"بيعة الغدير" ..من كنت مولاه فعلي مولاه.. البيعة في الحاكمية(69)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 04 تشرين2/نوفمبر 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 6113
بيعة الغدير (69)
عندما أتمَّ رسولُ الله (ص) حِجةَ الوَدَاع، خرج من مكة متجهاً نحو المدينة المنورة ومعه تلك الوفودُ التي لم تشهدْ مكةُ نظيراً لها في تاريخها آنذاك.
ولما وصل إلى مكان قريب من منطقة الجُحفة يقال له (غديرُ خم) وهو على مفترق طرق، وقبل أن يتفرق الناس كلٌ إلى بلده الذي جاء منه، نَزَلَ (ص) في ذلك المكان في الصحراء بعد أن أنزل اللهُ عليه قولَه تعالى {يا أيها الرسولُ بلّغْ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعلْ فما بلغت رسالتَه واللهُ يعصمك من الناس}.
فعند ذلك لم يرَ النبيُ (ص) بداً من تنفيذ ما أمره اللهُ به لا سيما وقد ضمن له أنه سيعصمُهُ من الناس، وبالتأكيد لا بد من أن يكون هذا الأمر الذي يشدد اللهُ على تنفيذه ويأمر به رسولَه بهذا الأسلوب الذي يُشكل إنذاراً وتهديداً له بأنه إذا لم يفعل فكأنه لم يبلغ الرسالة، هذا الأمرُ لا بد من أن يكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمصير الرسالة ومستقبلِها، وهذا الأمرُ هو الولاية والقيادةُ من بعده فكأن اللهَ سبحانه يقول للنبي (ص) (يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك) في شأن الولاية والقيادةِ من بعدك لأنه يُوشِكُ أن تُدعى فتجيب وليس لك أن تتركَ الأمةَ من بعدك من دون ولي يلي أمورَها ويديرُ شؤونَها ويقودُ مسيرتَها (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته).
أي أن عدمَ تبليغِ هذا الأمر يعدُ خطراً على الرسالة فإذا لم تبلغ به، فكأنك لم تبلغ الرسالة، لأنه لو تَركَ النبيُ(ص) الأمةَ بدون ولي وبدون راعٍ يستكملُ المسيرةَ التي بدأها وبدون ولي يحفظ الإسلام ويصونُهُ ويعملُ على حماية قيمه وتشريعاته لضاع الإسلامُ كما ضاع الكثيرُ منه بعد ذلك.
لذلك بعد نزول هذه الآية كما يقول الصحابيُ الجليلُ أبو سعيدٍ الخُدري نادى النبيُ (ص) أن يَنزلَ الناسُ في تلك المِنطقة التي تسمى بغدير خم فنزلَ الناسُ جميعاً وكانوا مئةَ ألفٍ أو أكثر، وكان الوقتُ ظهراً والشمسُ حادةً واليومُ شديدَ الحرارة، ونُصبَ لرسول الله (ص) مِنْبرٌ من أهداج الإبل فصعدَ عليه حتى يراه الناسُ ويسمعوه، وأخذ بيد علي (ع) ورفعَهَا حتى بَاَنَ بياضُ إبطيهما للناس وقال (ص) بعد أن حَمِدَ اللهَ وأثنى عليه: أيها الناس يُوشِكُ أن أُدعى فأجيب ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: اللهم بلى.
فقال (ص): اللهم اشهد ثم قال: ألا من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذُل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى، قال: اللهم اشهد.
وروى المؤرخ المعروف بابنِ كثيرٍ في كتابه (البدايةُ والنهاية) عن زيد بنِ أرقم: أن النبي (ص) لما رَجعَ من حِجة الوداع ونزلَ غديرَ خم أمرَ بدوحات فجُمعتْ له ووقف عليها ثم قال: كأني قد دُعيتُ فأجبت، إني تارك فيكم الثَّقَلَيْن كتابَ الله وعترتي أهلَ بيتي، فانظروا كيف تخلُفُوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ثم قال: اللهُ مولايَ وأنا ولي كلِ مؤمنٍ ومؤمنة، وأخذ بيد علي (ع) وقال: من كنت مولاه فهذا علي وليُّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأضاف ابنُ كثير إلى ذلك أن الراويَ قال لزيد بن أرقم مستفهماً: أنت سمعتَهُ من رسول الله؟ فقال: ما كان في الدوحات أحدٌ إلا رآه بعينه وسمعه بأذنيه.
