مظاهر الرحمة في سلوك النبي(ص)
- المجموعة: 2014
- 19 كانون1/ديسمبر 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 12402
استطاع النبي محمد (ص) في فترة وجيزة وفي زمن قياسي أن ينقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة والعزة والكرامة، وأن يغرس في الأمة شجرة الإيمان والإسلام التي من شأنها أن تغير فيها كل عاداتها ومفاهيمها الجاهلية وأن تقضي على كل أسباب شقائها وآلامها ومعاناتها.
خلاصة الخطبة
شدد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة:على أننا ننتمي إلى الفكر المشرق والسلوك الرحيم والأخلاق العظيمة والقيم الإنسانية والحضارية السامية التي جسدها رسول الله محمد بن عبدالله(ص) وليس الى الفكر الظلامي والسلوك الوحشي واللاإنساني الذي يمارسه التكفيريون.
وقال:على جميع المسلمين بكل مذاهبهم وتوجهاتهم أن ينتموا إلى الفكر والسلوك المحمدي الأصيل, وعلى غير المسلمين عندما يريدون أن يحكموا على الإسلام أو أن يكونوا فكرة وانطباعاً عن الإسلام أن ينظروا إلى هذا الفكر المشرق والسلوك الإنساني الرحيم الذي جسده رسول الله(ص) في مختلف جوانب حياته مع الجميع , لا أن يأخذوا انطباعاتهم عن الاسلام من سلوك التكفيريين .. فالفكر التكفيري وسلوك التكفيريين لا يمت بصلة إلى فكر الإسلام وسلوكه .
وأكد: أن التكفيريين هم خطر فكري وثقافي وسياسي وأمني على الجميع, وهم خطر على الأرض والعرض والمال والبلاد والثروات وكل دول المنطقة.
ولذلك يجب أن تكون المعركة الفكرية والثقافية معهم أولوية وجدية وفاعلة تشارك فيها كل القوى والنخب الفكرية والثقافية وخصوصاً علماء الاسلام .. الذين يجب عليهم بلا مواربة مواجهة هذا الفكر التكفيري الظلامي وهذا السلوك الوحشي واللاإنساني.
واعتبر: أن الصوت المرتفع ضد التكفيريين في العالم الاسلامي حتى الآن هو صوت رسمي وسياسي وليس علمائي وشعبي.
ودعى: الى ان تتحول حالة العداء للتكفيريين في العالم الإسلامي الى حالة عامة رسمية وسياسية وعلمائية وشعبية.
وقال: يجب أن يرتفع الصوت ضد التكفيريين من قبل كل علماء الإسلام ومن قبل كل الشعوب العربية والإسلامية وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي, وأن يصبح التكفيريون منبوذين ومهمشين من كل الشعوب العربية والإسلامية، واعتبارهم فئة شاذة ومنبوذة , ومجرد عصابات للقتل والذبح والتخريب..
وأضاف: عندما يقوم علماء الاسلام بمسؤولياتهم وتقوم الشعوب العربية والاسلامية بواجباتها على هذا الصعيد لن يكون هناك مكان لهؤلاء بيننا وفي بلداننا , ونستطيع بذلك أن نشل قدرتهم على الاستقطاب والإرهاب وممارسة الجريمة.
نص الخطبة
يقول الله تعالى:[هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين].
لقد بُعث النبي (ص) في مجتمع قبلي معقد ومشرذم, توافرت فيه كل أنواع الضلال والفساد والانحطاط والبعد عن القيم والأخلاق.
ومن قلب مجتمع مُتردٍ على كل المستويات: الروحية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والأمنية ، خرج رسول الله (ص) ليكون رسول رب العالمين إلى الناس جميعاً , يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وليكون قائد عملية التغيير الشاملة بالوحي الإلهي وبالرعاية الربانية وعلى أساس الهدى والحق والصدق والطهر والعفاف.
وقد استطاع النبي(ص) في فترة وجيزة وفي زمن قياسي أن ينقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة والعزة والكرامة، وأن يغرس في الأمة شجرة الإيمان والإسلام التي من شأنها أن تغير فيها كل عاداتها ومفاهيمها الجاهلية وأن تقضي على كل أسباب شقائها وآلامها ومعاناتها.
لقد استطاع الإسلام في فترة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين أن يحقق أعظم إنجاز في منطقة كان يسود فيها الجهل وينعدم فيها القانون وتسيطر عليها الحروب والقسوة والفاحشة وكل مظاهر التخلف والانحطاط.
لقد استطاع الإسلام أن يحدث انقلاباً حقيقياً وجذرياً في عقلية ومبادئ ومواقف وسلوك وأخلاق تلك الأمة المشرذمة وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت والفناء إلى الحياة.
