الوقاية الصحية مسؤولية شرعية
- المجموعة: 2020
- 21 آب/أغسطس 2020
- اسرة التحرير
- الزيارات: 467
اهتم الإسلام اهتماما بالغا بصحة الإنسان وعافيته، واعتبر الصحة من أهم النعم الالهية التي من الله بها على الانسان، ودعا الى حسن الاستفادة من هذه النعمة والحفاظ عليها، والعمل على تعزيزها وتنميتها.
فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع): نعمتان مجهولتان؛ الصحّة والأمان .
وعنه(ع): الصحة أفضل النعم .
وعن الإمام الصادق(ع): النعيم في الدنيا الأمن وصحة الجسم، وتمام النعيم في الآخرة دخول الجنة.
والصحة في المنظور الصحي لها بعدان: بُعد يتعلق بالصحة الفردية، من حيث حماية الإنسان لنفسه من المخاطر التي قد تؤدي إلى اصابته بالمرض وتؤثر على صحته، والوقاية من الامراض لا سيما الامراض االخطيرة والمعدية، وبُعد آخر يتعلق بالصحة العامة، من حيث القيام بالإجراءات التي تضمن الحفاظ على صحة المجتمع وحمايته من الامراض والاوبئة، والوقاية منها والسيطرة عليها واحتوائها والحد من انتشارها، وتوفير الخدمات الصحية والطبية في المجتمع، وغير ذلك مما يساهم في حماية الصحة العامة.
والوقاية الصحية لا سيما من الامراض والفيروسات المعدية، كفيروس كورونا، مسؤولية شرعية، وتكليف فردي وجماعي، فالفرد عليه مسؤولية ان يقي نفسه وصحته من الامراض، والمجتمع ايضا تقع عليه مسؤولية توفير عناصر الوقاية من الامراض، وهذا ما اكدت عليه النصوص حيث روي: (الحمية رأس كل دواء) وقد قيل قديما: (درهم وقاية خير من قنطار علاج) فخير علاج للمرض هو أن نتفادى ونتوقى الوقوع فيه، لذلك أمر الإسلام بالوقاية اتقاء لأي مكروه يمكن أن يقع فيه الانسان، سواء أكان ذلك مرضا أم ضررا متوقعا، وسواء كان المرض يصيب الفرد ام يصيب المجتمع كله.
وقد شرع الاسلام مجموعة من الاحكام والآداب للوقاية من الامراض التي تضر بصحة الانسان، منها:
اولا: الاحكام المتعلقة بالنظافة والطهارة، مثل الوضوء والغسل والسواك وازالة الخبائث والنجاسات العينية الحسية التي تصيب الأبدان والثياب والأمكنة، فان كل هذه الاحكام وغيرها تمنع من التلوث وتزيل المكروبات والفيروسات التي يتعرض لها الجسم وتساهم في الوقاية الصحية، ولأهمية الطهارة فقد اشترطها الله عز وجل لصحة الصلاة التي هي عمود الدين، وأمر عبادة المؤمنين عند قيامهم إلى الصلاة بالوضوء فقال (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين).
واشتراط الوضوء(الطهارة والنظافة) عند كل صلاة وعند الطواف حول الكعبة الشريفة وكذلك عند لمس القران الكريم، واستحبابه على كل حال حتى عند الجماع، يكشف عن مدى تأثير الوضوء الوقائي في صحة الانسان وازالة الاوساخ والفيروسات التي تعلق بالبدن واليدين وتسبب انتقال الامراض الى داخل الجسم، كما هو الحال اليوم في فيروس كورونا الذي يعتبر غسل اليدين والحفاظ على النظافة الشخصية من أهم وسائل الوقاية منه والحيلولة دون انتقاله الى جسم الانسان.
وكما ان نظافة البدن وطهارته شرط لصحة الصلاة، فإن طهارة ونظافة الثياب هي أيضا شرط لصحة الصلاة، وهذا يتطلب من الإنسان حرصا دائما على طهارة ونظافة ملبسه من جميع النجاسات والقذارات، ولا يخفى ما لهذا الأمر من أهمية في إبعاد الإنسان عن مصادر التلوث بالفيروسات المعدية.
ثانيا: التوصيات المتعلقة بنظافة البيئة ونقاوتها، حيث إن الاسلام أكد على حماية البيئة والمحافظة على نظافة المحيط الذي يعيش فيه الانسان ، ونهى عن تلوث المياه والانهار والهواء والحدائق والشوارع، بالنفايات أو المخلفات الصناعية أو المواد السامة ، وأمر بازالة كل ما يؤدي الى تلوث البيئة او يسبب ضررا على صحة الانسان ، فقد نهى النبي(ص) عن تلويث المياه بالبول ، فقال (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد) باعتبار ان البول من النجاسات التي تلوث المياه وتسبب ضررا عند استعمالها، وأمر(ص)بازالة الاوساخ والنفايات والقذارات من الطرقات والاماكن العامة، من أجل أن يعيش الإنسان في محيط نظيف، واعتبر ذلك من افضل شعب الايمان، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا اللَّه وأدناها إماطته الأذى عن الطريق.
