كيف نستقبل شهر رمضان؟
- المجموعة: 2013
- 05 تموز/يوليو 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 951
أهم ما في هذا الشهر هو صيام هذا الشهر, هذا الواجب الذي افترضه الله في قوله تعالى:(يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فهذه الأية المباركة تدل بشكل واضح على أن الصيام فريضة دينية واسلامية واجبة ولازمة لأن كلمة(كتب) تعني الفرض والإلزام والوجوب.
خلاصة الخطبة
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: تيار المستقبل يتحمل كل قطرة دم سقطت في صيدا أو يمكن أن تسقط في أي مكان آخر بسبب خطابه التحريضي المذهبي المستمر.
رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن لغة التحريض التي يستخدمها الفريق الآخر هي التي أدت إلى الإنفجار في صيدا, وهي قد تؤدي إلى الإنفجار في أي مكان آخر من دون الحصول على أية مكاسب, لأن التحريض يجر إلى المزيد من التوترات والويلات والخسائر والانتكاسات ولن ينفع المحرضين.. بل يضر بالمحرضين أكثر من غيرهم..
وقال: لقد جربتم الفتنة وكانت نتائجها وخيمة عليكم, وكنا نتمنى أن لا تكون.. فلماذا الإصرار عليها؟ ولماذا الاستمرار في شحن النفوس والتحريض, وإطلاق الأكاذيب, وتضليل الراي العام من خلال القول بأن حزب الله قصف صيدا, وأن حزب الله يعتقل شباب صيدا وغير ذلك من الأكاذيب والاقتراءات التي يراد منها تحريض الناس في صيدا وغير صيدا على المقاومة.. وإشعال الفتنة مجدداً في أكثر من مكان..
وتساءل: ألا يفكر هؤلاء بما ستؤول إليه الأمور في حال استمرارهم بالتحريض على المقاومة والجيش من أجل تحقيق مكاسب سياسية رخيصة..؟ وهل أن العبور إلى الدولة الذي رفعوا شعاره يكون بتحطيم الجيش والمؤسسات؟
واعتبر: أن على الفريق الآخر أن يتعظ من كل التجارب التي خاضها حتى الآن وآخرها ما حصل في صيدا.. وأن يقلعوا عن لغة الشحن والتحريض المذهبي, وأن يعرفوا أن التحريض لن يوصلهم إلى شيء, بل سيصيبهم بمزيد من الخسائر والانتكاسات والمصائب.
وأكد: أن تيار المستقبل يتحمل كل قطرة دم سقطت في صيدا أو يمكن أن تسقط لا سمح الله في أي مكان آخر بسبب خطابه التحريضي المذهبي المستمر.
نص الخطبة
هذه الجمعة المباركة هي آخر جمعة من شهر شعبان المعظم,وفي آخر جمعة من شهر شعبان المعظم وقف رسول الله (ص) ليلقي في المسلمين خطاباً يستقبل فيه شهر رمضان, ويبين فيه أهمية شهر الله, وعظمة شهر الله, والأعمال التي افترضها الله في هذا الشهر, واعتبر فيه أن هذا الشهر هو شهر الله , وأن الزمن فيه يحمل عنواناً إلهياً وأن على الانسان أن يستثمره.
أهم ما في هذا الشهر هو صيام هذا الشهر, هذا الواجب الذي افترضه الله في قوله تعالى:(يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فهذه الأية المباركة تدل بشكل واضح على أن الصيام فريضة دينية واسلامية واجبة ولازمة لأن كلمة(كتب) تعني الفرض والإلزام والوجوب.
وقد استعمل القرآن في أكثر من آية فعل(كتب) بمعنى فُرض للدلالة على فرض تشريعات وواجبات أخرى.
فقال تعالى: (كتب عليكم القصاص) وقال تعالى:(وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف..)الى غير ذلك من الآيات.
ولعل التعبير بفعل(كتب) هنا له دلالة أخرى وهي: أن هذه الفريضة هي فريضة مؤكدة وذات أهمية خاصة, لأن كلمة (كتب) تفيد التأكيد وتوحي بشدة العناية بما كتبه الله سبحانه وتعالى, فعندما يقول: (كتب عليكم الصيام) فكأن الله عز وجل يريد الإيحاء بأن هذه الفريضة هي فريضة مهمة ومؤكدة ولا يجوز إغفالها ولا إهمالها ولا الوقوف منها موقف اللامبالاة.
