ضوابط ومعايير في استخراج السيرة الصحيحة (3)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 26 آب/أغسطس 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5437
أشار القرآن الكريم إلى مكانة النبي (ص) ومنزلته وعظمته, في سورة الحجرات والنور والأحزاب وغيرها, وأشار إلى أسمائه وألقابه في سورة الصف وآل عِمران والمائدة. وأشار إلى صفاته وخصائصه كالعصمة والطهارة والرأفة والرحمة والعطف والشجاعة في سورة آل عمران والتوبة والأحزاب والأنبياء وغيرها.
من الضروري جداً إذا أردنا أن نكوّن صورة واضحة ونقيّة عن حياة رسول الله (ص) وسيرته أن نعتمد على مصادر صحيحة ومعايير وضوابط تكون قادرة على إعطائنا الصورة الحقيقية الأكثر نقاء وصفاءً عن شخصية النبي محمد(صل الله عليه وأله وسلم). فما هي تلك المصادر التي ينبغي اعتمادها في استخراج سيرة رسول الله(ص)، وما هي تلك المعايير والضوابط والقواعد التي يجب أن نعتمدها لتمييز النصوص الصحيحة من النصوص المزيفة؟..
في الحقيقة هناك عدة مصادر يمكننا أن نستخلص منها اعتمادنا عليها في تحديد معالم شخصية الرسول الأعظم (ص) وتفاصيل حياته وسيرته.
وهي أولاً : القرآن الكريم، الذي أعطى صورة واضحة ورائعة عن شخصية النبي(ص) وصفاته وخصائصه، ومواقفه في كثير من السور والأيات المباركة. ويستطيع قارئ القرآن الكريم بالتدبر التام في أياته التي نزلت في شان رسول الله (ص) أن يحيط بمختلف جوانب شخصيته وحياته منذ أن بعثه الله نبياً ورسولاً إلى أن فارق هذه الدنيا. فقد أشار القرآن الكريم مثلاً إلى مكانة النبي (ص) ومنزلته وعظمته في سور الحجرات والنور والأحزاب وغيرها من السور المباركة. كما أنه أشار إلى أسمائه وألقابه في سورتي "الصف" و"أل عمران" وغيرهما من السور..
كما أنه أشار إلى صفاته وخصائصه، وإلى العصمة والطهارة والرأفة والرحمة والعطف والشجاعة في سور آل عمران والتوبة والأحزاب ولأنبياء وغيرها. وأشار القرآن الكريم إلى أخلاق النبي (ص) وإلى صبره وثباته في مواقع المواجهة والتحدي، وإلى طريقة تبليغه للرسالة، وإلى مواقفه من عدم استجابة قومه لدعوته إلى غير ذلك مما يرتبط بحياته وسيرته في كثير من الآيات والسورة المباركة. فالرجوع إلى القرآن الكريم نفسه واستخراج صورة النبي (ص) وصفاته وأفعاله من خلال ما عرضته الآيات الكريمة يعدّ من أوثق وأصح المصادر والمراجع لدراسة شخصية الرسول (ص)، وتكوين صورة واضحة عن حياته وأخلاقه وعلاقاته ومواقفه وقيادته والتحديات التي واجهها في طريق الدعوة إلى الدين الإسلامي.
ثانياً : النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التي عرضت لسيرة الرسول الأكرم وحياته. فإن هذه النصوص تعدّ بعد القرآن الكريم أحد أهم المصادر التي نأخذ منها خصائص شخصية الرسول (ص) ومميزاتها وتفاصيل حياته، على اعتبار أن أهل البيت أدرى بما فيه، وخصوصا ما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي لازم رسول الله (ص) في جميع مراحل حياته. وكان يتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، ويراه في الأوقات التي لا يراه فيها غيره. ولقد ورد عن أئمة أهل البيت (ع) مئات النصوص والروايات التي تحدثت عن حياة رسول الله (ص) العامة والأحداث الكبرى اليت عاشها في حياته، كذلك عن حياته الشخصية والخاصة.
ثالثاً : الروايات التاريخية المروية بالتواتر عن المسلمين الأولين. فالنصوص المروية عن الصحابة والتي تتحدث عن سيرة النبي (ص) تعدّ من مصادر السيرة والتاريخ إذا ثبتت صحتها بالتواتر أو بإحدى وسائل الإثبات الأخرى. أما النصوص والروايات التاريخية الأخرى التي لم ترو عن أئمة أهل البيت (ع) ولم تكن متواترة فلا بد إذا أردنا تقييم هذه النصوص من أن نعتمد ضوابط وقواعد ومعايير محددة نستطيع من خلالها أن تمييز النص الصحيح الذي يعكس الواقع التاريخي بصورة صادقة من النص المصطنع أو المحرّف.
وأهم الضوابط والقواعد التي ينبغي اعتمادها في هذا المجال، هي أولا دراسة أحوال وأوضاع الناقلين للحديث. فإن أول ما ينبغي في الحديث المنقول هو سنده. والسند هو عبارة عن مجموعة أسماء لأشخاص نقلوا لنا الحديث أو الحدث التاريخي. فلا بد من دراسة أحوال هؤلاء وأوضاعهم. وثانياً أن يكون مضمون النص الذي يحكي لنا فعل وسلوك النبي (ص) منسجماً مع صفات الشخصية النبوية وخصائصها ومميزاتها. فإذا جاء النص منسجماً ومتناسباً مع الوضع الطبيعي لشخصية رسول الله (ص) المثالية بما لها من خصائص ومميزات رسالية فإنه يكون مقبولاً ونأخذ بمضمونه إذا توافرت فيه سائر شروط القبول الأخرى.
فمثلا إذا ثبت لدينا بالدليل القطعي الصحيح أن شخصية النبي (ص) هي في أعلى درجات الطهر والعصمة والحكمة والشجاعة وأنه تحلّى بكل الصفات النبيلة والفضيلة جامعة لكل القيم الإسلامية، فلا بد من جعل كل ذلك معياراً وميزاناً لأيّ نص يرد بشأنه ويريد أن يسجل لنا قولا أو فعلا أو سلوكا أو موقفا له (صل الله عليه وأله وسلم). فإذا جاء النص منسجماً مع هذه الخصائص والمميزات الثابتة بالدليل القطعي الصحيح، فإنه يكون مقبولاً. وإلا إذا لم يتوافق مع هذه الصفات فإننا لا نتردد في رفض مثل هذا النص.
رابعاً : عرض النصوص التاريخية وغيرها على القرآن الكريم فما وافق كتاب الله نأخذ به، وما خالفه نتركه. وهذه قاعدة لا بد من اعتمادها، ليس في أحاديث سيرة النبي (ص) فحسب، بل في كل الأحاديث المنقولة عنه أو عن أحد من أئمة أهل البيت (ع)، سواء كانت تاريخاً أو فقهاً أو أخلاقاً أو غير ذلك. فقد روي عن النبي (ص) أنه قال :" تكثر لكم الأحاديث بعدي، فإذا روي لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالف فردوه".
الشيخ علي دعموش