كلمة القيت في النادي الحسيني في انصارية بمناسبة اسبوع الحاج إبراهيم زين فقيه
- المجموعة: محاضرات
- 09 حزيران/يونيو 1985
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3811
يقول الله تعالى في كتابه الكريم بسم الله الرحمان الرحيم " والعصر، إن الإنسان لفي خسر إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" هذه السورة الصغيرة في كلماتها ، ولكنها كبيرة جدا في مدلولها وفي معناها لأنها تتضمن العناصر التي يتوقف عليها نجاح الإنسان الفرد ونجاح الإنسان المجتمع، إنها توضح هنا الأساس في نجاح الإنسان في حياته الفردية، وفي نجاح الإنسان في حياته الاجتماعية، ضمن عناصر أربعة: عنصران يشترك فيهما الإنسان بصفته فردا والإنسان بصفته جزءا من مجتمع وعنصران يعيشان في إطار المجتمع.
الله سبحانه وتعالى، يقسم بالعصر باعتبار كونه مظهرا من مظاهر قدرة الله، لأنه يمثل إدبار النهار وإقبال الليل، الوقت التي تستعد فيه الشمس لتغرب، والليل ليقبل، الله سبحانه وتعالى يقسم بالعصرهذا بأن الإنسان لفي خسر،الإنسان كل الإنسان يبقى خاسراً يخسر نفسه ويخسر حياته ويخسر آخرته، إذ لم يأخذ بأسباب النجاح، وإذا لم يأخذ بأسباب الفلاح.
لأن الإنسان الذي لم يأخذ أسباب النجاح وبأسباب الفلاح التي تحدث الله تعالى عن عناصرها مع هذه السورة الصغيرة ويستسلم لأطماعها، ويستسلم للأرض وللمادة. والإنسان الذي يستسلم لشهواته ويستسلم لأطماعه ويستسلم للمادة ويخلد في الأرض، ولم يرتفع بروحه إلى السماء، وهذا إنسان يبقى يعيش الخسران في نفسه لأنه يظل مربوطاً بالأرض، ولا يرتفع بروحه إلى السماء قيد شعرة ويظل مربوطا ومحكوما لشهوات الأرض، ويظل محكوما لماديات الأرض ، ويظل محكوما لطموحات الأرض ولا يرتفع بطموحاته إلى السماء ولا يرتفع بطموحاته إلى الله سبحانه. وكل من يظل محكوما لشهواته ولغرائزه، ويظل محكوما للذاته يظل خاسرا، خاسرا نفسه وحياته وآخرته. قد يتمتع جسده ولكنه يجعل نفسه خالية من أي معنى في الحياة وروحه خالية من أي هدف، تتصل به في الحياة، فتتحول الحياة الى عنصر يعيش معه الأنانية الفردية بأقصى صورها ولهذا لا بد للإنسان من شيء يرتفع به إلى القمة، يرتفع بروحه ويرتفع بفكره ويرتفع بعلمه ويرتفع بمطامعه ويرتفع بجمي مجالات حياته ما هوهذا الشيء إنه العناصر الأربعة: الإيمان بالله، العمل الصالح، التواصي بالحق، التواصي بالصبر.
العنصر الأول: الايمان بالله، أن يؤمن الإنسان بالله ويؤمن باليوم الآخر، والإيمان له صفتان، صفة حقيقية وصفة رسمية، أما الإيمان الرسمي: فهو ما يتعارف عليه الناس عندما يصفون إنساناً بأنه مؤمن على أساس ما يطلق من كلمات وعلى أساس ما يقوم به من أفعال وأعمال: فلان مؤمن لأنه يصلي وفلان مؤمن لأنه يصوم وفلان مؤمن لأنه يحج ولأنه يخمس ومؤمن لأنه يتشهد الشهادتين وما إلى ذلك.
وللإيمان صفة حقيقية كما قلنا، صفة تعيش في قلب الإنسان فتضيء قلبه وتعيش في حياة الإنسان فتضيء حياته وتعيش في فكر الإنسان فتضيء فكره، بحيث يشعر الإنسان بالنور يحيط به من كل جانب.