ونلاحظ في الآية أيضاً بإن الله يخاطب خصوص المؤمنين(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) ولا يخاطب عامة الناس, وذلك من أجل أن يذكرهم بصفة الإيمان التي يحملونها نتيجة تصديقهم بمحمد(ص) واتباعهم له, لأن مقتضى كونهم مؤمنين هو أن يتقبلوا ما يفرضه الله عليهم وما يُوجبه الله عليهم, مقتضى كونهم مؤمنين هو أن يطبقوا أحكام الله وتشريعات الله, لأن الإيمان يقتضي من الإنسان أن يجسد الأحكام والتشريعات والقيم والمفاهيم التي يحملها ويقتنع بها في العمل والممارسة والسلوك, الإيمان في الإسلام ليس مجرد صفة قلبية وإعتقادية يُصدّق بها القلب فقط من دون ان تحرك الإنسان نحو العمل والممارسة والطاعة, الإيمان لا قيمة له إذا لم يتجسد في العمل, لا قيمة له إذا لم يتجسد في العبادة وفي العمل الصالح وفي فعل الخيرات, ولذلك فإن الله عزوجل يخاطب خصوص المؤمنين قي هذه الآية ليقول لهم: يجب عليكم ان تقوموا بهذه الفريضة من موقع إيمانكم وتجسيداً لإيمانكم, لأن إيمانكم يفرض عليكم أن تطبقوا أحكام الله وتشريعاته والواجبات التي افترضها عليكم مهما كانت هذه الأحكام شاقة وصعبة وقاسية, ومهما كانت هذه الأحكام مخالفة لشهواتكم ولإهوائكم وعاداتكم, ومهما كانت هذه الأحكام تفرض عليكم أن تجوعوا وأن تعطشوا وأن تجهدوا أنفسكم بنحو أو بآخر.
والمشهور عندنا أن فريضة الصوم فرضت على المسلمين في السنة الثانية للهجرة ولم تفرض قبل ذلك, نعم بعض المفسرين يقول بأن الله فرض الصيام على المسلمين قبل ذلك وأنه فرضه بالتدريج, حيث فرض في البداية صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عاشوراء, فكان المسلمون يصومون ثلاثة أيام من كل شهر ويصومون يوم العاشر من محرم من كل سنة, ثم بعد ذلك في السنة الثانية للهجرة النبوية فرض الله صيام شهر رمضان كاملاً ونسخ وجوب صيام الأيام الثلاثة من كل شهر.
هذا ما يقوله بعض المفسرين.. وهو يستند في ذلك الى بعض الروايات الواردة عن رسول الله (ص), ولكن هذه الروايات لا تخلو من ضعف واختلاف وتناقض.
والحقيقة أن البحث العلمي لا يساعد على هذا القول على الاطلاق, بل إن التحقيق العلمي يظهر بطلان هذا القول وعدم صحته وصوابيته وذلك:
أولاً: لأن الروايات التي تدل على أن الله فرض صيام ثلاثة أيام من كل شهر هي روايات ضعيفة السند ولا يمكن الأخذ بها.
وثانياً: أن هذه الروايات متعارضة ومتضاربة فيما بينها, فبعضها يقول: بأن صوم الأيام الثلاثة كان فريضة وبعضها يقول: بأنه كان مندوباً ومستحباً وليس فريضة.
وبالنسبة لصوم يوم العاشر فإن بعضها يقول: بأن النبي(ص) لما قدم الى المدينة رأى اليهود يصومون يوم العاشر من المحرم , فسألهم عن ذلك فقالوا: هو اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون, ولأن الله أغرق فيه آل فرعون ونجى فيه موسى فنحن نصومه تبركاً به, فقال النبي(ص): نحن أحق بموسى منهم , فصام ذلك اليوم وأمر المسلمين بصومه! بينما في روايات أخرى: أن المسلمين اعترضوا على رسول الله بصوم يوم العاشر بقولهم: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فكيف نتبعهم في ذلك؟! فقال النبي لهم: إذا كان العام المقبل نصوم اليوم التاسع!
إن كل هذا يدل على أن هذه الروايات متناقضة ومتعارضة وهذا ما يجعلنا نرفض هذه الروايات ولا نأخذ بها.
