المسيح(ع)الصفات والرسالة
- المجموعة: 2014
- 26 كانون1/ديسمبر 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 12281
إن ذكرى ولادة نبي الله عيسى(ع) ومناسبة رأس السنة الجديدة يجب ان تكونا مناسبة لتأكيد التلاقي والتعايش والاحترام بين أتباع الديانات السماوية وخصوصاً بين المسلمين والمسيحيين, ومع الأسف أن البعض حوّل مناسبتي الميلاد ورأس السنة إلى مناسبة للهو والفسق والفجور والعادات السيئة والممارسات القبيحة وفرصة للتفلت من القيم والضوابط الأخلاقية والإنسانية في الوقت الذي يجب أن تكون مناسبة للتأمل والمراجعة واكتساب القيم.
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: الحفاظ على الاستقرار الداخلي من خلال الحوار بين المستقبل وحزب الله مكسب كبير للبنان.
رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن من الإيجابيات التي حصلت مؤخراً قبول تيار المستقبل بالحوار مع حزب الله بعدما كان يرفض ذلك ويشترط للدخول في أي حوار معه مجموعة شروط, كالانسحاب من سوريا ووضع السلاح على الطاولة وغير ذلك.
وقال: لا شك أن التطورات الحاصلة في المنطقة, والحرص الدولي على الاستقرار في لبنان, وفشل الطرف الآخر في حساباته السياسية وفي رهانه على التغيير في سوريا, وحاجته لتمييز نفسه عن التيارات التكفيرية التي باتت تهدد لبنان، كل هذه الأمور وغيرها دفعت الطرف الآخر للقبول بالحوار وتفضيله على المواجهة المفتوحة مع حزب الله التي لم تنتج لهذا الفريق سوى المزيد من الخسائر السياسية.
وأضاف: نحن منذ البداية كنا نقول: هذا البلد لا يقوم إلا بالحوار والتلاقي والتعايش والتفاهم والتعاون بين كل مكوناته، وأيدنا أي فرصة للحوار بين القوى السياسية في لبنان ولا زلنا نؤيد أي حوار يقوم بين طرفين أو أكثر , واليوم ندخل في الحوار مع تيار المستقبل انطلاقاً من حرصنا على صيانة الاستقرار الداخلي, وضبط الخطاب التحريضي , وتنفيس الاحتقان والتشنج المذهبي, واحتواء مناخات التوتر في البلد, ونزع فتيل أي فتنة مذهبية، وإبقاء الصراع الداخلي في إطاره السياسي, لأنه لم يكن ولا في يوم صراعاً مذهبياً.
وأكد: أن الحفاظ على الاستقرار الداخلي وإراحة الأجواء في البلد, هو مكسب كبير للبنان وللبنانيين خصوصاً في هذه المرحلة التي يواجه فيها لبنان تهديدات التيارات التكفيرية ويحتاج إلى تعاون الجميع لمواجهة هذا الخطر الداهم.
نص الخطبة:
يقول الله تعالى: [إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين].
المسيح الذي يحدثنا عنه القرآن هو غير المسيح في العقيدة المسيحية، وهو يختلف عنه في الجوهر وفي الدور, فالمسيح في العقيدة المسيحية: إله وابن الله واقنوم من الاقانيم الثلاثة المكونة للذات الإلهية! بينما المسيح (ع) في القرآن إنسان من بني البشر اصطفاه الله نبياً ورسولاً كما اصطفى غيره من الأنبياء والرسل, بل هو من الأنبياء أولي العزم الخمسة الذين كرمهم الله وفضلهم على سائر الأنبياء حيث جعل رسالتهم عامة لكل البشر وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص).
والفرق بين عيسى وبين غيره من البشر أن الله خلقه من غير أب , وليس ذلك بعزيز أو مستحيل على الله, فقد خلق الله آدم من قبل من غير أب ولا أم , يقول تعالى: [إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون].
وأود هنا أن أتحدث عن نسب عيسى (ع) وبعض صفاته, وعن دعوته ورسالته حسبما جاء في القرآن الكريم من أجل أن نكون صورة حقيقية وصحيحة عن هذا المولود المبارك..
أما اسمه ونسبه:
فقد ذكر الله سبحانه وتعالى اسمه في القرآن الكريم وأطلق عليه اسم عيسى تارة, واسم المسيح أخرى.
ولم يزد نسبه على كونه ابن مريم عليها السلام.
قال تعالى: [إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين].
