محاضرة القيت بدعوة من الهيئات النسائية المركزية 17-2-2022
- المجموعة: نشاطات ولقاءات
- 17 شباط/فبراير 2022
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1385
نص المحاضرة التي القيت بدعوة من الهيئات النسائية المركزية في حزب الله بمناسبة ذكرى ولادة امير المؤمنين(ع) في مركز الهيئات في بيروت تحت عنوان: (الإمام علي وحقوق الانسان).
في سيرة الامام علي(ع) وفي تجربته السياسية في الحكم والسلطة الكثير من المواقف والوقائع الدالة على شدة رعايته وحمايته لحقوق الانسان وقد سبق في ذلك شرعة الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان بقرون..
طبعا لم ترد كلمة حقوق الانسان بالمعنى المتداول اليوم في كلمات امير المؤمنين لان هذا الاصطلاح هو اصطلاح حديث، حتى في الفكر الغربي السابق لم تستعمل هذه الكلمة
اذا بحثنا في كتب اكبر فلاسفة عصر النهضة في القرن الثامن عشر مثل كانط الذي جعل الانسان وكرامته مبدأ لفلسفته العملية لم نعثر على كلمة حقوق الانسان فيها ابدا
اول ظهور لمصطلح حقوق الانسان كان في أحداث الثوره الفرنسية الذي خاطب أساسا اصحاب السلطة الذين كانوا يرون ان من صلاحياتهم ملاحقة معارضيهم ومخالفيهم في الرأي والعقيدة>
اهم مبدأ من مبادئ حقوق الانسان هو الكرامة الانسانية والى هذه الحقيقة يشير القران الكريم ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) فالقران فضل الانسان على غيره من الكائنات ومنحه الكرامة واعطاه مكانة عالية في ممارسة حقوقه وحرياته.
ولاجل هذا التكريم وهذه المكانة أمر الله الملائكة بالسجود لأدم: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ﴾ [البقرة: 34
ومنشأ هذه الكرامة التي جعلت الملائكة يسجدون لادم هو النفخ الذي اجراه الله من روحه في الانسان .
قد اكد الامام علي(ع)على مبدأ الكرامة واهتم خلال فترة حكمه بحماية مبدأ الكرامة الانسانية، ونبه ولاته الذين كانوا يديرون شؤون الناس في مختلف المناطق على رعاية وحماية كرامة الانسان، ففي عهده الى مالك الاشتر الذي ولاه على مصر، يقول(ع): وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ ، واللُّطْفَ بِهِمْ، ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً ، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاءِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ.
ولم يقتصر الامام في إهتمامه بالكرامة وحقوق الانسان بالجانب النظري فقط بل لفت النظر إليها بممارسة عملية وعمل على جعل ثقافة الناس قائمة على هذا الاساس، ففي طريق عودته من صفين خرج اليه حرب بن شرحبيل فاقبل يمشي مع الامام والامام رَاكِبٌ فَقَالَ لَهُ اِرْجِعْ فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي ومَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ.
وروي انه (ع) عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ لَقِيَهُ زعماء مدينة الانبار في العراق وتجارها ورجال الاعمال فيها فَتَرَجَّلُوا لَهُ عن خيولهم واسرعوا نحوه يتذللون له فَقَالَ: مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟ فقالوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا .. فقال (عليه السلام): وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكْمْ [فِي دُنْيَاكُمْ،] وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الاْمَانُ مِنَ النَّارِ!
فعلي لم يكن يرضى ان تخدش كرامة الانسان وان كانت من قبل الحاكم او ان يذل الانسان نفسه حتى أمام أمير او صاحب سلطة.
ولم يكن الامام(ع) يرى ضرورة الحفاظ على كرامة الانسان في حياته فقط بل اوصى باحترام كرامته والحفاظ عليها حتى بعد وفاته، حتى لو كان عدوا، ولذلك نهى (ع) عن التمثيل بجثة قاتله ابن ملجم وقال(ع): ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله (ص) يقول إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.
الخلاصة: مبدأ الكرامة الانسانية هو من اهم المبادىء والأسس الفلسفية التي ترتكز عليه حقوق الانسان بل هي المدخل الاساس لحقوق الانسان ومفتاحها.
وقد اكد الامام علي(ع) على جملة من الحقوق للانسان اهمها وعلى راسها ثلاثة حقوق :
اولا:حق الحياة: اي احترام حق الانسان في الحياة، فلا يجوز الاعتداء على حياة الانسان من قبل احد ، لا من قبل السلطة ولا من قبل الناس العاديين.
