من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه ردَّهُ عليهم، لماذا ؟!..(46)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 11 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3105
صلح الحديبية (46)
عززت الأحداث والمعاركُ التي وقعت بين رسول الله (ص) وأعداءِ الإسلام من المشركين واليهود قوةَ المسلمين, وغرست هيبتهم في نفوس الناس, فقرر رسولُ الله (ص) أن يسير بأصحابه إلى مكة في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة بهدف أداء العُمرة وذلك بعد أن رأى في المنام أنه يدخل المسجدَ الحرامَ في مكةَ هو وأصحابُهُ آمنين من غير حربٍ ولا قتال.
وأشار إلى ذلك القرانُ الكريمُ في قوله تعالى: "لقد صَدَقَ اللهُ رسُوْلَهُ الرُّؤيا بالحق لتدخُلُنَّ المسجدَ الحرامَ إن شاءَ اللهُ آمنين مُحلِّقِينَ رؤوسَكم ومُقصِّرينَ لا تخافون فعلمَ ما لم تعلموا فجعلَ من دون ذلك فتحاً قريباً".
توجه الرسولُ (ص) ومعه ما يقربُ من ألفٍ وأربَعِمِئةٍ من المهاجرين والأنصار نحو مكة, وهم يجملون السلاحَ الفردي وساقوا معهم الهديَ لتنحرَ في مكة. تناهى الخبر إلى قريش ففزعتْ وخافتْ وظنتْ أن محمداً (ص) يريد الهجومَ عليها فراحتْ تتدارس الموقف وتجهزُ نفسها لصد المسلمين فأرسلت خالدَ بنَ الوليد على رأس سرية عسكرية كمقدمة لجيشها لمواجهة المسلمين خارج مكة, فبلغَ النبيَ (ص) خبرُ قريش واستعدادُهَا لقتاله, ولكي يتجنبَ المواجهةَ مع سرية خالد بنِ الوليد حيث لم يكن هدفُهُ الحرب غيَّرَ مسيرَه وسلكَ بالمسلمين طريقاً آخر غيرَ الطريق الذي سلكته سريةُ ابنِ الوليد حتى استقرَّ في وادٍ يُعرفُ بوادي الحديبية, وهو وادٍ قريبٌ من مكة وليس فيه ماء.
معجزة الرسول في الحديبية :
ويقول المؤرخون: إن المسلمين شكوا جَفَافَ الوادي وانعدامَ الماء فيه فأجرى الله سبحانه معجزة خالدة على يدي النبي (ص) تجلت عندما توضأ (ص) وألقى ماءَ المضمضة في البئر التي كانت قد جَفَّ ماؤُهَا, فانفجرَ الماءُ فيها وشربَ الناسُ وارتووا.
بعدما استقر المسلمون في الحديبية بدأت رحلةُ التفاوض بين النبي (ص) وقريش فبعثت قريشٌ عدةَ مندوبين على التوالي للتفاوض مع الرسول واستيضاح أهدافه التي جاء من أجلها, فأبلغهم النبيُ (ص) بجواب واحد: إنا لم نجئ لقتال أحد وإنما جئنا معتمرين....
ولكن قريشاً لم تقتنع بذلك واتهمت بعضَ مبعوثيها بالجبن والكذب والتواطؤ مع النبي (ص) فقرر النبي أن يبعث من جهته سفيراً إلى قريش ليوضحَ لهم الهدفَ الذي جاء المسلمون من أجله, فاختار خِرَاشَ بنَ أمية من قبيلة خزاعة لأداء المهمة, فتوجه هذا الرجلُ إلى مكة - وخلافاً لكل الأعراف الدبلوماسية القاضية بحصانة السفراء – ما إن دخل خِرَاشُ مكةَ حتى عقروا جمله الذي كان يركب عليه وأرادوا قتله لولا أن تدخل الأحابيشُ ومنعوهم من ذلك, فرَجَعَ إلى معسكر النبي (ص) وأخبره بما جرى معه.