ثالثا: الاحكام والآداب المتعلقة بالطعام والشراب،التي تكشف عن حرص الاسلام على صحة الانسان وضرورة توقيه من الامراض، كالدعوة الى الاعتدال في تناول الطعام والشراب وعدم الإسراف في الأكل والشرب (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) والحرص على تناول الطعام والشراب الحلال(يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا).(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم) واجتناب تناول الأطعمة والاشربة الضارة بصحة الإنسان، مثل لحم الميتة، والدم، ولحم الخنزير وغيره، حيث قال تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب).وكذلك اجتناب شرب الخمر وتعاطي المخدرات، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فإنَّ تحريم كل هذه الاصناف الضارة بصحة الانسان، يعد من أهم مُنجزات التشريع الاسلامي في مجال الطِّب الوقائي؛ لإنَّ التزام المجتمع باجتناب هذه الخبائث يَقِيه من الوقوع في العديد من الأمراض المُهلِكة، ويحمي الأجِنَّةَ من التَّشوُّهات، ويَقِي الأفرادَ من الحوادث التي قد تودي بحياتهم.
رابعا: التوجيهات والارشادات الداعية الى الحذر من الأمراض المعدية، والعمل على الحد من انتشارها، فقد قال رسول الله(ص): إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها فلا تخرجوا منها.
وهذا الحديث يدل على الزامية الحجر الصحي لتلافي الاصابة بالامراض المعدية او انتقالها الى الاخرين.
إن كل هذه العناوين والاحكام والاداب والتوصيات والارشادات وغيرها جاءت في سياق الحفاظ على صحة الانسان ووقايته من الامراض، ولتؤكد مدى اهتمام الاسلام بالصحة العامة وحماية البيئة من التلوث والأوبئة.
وكما اهتم الاسلام بالوقاية، فقد اهتم ايضا بالعلاج والتداوي عند الاصابة بالمرض،سواء عن طريق الدواء او الغذاء، أو العبادات والرقيا والأذكار أو غيرها ، ووضع تعاليم صارمة لعزل المرضى المصابين بأمراض معدية، كمرض كورونا، في البيوت أو المستشفيات، او الحاجر الصحية، وعدم السماح لهم بالاختلاط بالآخرين.
وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: (لكل داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دواءُ الداء، بَرَأَ بإذن الله عزَّ وجل).
وعلى المريض أيا كان شأنه وموقعه أن يراعي صحة الناس، وان لا يستهتر بارواح الناس، فمخاطر العدوى جدية وان لم تظهر عوارض المرض ، فقد روي رسول الله (ص): (لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) أي لا يؤتى بمريض على صحيح سليم معافى مخافة ان يختلط به ويعديه وينتشر المرض.
ولذلك فان عزل المصابين بفايروس كورونا هو أمر ضرورة حث عليه الإسلام ليحمي الناس، ويحافظ على سلامتهم، ويدفع عن الإنسان الفرد والاسرة والمجتمع الأذى والضرر، فعلى المصاب أن يحجر نفسه للحد من انتشار المرض، فلا يكون سببا في إصابة غيره من الناس من جراء الاختلاط بهم في الأسواق والمقاهي والاماكن العامة.
اليوم الوضع الصحي في لبنان خرج عن السيطرة وارتفعت مؤخرا أعداد المصابين اليومية الى مستويات مخيفة، ودخلنا في حالة انتشار الوباء في كل البلد، والمستشفيات بحسب المعنيين لم تعد تستوعب الحالات، وأصبح الوضع مقلقا ومحرجا، والحل هو بالعودة للضوابط الصحية والالتزام الكامل بما يقرره اهل الاختصاص من إرشادات وتوصيات وإجراءات صحية تساهم في الحد من انتشار هذا الوباء الخطير قي مجتمعنا.
لذلك نحن نجدد دعوة الجميع الى الالتزام الصارم باجراءات التعبئة العامة التي دعت اليها مجددا الجهات الرسمية المعنية في لبنان، والواجب الديني والاخلاقي والانساني يحتم على الجميع في لبنان الالتزام بهذه الاجراءات رحمة بالأهل والاقارب والناس، وان عدم الالتزام بالاجراءات والارشادات الصحية والاستهتار بنشر الوباء، فيه شبهة التسبب بالقتل وتعريض حياة الناس لخطر الموت، وهو من اعظم الذنوب التي يجب اجتنابها.
ومع حلول شهر محرم وفي ظل الانتشار الواسع لوباء كورونا في لبنان لا بد من التأكيد على إحياء ذكرى عاشوراء في البيوت من قبل الأهل والعوائل، بان يجتمع أفراد العائلة مع بعضهم في كل بيت ويقيمون مجلسا خاصا، او يستمعون الى مجلس عبر وسائل الاعلام او مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، بعيدا عن التجمعات المفتوحة والمباشرة، وبذلك يحولون كل بيت الى ناد حسيني وكل وسيلة الى منبر حسيني، فيجسدون بذلك ما قاله الامام الصادق (ع) لفضيل بن يسار"تجلسون وتحدّثون؟" قال: "نعم، جعلت فداك"، قال: "إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل من ذَكَرنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر".
وعن ابيه الباقر(ع) يقول لاحد اصحابه:"تزاوروا في بيوتكم، فإنّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا". وعنه عليه السلام أنّه قال: "اجتمعوا وتذاكروا تحفّ بكم الملائكة، رحم الله من أحيا أمرنا".