يقول تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا )
وقد اكد الامام(ع) على هذا الحق فقال: من قتل غير قاتله او ضرب غير ضاربه فعليه لعنة الله.
وفي عهده للاشتر يقول(ع): إيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا.
وحق الحياة هو اول شيء يحاسب عليه الانسان يوم القيامة يقول (ع): وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامةِ).
ثم يشير الامام(ع) الى امر مهم وهو ان على الحاكم ان لا يتوسل لتقوية حكمه باراقة الدماء كما هو الحال في الماضي والحاصر بالنسبة الى بعض الانظمة والحكومات التي تقمع شعبها وتقتل شعبها بدف فرض السلطة والهيمنة، يقول الاما للاشتر(ع): فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ، فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزيِلُهُ وَيَنْقُلُهُ. فتقوية السلطة بالقتل والبطش قد ياتي بنتائج عكسية، فسفك دماء الشعوب والمعارضين للسلطة بدل ان يؤدي الى تقوية النظام قد يؤدي الى اضعافه وزواله لان سفك الدماء فان يجعل الشعوب تنتفض على الانظمة وتنتقم منها.
ونحن نعتقد ان الانسان من حيث هو انسان لديه كرامة انسانية وله حق في الحياة والعيش .
في المجتمعات السابقة كانوا يقسمون الانسان الى مقرب وغير مقرب والوحيد الذي كان له حق الحياة ويستحق الاستمرار في الحياة هو الانسان المقرب آما الأخرون فلم يكونوا يعاملون باحترام، كان الحكام الظالمون يعتبرون غير المقربين مسخرين لهم وللمقربين منهم ولا يرون لهم الحق في الحياة الا بما يتناسب مع رفاهيتهم
بعض اتباع الاديان كاليهود يحملون نفس هذه الفكرة فالانسان بما هو انسان ليس لديه اي حق في الحياة ، بل من له حق في الحياة هم اليهود فهم شعب الله المختار واشرف الناس اما الاخرون فلا حق له في الحياة.
هذا المنطق لا ينسجم مع المنطق الفطري وتعاليم الدين بل هو من اختراعات الحاخامات اليهود ، يقول القران: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)
كما اننا نجد مثل هذا الفهم لدى بعض المسلمين الذين يعتبرون ان الانسان المسلم هو من له حق الحياة، اما غير المسلمين فلا حق لهم بالحياة حتى يسلموا.
لكن نحن نعتقد ان الانسان من حيث هو انسان لديه كرامة انسانية وله حق في الحياة والعيش وحياته موضع احترام، وبالتالي غير المسلمين لهم حق بالحياة ولا يصح اهدار دمهم ما لم يعتدوا ويحاربوا ويشكلوا خطرا على المجتمع او يفسدوا في الارض، اما اذا اعلنوا الحرب وافسدوا في الارض فان قتلهم في هذه الحالة يوصف بانه قتل بالحق، ففي القران: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ).
وقال تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) فالذين لا يواجهونكم بالسلاح ولا يحاربونكم فلا تقاتلوهم.
والخلاصة: ان كل انسان حتى غير المؤمن محترم في الاسلام وله حق في الحياة ولايقاتل ولا يرفع السلاح بوجهه، هو محترم لانسانيته ما لم يحارب ويعتدي، وهذا ما اكده الامام علي بقوله للاشتر: (ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً ، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ).
بل ان القران لم يمانع من التعامل مع المسالمين من غير المسلمين بالبر والاحسان والمعروف والقسط والعدل، فقال تعالى: لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
اما الامر بالجهاد فليس لاجل قتل غير المؤمن او بهدف فرض الاسلام بالقوة بل هو من اجل مواجهة من يمنع وصول الدعوة والرسالة الى بقية الناس، ولذلك نجد ان النبي (ص) لم يقاتل من اجل فرض الاسلام بالقوة، بل كانت كل حروبه دفاعية ومن اجل تأمين حرية الدعوة وتمكينها من ان تصل الى قلوب وعقول الناس بعيدا عن العراقيل والموانع والحواجز التي كن يضعها المشركون في طريقها.
وايضا لم يحدثنا التاريخ ان عليا(ع) عاقب معارضيه بالاعدام الا المفسدين في الارض ضمن شروط خاصة.
