مجلسه(ص):"إني لم ابعث لعّاناً وإنما بعثت رحمة".(80)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 03 نيسان/أبريل 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5179
صفة مجلس الرسول (ص) ومنطقه (80)
نتعرض في هذه المقالة إلى صفة مجلس رسول الله (ص) وأخلاقَه ومنطقَه مع جلسائه، من أجل أن نسعى لتكون مجالسُنا كمجلس رسول الله (ص) في صفته ومضمونه، ومنطقُنَا وسيرتُنَا مع جلسائنا كمنطقه وسيرته.
أما صفةُ مجلسه (ص) فإن المستفاد من الروايات التي تحدثت عن ذلك وخاصة ما رواه الإمام الحسين (ع) عن أبيه الإمام علي (ع): "إن مجلس رسول الله (ص) كان مجلس حلم وعلم وحياء وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا تُرتكب فيه المحرمات، ولا تُهان فيه الحرمات، ولا تَظهرُ فيه الهفوات، وجلسائُهُ متواضعون متفاضلون بالتقوى، يوقرون في مجلسه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب."
وكان (ص) لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله عز وجل، ولا يتخذ لنفسه مكاناً خاصاً في المجلس. بل كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر أصحابه بذلك.
وأما سيرتُه مع جلسائه فقد كان (ص) يُعطي كلاً من جلسائه نصيبه حتى لا يَحْسَبَ جليسُهُ أن أحداً أكرمُ عليه منه، ومن جالسه صبر عليه فلا ينصرف(ص) عنه حتى يكون الرجلُ هو المنصرفَ عنه، وقد وسِعَ الناسَ بأخلاقه لرحابة صدره، فكان لهم أباً رحيماً وصاروا عنده في الحق سواء.
سمو أخلاقه (ص):
وفي سمو أخلاقه وأدبه مع جلسائه أيضاً ما أشار إليه الإمامُ الصادقُ (ع) في حديث له إذ يقول : كان رسول الله (ص) يقسّم لحظاته – أي نظراته – بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية، ولم يبسُطْ رجليه بين أصحابه قط، وإن كان ليصافحُهُ الرجلُ فما يتركُ رسولُ الله يدَه من يده حتى يكون الرجل هو التارك، فلما فطنوا لذلك كان الرجلُ إذا صافحه مال بيده فنزعها من يده، وكان لا يدعوه أحدٌ من أصحابه وغيرِهِم إلا قال: لبيك.
وعن الإمام الحسين (ع) نقلاً عن أبيه أمير المؤمنين (ع) أنه قال: كان رسول الله (ص) دائم البشر، سهل الخلق، ليّنَ الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب – أي شديد الصوت – ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافلُ عما لا يشتهي، فلا يُؤيَسُ منه ولا يُخيِّبُ فيه مُؤمِّليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المِرَاءْ، والإكثارْ، ومما لا يعنيه وتركَ الناسَ من ثلاثْ: كان لا يذمُ أحداً، ولا يعيرُهُ، ولا يطلبُ عورته – أي عيوبه – ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأن على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يُنازعُون عنده الحديث، متى تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثُهُم عنده حديثُ أولِّهم، يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة – أي الإساءة – في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابُهُ ليستجلبونه ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبُها فأرفدوه – أي أعطوه حاجته – ولا يقبل الثناء إلا عن مُكافىءْ – أي إلا ممن أحسن إليه الرسول (ص) – ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزَ فيقطَعَه بانتهاءٍ أو قيام.
وحول مشاركته في الحديث الذي كان يدور في مجلسه، يقول زيد بنُ ثابت: كنا إذا جلسنا إليه إن أخذنا بحديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا.
وكان (ص) يقدِّمُ أهلَ الفضل والتقوى ويُكرمُهُم ويُعطِيهِم ما يستحقون. فقد روي عن الإمام الحسين (ع) عن أبيه (ع): أن رسول الله (ص) كان إذا أوى إلى منزله جزأ دخولَه ثلاثةَ أجزاء: جزءٌ لله عز وجل، وجزءٌ لأهله، وجزءٌ لنفسه، ثم جزّأ جزءَه بينه وبين الناس، فيرُدُّ ذلك على العامة والخاصة، ولا يدَّخِرُ عنهم شيئاً.