الإيمان الحقيقي ماذا يعني؟
يعني أنك تتعبد لإله واحد وأنك لا تشعر إلا بهذا الإله الواحد الذي تلتقي عنده كل أفكارك، عندما تتوزع أفكارك هنا وهناك وكل عواطفك وكل مشاعرك عندما تتوجه هنا وهناك وتلتقي عنده كل اهدافك عندما تختلف اهداف الناس. أنت تشعر بحياتك أن حياتك تبدأ من هنا، وإن الله وحده هو الذي يدير حياتك ويحيط بكل حياتك ويتصرف بكل حياتك،وهو غاية حياتك وهو الهدف من حياتك.
التعبد لله الواحد ماذا يعطي الإنسان؟
1- يعطي الإنسان الشعور بالحرية الداخلية تجاه كل القوى الأخرى، تشعر أنك جزء من العالم كله، وأنك لست خاضعاً، لست عبدا لست منقاضا لست مسحوقا أمام أية قوة من قوى العالم سواء كانت قوى بشرية أو كانت قوى طبيعية. تشعر أنك لست خاضعاً إلا لقوة واحدة، وكل القوى مهما كبرت ومهما عظمت إنما هي قوى زميلة وقوى رفيقة أنت رفيقها لأنك مثلها في عبوديتك لله الواحد تعالى.
2- التعبد لله الواحد يجعل قلبك متعلقا بقوة واحدة وبروح واحدة وعندما تتعبد لله الواحد فالتعبد لله الواحد يغير ذهنيتك، كيف؟ يجعلك ربانيا، يجعلك تتحرك في حياتك من خلال إيمانك، فالإنسان إذا لم يكن مؤمنا ويندفع للعمل، يندفع للعمل لا لأجل أن يرضي الله تعالى عنه وانما ليرضى عنه زيد أو فلان، يعمل لأجل أن يحصل على شهوة، لأجل أن يحصل على طمع وعلى أنانية. هذا الذي لا يؤمن بالله تظل اهدافه وغاياته منطلقة مع اطماعه ومع شهواته ومع ماديته.
وانظروا في حياتكم هذه إلى الذين لا يعيشون الإيمان كما يجب أن يكون الإيمان، لماذا يعملون ولماذا ينطلقون؟ إنهم يعملون من أجل قضاياهم الخاصة التي ترجع إليهم شخصيا، يستعبدون انفسهم للآخرين من أجل أن يحصلوا على بعض الأموال وعلى بعض الأرباح.
ولكنك عندما تؤمن بالله تتحول إلى إنسان يشعر بأن عليه أن يرضي الله وبأن عليه أن يتقرب إلى الله وأن يضحي في سبيل الله، وأن عليه أن يخدم الآخرين قبل أن يخدموه وأن عليه أن لا يعمل من أجل أن يمدحه الناس بل من أجل أن يرضى عنه الله سبحانه وتعالى.
وهكذا يشعر بأن عليه أن يتحمل الخسارة في سبيل أن يربح عند الله ويتحمل الألم في سبيل أن يرتاح عند الله وهكذا تحكم حياة الإنسان المؤمن تحكمه الأهداف الربانية فيتحول إلى إنسان رباني يعيش أهدافه من أجل الله، لأن عبادته لله الواحد والعبادة تلتقي بكل الأهداف الخيرة.
3- وهناك نقطة ثالثة يثيرها الايمان في نفس الإنسان هو أنه يحملك الشعور بالمسؤولية الداخلية تجاه كل عمل تقوم به بحيث أنه يجعل من نفسك متهما وقاضيا في آن واحد بحيث أنه يخلق لك الضمير الذي يحاكمك ويحاسبك ويخلق لك النفس اللوامة (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة).
الإيمان بالله يجعلك تلوم نفسك قبل أن يلومك الآخرون ويجعلك تشعر بمسؤولياتك اتجاه اعمالك قبل أن يحملك الآخرون المسؤولية لأنك تشعر بأنك مسؤول أمام الله تعالى، وإذا كنت مسؤولا أمام الله فمسؤليتك تتحدد من خلال عملك ومن خلال تحركاتك التي تشعر بها إذا انحرفت فتقوم نفسك على اساس انحرافها وتشعر إذا انطلقت في الخير فترتاح نفسك لذلك.
وبهذا يتحول الإنسان المؤمن من خلال إيمانه بالله إلى إنسان يحاكم نفسه في كل ما يعمل قبل أن يلتفت الآخرون إلى اخطائه، هذا بعض ما يعطيه الإيمان بالله.