وقد عبر عن ذلك جعفر بن أبي طالب لملك الحبشة عندما وقف أمامه شارحاً له أوضاع الأمة قبل مبعث النبي(ص) وما آلت اليه الاوضاع بعد بعثته(ص) ، حيث قال:
كنا قوماً أهل جاهلية, نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الأرحام, ونسيء الجوار, ويأكل القوي منا الضعيف, فكنا على ذلك حتى بعث الله فينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه , فدعانا الى الله لنوحده ونعبده, ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان, وأمرنا بصدق الحديث, وأداء الأمانة, وصلة الرحم , وحسن الجوار, ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم..
والخلاصة: ان النبي(ص) استطاع في فترة وجيزة أن يخترق الواقع العربي ويُحدث تغييراً جذرياً فيه وفي أخلاقه وسلوكه , وأن يدخل إلى قلوب وعقول الناس ويؤثر فيها, وأن ينتصر بالرغم من كل التحدي الذي واجهه وواجه دعوته وحركته ورسالته.
ولكن ما هي العوامل التي أدت وساعدت على انتصار الإسلام وانتشاره ونفوذه بهذه السرعة القياسية ؟ ما هي الأسباب التي جعلت من النبي (ص) ورسالته يدخلان إلى قلوب وعقول الناس في هذه الفترة الوجيزة وجعلته ينتصر وتنتصر رسالته لتكون النتيجة هي هزيمة المشركين وهزيمة اليهود بشكل كامل أمام حركة النبي (ص) ودعوته ورسالته؟؟
بالتأكيد هناك اسباب عديدة أدت الى الانتصار الباهر والمدوّي, إلا أن السبب الرئيسي والاساسي هو شخصية رسول الله(ص) العظيمة, وسيرته وأخلاقه وسلوكه الفردي والاجتماعي.
فقد امتازت شخصية رسول الله بالأخلاق الإنسانية السامية, وحسن معاشرة الناس ومعاملتهم بالرفق واللين والرحمة والعفو والتسامح والتواضع والترفع عن إساءاتهم وتجاوزاتهم وهفواتهم.
وقد روى علي (ع) لنا جانباً من هذه السيرة العطرة فقال:
كان رسول الله (ص) دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح.
وكان يخاطب قومه ويقول(ص): يا بني عبد المطلب, إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم, فألقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر.
ويقول علي (ع) أيضاً في وصف رسول الله (ص) وسلوكه: (كان أجود الناس كفاً , وأجرأ الناس صدراً, وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة, وأكرمهم عشرة , ومن رآه بديهة هابه, ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أرَ مثله قبله ولا بعده.
وكان شديد المداراة للناس حتى قال (ص): أعقل الناس أشدهم مداراة للناس, وأذل الناس من أهان الناس.
ثم هناك أخلاقه ورحمته التي كانت تشمل الجميع ,الكبار والصغار , الرجال والنساء, الأصدقاء والأصحاب وحتى بالأعداء, وقد تحدث الله عن رحمته في العديد من الآيات: فقال تعالى: [لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم]. وقال تعالى:[وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين]. وقال تعالى:[فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك].
لقد كان سلوكه حتى في الحرب مع الأعداء رحيماً , كان سلوكه في الحرب أن لا يقتل الأولاد والأطفال ولا الشيوخ ولا النساء.
وكان يحرص على أن يوصي قادة وأمراء الجيش والسرايا العسكرية بالتقوى والخوف من الله ليدفعهم ذلك إلى الالتزام بأخلاق الحرب وبالرحمة حتى بالأعداء.
ففي الحديث: كان رسول الله (ص) إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً , وكان مما يقوله: ولا تقتلوا وليداً.
وفي رواية أخرى: ولا تقتلوا شيخاً فانياً, ولا طفلاً, ولا صغيراً, ولا امرأة, ولا تغلوا.. وأصلحوا , واحسنوا إن الله يحب المحسنين.
فهو (ص) يأمر قائد الجيش بالإحسان إلى عدوه, فأحسنوا إن الله يحب المحسنين. والاحسان الى العدو ان لا تمثّل بقتلاه , ولا تجهز على الجريح,ولا تعذّب الآسرى الذين استسلموا في ساحة المعركة , وهذا هو سلوك النبي(ص) مع أعدائه في الحرب.
ويروي أحد أصحابه (الأسود بن سريع): أن رسول الله بعث سرية يوم حنين فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرّية (الأولاد) فلما جاءوا, قال رسول الله (ص): ما حملكم على قتل الذرّية؟ قالوا: يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين قال: أَوَهَل خياركم إلا أولاد المشركين؟ والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يُعرب عنها لسانها.