ثالثاً: لو كان الصيام مفروضاً قبل شهر رمضان لكان ذلك متواتراً بين المسلمين, ولنقل لنا المسلمون الأولون ذلك بالتواتر, ولكان التاريخ ضبط هذا الواجب الإلهي ولم يقع فيه أي اختلاف, لأن الصوم هو واجب عام فرضه الله على جميع المسلمين وليس على فئة خاصة منهم, وهذا ما لم يحصل, حيث لم ينقل بالتواتر, ووقع فيه الإختلاف, مما يعني بأن فرض الصوم قبل شهر رمضان غير ثابت.
رابعاً: أغلب الظن أن الروايات التي تتحدث عن وجوب صوم يوم العاشر من محرم وغيره من الأيام قبل فرض صيام شهر رمضان هي من وضع الأمويين, وذلك لتشويه التشريع الإسلامي, وليضفوا قدسية خاصة على اليوم الذي ارتكبوا فيه مذبحة بحق ابن بنت رسول الله الحسين بن علي(ع), كانوا يريدون أن يجعلوا من ذلك اليوم الذي قتلوا فيه الحسين بن علي يوماً مقدساً ليخفوا جريمتهم النكراء, وليخفوا وحشيتهم التي أظهروها في ذلك اليوم في وقعة كربلاء.
لذلك كله فإن كل الروايات التي تتحدث عن ان الله فرض صياماً قبل شهر رمضان أو بالتدريج هي روايات غير معتبرة ولا نأخذ بها.
والصحيح هو القول المشهور الذي يفيد بأن الله فرض صيام شهر رمضان كاملاً ودفعة واحدة على جميع المسلمين في السنة الثانية للهجرة ولم يفرض صياماً قبل ذلك.
ومنذ أن فرض الصيام على المسلمين في السنة الثانية للهجرة بقي شهر رمضان نوراً يشع على المؤمنين والمسلمين, بقي هذا الشهر العظيم مدرسة في التربية يستلهم منه المسلمون كل المعاني الإيمانية والأخلاقية والتربوية والإجتماعية.
ولا بد أمام هذا الشهر المبارك وفي استقباله من أن يقف الإنسان ليستعد لدخول شهر الرحمة وللدخول في الزمن الإلهي الذي افترض الله فيه الصيام من أجل أن يستفيد الانسان من الفرص الالهية التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيه , كما قال النبي(ص) في خطبته في آخر جمعة من شهر شعبان المعظم: فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه, فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.
إذن: لا بد أن يستعد, وأن يطهر نفسه ويصفي نيته, ليدخل في شهر الله وهو مستعد لصيامه وقيامه وفعل الطاعات فيه بإخلاص وصدق نية.
ولعل من أهم الأعمال التي ذكرها النبي(ص) في خطبته الشهيرة في آخر جمعة من شهر شعبان هي الأعمال العبادية: الأعمال التي يتقرب فيها الإنسان الى الله, الأعمال التي يعمق فيها الإنسان علاقته بالله عزوجل, حيث ورد أن هناك الكثير من الأعمال العبادية المباركة, كتلاوة القرآن (ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور) وكالدعاء, فإن الدعاء فيه مستجاب, وكالتوبة إلى الله, بأن يعود الإنسان الى ربه ويفتح معه صفحة جديدة, والاستغفار, وطول السجود, وصلاة النوافل (ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار), والإكثار من الصلاة على النبي محمد "ص" (ومن أكثر فيه من الصلاة عليَّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين).
ومن الأعمال المهمة في شهر رمضان ,الأعمال الإجتماعية والأعمال الخيرية, الأعمال التي تعبر عن سمو إنساني رفيع, كالتصدق على الفقراء والمساكين, وتوقير الكبار والرحمة بالصغار, وصلة الأرحام وانهاء الخصومات والنزاعات وخاصة العائلية وفضها وإنهاء القطيعة والتباعد بين الأرحام (ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه), وإكرام الأيتام والتحنن عليهم, وإفطار الصائمين, وتوزيع الطعام عليهم وخاصة على الفقراء والمساكن.
