لماذا قال القرآن الكريم بالنبي (ص) : "وإنك لعلى خلق عظيم"؟!!(72)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 07 تشرين2/نوفمبر 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3806
التصوير القرآني لخلق النبي (ص) - (72)
إن الصيغة القرآنية لمواصفات الشخصية المؤمنة بنماذجها المختلفة قد تجسدت بصورة عملية وفعلية في شخصية رسول الله محمدِ بنِ عبد الله (ص).
فشخصيةُ رسول الله (ص) قد مثلت قمة التسلسل بالنسبة إلى درجات الشخصية الإسلامية التي توجد عادة في مجتمع الإسلام، فكان (ص) عظيماً في فكره ووعيه، وقمةً في عبادته وتعلقه بربه، ورائداً في أساليب تعامله مع أسرته وعائلته وفي تعامله مع أمته، ومثالياً في حسم الموقف ، وفي الصدق في المواطن ومواجهة المحن، فما من فضيلة إلا ورسولُ الله (ص) سابقٌ إليها وما من مكرمةٍ إلا وهو ملتزمٌ بها.
ولا شك في أن أصدق شاهد على عظمة أخلاقِ رسول الله (ص) هو القرآنُ الكريم وهو كلام الله سبحانه وتعالى {ومن أصدقُ من الله قيلا}. ومهما قيل من ثناءٍ على أخلاقه قديماً وحديثاً فإن ثناء الله تعالى عليه في كتابه العزيز يظل أدقَ تعبيرٍ وأصدقَ وصفٍ لمواصفات شخصيته العظيمة وخصائصها، وقد أشاد القرآنُ الكريمُ كثيراً بأخلاق النبي (ص) وكثرت فيه الآياتُ التي تتحدثُ عن شخصيته وخصائصه وصفاته الأخلاقية والإنسانية السامية.
فقول الله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم} يعجِزُ كلُ قَلم وكلُ تصور وبيانٍ عن تحديد عظمته فهو شهادةٌ من الله سبحانه على عظمة أخلاق الرسول وسموِ منزلته وعلوِ شأنه في مجال التعامل مع ربه ونفسه ومجتمعه، بناءً على أن الأخلاق مفهومٌ شاملٌ لجميع مظاهر السلوك الإنساني.
وقد تحدث القرآنُ الكريم في موضع آخر عن جانب العفو والرحمة والرفق واللين والتواضع في سلوك النبي (ص) وتعامله مع الآخرين، فقال تعالى {فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنتَ فظاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفرْ لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحبُ المتوكلين} آل عمران/159.
رسول من أنفسكم :
ووصفتْ آياتٌ أخرى رسولَ الله (ص) بأوصاف تكشف عن مدى تأثره واهتمامه بالمسلمين وشؤونهم وحرصهِ عليهم، وتعبرُ عن مدى عطفه عليهم وشفقتهِ ورحمتهِ بهم، وكيف أنه حين كان يُصيبُ الواحدَ منهم بعضُ المشقةِ والتعب فإنه(ص) كان يحزنُ ويتألمُ وتخيمُ عليه علامات الآسى وتظهرُ في ملامحه.
فقد قال تعالى في بعض الآيات: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم – أي يَعِزُ عليه تَعبُكُم – حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم} التوبة/128.
وقد بلغ من عظمة شخصية رسول الله (ص) أنه عندما سُئلَ عليُ بنُ أبي طالب (ع) عن أخلاق النبي (ص) أجاب(ع): كيف أصفُ أخلاقَ النبي (ص) وقد شهدَ اللهُ تعالى بأنه عظيم حيث قال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
وسئلت إحدى زوجاتِهِ عن أخلاقه (ص) فقالت: كان خُلُقُ رسول الله القرآن أو كان خلقه القرآن، أي أن أخلاق القرآن وقيمَ القرآن تجسدت في شخصيته (ص).