وروى ابنُ كثير أيضاً عن البَرَاء بنِ عازب: أن عمر بنَ الخطاب لقي علياً (ع) بعد أن فَرَغَ النبيُ (ص) من خطابه هذا وقال له: هنيئاً لك يا بنَ أبي طالب لقد أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلِ مؤمنٍ ومؤمنة. وفي رواية ثالثة رواها ابنُ كثير في البداية والنهاية أيضاً عن أبي هريرة: أنه لما أخذ النبيُ (ص) بيد علي (ع) وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، أنزلَ اللهُ على نبيه (ص) قولَه تعالى: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ دينا}.
وروى الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد، عن الإمام الصادق (ع): أن النبي (ص) بعد أن انتهى من خطابه أفردَ لعلي (ع) خيمةً وأمرَ المسلمين بأن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناسُ كُلُهُم ذلك، وأمرَ أزواجَهُ وسائرَ نساء المؤمنين ممن معه أن يفعلنَ ذلك، وقال له عمرُ بنُ الخطاب يوم ذاك: بخٍ بخٍ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كلِ مؤمن ومؤمنة.
وجاء في كتاب الكافي الشريف، عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: أمرَ اللهُ عز وجل رسولَه بولاية علي (ع) وأنزل عليه {إنما وليُكُمُ اللهُ ورسولُهُ والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويُؤتونَ الزكاة وهم راكعون}. فلم يدروا ما هي الولاية، فأمر الله محمداً (ص) أن يفسر لهم الولايةَ كما فسرَ الصلاةَ والزكاةَ والحجَ والصوم، فلما أتاه ذلك من الله ضاقَ بذلك صدرُهُ وتخوفَ أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه ورَاجَعَ ربَه فأوحى إليه: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} فصدعَ بأمر الله عز وجل وقامَ بولاية علي يومَ غديرِ خم وأنزلَ اللهُ بعد ذلك {اليومَ أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
وعلى أي حال، فقد روى حديثَ الغدير بنصه الذي ذكرناه معظمُ المؤرخين والمفسرين والمحدثين من الفريقين السنةِ والشيعة، حتى أصبح من الأحاديث المتواترة التي لا شك ولا ريبَ في صدورها على لسان النبي (ص) بين جميع المسلمين.
وهنا لا بد من تأكيد أنَّ معنى الولاية في كلام النبي (ص) في حديث الغدير هو الحاكمية، فقد أراد النبيُ (ص) أن يقول: من كنت مولاه بمعنى الحاكمية والقيادة فعليٌ وليُّهُ، والدليلٌ على ذلك هو المقدمة التي سألَ فيها رسولُ الله (ص) سؤالاً تقريرياً: ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ أي أنا الذي أعطاني الله الولاية والحكم والسلطة على المؤمنين حيث أني أولى بالمؤمن من نفسه، فمن كنتُ أولى به من نفسه فعليٌ أولى به من نفسه، هذه الولاية التي أعطاني اللهُ إياها فإنني أعطيها لعلي من بعدي بأمرٍ من الله، فالنبي (ص) يتحدثُ عن الولاية بمعنى الحاكمية وعن الولي بمعنى الحاكم الذي يحتاجُ إلى النصرة ويحتاجُ إلى أن يكون معه الحق حيثما دار في جميع الحالات والظروف.
إننا نؤكد ذلك لأن البعض حاول أن يُفسرَ الولاية بمعنى المحبة والنُصرة اي انه فسرَ كلامَ النبي (ص) : (من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه) أي من كنتُ مُحِبَّهُ فهذا عليٌ مُحِبَّه، ومن كنتُ ناصرَه فهذا علي ناصرُه، لكننا نرى أن النبي (ص) لو أراد أن يُبَلّغَ هذا المعنى، فإن هذا لا يحتاج إلى كل هذا الإنذار والتهديد الذي ذكرته الآية الكريمة، بحيثُ أن النبي (ص) لو لم يبلّغ هذا الأمرَ لما بلَّغَ الإسلامَ والرسالة، كما أن تبليغ هذا المعنى لا يحتاج إلى كل هذا الاجتماع الكبير للمسلمين في قلب الصحراء وفي يوم شديد الحر وفي حر الظهيرة.
ولا يحتاجُ إلى كل هذا الجهدِ والمعاناة التي عاناها المسلمون عندما حطوا رحالهم في الصحراء تحت حر الشمس الشديد، فلا بد من أن يكون الأمرُ الذي يبلّغُهُ النبيُ (ص) للمسلمين في غاية الأهمية، وأسمى وأكبرَ من مجرد الحب والنُصرة والمودة وما إلى ذلك، وليس ذلك الأمرُ إلا الولايةَ التي هي بمعنى الحاكمية والقيادة والخلافة والتي هي امتدادٌ لولاية النبي (ص) وحاكميته، والتي بها يضمنُ رسولُ الله (ص) مستقبل الإسلام ومستقبلَ الأمة.
الشيخ علي دعموش