الصفحة الرئيسية
دحو الأرض وإعمارها
- 11 أيلول/سبتمبر 2015
- الزيارات: 931
الله سبحانه وتعالى خلق هذه الأرض ودحاها وبسطها من أجلكم, وأودع فيها كل هذه الثروات والخيرات والإمكانات والطاقات والموارد والنعم من أجل تسخيرها واستغلالها واستثمارها في إعمار الأرض, فالمهمة الاساسية للإنسان في هذه الحياة هي مهمة إعمار الأرض واستثمار الخيرات التي أودعها الله فيها وفي الكون.
خلاصة الخطبة
أسف سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: لعدم إستفادة المجتمعات والبلدان الإسلامية من الموارد الهائلة والطاقات والإمكانات الكبيرة الموجودة في بيئتها بالشكل المناسب، بينما نجد الامم الأخرى تستغل كل الثروات الموجودة لديها,ولا تكتفي بذلك بل تنهب ثروات العالم الإسلامي وتأخذ منه المواد الخام ثم تصنعها وتبيعها له بأضعاف مضاعفة.
واعتبر: أن المعيار في نجاح وصلاح الحكومات والدول هو بمقدار ما تحققه من إنجازات على صعيد التنمية وإعمار البلدان .. فإذا استطاعت أن تحقق تقدماً علمياً واقتصادياً وتنموياً وتكنولوجياً واستفادت من مواردها وثرواتها لمصلحة شعبها ورقيه وتقدمه فهي ناجحة وصالحة, أما إذا ضيعت أو أهدرت طاقاتها وثرواتها فهي فاسدة ويحكمها فاسدون؟!
وقال: في لبنان كل الدراسات تشير إلى وجود ثروة نفطية في بحرنا يمكن الاستفادة منها في تنمية البلد على كل صعيد، لكن مع الأسف بعض الطبقة السياسية الفاسدة لا تزال تحول دون الاستفادة من هذه الثروة لاعتبارات مصلحية وطائفية وسياسية.
ورأى: أن ملف النفط كملف النفايات والكهرباء والماء, يكشف عن حجم الفساد الذي ينخر بالدولة ومؤسساتها, مشيراً: الى ان الفساد بات يضرب كل مفاصل الدولة وكل دائرة من دوائرها وأنه وصل الى حد غير مسبوق.
ولفت: الى أن علة الفساد والعجز الذي أصاب الدولة في لبنان هي الطائفية السياسية, وسياسة الإستئثار والتفرد التي اتبعها فريق 14 آذار على امتداد السنوات السابقة.
وأكد: أن الحوار الجاد والبناء بين كل القوى السياسية الوازنة في البلد يمكن أن يشكل مدخلاً للحل ولمعالجة بعض الأزمات الداخلية، لكن بشرط أن يقلع البعض عن عقلية الاستئثار والتفرد والعزل والكسر، لأن هذه العقلية لا تبني بلداً ولا تساهم في معالجة الأزمات التي يعاني منها البلد, آملاً: من الحوار أن يقنع الأطراف المتعنتة بالعودة إلى تفعيل عمل المجلس النيابي وعمل الحكومة, وأن يقرب المسافات في مسألة رئاسة الجمهورية, وأن يساهم في الوصول إلى خطوات عملية لمعالجة الأزمات الحياتية التي يعاني منها الناس.
نص الخطبة
يقول الله تعالى وهو يحدثنا عن كيفية خلق السماوات والأرض: [ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها, رفع سمكها فسواها, وأغطش ليلها وأخرج ضحاها, والارض بعد ذلك دحاها, أخرج منها ماءها ومرعاها, والجبال أرساها, متاعاً لكم ولأنعامكم]. النازعات/ 27 ـ 33
في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة كان دحو الأرض، ومعنى دحو الأرض: بسطها ومدها وتهيئتها لتصبح صالحة للسكن وللعيش والحياة والعمل والإنتاج.. فالله سبحانه وتعالى خلق الأرض وبسطها ومدها وهيئها وأودع فيها ما يحتاجه الإنسان من موارد لتكون صالحة لحياته وحياة بقية المخلوقات فيها.
ويظهر من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) أن أول بقعة خلقها الله في هذه الأرض هي مكان الكعبة المشرفة، فقد حدد الله بداية تلك البقعة ووضعها في وسط الأرض, ثم بسط الأرض من جوانب تلك البقعة ونواحيها, فدحاها ووسعها ومدها من تحت الكعبة المشرفة, فالكعبة المشرفة هي المركز الذي انبسطت الأرض من بين جوانبها ونواحيها, فهي مركز الأرض ووسط الأرض ومحورها, وهذا هو معنى دحوها من تحت الكعبة.
فقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: لما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن وجه الماء حتى صار موجاً، ثم أزبد فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلاً عن زبد، ثم دحا الأرض من تحته، وهو قول الله تعالى: [إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً].
وفي رواية أخرى ذكر الإمام الباقر(ع) البيت العتيق (أي الكعبة المشرفة) فقال: إن الله خلقه قبل الأرض، ثم خلق الأرض من بعده, فدحاها من تحته.
وجاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: إن الله تعالى دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى، ثم دحاها من منى إلى عرفات، ثم دحاها من عرفات إلى منى، فالأرض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة.
ويقول الإمام الرضا (ع) في سبب وضع البيت العتيق في وسط الأرض: وعلة وضع البيت وسط الأرض انه الموضع الذي من تحته دحيت الأرض.. وهي أول بقعة وضعت في الأرض لأنها الوسط، ليكون الغرض لأهل الشرق والغرب في ذلك سواء.
والله سبحانه الذي خلق الأرض ثم بسطها ومدها لتكون صالحة للسكن والحياة أودع فيها وفي الكون الكثير من الثروات والخيرات والإمكانات والموارد الطبيعية وغير الطبيعية، ووضعها تحت تصرف الإنسان وسخرها في خدمته وفي نفعه ومصلحته.
وقد تحدثت عشرات الآيات القرآنية عن تسخير الله لكل ما في السموات والأرض والكون للإنسان، وعن أن الله خلق هذا الوجود بكل ما فيه من خيرات من أجل الإنسان.
ولذلك جاء التعبير في الآيات تارة بلفظ (سخر لكم) وتارة أخرى بلفظ (خلق لكم).
قال تعالى: [ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة]. لقمان/ 20.
ويقول سبحانه في آية أخرى: [وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره, وسخر لكم الأنهار, وسخر لكم الشمس والقمر دائبين, وسخر لكم الليل والنهار]. ابراهيم/ 33.
ويقول في آية ثالثة: [وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً]. البقرة/ 296.
خلق الله لكم ما في الأرض جميعاً من أجل أن تستفيدوا منه وتستثمروه وتسخروه لمصلحتكم.
والله سبحانه وتعالى خلق هذه الأرض ودحاها وبسطها من أجلكم, وأودع فيها كل هذه الثروات والخيرات والإمكانات والطاقات والموارد والنعم من أجل تسخيرها واستغلالها واستثمارها في إعمار الأرض, فالمهمة الاساسية للإنسان في هذه الحياة هي مهمة إعمار الأرض واستثمار الخيرات التي أودعها الله فيها وفي الكون.
يقول تعالى: [هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب]. هود/61.
ومعنى (فاستعمركم فيها) أي طلب منكم عمارة الأرض, أي أن تعمروها وتبنوها... وإعمار الأرض يكون بنحوين: بنحو معنوي وبنحو مادي, فالإعمار المعنوي والروحي للأرض هو أن يعمرها الإنسان بالإيمان والمبادىء والقيم الإلهية والأخلاق وصنع المعروف والإحسان للآخرين والعمل على وحدتهم واستقامتهم وتحقيق مصالحهم, والإعمار المادي بأن يعمرها بالزراعة والتجارة والصناعة والتنمية والإبداع والإنتاج والقيام بكل ما ينفع الناس ورقيهم وتقدمهم على كل صعيد.
فالله سبحانه لم يعمر الأرض للإنسان, وإنما فوضه هو أن يعمرها وأن يستغل ما فيها من ثروات وإمكانات من أجل إعمارها.
وهذا تماماً كما لو أن شخصاً أراد أن يبني بناءاً فإنه يأتي بمواد البناء ويطلب من البناء أن يبني له فهو يقول له: هذه الأرض وهذه مواد البناء وهذه أدوات ووسائل التعمير وهذا كل ما تحتاجه من خرائط ومعدات وما عليك إلا أن تقوم ببناء العمارة أو البناية أو المشروع ..
وهذا تماماً هو ما فعله الله الخالق العظيم في الأرض، فهو سبحانه وتعالى خلق الإنسان, وخلق له هذا الكون والأرض, وبسطها وهيئها وجعلها صالحة للحياة, ثم قال للإنسان أيها الإنسان, اعمر هذه الأرض بما أودعت لك فيها من ثروات وخيرات..
