حقوق المسلمين في رسالة الامام السجاد(ع)
- المجموعة: 2014
- 21 تشرين2/نوفمبر 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3902
لشخصية الإمام علي بن الحسين (ع) أبعاد كثيرة، فهناك البعد العلمي والفكري, والبعد الإيماني والعبادي, والبعد الاجتماعي والإنساني, والبعد الأخلاقي والتربوي، والبعد الحقوقي الذي راعى فيه الامام حقوق ربه وحقوق الانسان والمجتمع.وكل هذه الأبعاد تجعل من شخصية الإمام زين العابدين (ع) شخصية عظيمة وفريدة ومتألقة، إلا أن البعد الحقوقي في شخصية الإمام(ع) وفي كلماته أخذ حيزاً واسعاً خصوصاً بعد أن وضع رسالته المعروفة برسالة الحقوق والتي ذكر فيها خمسين حقاً من الحقوق المختلفة التي تنظم علاقة الإنسان بربه ونفسه ومجتمعه.
خلاصة الخطبة:
رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الصهاينة يستفردون بالشعب الفلسطيني في القدس وفي الضفة الغربية وفي مناطق 48 وينكلون بهم ويعتدون عليهم وعلى ارزاقهم ومقدساتهم، ويقضمون ما تبقى من أرضهم ويتمادون في بناء المستوطنات عليها ويدنسون المسجد الأقصى .. معتبراً: أن كل هذا يجري في ظل صمت عربي ودولي مريب إن لم نقل في ظل تواطؤ عربي ودولي.
وقال: إذا كانت الأنظمة صامتة أو متواطئة أو منشغلة عن فلسطين بالحرب على سوريا فان هذا لا يعفي الشعوب من مسؤولياتهم تجاه هذه القضية.
وأكد: على ان الشعوب العربية والاسلامية معنية بأن تقف وقفة جادة لمواجهة ما يقوم به العدو من استهداف للمقدسات. وأنه لا يجوز ان تبقى القدس يتيمة تواجه وحدها الصهاينة من دون ان يتحمل العرب والمسلمون مسؤولياتهم في الدفاع عنها وعن كل فلسطين.
نص الخطبة:
نعزي صاحب العصر والزمان (عج) وولي أمر المسلمين وعموم المسلمين بشهادة الإمام الرابع من أئمة أهل البيت (ع) الإمام علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين الذي كانت شهادته في الخامس والعشرين من شهر محرّم سنة 95 هجرية.
لشخصية الإمام علي بن الحسين (ع) أبعاد كثيرة، فهناك البعد العلمي والفكري, والبعد الإيماني والعبادي, والبعد الاجتماعي والإنساني, والبعد الأخلاقي والتربوي، والبعد الحقوقي الذي راعى فيه الامام حقوق ربه وحقوق الانسان والمجتمع.
وكل هذه الأبعاد تجعل من شخصية الإمام زين العابدين (ع) شخصية عظيمة وفريدة ومتألقة، إلا أن البعد الحقوقي في شخصية الإمام(ع) وفي كلماته أخذ حيزاً واسعاً خصوصاً بعد أن وضع رسالته المعروفة برسالة الحقوق والتي ذكر فيها خمسين حقاً من الحقوق المختلفة التي تنظم علاقة الإنسان بربه ونفسه ومجتمعه.
هذه الرسالة القيمة ترسم منهجاً سلوكياً هاماً في حياة الإنسان، وقد سبق الإمام (ع) بها بأكثر من ثلاثة عشر قرناً شرعة حقوق الإنسان والاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر في القرن الماضي والذي لا يزال أحد أهم شعارات ومنجزات العصر الحديث.
والقيمة الأساسية لرسالة الحقوق تكمن في أنها صدرت من شخص بلغ أعلى مراتب السمو والكمال الإنساني، ومن انسان جسّد في سيرته ومواقفه كل الحقوق التي ذكرها, كما أن قوتها أيضاً تكمن في أنها صدرت في مرحلة كان الحكام الأمويون يسحقون كرامة الإنسان المسلم, ويدوسون على حقوقه, ويتعاملون بسياسة الترهيب والتخويف والتفريق والتمييز.