وإنما سمي بالمسيح لأنه كان (ع) إذا مسح على أحدٍ من ذوي العاهات بُريء وشُفي بإذن الله وبقدرة الله.
وأما صفاته التي ذكرها القرآن فهي:
أولاً: إنه عبد من عباد الله, جعله الله نبياً مرسلاً, وجعله مباركاً [قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً].
والقران الكريم يؤكد في العديد من الآيات بشرية عيسى المسيح(ع) , ويتحدث عن خصائصه الإنسانية والبشرية , وينفي الوهيته أو بنوته لله, بل ينفي أساساً ان يكون لله ولد او زوجة او شبيه, القران يبين ويؤكد كل ذلك في قبال من يقول بألوهيته أو بأنه ابن الله أو انه جزء من تركيبة الذات الإلهية والعياذ بالله .
فعيسى(ع) عبد نبي مبارك ومكلف بأداء الفرائض والواجبات , مكلف بالصلاة والزكاة والعبادات كسائر عباد الله.
ثانياً: إنه وجيه في الدنيا والآخرة، له مكانة ومنزلة ودرجة مميزة عند الله في الدنيا والآخرة، [إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين].
ثالثاً: إنه من الصالحين ومن المقربين كما في الآية السابقة وكما في قوله تعالى: [ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين].
رابعاً: إنه بار بوالدته ومحسن إليها [وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً] فهو ليس جباراً ولا فظاً ولا غليظاً ولا قاسياً.. إنه رحيم بار مشفق.. صانع للمعروف والإحسان مع والدته ومع ومع الناس .
أما رسالته ودعوته: فيقرر القرآن الكريم إن الله أرسله إلى بني إسرائيل, وعلمه التوراة والإنجيل, وأن دعوته مكملة لشريعة موسى وموضحة لها ومصححة لما طرأ عليها من انحرافات وتشويه.
قال تعالى: [وقضينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة]. وقال تعالى: [ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون].
كما بين القرآن انه أتى ببعض التخفيفات والتسهيلات لبني إسرائيل. قال تعالى حكاية عن عيسى (ع): [ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حُرم عليكم].
كما كانت من أهداف دعوته التبشير بالنبي الآتي من بعده محمد (ص) , وقد قام بذلك كما أخبر القرآن: [وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول من بعدي اسمه أحمد].
ويبين القرآن أن دعوة عيسى كانت التوحيد وعبادة الله سبحانه. [وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم].
وهكذا فإن رسالته كانت الدعوة إلى الله وتوحيده وعبادته, والتصديق بمن سبقه من الأنبياء والرسل, والتبشير برسول يأتي من بعده يخلص الناس من الضلال.
وقد أيده الله بالعديد من المعجزت الدالة على صدق نبوته ورسالته, منها: إبراء الأكمه والأبرص، ومنها: إحياء الموتى، ومنها إخبارهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
قال تعالى: [ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص، وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين]. آل عمران ـ 49.
لقد اعترف الاسلام بالديانات السماوية وأمر المسلمين أن يؤمنوا بالمسيح عيسى بن مريم كما يؤمنون بسائر الأنبياء, بل الإسلام يأمر بتقديس كل الرسالات والأديان ويأمر المسلمين بالإيمان بالكتب والصحف التي أنزلت على الأنبياء والرسل , ويعتبر الايمان بالانبياء والرسل السابقين وكتبهم السماوية جزءاً من الإيمان الاسلام ومحمد(ص), يقول تعالى:[آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا إليك المصير]. البقرة ـ 285.
ولذلك لما هاجر المسلمون الأولون إلى الحبشة هرباً من إرهاب المشركين ولجأوا إلى ملك الحبشة المسيحي بأمر من رسول الله (ص) الذي قال لهم: إن فيها ملكاً لا يظلم عندخ أحد, وأرادت قريش استرداد هؤلاء المسلمين الى مكة, أرسلت الداهية عمرو بن العاص وكان لا يزال مشركاً، فحاول هذا الداهية أن يوقع بين المسلمين وبين النجاشي امبراطور الحبشة فقال له: هؤلاء المسلمين يقولون في مريم وعيسى قولاً عظيماً مشيناً، فاستدعاهم النجاشي إلى قصره وسألهم عن رأي الإسلام في عيسى ابن مريم وأمه فتلا جعفر بن أبي طالب المتحدث باسم المهاجرين بصوته الجميل سورة مريم فلما سمعها النجاشي بكى حتى اخضبت لحيته, وبكى أساقفته وقال قوله المشهور: إن هذا والذي جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة.