ومن الأعمال أيضاً, الأعمال الأخلاقية والسلوكية التي تتعلق بتهذيب النفوس وتصحيح السلوك, حيث أشار النبي(ص) الى الكثير منها فقال(ص): (واحفظوا ألسنتكم) احفظوها عن الغيبة وعن النميمة وعن الألفاظ الفاحشة وعن السب والشتم والتحريض واشعال نار الفتنة.. احفظوا ألسنتكم لأن الناس إنما يدخلون النار بما حصدت ألسنتهم, وغضوا أبصاركم عما حرّم الله النظر إليه, وغضوا أسماعكم عما لا يحل الاستماع إليه, وحسنوا أخلاقكم لتكون أخلاقنا كأخلاق رسول الله(ص) الذي كان يعامل الناس بالرفق واللين والرحمة والعفو والتسامح والتجاوز عن أخطائهم وإساءاتهم حيث يقول: (ومن حسن في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام), من يستطيع في شهر رمضان وهو جائع ومجهد أن يضبط أعصابه في داخل أسرته مع أولاده ومع زوجته ومع جيرانه وأبناء مجتمعه ومن يعيش من حوله كان له جواز على الصراط, من يستطيع أن يضبط أعصابه حتى في حالات الإستفزاز ويتعامل مع الناس بطيبة ورحمة وأخلاق عالية كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام, وأيضاً من أستطاع أن يكف فيه شره عن الآخرين وعدوانه عليهم كف الله عنه غضبه يوم القيامة (ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه).
هذه هي الأخلاق الاسلامية والرسالية التي أمر النبي(ص) المسلمين أن يستقبلوا بها شهر رمضان وأن يجسدوها طيلة هذا الشهر المبارك ليكونوا بمستوى مرضاة الله عزوجل ولينالوا رحمة الله وعفوه ورضوانه.
وأمام هذا الجو الذي يفرضه علينا الصيام يجب أن تكون أعمالنا وأخلاقنا وعلاقاتنا ومواقفنا منسجمة مع قيم هذا الشهر ومع المعاني السامية التي يجب أن نعيشها, أن نبتعد عن التحريض وعن كل لغة يمكن أن تباعد فيما بيننا, أو يمكن أن تمزق وحدة المسلمين ووحدة هذه الأمة, لأننا مع كل أسف لا زلنا نسمع من الفريق الآخر لغة التحريض الممجوجة من قبل اللبنانيين, التحريض على الجيش, وعلى المقاومة, والتشجيع على اشعال الفتنة.
هذه اللغة هي التي أدت فبل اسبوعين إلى الإنفجار في صيدا, وهي قد تؤدي إلى الإنفجار في أي مكان آخر في حال استمرارها من دون أن تعطي المحرضين أية مكاسب وأية امتيازات, لأن التحريض يجر إلى المزيد من التوترات والويلات والخسائر والانتكاسات ولن ينفع المحرضين.. بل يضر بالمحرضين أكثر من غيرهم..
لقد جربتم الفتنة وكانت نتائجها وخيمة عليكم, وكنا نتمنى أن لا تكون.. فلماذا الإصرار عليها؟ ولماذا الاستمرار في شحن النفوس والتحريض, وإطلاق الأكاذيب, وتضليل الراي العام من خلال القول بأن حزب الله قصف صيدا وأمطرها بوابل من القذائف والصواريخ, وأن حزب الله يعتقل شباب صيدا وغير ذلك من الأكاذيب والأضليل والاقتراءات التي يراد منها تحريض الناس في صيدا وغير صيدا على المقاومة.. وإشعال الفتنة مجدداً في أكثر من مكان..
ألا يفكر هؤلاء بما ستؤول إليه الأمور في حال استمرارهم بالتحريض على المقاومة والجيش من أجل تحقيق مكاسب سياسية فئوية رخيصة..؟
هل أن العبور إلى الدولة الذي رفعوا شعاره يكون بتحطيم الجيش والمؤسسات؟
على الفريق الآخر أن يرأفوا باللبنانيين يتعظ من كل التجارب التي خاضها حتى الآن وآخرها ما حصل في صيدا..
عليهم أن يقلعوا عن لغة الشحن والتحريض المذهبي, وأن يعرفوا أن التحريض لن يوصلهم إلى شيء, بل سيصيبهم بمزيد من الخسائر والانتكاسات والمصائب.
وعلى تيار المستقبل خصوصاً أن يعرف أنه يتحمل كل قطرة دم سقطت في صيدا, وهو يتحمل كل قطرة دم يمكن أن تسقط لا سمح الله في أي مكان آخر في المستقبل بسبب خطابه التحريضي المذهبي المستمرالذي لا يخدم مصلحة اللبنانيين.
لذلك عليهم رأفة باللبنانيين وبهذا البلد أن يقلعوا عن هذه اللغة حتى يستطيع الناس أن يعيشوا بأمن وسلام في هذا البلد وأن يواجهوا التحديات الكبيرة المحيطة بهم.
ويدنا كانت ولا زالت ممدودة من أجل تحقيق مصالح هذا البلد ورفعة شأن أهله.
والحمد لله رب العالمين