وسموُّ أخلاق النبي (ص) وعلوُّ شأنه في مجالات الفضيلةِ وكرمِ النفس والنبلِ والطهارةِ والرحمةِ والرفقِ واللينِ والتواضع إنما جاءت حصيلةَ إعدادٍ إلهيٍ خاص توافر لرسول الله (ص) قبل الدعوة وواكبَه بعدها. فقد صِيغتْ شخصيةُ رسول الله (ص) قبل الدعوة من قبل الله سبحانه وفق تخطيط إلهي ليكون كفوءاً وأهلاً للرسالة الإلهية وتجسيداً حياً لها. وإلى هذا النوع من الإعداد الإلهي للنبي الأعظم (ص) يشيرُ الإمامُ علي (ع) وهو أكثرُ الناس معرفة والتصاقاً به فيقول: (ولقد قرنَ اللهُ به (ص) من لَّدُنْ أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسنَ أخلاق العالم ليله ونهاره).
عظيم حتى قبل البعثة :
وبسبب تلك الرعاية الربانية الخاصة للرسول (ص) تميزت شخصيته (ص) عن جميع أبناء مجتمعة وصار علماً في سمو أخلاقه وهديه، ومضرباً للمثل في فضله وصدقه وأمانته، وقبل أن يتحدث القرآن عن عظمة أخلاقه فقد نطق الكفار والمشركون بهذه الحقيقة قبل أن يبعثه الله بالرسالة، فاتصافُ النبي (ص) بالخلق العظيم لم يكن وليد الفترة التي بُعث فيها، أو من إفرازات تلك المرحلة تماشياً مع أهمية الدور الملقى على عاتقه، لا ابداً، بل التاريخُ يذكر أن النبي (ص) كان ذا منزلةٍ أخلاقية عظيمة في العهد الجاهلي وكان محلَ إعجاب قومه ومجتمعه وتقديرهِم واحترامِهم. بل ومضربَ المثل في ذلك، وقد شهد الكفارُ أنفسُهُم لرسول الله (ص) بالعفاف وصدق الحديث وأداء الأمانة ونزاهةِ الذات. فقد روي أن الأخنسَ بنَ شَريفٍ لقي أبا جهلٍ يوم بدر فقال له: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرُك يسمع كلامنا، أخبرني عن محمد أصادقٌ هو أم كاذب؟! فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادقٌ وما كذب قط.
وقال النضرُ بنُ الحارث لقريش: قد كان محمدٌ فيكم غلاماً حَدَثاً أرضاكم فيكم، وأصدقَكُم حديثاً وأعظمَكم أمانة حتى إذا رأيتم في صُدغَيه الشيبَ وجاءكم بما جاءكم به قُلتم ساحر؟ ألاَ واللهِ ما هو بساحر.
ولما بَعَثَ رسولُ الله (ص) إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، أحضرَ قيصرُ أبا سفيان وسأله بعض الأسئلة مستفسراً عن النبي (ص) ومما سأله قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال أبو سفيان : لا، قال: فهل يغدر؟ قال: لا، قال: كيف عقلُهُ ورأيُهُ؟ قال ابو سفيان: لم نعب له عقلاً ولا رأياً قط. وروى الطبري المؤرخُ المعروف قال: كانت قريشٌ تسمي رسولَ الله (ص) قبل أن ينزل عليه الوحي بالأمين.
وروي عن أبي طالب رضوان الله عليه في حديث له عن سيرة النبي (ص) في الجاهلية قال: لقد كنت أسمعُ منه إذا ذهب من الليل كلاماً يعجبني، وكنا لا نسمي على الطعام والشراب حتى سمعتُهُ يقول: بسم الله الأحد، ثم يأكل فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيراً. فتعجبت منه وكنتُ ربما أتيتُ غفلةً فأرى من لَدُنْ رأسه نوراً ممدوداً قد بلغ السماء ثم لم أرَ فيه كذبةً قط ولا جاهليةً قط، ولا رأيتُهُ يضحك في غير موضع الضَّحك، ولا وقفَ مع صبيان في لعب، ولا التفتَ إليهم وكانت الوحدةُ أحبَّ إليه والتواضع.
ولأن السيرة النبوية الذاتية والأخلاقية والعامة قد احتلت المَقام الثاني بعد القرآن الكريم، فإن من الضروري وعي سيرة النبي (ص) والتعرفَ عليها لأن وعيها إنما هو وعي للإسلام وللرسالة بوجهها الحقيقي، لذلك فإننا وبقدر ما تسمح به الفرصةُ سنسلط الضوء في المقالات القادمة على بعض جوانب شخصية النبي (ص) الذاتيةِ والأخلاقية من أجل الأخذ بنهجه وسيرته في القول والعمل والموقف.
الشيخ علي دعموش