وكمثل من الأمثلة العملية التي نعيشها على ذلك هو أنه أنت الآن كمسلم ، الإيمان بالله يفرض عليك لو استأجرت بيتا واتلفت شيئا لصاحب البيت من دون أن يشعر فمن ناحية شرعية الإيمان بالله يفرض عليك كمؤمن أن تحاكم نفسك،وأن تحكم على نفسك وتدفع لهذا الإنسان الغرامة على ما اتلفت له.
وكمثال آخر لو انك التقت لقطة الإيمان الحقيقي يفرض عليك في هذه الحالة أن تعرف اللقطة بعلامتها مقدار سنة وأن تبحث عن صاحبها إلى أن تجده ، فإذا وجدته كان به وإذا لم تجده نتصدق بها عن صاحبها حتى إذا رجع صاحبها بعد ذلك وعرفته تخيره بين القبول بالصدقة وبين أن تغرم له الغرامة، هذه الروح روح الأمانة روح محاسبة النفس ما الذي يغرسها في نفسك؟ إنه الإيمان بالله إنه الشعور بأن الناس وإن لم يطلعوا عليك، فالله هو الذي يطلع عليك، هذا هو الشعور الذي يخلقه الإيمان الحقيقي في نفوس الناس، وهذا الشعور يخلق لنا مواطنين صالحين يشعرون بالمسؤولية من خلال إيمانهم لا من خلال خوفهم من السلطة أو الدولة.
(العنصر الثاني) العمل الصالح: يعني الإيمان الذي يعبر عن نفسه لا الإيمان الذي لا يعبر عن نفسه، لأن الإيمان الذي لا يعبر عن نفسه هو إيمان لا قيمة له بل قدلا يكون إيمانا جديا، وعلى هذا الأساس نعرف أن الكلمة التي يتداولها الكثير من الناس عندما يقولون الإيمان بالقلب هذه الكلمة التي يحاولون من خلالها أن يعفوا انفسهم من المسؤولية وبالتالي يبرروا لأنفسهم كل شيء انتم مؤمنون نحن مؤمنون أكثر منكم لأن قلوبنا عامرة بالإيمان ولكن اجسادنا أيضا فارغة من العمل، نحن نحب الله كثيرا ولكننا نعصي الله كثيرا ونطيع بأعمالنا الشيطان كثيرا فأي إيمان هذا الذي يتحدثون عن وجوده في القلوب.؟
إذاً لا قيمة للإيمان إذا لم يتجسد في الممارسة ولم يتجسد في العمل ولم يتجسد في التحرك نحو مفاهيم الإيمان وأهداف الإيمان ولهذا ما من آية ذكر فيها الإيمان إلا وذكر فيها العمل الصالح، لأن العمل الصالح هو الذي يكمل شخصية الإنسان ويكمل كيانه.
أن تكون مؤمنا يعني أن تعيش في داخل قلبك روح اللقاء بالله والتقرب إليه، وأن تعمل صالحا معناه أن تنطلق في حياتك العملية من خلال إيمانك.
وطبعا المقصود بالعمل الصالح هو كل عمل يرضاه الله سبحانه وتعالى مما ينفع الفرد وينفع المجتمع ويبني الحياة على اسس متينة.
كل الأعمال التي تنفع الناس وكل الأعمال التي ترفع من مستوى الناس في الإطار الذي أراده الله تعالى، ولهذا ذكر الله لنا آية من الآيات التي يضرب بها مثلاً(فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث بالأرض)، ليعرفنا أن علينا أن نتوجه إلى الأعمال الصالحة التي تنفع الناس ولا ينفع الناس إلا الأشياء التي تشارك في بناء روحهم وبناء فكرهم وبناء حياتهم على الأسس التي يريدها الله تعالى ليتحقق بذلك التوازن في الحياة.
العنصر الثالث: التواصي بالحق هذا هو العنصر الثالث الذي يكون عنصرا اساسيا في المجتمع وفي توازن المجتمع وتكامله لأن الإنسان قد يعمل بالحق بعد معرفة الحق، ولكنه قد يضعف إذا كانت الأجواء أجواء الباطل.
كما في هذه الظروف التي نعيشها في لبنان في هذه الأجواء اللاهية والأجواء العابثة والأجواء الفاسقة والأجواء الكافرة والأجواء الضالة.