وكان سلوكه أن لا يتعرض لأسرى الحرب بالأذى بل كان يعفو عنهم .
فقد كان ثمامة بن أثال زعيمًا مشهورًا من زعماء بني حنيفة، وكان قد قرر أن يأتي للمدينة المنورة ليقتل رسول الله (ص)، فأسره أصحاب النبي (ص)، وجاءوا به إلى المسجد النبوي، فماذا كان رد فعل رسول الله (ص) مع من جاء ليقتله؟! إن الرجل الآن أسير، والأسير يجب إحسان معاملته، والقاعدة لا استثناء فيها،سواء كان الأسير قد جاء لقتل رجلاً عادياً أو جاء ليقتل رسول الله(ص) ولذلك قال (ص) لأصحابه: أحسنوا إساره»، وقال أيضًا: «اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به إليه»، فكانوا يقدمون إليه لبن لقحة الرسول (ص).
وعندا اراد رسول الله(ص) الأنصراف من المسجد جرى حواربينه(ص) وبين الرجل الأسير الذي جاء ليقتله:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟»
فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.
فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) حَتَّى كَانَ الْغَدِ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟.
قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.
فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ:مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟
فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص(: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ.
فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ..
فهذا السلوك الرحيم من رسول الله (ص)ترك في نفس ثمامة أثرًا طيبًا إلى درجة أنه غَيِّر دينه، وأسلم لله رب العالمين، دون ضغط أو إكراه.
هذا الفكر وهذا السلوك هو الفكر والسلوك الذي ننتمي إليه.. نحن ننتمي إلى هذا الفكر المشرق والى هذا السلوك الرحيم والى هذه الأخلاق العظيمة والى هذه القيم الإنسانية والحضارية السامية التي جسدها رسول الله محمد بن عبدالله(ص) وليس الى الفكر الظلامي والسلوك الوحشي واللاإنساني الذي يمارسه التكفيريون.
وعلى جميع المسلمين بكل مذاهبهم وتوجهاتهم أن ينتموا إلى هذا الفكر والى هذا السلوك المحمدي الأصيل, وعلى غير المسلمين عندما يريدون أن يحكموا على الإسلام أو أن يُكوِّنُوا فكرة أوانطباعاً عن الإسلام أن ينظروا إلى هذا الفكر المشرق والى هذا السلوك الإنساني الرحيم الذي جسده رسول الله(ص) في مختلف جوانب حياته مع الجميع , لا أن يأخذوا انطباعاتهم عن الاسلام من سلوك التكفيريين .. فالفكر التكفيري وسلوك التكفيريين لا يمت بصلة إلى فكر الإسلام وسلوكه ولا الى سلوك نبينا محمد (ص).
التكفيريون هم خطر على الإسلام وعلى دين محمد بن عبد الله (ص).
يجب أن يعي المسلمون ان التكفيريين هم خطر فكري وثقافي وسياسي وأمني على الجميع, وهم خطر على الأرض والعرض والمال والبلاد والثروات وكل دول المنطقة.
ولذلك يجب أن تكون المعركة الفكرية والثقافية معهم أولوية وجدية وفاعلة تشارك فيها كل القوى والنخب الفكرية والثقافية وخصوصاً علماء الاسلام .. الذين يجب عليهم بلا مواربة مواجهة هذا الفكر التكفيري الظلامي وهذا السلوك الوحشي واللاإنساني.
مع الأسف الصوت المرتفع ضد التكفيريين في العالم الاسلامي حتى الآن هو صوت رسمي وسياسي وليس علمائي وشعبي , في الوقت الذي يجب ان يتحول العداء للتكفيريين في العالم الاسلامي الى حالة عامة رسمية وسياسية وعلمائية وشعبية.
يجب أن يرتفع الصوت ضد التكفيريين من قبل كل علماء الإسلام ومن قبل كل الشعوب العربية والإسلامية وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي, وأن يصبح التكفيريون منبوذين ومهمشين من كل الشعوب العربية والإسلامية، واعتبارهم فئة شاذة ومنبوذة , ومجرد عصابات للقتل والذبح والتخريب..
و عندما يقوم علماء الاسلام بمسؤولياتهم وتقوم الشعوب العربية والاسلامية بواجباتها على هذا الصعيد, لن يكون هناك مكان لهؤلاء بيننا وفي بلداننا , ونستطيع بذلك أن نشل قدرتهم على الاستقطاب والإرهاب وممارسة الجريمة.
والحمد لله رب العالمين