ما هو أول عمل يقوم به النبي (ص) في المدينة المنورة بعد الهجرة؟!(35)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 28 أيلول/سبتمبر 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3541
عمل الرسول (ص) في بناء مجتمع المدينة المنورة (35)
باشر رسول الله (ص) عند وصوله إلى المدينة المنورة، بعدما سبقه إليها العدد الأكبر من المسلمين، بعدد من الأعمال الأساسية لبناء المجتمع السياسي الإسلامي.وكان من أيرز هذه الأعمال : الأول بناء مسجد في المدينة، والثاني المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والثالث تحديد نوع العلاقة بين المسلمين وبين غيرهم، والرابع عقد معاهدة تعاون وعدم اعتداء مع يهود المدينة، والخامس تكوين الجيش والقوة المسلحة القادر على حماية الدولة والدفاع عن كيان الإسلام والمسلمين، والسادس بناء الجهاز الإداري.
العمل الأول : بناء المسجد
أول مؤسسة اهتم النبي (ص) بإنشائها هي مؤسسة المسجد. فمنذ اليوم الذي وصل فيه إلى المدينة باشر ببناء المسجد، حيث شارك ببنائه بيده الشريفة، إلى جانب المسلمين حتى أتموا بنائه. ولم يكن المسجد في عهد الرسول (ص) مجرد مكان للعبادة والتعبد وحسب، وإنما كان مركزاً للعبادة والتعليم والتوجيه الثقافي والتفقه بالدين. وكان مركزاً أيضاً للحكم والإدارة. وبقي المسجد كذلك زمناً طويلاً بعد وفاته.
فلم يكن لحكومة النبي (ص) مقر خاص أو قصر معين، وإنما كان المقر الوحيد والعام في الدولة هو المسجد. ولا تذكر مصادر السيرة النبوية أن الرسول (ص) خرج بمهات إدراية وقيادية عندما كان في المدينة في منزله أو في مكان أخر غير المسجد. وإنما كان يمارس دوره قائداً ورجل سلطة، ويؤدي جميع مهماته المتعلقة بالدعوة والدولة والناس، في المسجد. ففيه كان يستقبل الوفود ويبتّ في أمور الحرب والسلم، ويقضي بين الناس، وفيه أيضا كان يكلف المبعوثين من قبله في مهمات دبلوماسية وسياسية وعسكرية وغيرها.
وكان أول مسجد بني في الإسلام هو مسجد "قباء"، في قرية قباء القريبة من المدينة المنورة. فقد كانت هذه القرية هي المحطة الأخيرة التي نزل فيها رسول الله (ص) خلال رحلة الهجرة قبل دخوله إلى المدينة، وبقي فيها أربعة أيام ينتظر قدوم الإمام علي (ع)، حيث كان لا يزال في مكة يؤدي الأمانات إلى أهلها نياية عن الرسول (ص) بتكليف منه.
وفي أثناء إقامة الرسول في قرية "قباء" أسس مسجد هذه القرية على أساس التقوى كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى :"لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه".
مجتمع المدينة : الأنصار والمهاجرون
وقد يتساءل الإنسان عن سر أن يكون أول عمل يقوم به الرسول (ص) هو بناء المسجد في دولة الإسلام، مع أن هناك أعمالاً قد تكون لها الأولوية على المسجد؟!.. في الواقع أن أولوية بناء المسجد كانت ناشئة من الحاجة إلى إيجاد مركز يتم فيه إعداد المسلمين وتربيتهم فكريا ونفسيا وأخلاقيا وسياسيا حتى يستطيعوا تكوين مجتمع متماسك قوي ذي هدف واحد ومصير واحد. وليصبح هذا المجتمع قادرا على تحمل مسوؤلية الدعوة الإسلامية والدفاع عنها والقادر على مواجهات كل التحديات.
ولقد كان المسلمون في المدينة فئتين، مهاجرين وهو من ترك وطنهم الأصلي مكة، وأنصارا، وهم المسلمون من أهل المدينة الذين بايعوا الرسول (ص) على النصرة والجهاد. ولقد كان لكل من هاتين الفئتين ظروفها الخاصة المعنوية والنفسية والمعيشية، التي تختلف عن ظروف وأوضاع الفئة الأخرى. ولو أخذنا المهاجرين على حدى فإنهم كانوا من جماعات قبلية متنوعة ومن مستويات مختلفة فكريا واجتماعيا وماديا. كما كانوا يختلفون في تطلعاتهم ومشاعرهم وعلاقاتهم، وجمعياً تركوا أوطانهم وأصبحوا بلا مال وبلا مسكن.
أما الأنصار، لو نظرنا إليهم على حدى، فإنهم كانوا فئتين متنافستين، أوس وخزرج. وقد كانت الحروب ببنهما قائمة على قدم وساق إلى عهد قريب من دعوة النبي. وعندما هاجر النبي (ص) إلى المدينة أراد صهر الجميع، المهاجرون والأنصار، رغم كل هذه الاختلافات والتفاوت والتباين بينهم، في إطار واحد هو الإسلام، ليصبحوا مجتمعاً واحدا، وجسدا واحدا، في توادهم وفي تراحمهم وفي تعاونهم. وأن تتوحد جهودهم وأهدافهم وحركتهم ومواقفهم في الحياة. فكان المسجد الذي به ومن خلاله تحقيق كل هذه العوامل الضرورية لبناء المجتمع الإسلامي.
المسجد يوحّد بين المسلمين :
كان المسجد ولا يزال حتى الأن في عصرنا الراهن، بعد مرور مئات السنين، أفضل وسيلة لوحدة الثقافة والفكر والعقيدة والدين، حينما يفترض أن تكون الثقافة من مصدر واحد وتخدم هدفاً واحداً في جميع مراحل الحياة مع الشعور بالقدسية والإرتباط الروحي بالله عزّوجل.
والمسجد من ناحية أخرى، هو وسيلة لشيوع الصداقات بين المسلمين، وبث روح المحبة والمودة بينهم. فحين يلتقون مع بعضهم البعض عدة مرات يومياً في المسجد في جو روحي وحميم يشعرون من خلاله بالمساواة، وحينما تتساقط كل مظاهر الجاه والسلطة والمال وغيرها، ويقف الجميع بين يدي الله عزّوجل بخضوع وخشوع، الغني والفقير، الزعيم والإنسان العادي، العالم والجاهل، حين يقف الجميع كذلك في المسجد، فإنه لا بد من ترسخ أوصال المحبة والتأخي والتآلف بينهم. ويشعر كل منهم بأنه في مجتمع يبادله المودة والمحبة والتعاطف، وأن له إخواناً يهتمون به ويعيشون همومه وقضاياه ومشاكله. ويمكنه الاستناد إليهم في وقت الشدائد.
إن اهتمام الإسلام بالمسجد وإعطائه هذه الأولوية إلى درجة أن يكون أول عمل يقوم به النبي (ص) في قرية قباء، ثم في المدينة المنورة، يدل بوضوح على أن الإسلام يريد منا أن نتعامل مع المسجد بصفته مؤسسة دينية ثقافية وفكرية وجهادية تماماً، كما تعامل معه رسول الله (ص)، وأنه يجب أن يبقى المسجد مؤسسة يتخرّج منها المؤمنون الواعون والمجاهدون.
الشيخ علي دعموش