لقد جسدت رسالة الحقوق أروع وأرقى آداب التعامل بين الناس بما يؤدي إلى استقرار العلاقات الإنسانية وبناء حياة هادئة ومستقرة يحترم فيها الإنسان وتراعى فيها حقوقه وحقوق المجتمع والأمة..
وحيث إننا لا نستطيع أن نتناول كل ما تضمنته هذه الرسالة في حديث واحد فإنني سأقتصر في الحديث عن حق أساسي من الحقوق التي ذكرها الإمام (ع) في رسالته وهو حق أهل الملة, اي حق المسلمين حيث يقول (ع):
أما حق أهل ملتك عامة، فاضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرفق بمسيئهم وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم إلى نفسه واليك، فإن إحسانه إلى نفسه إذا كفَّ عنك أذاه وكفاك مؤونته وحبس عنك نفسه، فعُمهم جميعاً بدعوتك، وانصرهم جميعاً بنصرتك، وأنزلهم جميعاً منك منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه.
أهل ملتك عامة: هم المسلمون بكل مذاهبهم وأعراقهم وألوانهم وانتماءاتهم, سواء كانوا سنة أو شيعة أو علويين أو زيديين أو غير ذلك و سواء كانوا عرباً أو عجماً أو أكراداً أو غير ذلك.
كل من ينتمي إلى الإسلام يدخل في الملة، ومجرد الانتماء إلى الإسلام يرتب مجموعة من الحقوق والواجبات بين المسلمين, ويفرض مجموعة من الآداب التي لا بد من الالتزام بها فيما بينهم, ويستلزم نمطاً من العلاقات يتم بموجبه التعامل مع بعضهم البعض على أساس الأخلاق والسلام والأمان والاحسان والاستقامة والنصرة .
فالانتماء إلى الإسلام يرتب الكثير من الحقوق والالتزامات التي لا بد من مراعاتها, وأول هذه الحقوق حسبما يقول الإمام (ع) إضمار السلامة: يعني أن تضمر السلامة والمودة والأخاء والأمن لجميع المسلمين, وأن لا تعتدي عليهم أو على أموالهم وأعراضهم كما قال رسول الله (ص): (كل المسلم على المسلم حرام, دمه وماله وعرضه).
مجرد أن يدخل الإنسان في الإسلام ويصبح من المسلمين (من أهل الملة) يصبح دمه حرام فلا يجوز الاعتداء عليه أو جرحه أو قتله، ويصبح ماله حرام فلا يجوز سرقة ماله أو حجز ماله أو تدمير ممتلكاته ورزقه.. ويصبح عرضه حرام فلا يجوز النظر الحرام إلى عرضه أو مس عرضه إلا في إطار الزواج الشرعي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان اضمار السلامة يرتب حقوقاً اخرى لا بد للمسلمين بما هم جماعة يعيشون حياة مشتركة في المجتمع ان يراعوها .. فيراعوا الحق العام والنظام العام والحقوق المدنية المشتركة بينهم, بأن يحافظوا على النظافة العامة وعلى البيئة العامة، وان يحترموا قوانين السير لتقليل الحوادث وتسهيل انتقال الناس، وان يحافظوا على حق المرور لجميع الناس، وان يراعوا استخدام السكن بطريقة لا تؤذي الجيران او استخدام الأرصفة والممرات العامة والطرقات بما لا يعيق حركة الناس، واستخدام المشاعات العامة بما ينفع جميع الناس، وان يتحملوا اعباء الخدمات العامة في المبنى الواحد وفي الحي الواحد لتستقيم الحياة وتنتظم بشكل حضاري.
فان كل هذه الأمور هي حقوق مشتركة للجميع, وعلى الجميع احترامها لأنها ترتبط بالسلامة العامة التي هي حق اساسي من حقوق المسلمين تجاه بعضهم البعض.
فالمسلم يجب أن يتعامل مع المسلمين على أساس هذه القواعد, وأن يكون سلوكه بين الناس وفي المجتمع سلوكاً ينسجم مع هذه القواعد ومع هذه الحقوق, بأن يفشي السلام والأمان والطمأنينة والمحبة والمودة والاحسان بين المسلمين, وان يحافظ على النظام العام في المجتمع حتى يعيش المسلمون فيما بينهم في جو هادئ ومستقر يأمنون فيه على حياتهم وأموالهم وأعراضهم, ويحافظون فيه على مظهرهم ومظهر بلدانهم ومناطقهم وأحيائهم, لتكون بلدانهم ومناطقهم واحيائهم نموذجا يحتذى في الحضارة والنظافة والترتيب ومراعاة النظام العام.
