئة، وتعرفََ أيضاً على أسرار الوجود ورموزِ الطبيعة، ووقفََ على سَعَةِ الكون، ومظاهرِ قدرةِ الله وعظمته.
وقد روى المفسرون والمحدثون أخباراً ورواياتٍ كثيرةً حول معراج النبي (ص) وما شاهده في هذه الرحلة العظيمة بالتفصيل، ولكن ينبغي أن نتنبَّهَ هنا إلى أن من بين الروايات الواردة في هذه القضيةِ ثمةََ رواياتٍ ضعيفةً ومجهولةً لا يمكنُ القبولُ بها.
ولذلك نجدُ أن المفسرَ الإسلاميََ الكبير العلامّةََ الشيخَ الطبرسي عمدََ إلى تقسيم الروايات والأحاديثِ الواردةِ في المعراج إلى أربعة أصناف:
الصنفِِ الأول: الرواياتِِ التي تتحدثُ عن أصل المعراج وحصولِهِ وحدوثه، وأن النبي(ص) أُسريََ به إلى المسجد الأقصى وأنه صعدَ من هناك إلى السماء، فإن هذا الصنفََ من الأحاديثِ نقطعُ بصحة مضمونه لكونه متواتراً ومنقولاً بطرقٍ علمية صحيحة.
الصنفِِ الثاني: الأحاديثِِ التي تذكرُ قضيةََ تجوالِِ النبي(ص) في السماء، ورؤيتِهِ أرواحَََ الأنبياءِِ وحديِثِهِ معهم ورؤيتِهِ للجنة والنار ونحوِ ذلك من الأمور التي يحكمُ العقلُ بإمكانها وعدمِِ استحالتها، ولا تتنافى مع الأصول والقواعد الدينية الإسلامية. فإن هذا النوعََ من الأحاديث نقبلُهُ ونستقربُ مضمونَه ونقطعُ بأن ما تذكرُهُ الرواياتُ من أمورٍ حصلتْ مع النبي(ص) في معراجه إنما حصلتْ معه في اليقظةِ وليس في المنام.
الصنفِِ الثالث: الرواياتِ التي تذكرُ أموراً مخالفةً بحسب ظاهرها لبعض الأصول والقواعد الإسلامية إلا أنه يمكن تأويلها على وجه يوافقُ المعقول ، وينسجمُ مع تلك الأصول، مثلًَََ الرواياتِِ التي تتحدثُ عن أن النبي(ص) رأى في جولته على الجنة والنار أشخاصاً في الجنة يتنعمون فيها، وأشخاصاً في النار يعذبون فيها، فإن هذا النوعََ من الأحاديث لا بد من تأويله على أنه (ص) رأى صفتهم أو أسماءََهم أو صورََهم لا أشخاصََهم وذواتِِهم.
والصنفِِ الرابع: الأحاديثِِ التي يتنافى مضمونُها مع الثوابت والأصول والقواعد الإسلامية العقيدية وغيرِها، ولا يمكنُ تأويلُ مضمونِِها بوجه من الوجوه الصحيحة والسليمة. مثلًَََ الرواياتِِ التي تتحدثُ عن أن النبي(ص) خلال معراجه كلّمََ اللهَََ جهرةً، أو أنه التقى به ورآه وجلس على سريره أو سمع صوتََ قلمه وما إلى ذلك من الأمور التي تُوجبُ التشبيهََ لله وتُوحي وكأن اللهًََ تعالى جسمٌ كبقية الأجسام، مع أن الله سبحانه وتعالى منزهٌ عن ذلك كلِهِ لأنه ليس بجسم ولا شبيهََ له ولا مثيل .
وعلى هذا الاساس فإن هذا النوعََ من الأحاديث لا نقبلُهُ لأنه لا يمكنُ تأويلُهُ بوجه من الوجوه الصحيحة.
وما دمنا نتحدث عن نوعية ما تضمنته أحاديثُ الإسراءِ والمعراج فإنه لا بأس أن نذكر هنا نموذجاً من الأحاديث التي تندرجُ تحت الصنفِِ الثالث، والتي تذكرُ بعضاً مما شاهده رسولُ الله (ص) في معراجه أثناء جولته على الجنة والنار من صور أهل الجنة وأهل النار تعميماً للفائدة ومن أجل العبرة والاعتبار.
فقد ذكرََ بعضُ رواياتِ المعراج أن النبي(ص) اطَّلع بصحبة جبرائيل على أحوال أهل الجنة والنار وقال (ص) فيما روي عنه وهو يحدثُنا عما شاهده ورآه من صورهم: "ثم مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائدُ من لحم طيب، ولحم خبيث، يأكلون اللحمََ الخبيث ويدعون الطيب".
فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟
فقال: هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويََدََعُون الحلال، وهم من أُمتك يا محمد.
ثم مضيتُ فإذا أنا بأقوام لهم مشافرُ كمشافر الإبل (أي لهم شفاهٌ كشفاه الإبل) يُقْرَضُ اللحمُ من جنوبهم ويُلقى في أفواههم.
فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟
فقال: هؤلاء الهمازون اللمازون.
ثم مضيت فإذا أنا بأقوام تُرضَخُ رؤوسُهُم بالصخر.
فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟
فقال: هؤلاء الذين ينامون عن الصلاة.
ثم مضيت فإذا أنا باقوام تُقذفُ النارُ في أفواههم وتخرجُ من أدبارهم.
فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟
قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً {إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيَصْلَوْنَ سعيرا}.
ثم مضيتُ فإذا أنا بأقوام يريدُ أحدُهُم أن يقوم فلا يقدرََ من عِِظَمِِ بطنه.
فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟
فقال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقومُ الذي يتخبطه الشيطان من المس.
ثم يُكملُ النبيُ(ص) حديثََه عما رآه في النار فيقولُ: ورأيتُ فيها (أي في النار) نساءً ينادون فلا يُجََابُون، ويستغيثون فلا يُغََاثُون.
فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟
قال: هؤلاء اللواتي يبذُلْنََ أنفسََهُن لغير أزواجهن.
ثم يقول (ص): ورأيت فيها رجالاً يُسقَوْنََ من الحميم الصديد فإذا وصل إلى جنوبهم وأجوافهم تمزقتْ جلودُهُم ولحومُهُم.
فقلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟
قال: هؤلاء الذين يشربون الخمر والمسكر.
ورأيت فيها رجالاً يتقلبون على شفير جهنمََ وهم في العذاب الأليم.
فقلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟
قال: الذين يََبخَسُونََ الميزان.
ثم يقولُ رسولُ الله (ص):
ورأيت أهوالاً شديدة وأموراً عظيمة، فدخلني من ذلك فزعٌ عظيم.
وإذا كان رسولُ الله وهو أكملُ الناس وافضلُهُم وأشرفُهُم وأقربُهُم إلى الله قد أصابه من هول ما شاهده ورآه فزعٌ عظيم، فكيف بنا نحن المقصرين المستغرقين في المعاصي والشهوات؟
إن المصيرََ السيءََ لهؤلاء الذين يتحدثُ عنهم النبيُ(ص) من أهل النار، يدعونا إلى إعادة النظر في سلوكنا وتصرفاتنا وأوضاعِِنا وإلى أخذ العبرة من ذلك، وإلى تصحيح الأخطاء والابتعادِِ عما لا يُرضي الله، والتقرُبِِ إليه بالعبادات والطاعات والالتزامِِ بكل ما أمرنا به أو نهانا عنه، حتى نستيطعََ أن نتلافى المصيرََ السيءََ الذي وقع فيه العاصون والمذنبون. (ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار) برحمتك يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.