هذه الأجواء التي يراد بها إبعاد الإنسان عن دينه وعن مبادئه وعن استقامته الاخلاقية، هذه الأجواء يحتاج إليها تواصي بالحق حتى لا ينسى الانسان الحق وحتى يظل ثابتا أمام الحق، فالإسلام اعتبر أن المجتمع إنما ينجح إذا كان افراده يوصي بعضهم بعضا بالحق.
لا تنسى الحق لا تضعف لا تستسلم لهذه الأجواء المغرية إبقى ثابتا وابقى قويا أثبت على مبادئك واثبت على إيمانك، فإذا أراد الإنسان أن يضعف وأن ينهار أمام الحق يأتي أخوه المؤمن ليوصيه بالحق ويذكره بالحق فيشعر حينئذ بالقوة ويشعر بأنه ليس وحده وإنما هو جزء من مجتمع يقوم على اساس الحق.
وبهذا يبفى الإنسان المؤمن ثابتا أمام التيار الجارف والطاغي الذي يجرف كل شيء أمامه ، هذا على المستوى الديني والاخلاقي.
وحتى على المستوى السياسي فإننا نواجه على المستوى السياسي في لبنان وفي غير لبنان نواجه الهجمة الشرسة في العالم التي تحاول بكل ما عندها من طرق ومن اساليب نفسية واجتماعية تحاول أن تستخدم من خلالها اجهزة الاعلام. من أجل أن تضعف لنا معنوياتنا،كما نواجه الآن في الجمهورية الإسلامية في إيران التي يحاول الكثيرون من المحللين والمعلقين في الشرق وفي الغرب أن يضعفوا هذه الثورة الفتية التي غيرت معادلات العالم المعاصر فيقولون إن إيران رجعت إلى عصور التخلف وإلى عصور القرون الوسطى وإلى عصور الانحطاط من أجل أن يجعلونا نخجل من إسلامنا الذي يحكم إيران.
وثانياً: يراد بها إشعارنا بأن الإسلام لا يمكن أن يكون نظاما للحكم لا في إيران ولا في لبنان ولا في أي بقعة.
وثالثاً: يراد بها إشعارنا نحن الذين تعودنا على الثقافة الأوروبية وعلى الحضارة الأوروبية وعلى طريقة الحياة الأوروبية، يريدوننا أن نشعر بالفزع وبالرعب فيما إذا خرجنا من إطارهم ودخلنا في إطار الإسلام. ولهذا يحاولون أن يشوهوا الإسلام في نفوسنا من اجل انهم يريدوننا أن نبقى خاضعين لطريقتهم في الحياة لأننا إذا بقينا خاضعين لطريقتهم في الحياة ولطريقة تفكيرهم فسوف نظل خاضعين لسيطرتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبهذا يحققون لهم ما يريدون . هذه الأمور كلها تلجئنا إلى أن نتعرف جيدا على الحق ومن ثم أن نتواصى بالحق إذا اردنا لمجتمعنا أن ينجح.
(العنصر الرابع): التواصي بالصبر، ولعل الصبر يعتبر في الإسلام من أعظم الأعمال التي تبعث على نجاح المجتمع ومن اعظم الصفات التي يتصف بها الإنسان المؤمن. ولهذا جعل الله أجر الصابرين أجرا غير محدود مع العلم بأن لكل عمل أجره المحدود إلا الصبر فإن اجره غير محدود، وعندما تحدث الله عن الصابرين قال (إنما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب).
والصبر على ثلاثة انواع:
هناك صبر عند المصيبة وهناك صبر على الطاعة وهناك صبر على المعصية.
يوصي بعضهم بعضا بالصبر، لإن الإنسان قد يضعف عندما تصبه مصيبة وقد يضعف أمام طاعة الله تعالى وقد يضعف أمام الشيطان عندما يحاول أن يغويه من اجل أن يرتكب المعصية فيأتي اخوه المؤمن ليوصيه بالصبر أمام كل هذه الأمور فيشعر حينئذ بالقوة ويشعر بأنه ليس وحيدا وإنما هو جزء من مجتمع يقوم على اساس الصبر عندما يصطدم بأحد الأمور الثلاثة الني ذكرناها.
وبهذا كله يمكن أن نحقق إنسانا مؤمنا وصالحا، جعلنا الله من الذين يأخذون باسباب النجاح وباسباب الفلاح جعلنا الله من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله و المؤمنون).