وثانياً: أن ينشر لهم جناح الرحمة, فالإسلام دين الرحمة [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين]. والرحمة يجب أن تكون جزءاً من شخصية الإنسان المسلم وجزءاً من سلوكه العام مع الجميع, مع الاصدقاء والغرباء والعاملين والارحام والزوجة والاولاد والفقراء وغيرهم, والرحمة مع الأصدقاء تكون بالعفو عن أخطائهم, والرحمة مع الموظفين والعاملين بأن تعاملهم باللين والرفق لا بالقسوة، والرحمة مع الأرحام والأقارب تكون بالتواصل معهم ومساعدتهم ولو كانوا مقصرين في حقك، والرحمة بالزوجة والأولاد تكون بالعفو عن سيئاتهم وأخطاءهم، والرحمة بالفقراء تكون بمديد العون لهم ورفع الحرمان عنهم.
فرحمتنا يجب أن تسع كل الناس في المجتمع, بأن ننشر الرحمة فيما بينهم لا القسوة والغلظة والعداوة والشحناء والبغضاء.
وثالثاً: الرفق بمسيئهم، فالإنسان معرض للوقوع في الخطأ وقد تصدر منه إساءة في القول أو في الفعل او في الموقف، ففي الحديث:( كل بني آدم خطاء, وخير الخطائين التوابون) فلا بد أن يكون الإنسان واسع الصدر يستوعب المخطىء والمسيء ويعينه على نفسه ويربيه ويوجهه نحو الصواب بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والسلوك الايجابي، ليتراجع عن خطأه وإساءته، فبدل أن تتعامل مع المسيء بسلبية وغلظة وعداوة فينفر منك ويتمادى في إساءته استخدم معه الأسلوب الإيجابي اللطيف الهادئ الذي تستطيع من خلاله احتضانه واستقطابه وإصلاحه.
ورابعاً: وتألفهم: من حق المسلمين عليك أن تعمل على تآلفهم ووحدتهم واجتماع كلمتهم، وتبتعد عن كل ما يفرقهم ويجعلهم متباعدين ومتناحرين ومشرذمين..
وخامساً: واستصلاحهم: أن يعمل على إصلاحهم وهدايتهم وإصلاح ذات بينهم.
وسادساً: أن يشكر محسنهم على إحسانه ويشجعه على هذه الظاهرة التي تعود فائدتها على الجميع.
وسابعاً: أن يقوم بنصرتهم في مواجهة الأعداء والتحديات, ونصرة قضاياهم
من المؤكد أن هذه الحقوق لو طبقها المسلمون في حياتهم لكانوا يداً واحدة وقوة واحدة وكلمة واحدة ولما اختلفوا وتناحروا وتفرقوا ولما استفرد بهم العالم ..
اليوم الصهاينة يستفردون بالشعب الفلسطيني في القدس وفي الضفة الغربية وفي مناطق 48 وينكلون بهم ويعتدون عليهم وعلى ارزاقهم ومقدساتهم، ويقضمون ما تبقى من أرضهم ويتمادون في بناء المستوطنات عليها ويدنسون المسجد الأقصى.. يجري كل هذا في ظل صمت عربي ودولي مريب إن لم نقل في ظل تواطؤ عربي ودولي.
اليوم إذا كانت الأنظمة صامتة أو متواطئة أو منشغلة عن فلسطين بالحرب على سوريا فان هذا لا يعفي الشعوب من مسؤولياتهم تجاه هذه القضية.
يجب ان تقف الشعوب العربية والاسلامية وقفة جادة لمواجهة ما يقوم به العدو من استهداف للمقدسات , ولا يجوز ان تبقى القدس يتيمة تواجه وحدها الصهاينة من دون ان يتحمل العرب والمسلمون مسؤولياتهم في الدفاع عنها وعن كل فلسطين.
والحمد لله رب العالمين