لماذا أمر النبي (ص) بتحضير "جيش أسامة" وهو ينازع المنية ؟!(70)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 05 تشرين2/نوفمبر 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5938
جيش أسامة (70) :
لم يطُلْ بالمسلمين المُقامُ بعد رجوعهم من حِجة الوداع، حتى قررَ النبيُ (ص) مواجهة الدولةِ الرومانية من جديد بعد أن كان قد واجهها سابقاً في مؤتة وفي تبوك..
فأمر (ص) بتجهيز جيشٍ لعله من أكبر الجيوش التي عَرفَتها المدينةُ المنورةُ آنذاك، بدليل أنه حشد في ذلك الجيش وجوهَ المهاجرين والأنصار وكبارَ الصحابة كما تنصُ على ذلك المؤلفاتُ في السيرة والتاريخ، وأمَّرَ (ص) على ذلك الجيش أسامةَ بنَ زيدِ بنَ حارثة وهو يوم ذاك في مطْلَع شبابه لا يتجاوز العشرين من عمره .
التلكؤ في تنفيذ أمر الرسول (ص) :
وهذا ما دعا إلى دَهشة كبارِ الصحابة واستيائِهم من تأميره عليهم، وتثاقلوا في تنفيذ أوامر الرسول (ص) برَغم دعواته المتتالية إلى تسريح الجيش بقيادة أسامة حتى إنه اضطُرَ إلى أن يخرج إلى الناس ويحثَّهم على الخروج والجهاد بقيادته، وبدا عليه (ص) الانزعاجُ والتصلبُ حينما طالبوه بأن يُولّيَ عليهم غيرَه. وقال لهم: لَعَمري لئن قُلتُمْ في إمارته اليومَ فلقد قُلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليقٌ بالإمارة كما كان أبُوه خليقاً بها من قبل.
وكان من جملة الدوافع التي دعتْ النبيَ (ص) إلى التصميم على إرسال هذا الجيش أن الدولة الرومانية جعلتْ تطاردٌ وتقتلُ كلَ من دخل في الإسلام من رعاياها، ومن بين الذين قتلتهم بسبب اعتناقهم الإسلام، فروةُ بنُ عمروٍ الجُذامي، وكان والياً على مِنطقة مَعان وما حولَها من أرض الشام، فاعتنقَ الإسلام وبعثَ إلى النبي (ص) يُخبرُهُ بذلك، ولما بلَغَ خبرُهُ الرومان غضبوا عليه، وأرسلوا سرية لاعتقاله، فألقتِ القبضَ عليه وألقَوه في أحد سجونهم، ثم حكموا عليه بالإعدام فأخرجوه إلى محلٍ فيه ماءٌ يُدعى عَفراءَ من أرض فلسطين، وأعدموه في ذلك المكان، ثم صلبوه على خشبة هناك ليكون عبرة لغيره ممن يفكرُ في اعتناق الإسلام.
ومهما تكن الأسبابُ الداعيةُ إلى تجهيز ذلك الجيش، فقد أمر النبي (ص) أسامة بأن يُوطىءَ الخيلَ تخومَ البلقاءِ من أرض فلسطين على مقربة من مؤتة، حيث قُتلَ والده، وأن يَنزِلَ على أعداء الله وأعدائهِ في عَمَايةِ الصبح ويُمعن فيهم قتلاً وتشريداً وأن يُنجز ذلك بأقصى سُرعةٍ قبلَ أن تصل أخبارُهُ إليهم.
وخرج أسامةُ بالجيش إلى محلةٍ على مقرُبةٍ من المدينة يقال لها الجَرفْ، حيث عسكر فيها ريثما يكتملُ تشكيلُ الجيش وتكتملُ الاستعدادات للتحرك. وخلال ذلك بدأ النبي (ص) يُحِسُ بدُنُو أجله، وبدأ المرضُ يشتدُّ عليه، فبدأت المحاولاتُ لعدم تحرك الجيشِ من مكانه، خاصةً بعد أن أحسَّ البعضُ بأن مرض النبي (ص) يزداد من وقت لآخر ويشكلُ خطراً على حياته.
