هل كان النبي (ص) أجيراً لأهل مكة والسيدة خديجة ؟! (8)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 04 أيلول/سبتمبر 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 6421
عمل الرسول (ص) قبل زواجه (8) :
يتحدث المؤرخون عن الأعمال التي كان يقوم بها النبي (ص) قبل البعثة النبوية لتأمين العيش وكسب الرزق. ويذكرون أن النبي (ص) كان يرعى الغنم، في مرحلة الصبا ومطلع الشباب، كما أنه عمل في التجارة الخارجية مع السيدة خديجة (ع) عندما أصبح شابا في عمر الخامسة والعشرين.
ونحن لا بد أن نتحدث هنا عن هذه المرحلة من حياة الرسول(ص) وبالتحديد عن هذين الأمرين، رعي الغنم ومزوالة التجارة، لمعرفة ما إذا كان الرسول (ص) قد تعاطى هذا النوع من الأعمال في حياته، أم لا؟..
الأمر الأول : وهو رعي الغنم فهو لنا أن نتساءل هل حقا أن النبي (ص) عمل في الرعي أم لا؟.. في الحقيقة أن المؤرخين ينقسمون في الاجابة عن هذا التساؤل إلى فريقين. الفريق الأول يقول إن النبي (ص) قضى جزءاً من حياته قبل البعثة في رعي الغنم في الصحاري والبراري والجبال وأنه قد رعى الغنم لأهله كما أنه رعى لأهل مكة، لقاء أجر معين كان يتقاضاه منهم. ولقد جاء في رواية لأبي هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال :"ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم". فقال له أصحابه:" وأنت يا رسول الله ؟."، فقال :" نعم كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة". وفسرت كلمة "القراريط" بأنها القليل من الدارهم والدنانير، مما يعني حسب هذه الرواية أنه كان يرعى بأجر زهيد.
أما الفريق الثاني من المؤرخين فقد نفوا بأن يكون النبي (ص) قد رعى الغنم لأحد من المكيين أو لغيرهم من الناس. والحقيقة في رأينا أنه لا بد في هذا المجال أن نفرق بين أمرين. بين أن يكون النبي (ص) قد رعى الأغنام لأهله وبين أن يكون قد اتخذ من رعي الغنم مهنة وعملاً له بحيث كان أجيراً لأهل مكة يرعى لهم الأغنام مقابل أجر معين يحصل عليه منهم، كما هو مفاد رواية أبي هريرة المتقدمة.
الرسول (ص) عمل بمهنة التجارة :
الأمر الأول نقبله ولا إشكال فيه. وهو أن يكون النبي قد رعى الغنم لأهله في أول حياته. لأن رعي الغنم آنذاك كان عملاً عادياً، فلا مانع أن يكون النبي (ص) قد فعل ذلك مثل غيره من أبناء مجتمعه، حيث كانت المواشي عندهم من الوسائل العادية الموجودة في كل بيت من أجل العيش وكسب الرزق. وليس هناك أي عيب أو نقص في أن يقوم الإنسان بالعمل والكدح في سبيل تأمين العيش الكريم. والعمل في سبيل العيش من سنن الأنبياء والمرسلين. وقد عاش كثيرون من الأنبياء من عمل أيديهم وعرق جبينهم. وأتقنوا بعض المهن والاعمال الشاقة والشريفة حتى لا يكونوا عبئاً على أحد من الناس. وقد أوصى الإسلام بالعمل في الدنيا والأخرة، ورغّب به وندّد بالكسالى والتنابل الذين يحقرون الأعمال الصغيرة الشريفة ويرفضونها ليتحولوا إلى عبء على المجتمع بسبب بطالتهم.
الأمر الثاني: وهو أن يكون النبي (ص) قد رعى الغنم أجيراً لأهل مكة أو لغيرهم، فهذا ما نشك فيه كثيراً. وما يدعونا إلى هذا الشك هو أن لهذا الشك أمران. الأول إن الروايات الواردة فيه رعيه للغنم مختلفة ومتناقضة فيما بينها، فبعضها يقول إنه رعى الغنم لأهله، والبعض الأخر يقول إنه رعى الغنم لأهل مكة، وبعضها يقول بالقراريط، وثالث أبدلت فيه كلمة "القراريط" بكلمة "الأجياد"، التي هي اسم مكان في مكة. ومن الواضح أن مثل هذا الاختلاف غير مقبول إذا كان الراوي واحداً، ويكون هذا الاختلاف بالذات من دواعي الشك في الرواية. والأمر الثاني، أن ليعقوب وهو المؤرخ المعروف بدقته وتثبته في الأمور التاريخية قد نصّ على أن النبي (ص) لم يكن أجيراً لأحد قط. وهذا يعني أنه (ص) لم يكن أجيراً سواء لأهل مكة أو لغيرهم من الناس حتى للسيدة خديجة نفسها. هذا كله فيما يتعلق بالأمر الأول وهو رعي الاغنام.
وأما الأمر الثاني وهو العمل بالتجارة، فيذكر المؤرخون أن النبي (ص) كان قد سافر سفره الثاني إلى الشام وهو في الخامسة والعشرين من عمره. ويقولون إن سفره هذا كان في تجارة للسيدة خديجة بنت خويلد قبل أن يتزوج بها. وأن أبا طالب هو الذي اقترح عليه العمل بالتجارة مع السيدة خديجة بسبب الوضع المعيشي الصعب الذي كان يعيشه أنذاك. فوافق النبي على اقتراح عمه أبي طالب، شريطة أن تعرض عليه السيدة خديجة العمل معه بالتجارة.
السيدة خديجة تطلب من الرسول (ص) مشاركتها بالتجارة :
وبعدما علمت السيدة خديجة بالأمر بادرت هي وعرضت على النبي محمد (ص) العمل في تجارتها، وبذلت له ضعف ما كانت تبذله لغيره لما تعرفه عنه من صدق حديثه وعظيم أمره وكرم أخلاقه. فسافر النبي (ص) إلى الشام برفقة "ميسرة"، وهو موظف لدى السيدة خديجة، وربح من تجارته أضعاف ما كان يربحه غيره. والشيء الذي لا بد من ذكره هنا والتأكيد عليه أن تجارة النبي (ص) مع السيدة خديجة كانت على نحو المضاربة والمشاركة ولم تكن على نحو الإجارة. فلم يكن الرسول (ص) أجيراً أو موظفاً عندها، يأخذ بدل ما يقدمه لها من أتعاب واعمال، وإنما كان شريكا لها في تجارتها وله نسبة في الأرباح.
ولذلك فإن ما ورد في بعض الروايات أو النصوص في أن السيدة خديجة إستأجرت النبي (ص) في تجارتها، لا يمكن المساعدة عليه، ولا تؤيده الشواهد. بل الشواهد التاريخية على خلافها، وذلك لسبب بسيط هو ما ذكره المؤرخ القديم المعروف اليعقوبي من أن النبي (ص) لم يكن أجيراً لأحد قط، وإنما ما يقوله الناس بأن السيدة خديجة استأجرته مقابل أجر مضاعف أو غير مضاعف هو قول غير صحيح.
الشيخ علي دعموش