ففي كتاب الغارات ان عبد الرحمن بن جندب نقل عن ابيه انه عندما وصل الى علي خبر مقتل الخريت بن ارشد ، قال: هوت أمه! ما كان أنقص عقله وأجرأه!
إنه جاءني مرة فقال: إن في أصحابك رجالا قد خشيت أن يفارقوك، فما ترى فيهم؟
فقلت: إني لا آخذ على التهمة، ولا أعاقب على الظن، ولا أقاتل إلا من خالفني وناصبني، وأظهر العداوة لي، ثم لست مقاتله حتى أدعوه وأعذر إليه، فإن تاب ورجع قبلنا منه، وإن أبى إلا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه، وناجزناه.
فكف عنى ما شاء الله، ثم جاءني مرة أخرى، فقال لي: إني قد خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب وزيد بن حصين الطائي، إني سمعتهما يذكر انك بأشياء لو سمعتهما لم تفارقهما حتى تقتلهما أو توثقهما، فلا يزالان بمحبسك أبدا. فقلت له: إني مستشيرك فيهما، فماذا تأمرني به؟
قال: إني آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما، فعلمت أنه لا ورع له ولا عقل. فقلت له: والله ما أظن لك ورعا ولا عقلا، لقد كان ينبغي لك أن تعلم أنى لا أقتل من لم يقاتلني، ولم يظهر لي عداوته للذي كنت أعلمتكه من رأيي، حيث جئتني في المرة الأولى، ولقد كان ينبغي لك - لو أردت قتلهم - أن تقول لي: اتق الله! بم تستحل قتلهم ولم يقتلوا أحدا، ولم ينابذوك ولم يخرجوا من طاعتك!
هذا هو امير المؤمنين الذي لا يقتل على التهمة والظن ولا يقتل الا من يشهر العداء ويقاتل ويحارب بالفعل المسلمين والمؤمنين.
ثانيا: حق المساواة، اي المساواة بين الناس، وقد اكد القرآن على هذا الحق قال تعالى: (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ويقول تعالى:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ). وقد كان علي اشد الناس تطبيقا لمبدأ المساواة بين الناس، وقد ساوى بين الناس جميعا في العطاء من بيت المال، بعدما كانت سياسة التفاضل هي السياسة المعتمدة من الخلفاء الذين قبله، كما اعتبر المساواة امام القانون،
والمساواة في الحصول على الحكم القضائي هما حق يتساوا الناس فيهما من دون تمييز بينهم، فالجميع يجب ان يخضع للقانون بالتساوى فلا يعفى احد لا زعيم ولا رئيس ولا وجيه من موجبات القانون بل يطبق على الجميع ، والجميع ايضا الغني والفقير والوجيه والوضيع، من حق الجميع ان يحصلوا على حكم قضائي عادل عندما يترافعون امام القضاء، لا ان القضاء يحكم للنافذين ويهضم حق الناس العاديين.
ثالثا:حق الحرية،والحرية تعني بلحاظها الحقوقي بان للإنسان نوع من الاستقلال الذاتي في مراحل مختلفة من الحياة، فله حرية العقيدة، وقد ورد بشان حرية العقيدة قوله تعالى: (لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ).
وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).
وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
فللانسان حرية المعتقد، وله حرية التعبير بان يعترض ويعبر عن رايه بحرية حتى في قبال الحكام والسلطة، وعلى الحاكم ان يتمتع بسعة الصدر وان يتجاوز الهفوات من الاخرين ويعفو ويصفح عنهم اذا اخطأوا،
يقول علي(ع): آلة الرئاسة سعة الصدر.
وقال أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة
ويوصي الامام مالك الاشتر ان يستمع لكلام الاخرين يقول: وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقْعِدَ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: «لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِع».
بل يوصيه باكثر من ذلك فيقول: ثم ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لأِوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ.
وبذلك يتضح كيف ان الامام عمل على تهيئة المناخ المناسب في حكومته لإعمال الحرية وحسن استخدام الناس لها وسعى الى معرفة افاتها ورفع موانعها
وحث الامام(ع) الناس على التفكير بحرية وانتقاد السلطة من دون خوف او فزع، وحاول بناء مجتمع يمتلك ثقافة النقد للحكام وعدم التبعية العمياء لهم، والمشاركة في الحكم والإدلاء بالمشورة والنصح والاراء والافكار التي يرونها، انطلاقا من حقهم في التفكير الحر.