الرسول(ص) يحثّ المسلمين وهو يحتضر :
وقال المؤرخون: إن رسول الله (ص) استبطأَ الناسَ في التحاقهم بجيش أسامة، وأخذ الوجعُ يشتدُّ به، فخرج عاصباً رأسَه وجعلَ يحُثُّهُم على الالتحاق بالمعسكر، ثم قال: أيها الناس، إني أُوشِكُ أن أُدعى فأُجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتابَ الله وعترتي، كتابُ الله حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهلُ بيتي، وإن اللطيف الخبيرَ أخبرني أنهما لم يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما. أيها الناس لا ألفينَّكم تَرجِعونَ بعدي كفاراً يضرب بعضُكم رقابَ بعض، فتلقَوْني في كتيبةٍ كَمَجَرِّ السيل الجرار، ألا وإن عليَ بنَ أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله".
والسؤالُ الذي يُطرحُ هنا: هو أن النبي (ص) ما دام يعلم بدُنُو أجله وبوفاته بعد أيام قليلة، فلماذا أصرَّ وظلَّ يصرُّ حتى النفسِ الأخير على ضرورة أن يتحرك جيشُ المسلمين إلى ما وراء الحجاز بقيادة أسامةَ بنِ زيد، وهو يعلم بوجود عدد كبير من المنافقين الذين تستروا بالإسلام وهم من ألدِّ أعدائه، وهؤلاءِ كانوا يتحينون الفرصةَ للعبث والفساد، وسيجدون الجوَ مناسباً عند وفاته ما دام عليٌ وآلُ الرسول منصرفين إلى تجهيزه ودفنه وعامةُ المهاجرين والأنصار في خارج البلاد؟؟..
ثم لماذا ضمَّ النبيُ (ص) إلى هذا الجيش كبارَ الصحابة وكان حريصاً على اشتراكهم جميعاً في هذا الجيش ما عدا علياً (ع)، حيث أمره بأن يبقى في المدينة؟. ولماذا اختارَ لقيادة هذا الجيش أسامةَ بنَ زيد الذي لم يتجاوز العشرين من عمره وفي المسلمين كثيرٌ من كبار السن والقادةِ الأكفاء الذين خاضوا معارك مُهمةً وأداروها بحزم وثباتٍ وشجاعةٍ وخرجوا منها منتصرين؟.
هذه التساؤلات قد تردُ في أذهان الكثير من الناس، وقد أثير بعضُها قديماً كما يبدو من كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، لذلك فقد فسرَ الشيخُ المفيدُ إصرارَ النبي (ص) على التحاق وجوه المهاجرين والأنصار جميعاً في جيش أسامة ما عدا علياً (ع): بأن النبي (ص) أراد بذلك أن يُهيىءَ الظروفَ المناسبة لتسلم علي (ع) الخلافةَ من بعده بشكل هادىء، وإبعادَ كل العناصر المناوئة عند وفاته عن المدينة، لئلا يطمعوا في الخلافة ويحُولُوا دون تنفيذ وصيته (ص) في استخلاف علي (ع) ولذلك لم يجعلْ أميرَ المؤمنين علياً (ع) في ذلك الجيش وجعلَ فيه غيرَه من كبار الصحابة ليتِمَّ له الأمرُ من دون مُنازع.
أسباب إبقاء الإمام علي (ع) في المدينة :
يقول الشيخُ المفيدُ في الإرشاد: اجتمع رأيُهُ (ص) على إخراج جماعة من متقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته (ص) من يختلف في الرئاسة، أو يطمعُ في التقدم على الناس بالإمارة، وليستتبَ الأمرُ لمن استخلفه من بعده، ولا يُنازِعَهُ في حقه مُنازع.
وأما خطرُ المنافقين على المدينة لدى غيابِ الجيشِ عنها، فإنه (ص) كان مطمئناً من هذه الناحية نظراً لوجود علي (ع) والبقيةِ من الصحابة وبني هاشم في المدينة، فقد كان عليٌ (ع) بما يملك من روحية إيمانية وجهادية قادراً على إفشال مؤامرات المنافقين وإحباطِ مشاريعهم. وقد قال النبي (ص) مخاطباً علياً (ع) عندما أمره بالبقاء في المدينة في غزوة تبوك (لا تصلحُ المدينةُ إلا بي أو بك).
وأما تأميرُهُ (ص) على الجيش أسامةَ بنَ زيد، فإضافة إلى كفاءته التي تُؤهلُهُ لتولي قيادةِ الجيش فقد أراد النبيُ (ص) أن يرفعَ من شأن الموالي حيث كان أسامةُ من غير العرب فأراد النبي(ص) إلغاء التفاضلِ القائمِ على أساس العرق. كما أراد أن يبين أن المعيار في القيادة هو الكفاءةُ وليس السنَّ أو الجاهَ أو الموقعَ الاجتماعيَ والمحسوبيات.
الشيخ علي دعموش