الرسول يفاوض قريشاً :
لم ييأس رسولُ الله (ص) برُغم التصلب الذي أبدته قيادةُ المشركين ضد محاولاته السلمية, وكأنه (ص) كان يرى بنظره الثاقب النتائجَ الطيبة التي ستجنيها الدعوةُ الإسلامية إذا ما سادت العلاقات السلميةُ بينه وبين قريش فترةً من الوقت, فأرسل عثمانَ بنَ عفان إلى مكة فاعتقلته قريشٌ ثلاثةَ أيام حتى ظن المسلمون أنه قتل.
عندها لم يجد الرسولُ (ص) بداً من التهيؤ للجهاد والقتال.., بعد أن فشلت كل محاولاته الودية لدخول مكة, وبعد الموقف السلبي الذي وقفته قريش من سفرائه إليها, فدعا(ص) الناسَ إلى البيعة على الصمود بوجه قريش, فأخذ المسلمون يبايعونه على الاستقامة والثبات والوفاء واحداً واحداً وأن يدافعوا عن الإسلام حتى النفس الأخير وقد كان النبي (ص) جالساً تحت شجرةٍ سميت شجرةِ الرضوان وقد سميت هذه البيعة ببيعة الرضوان التي جاء ذكرها في قوله تعالى:" لقد رضي اللهُ عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزلَ السكينةَ عليهم وأثابهم فتحاً قريباً" الفتح 18.
تخوفتْ قريشٌ من استعداد المسلمين للقتال ومبايعتِهم للنبي(ص) على الثبات والصمود بعدما بلغتهم أنباءُ بيعةِ الرضوان, فقررت استئنافَ المفاوضات مع المسلمين, وأرسلتْ سهيلَ بنَ عمرو سفيراً إلى النبي (ص) وكلفته أن يسعى لمصالحة محمد (ص) شرط أن يرجع النبيُ عنهم هذا العام فلا يدخلَ مكة وإنما يدخلُها في العام المقبل, فالتقى سهيلٌ بالرسول (ص) وجرت مفاوضاتٌ طويلة انتهت أخيراً بالاتفاق على إبرام معاهدةِ هُدنةٍ بين الطرفين, فدعا النبيُ (ص) علياً (ع) فكتب الوثيقة التي عُرفتْ بهدنة الحديبية أو صلحِ الحديبية.
وكان من أبرز ما اتفقَ عليه في هذه الهُدنة البنودُ التالية:
أولاً: اتفق الطرفان أي المسلمون وقريش على وضع الحرب عشرَ سنين يأمنُ فيها الناس ويكفُ بعضُهُم عن بعض.
ثانياً: من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه ردَّهُ عليهم, ومن جاء قريشاً ممن مع محمدٍ لم يردوه عليه.
ثالثاً: من أحبَ أن يدخل في تحالف مع محمد (ص) من سائر القبائل كان له ذلك, ومن أحبَ أن يدخل في حلف مع قريش كان له ذلك أيضاً من غير حرج عليه من أحد الطرفين.
رابعاً: يعود النبيُ (ص) بمن معه من المسلمين هذا العام من غير أن يدخل مكة على أن يأتي في العام المقبل فيدخلَ مكة ويقيمَ فيها ثلاثةَ أيام ولا يدخلَ عليها بسلاح إلا سلاحَ المسافر على أن تكون السيوف في أغمادها.
خامساً: يكون الإسلام ظاهراً في مكة وللمسلمين أن يمارسوا شعائرَهُمُ الدينيةَ فيها ولا يُكْرَهُ أحدٌ على دينه ولا يُؤذَىَ ولا يُعَيَّرْ.
سادساً: أن لا تستعين قريشٌ على محمد وأصحابِه بنفسٍ ولا سلاح.
هذه أهمُ بنود وثيقة صلح الحديبية وبموجب هذه الاتفاقية جُمِّدتْ حالةُ الصراع بين المسلمين وقريش وعاشت المنطقةُ فترةً من الهدوء والاستقرار انعكس إيجاباً لمصلحة الإسلام والمسلمين.
الشيخ علي دعموش