ورفض الامام(ع) الرهبة والخوف امام الحاكم كما رفض التصنع والتزلف امامه او التذلل والخضوع له، كما يخضع الناس للجبابرة والطغاة والمستكبرين.
يقول في بعض خطبه: (فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ).
وفي كل تاريخ الامام وخاصة خلال توليه الحكم لم يسجل التاريخ انه نهر احدا او عاقب احدا اعترض عليه او منع معارضيه من الكلام والسؤال والاعتراض حتى عندما كانوا يقاطعونه اثناء القاء خطبه بشكل غير لائق بل كان يحترم حقهم في حرية التعبير عن ارائهم فالامام بوصفه حاكما كان يمنح الحرية للناس ولكنه في الوقت نفسه كان يبين لهم الحقائق ويرفع لهم التباساتهم ويكشف لهم مواطن الخطأ في ارائهم ويظهر هذا بوضوح من خلال تعامله مع الخوارج.
فقد قال له احدهم انك على هذا الامر اي الخلافة والسلطة يا ابن ابي طالب لحريص فاجابه الامام بدليل واضح على بطلان كلامه من دون ان يعاقبه على هذا.
وايضا الاعلان العالمي لحقوق الانسان تبنى اصالة حرية الانسان وعدم عبوديته لاحد او استعباده من احد
والامام شدد على هذا الاصل قال(ع): ايها الناس إن ادم لم يلد عبدا ولا امة وان الناس كلهم احرار
وعنه: الناس كلهم احرار الا من اقر على نفسه بالعبودية
لذلك حث الاسلام على العتق باعتبار ان نظام الرق كان سائدا قبل الاسلام
مثلا العتق كان احد اهم مصاديق الكفارات
الامام بذل جهدا كبيرا في اجراء هذا الحكم ففي رواية انه اعتق الف عبد واعتق من الاقليات الدينية ايضا فقد روي انه اشترى عبدا نصرانيا واعتقه.
اليوم اميركا التي تنادي بحقوق الانسان وتدعي زورا الدفاع عن حقوق الانسان اكثر دولة في العالم تنتهك حقوق الانسان فهيتقوم عمليات قتل المدنيين بصورة غير مشروعة في العديد من البلدان
انظروا ماذا فعلت بالانسان في هوريشيما ونكزاكي في اليابان وما فعلت بالانسان في فيتنام
وماذا ارتكبت من قتل للمدنيين في افغانستان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين غيرها.
الولايات المتحدة هي التي مارست الاحتجاز التعسفي في غونتانامو وفي سجن ابو غريب وفي الكثير من السجون السرية التابعة للمخابرات الامريكية والتي لا يعرف احد ماذا يجري فيها.
ظل الجيش الأمريكي يحتجز أربعين رجلاً بصورة تعسفية إلى أجل غير مسمى في معتقل القاعدة البحرية الأمريكية بخليج غوانتانامو في كوبا، مما يعد انتهاكاً للقانون الدولي ولم يحصل أي من هؤلاء الرجال الأربعين على علاج طبي كاف، ولم يحصل من نجا منهم من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على أيدي عملاء الولايات المتحدة على خدمات التأهيل الكافية.
حتى في داخل الولايات المتحدة الامريكية هناك انتهاكات صارخة لحقوق الانسان الامريكي ومن ابرز مظاهرها:
1-التمييز العنصري ، وانعدام المساواة بين ابناء المجتمع الامريكي، التمييز بين السكان الاصليين وبين والوافدين الذين احتلوا اميركا وشردوا سكانها الاصليين، وبين البيض وبين السود، لاسيما مؤخرا في مسالة كورونا فقد مارست الادارة سياسة تمييزي مجحف وغير متناسب على أشخاص كثيرين بسبب لونهم وعرقهم واوضاعهم فالكثير من العاملين السود او الفقراء مثلا لم يحصلوا على الرعاية الصحية والامن الاقتصادي والوظيفي بينما البيض حصلوا على ذلك.
2-الاستخدام المفرط للقوة حيث قتل ما لا يقل عن ألف شخص، سنة ٢٠٢٠حسبما ورد، إثر استخدام الشرطة للأسلحة النارية. والسود كانوا اكثر المتأثرين باستخدام الشرطة للقوة المميتة.
وكلنا شاهد صور جورج فلويد الرجل الاسود الذي قال "لا أستطيع التنفس وقتل على ايدي الشرطة واثار موجة من الاحتجاجات في اميركا.