بهذه الروحية تعامل المسلمون الأولون مع المسيحيين وبهذه الروحية تعامل المسيحيون مع المسلمين المضطهدين , وبهذا يجب ان يتعامل اليوم المسلمون والمسيحيون فيما بينهم، أن يتعاملوا مع بعضهم على اساس الاحترام والالتقاء حول القضايا المشتركة والتوجه نحو الكلمة السواء بأن نعبد الله الواحد الأحد وأن لا نشرك به شيئاً.
إن ذكرى ولادة نبي الله عيسى(ع) ومناسبة رأس السنة الجديدة يجب ان تكونا مناسبة لتأكيد التلاقي والتعايش والاحترام بين أتباع الديانات السماوية وخصوصاً بين المسلمين والمسيحيين, ومع الأسف أن البعض حوّل مناسبتي الميلاد ورأس السنة إلى مناسبة للهو والفسق والفجور والعادات السيئة والممارسات القبيحة وفرصة للتفلت من القيم والضوابط الأخلاقية والإنسانية في الوقت الذي يجب أن تكون مناسبة للتأمل والمراجعة واكتساب القيم.
المسيح(ع) كان على تلك الصفات النبيلة التي ذكرناها وقد جسد تلك الصفات والقيم في حياته، واتباعه ومحبوه والمؤمنون به يجب أن يتعلموا منه ذلك, أن يتعلموا منه الإيمان والالتزام والاستقامة والتقيد بأحكام الله وشريعة الله وأخلاقها وقيمها ومعانيها النبيلة والسامية.
مناسبة رأس السنة هي أيضاً مناسبة للتأمل ومراجعة النفس, مناسبة للقيام بجردة حساب للسنة الماضية كلها, والوقوف على ثغراتها وسلبياتها وإيجابياتها, من أجل أن يقوي الإنسان الإيجابيات ويعززها، ويتلافى السيئات والسلبيات.
رأس السنة فرصة ليعود الإنسان إلى الله ويتوب إليه من كل ذنب ارتكبه, وليفتح صفحة جديدة مع الله.. وليصحح مواقفه وعلاقاته وأسلوبه وطريقة تعامله مع الآخرين. من الإيجابيات التي حصلت مؤخراً قبول تيار المستقبل بالحوار مع حزب الله بعدما كان يرفض ذلك ويشترط للدخول في أي حوار معه مجموعة شروط, كالانسحاب من سوريا ووضع السلاح على الطاولة وغير ذلك. فما الذي عدا مما بدا حتى يتنازل المستقبل عن شروطه ويدخل في حوار مباشر مع الحزب؟
لا شك أن التطورات الحاصلة في المنطقة, والحرص الدولي على الاستقرار في لبنان, وفشل الطرف الآخر في حساباته السياسية وفي رهانه على التغيير في سوريا, وحاجته لتمييز نفسه عن التيارات التكفيرية التي باتت تهدد لبنان، كل هذه الأمور وغيرها دفعت الطرف الآخر للقبول بالحوار وتفضيله على المواجهة المفتوحة مع حزب الله التي لم تنتج لهذا الفريق سوى المزيد من الخسائر السياسية.
نحن منذ البداية كنا نقول: هذا البلد لا يقوم إلا بالحوار والتلاقي والتعايش والتفاهم والتعاون بين كل مكوناته، وأيدنا أي فرصة للحوار بين القوى السياسية في لبنان ولا زلنا نؤيد أي حوار يقوم بين طرفين أو أكثر , واليوم ندخل في الحوار مع تيار المستقبل انطلاقاً من حرصنا على صيانة الاستقرار الداخلي, وضبط الخطاب التحريضي , وتنفيس الاحتقان والتشنج المذهبي, واحتواء مناخات التوتر في البلد, ونزع فتيل أي فتنة مذهبية، وإبقاء الصراع الداخلي في إطاره السياسي, لأنه لم يكن ولا في يوم صراعاً مذهبياً.
ولا شك أن الحفاظ على الاستقرار الداخلي وإراحة الأجواء في البلد هو مكسب كبير للبنان ولكل اللبنانيين خصوصاً في هذه المرحلة التي يواجه فيها لبنان تهديدات التيارات التكفيرية ويحتاج إلى تعاون الجميع لمواجهة هذا الخطر الداهم.
والحمد لله رب العالمين