وعندما طلب الله سبحانه من الإنسان إعمار الأرض لم يتركه بلا مقومات بل وفر له أمرين:
الأول: الإمكانات والوسائل التي يستطيع من خلالها القيام بمهمة إعمار الأرض.
والثاني: العقل الذي يستطيع من خلاله الاستفادة من هذه الإمكانات والوسائل.
واليوم المجتمعات الإسلامية والبلدان الإسلامية مهمتها الأساسية هي القيام بإعمار الأرض في إطار المبادئ والقيم والأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى.
من المؤسف ان المجتمعات الإسلامية والبلدان الإسلامية لا تستفيد بالشكل المناسب من الموارد الهائلة والطاقات الكبيرة والإمكانات الغزيرة الموجودة في بيئتها، بينما نجد الامم الأخرى تستغل كل الثروات الموجودة لديها, ولا تكتفي بذلك بل تنهب ثروات العالم الإسلامي وتأخذ منه المواد الخام ثم تصنعها وتبيعها لنا بأضعاف مضاعفة.
اليوم التنمية هي مقياس ومعيار أداء ونجاح الحكومات والدول والأنظمة في العالم, ولذلك ورد عن علي (ع): فضيلة السلطان عمارة البلدان.
المقياس والمعيار في نجاح وصلاح السلطات والحكومات هو بمقدار ما تحققه من إنجازات على صعيد التنمية وإعمار البلدان.. فإذا استطاعت أن تحقق تقدماً علمياً واقتصادياً وتنموياً وتكنولوجياً واستفادت من مواردها وثرواتها فهي ناجحة وصالحة أما إذا ضيعت أو أهدرت طاقاتها وثرواتها فهي فاسدة ويحكمها فاسدون؟! إذا استطاعت أن تستثمر وتستغل الموارد الطبيعية وغير الطبيعية الموجودة فيها لمصلحة شعبها ورقيه وتقدمه فهي صالحة وفاضلة ويمكن الرهان عليها في تحقيق الإنجازات وإلا فلا.
ولذلك على المجتمعات أن تتفاعل مع برامج التنمية ومشاريع الإعمار, وعلى المواطنين, كل من موقعه, أن يساهموا بالإنتاج والإنجاز من أجل بناء وطن حقيقي يعيش الناس فيه بكرامة.
على كل حاكم بل كل إنسان في أي أرض وفي أي وطن وفي أي مجتمع كان, أن يفكر في استغلال الثروات الموجودة في وطنه سواء كانت ثروات معدنية أو نفطية أو زراعية أو غير ذلك.
في لبنان كل الدراسات تشير إلى وجود ثروة نفطية في بحرنا يمكن الاستفادة منها في تنمية البلد على كل صعيد، لكن مع الأسف بعض الطبقة السياسية الفاسدة لا تزال تحول دون الاستفادة من هذه الثروة لاعتبارات مصلحية وطائفية وسياسية.
وملف النفط كبقية الملفات مثله مثل النفايات والكهرباء والماء, يكشف عن حجم الفساد الذي ينخر بالدولة ومؤسساتها.
الفساد يضرب كل مفاصل الدولة وكل دائرة من دوائر الدولة, وقد وصل مستوى الفساد والترهل والعجز في واقع الدولة حداً غير مسبوق, والعلة الأساسية هي الطائفية السياسية, والنظام السياسي الطائفي الذي عزز الفساد وحماه وأنتج المحاصصة على حساب الكفأة والأهلية, والسياسات التي اتبعها فريق 14 آذار على امتداد السنوات السابقة, سياسة الإستئثار والتفرد هي التي أوصلت أيضاً الفساد والعجز في الدولة إلى هذا المستوى.
اليوم الحوار الجاد والبناء بين كل القوى السياسية الوازنة في البلد يمكن أن يشكل مدخلاً للحل ولمعالجة بعض الأزمات الداخلية، لكن بشرط أن يقلع البعض عن عقلية الاستئثار والتفرد والعزل والكسر، لأن هذه العقلية لا تبني بلداً ولا تساهم في معالجة الأزمات التي يعاني منها البلد, لذلك نحن نأمل من الحوار أن يقنع بعض الأطراف المتعنتة بالعودة إلى تفعيل عمل المجلس النيابي وعمل الحكومة, وأن يقرب المسافات في مسألة رئاسة الجمهورية, وأن يساهم في الوصول إلى خطوات عملية لمعالجة الأزمات الحياتية التي يعاني منها الناس.
والحمد لله رب العالمين