3-قمع الحريات والتظاهرات والتجمعات الاحتجاجية حيث ارتكبت أجهزة السلطةعبر أنحاء الولايات المتحدة انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان على نطاق واسع ضد المتظاهرين المحتجين على قتل السود والمطالبين بإصلاح جهاز الشرطة. وقد وثقت منظمة العفو الدولية 125 حادثة منفصلة من حوادث العنف غير المشروع من جانب الشرطة ضد المحتجين في 40 ولاية إلى جانب العاصمة واشنطن.والقمع الذي شاهدنا ضد المحتجين على مقتل فلويد في شوارع اميركا يذكرنا بمشاهد القمع الذي تمارسه الدول البوليسية والدككتاتورية ضد شعوبها في العالم الثالث.حيث تضمنت مظاهر العنف الضرب بالعصي وغيرها من الأدوات وإساءة استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل وإطلاق مقذوفات “أقل فتكا” على نحو عشوائي وغير ملائم من قبل الشرطة الامريكية.
4-انتهاك حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين واحتجازهم وطردهم ، حيث ان السلطات احتجزت و”طردت” بصورة غير مشروعة أكثر من 330000 مهاجر وطالب لجوء فيما بين مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني– ومن بينهم أكثر من 13000 من الأطفال غير المصحوبين بذويهم، دون اعتبار للحماية التي يحتاجون إليها أو لخطر التعرض للاضطهاد أو الموت أو التعذيب أو غير ذلك من ضروب المعاملة السيئة التي يواجهونها عند إرجاعهم إلى بلدانهم الأصلية.وهناك مئات الحالات الموثقة، التي أصيبت بفيروس كوفيد-19 في مقار الحجز الأمريكية بسبب إهمال السلطات؛ مما زاد من تفشي الوباء على المستوى الإقليمي في شتى أنحاء الأمريكيتين.
5- انتهاك حقوق النساء حيث ظلت النساء المنتميات إلى السكان الأصليين يشهدن ارتفاع معدلات الاغتصاب والعنف الجنسي بصورة غير متناسبة في ظل عدم توافر الفرصة للحصول على الرعاية الأساسية المطلوبة في مرحلة ما بعد الاغتصاب.
5-التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الاحتجاز السري
فبعد مرور عشر سنوات على احتجاز العشرات من المعتقلين في إطار برنامج الاحتجاز السري الذي كان يديره جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية – والذي كان مسموحاً به فيما بين عامي 2001 و2009 – والذي ارتكبت خلاله انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة؛ لم يقدم للعدالة أي شخص مشتبه في مسؤوليته جنائيا عن هذه الجرائم. وتم إغلاق التحقيقات المحدودة التي كانت قد أجريت في هذه الجرائم دون توجيه أي تهمة لأحد على الإطلاق.
6-الاعدامات ، فقد قامت الحكومة الفيدرالية بتنفيذ عمليات إعدام في 2020 بما يفوق ثلاثة أضعاف إجمالي ما تم تنفيذه خلال اربعين سنة فيما بين 1977 و2019.
واميركا تتهرب من الاستجابة في ملف حقوق الانسان بالرغم من مطالبة منظمة العفو الدولية والامم المتحدة لها بالكشف عن سجل حقوق الانسان داخل اميركا.
فعلى الرغم من دعوة خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وغيرهم إلى ضرورة توضيح المعايير والضوابط القانونية والسياسية التي تطبقها الولايات المتحدة عند استخدام القوة المميتة خارج الولايات المتحدة، ظلت الحكومة على حالها من الإحجام عن الشفافية والمصارحة.
ومنذ يناير/كانون الثاني 2018، لم تكن الولايات المتحدة قد استجابت للمراسلات الموجهة إليها من أجهزة الإجراءات الخاصة أو قبلت أياً من طلباتها الداعية لتنظيم زيارات رسمية إليها.
وهي متهمة بانتهاك القانون الدولي الإنساني وبارتكاب جرائم ضد الإنسانية في اأفغانستان وفي غيرها.
وهنا في لبنان اميركا شريكة في كل الويلات والمآسي التي تعرض لها لبنان منذ تاسيسه الى الان، وهي شريكة في كل الحروب الاسرائيلية على لبنان وفي سفك دماء الشهداء اللبنانيين، وهي اليوم احد اهم اسباب الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان، لان السياسة الأميركية تجاه لبنان كانت دائماً ولا تزال حماية الفاسدين وتقديم مصلحة إسرائيل على مصلحة لبنان وحقوق اللبنانيين.