فكان من سيرته في جزء الأمة: إيثارُ أهل الفضل بإذنه وقَسْمِهِ على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغلُ بهم ويشغلُهُم فيما أصلحهم وأصلحَ الأمة من مسألته عنهم وأخبارِهِم بالذي ينبغي لهم. ويقول: ليُبلّغِ الشاهدُ الغائبَ، وأبلغوني حاجةَ من لا يستطيع إبلاغ حاجته.
سمو منطقه (ص)
ويقول (ع): كان رسول الله (ص) يُخزنُ لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفُهُم ولا يفرقُهثم وُيكرمُ كريمَ كل قوم ويولِّيهِ عليهم، ويحذِّرُ الناس الفتن، ويحترسُ منهم من غير أن يطوي عن أحد بُشره ولا خُلقَه، ويتفقد أصحابه، ويسألُ الناس عما في الناس فيُحسِّنُ الحسنَ ويقوّيه، ويقبِّحُ القبيح ويوهِنُه، معتدلَ الأمر غيرَ مُختلفْ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يَمَلُّوا، لكل حال عنده عَتَاد، لا يقصِّرُ عن الحق ولا يجوزُهْ، الذين يلُونَه من الناس خيارُهُم، أفضلُهُم عنده أعمُهُم نصيحةً، وأعظمُهُم عنده منزلةُ أحسنُهُم مواساةً ومؤازرة.
وأما منطقُ رسول الله (ص) فقد اتفق جميع الذين وصفوا منطق رسول الله (ص) على أنه كان أحسنَ الناس منطقاً، فقد سَأَلَ الإمامَ الحسنَ (ع) هندُ بنُ أبي هالة أن يصف له منطق النبي (ص) فقال: كان رسول الله (ص) متواصل الأحزان، دائمَ الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويلَ السكوت، يفتتح الكلام ويختتمُهُ بأشداقه – أي لا يفتح فاه كلَّه عند الكلام – ويتكلمُ جوامع الكلم فصلاً لا فُضولاَ، قصيراً، دمثاً ليس بالجافي ولا المَهين، يُعظِّمُ النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئاً، ولا يذم ذواقاً ولا يمدحُه، ولا تغضبُهُ الدنيا وما كان لها، إذا تُعُوطِيَ الحقُ لم يعرفْ أحداً ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلِّها، وإذا تعجب قلَبَهَا، وإذا تحدث أشار بها فضرب راحته اليمنى باطن إبهامهِ اليسرى، وإذا غضب أعرضَ وأشاح، وإذا فرح غضَّ من طرفه، جُلُّ ضَحِكِهِ التبسم.
وإذا أردنا ان نبحث عن مكونات حلاوة منطقه وحسنه لحصلنا من ذلك على العناصر التالية:
أولاً: ترك الفاحش من القول: فلم يكن رسول الله (ص) سباباً ولا فحاشاً بل كان أبعدَ ما يكونُ عن الفحش والبذاءة في الكلام، فقد روي أنه قيل له: يا رسول الله أدع على المشركين! ..فقال: إني لم ابعث لعّاناً وإنما بعثت رحمة.
وعن أنس بن مالك قال: خدمت النبي (ص) تسعَ سنين فما قال لشيء أسأتَ ولا بئسَ ما صنعتَ، وكان إذا أنكر الشيءَ يقول: كذا قُضِيْ.
ثانياً: فصاحةُ لسانه: فقد كان (ص) فصيحَ اللسان، إذا تكلم تكلم بأناة وهدوء، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم جوامع الكلم فصلاً لا فُضولاً.
ثالثاً: تبسُمُهُ أثناء الكلام: فقد قال أبو الدرداء: كان رسول الله (ص) إذا حدَّثَ بحديث تبسم في حديثه.
رابعاً: تكليمُهُ للناس على قدر عقولهم: فكانت أساليب عرضه للأفكار وإجاباتُهُ عن الأسئلة تختلف في العُمق والمستوى من شخص لآخر طبقاً للقابليات الذهنية التي يتمتع بها الأفراد، وإلى هذا أشار النبي (ص) بقوله: إنَّا معاشرَ الأنبياء أُمرنَا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.
الشيخ علي دعموش