الصفحة الرئيسية
بين هجرة النبي(ص) وهجرة الحسين(ع)
- 16 تشرين1/أكتوير 2015
- الزيارات: 1389
النبي محمد (ص) هاجر في الزمان والمكان, من مكة الى المدينة, ليخرج الناس من الظلمات إلى النور, ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله، والحسين(ع) هاجر في الزمان والمكان من المدينة الى كربلاء, ليعلم الناس كيف يخرجون من الضعف والوهن والاستسلام والذل ليحفظوا بدمهم إسلامهم ودينهم وليصنعوا بدمهم عزة الأمة وكرامة الأمة.
خلاصة الخطبة
أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن مجاهدي المقاومة الإسلامية في لبنان هم من أبرز مصاديق المهاجرين في سبيل الله, الذين تركوا الدنيا وراء ظهورهم ومضوا إلى حيث الشهادة ولقاء الله, معتبراً: أنهم يصنعون اليوم بدمائهم حصانة يحتاجها لبنان في مواجهة التهديدات الصهيونية والتكفيرية.
وأشار: الى أن تضحيات المجاهدين في سوريا والشهداء الذين سقطوا فيها إنما سقطوا دفاعاً عن لبنان ومن أجل حماية لبنان من العصابات التكفيرية التي لو تُركت بلا مقاومة لاجتاحت لبنان واستباحت أرضه وقتلت شعبه كما فعلت في سوريا والعراق وليبيا وغيرها..
وقال: إن كثافة حضور جيل الشباب في ساحات المواجهة, واندفاعه للمواجهة بروحية نضالية عالية, واستعداده للتضحية والالتحام مع العدو, وارتفاع معنوياته, وازدياد حجم القلق بل الخوف والرعب الإسرائيلي من المدى الذي وصلت إليه المقاومة الشعبية, كل ذلك يضع الشعب الفلسطيني أمام فرصة حقيقية لولادة انتفاضة جديدة ولتفعيل عمل المقاومة بكل الأساليب والوسائل.
ولفت: الى أن من أسوأ نتائج ما يحصل في المنطقة هو صرف اهتمام شعوب المنطقة عما يجري في فلسطين.
وقال: إذا كانت الأنظمة صامتة أو متواطئة أو منشغلة عن فلسطين بالحرب على سوريا فإن هذا لا يعفي الشعوب من مسؤولياتها تجاه هذه القضية, داعياً: الشعوب العربية والإسلامية الى وقفة جادة لمواجهة ما يقوم به العدو من استهداف للشعب الفلسطيني وللمقدسات وللمسجد الأقصى.
نص الخطبة
[وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يخرجوك أو يقتلوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين].
هذا اليوم هو اليوم الثاني من السنة الهجرية الجديدة سنة 1437 هجرية, وقد كانت هجرة رسول الله (ص) من مكة إلى المدينة هي مبدأ التاريخ الإسلامي, فقد اختير عام الهجرة النبوية الشريفة ليكون العام الذي يؤسس عليه التاريخ الإسلامي، باعتبار أن هجرة النبي (ص) من مكة إلى المدينة هي من الأحداث العظيمة والمهمة في تاريخ الاسلام وفي حياة الأمة، بل في حياة البشرية.
وسأتحدث هنا عن هجرة النبي (ص) من مكة إلى المدينة ودلالاتها، وعن هجرة الحسين (ع) من المدينة إلى كربلاء ودلالاتها, لأن كلا الهجرتين في المضمون والجوهر والهدف والرسالة واحد.
هجرة الرسول كانت تدبيراً إلهياً وتلبية لأمر إلهي, كانت فعلاً تأسيسياً تم التخطيط له, ولم تكن مجرد ردة فعل على مضايقات طواغيت قريش, كانت بداية مرحلة جديدة في حياة الأمة، وكانت تحولاً هائلاً في تاريخ الإسلام، لأن الهجرة مهدت لبناء الدولة الإسلامية ولانطلاقة الاسلام بحرية نحو العالم كله, حيث لم تعد مكة صالحة لتكون قاعدة لانطلاق الاسلام ونشر قيمه, بسبب مضايقة طواغيت قريش ومحاصرتهم للنبي (ص) وللمسلمين الذين اتبعوه بإحسان وصدقوا برسالته.
فقد اجتمع طواغيت قريش بعد مضي ثلاثة عشر سنة من الصراع مع النبي (ص) في مكة, وبعدما استنفذوا كل الوسائل الإرهابية لثنيه عن دعوته ورسالته, من التشهير والإساءة وإلحاق الأذى والاتهامات والشائعات والحصار والتجويع والتعذيب والتنكيل والترغيب والترهيب,وفشلوا, اجتمعوا بعد كل هذا الصراع وبعد كل هذه السنين وتداولوا في أمر النبي (ص) وطرحوا في اجتماعهم ثلاثة خيارات:
ـ الأول: الحبس (ليثبتوك).
ـ الثاني: النفي (أو يخرجوك).
ـ الثالث: القتل (أو يقتلوك).
وحيث إن الحبس والنفي غير مضمون النتائج, لأن حبس النبي (ص) قد يوتر الأمر أكثر ويجعل اصحاب النبي يلجؤون إلى أساليب معينة من أجل إطلاق سراحه، والنفي قد يتيح للنبي(ص) أن يصبح أقوى في المنفى, لذلك كان الخيار الأخير الذي اعتمدوه هو خيار القتل والتخلص من النبي (ص) وتوجيه الضربة القاضية والحاسمة له ولرسالته.
لكن من يتحمل مسؤولية القتل؟ فرسول الله من بني هاشم وبنو هاشم لن يسكتوا وسيقومون بالثأر من القاتل, لأن التركيبة الاجتماعية آنذاك كانت تركيبة عشائرية قبلية, فإذا كان القاتل من عشيرة واحدة يمكن أن تسلم القاتل, لذلك اختاروا أن تنتدب كل عشيرة واحداً من رجالها، ويشارك الجميع في اغتيال النبي(ص) وتصفيته حتى يضيع دمه بين القبائل، ووضعوا لذلك خطة محكمة, فأخبر الله رسوله بالأمر, وفي ليلة التنفيذ أمره الله بالهجرة إلى المدينة, وطلب رسول الله(ص) من أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب(ع) أن يبيت في فراشه للتغطية وإشغال القتلة عن ملاحقة رسول الله(ص) فيما لو كان البيت خالياً. وخرج رسول الله دون أن يروه إلى الغار ودخل المشركون بيت النبي (ص) وفوجئوا بعلي(ع) وأدركوا أن الرسول غادر, فلاحقوه إلى الغار وإذا بخيوط العنكبوت تلف باب الغار وبالحمامة الوحشية وبيضها في داخل الغار مما اوحى لهم بأن لا أحد في الغار بينما النبي(ص) كان في داخله وقد حماه الله من الأفاعي التي كانت موجودة في المكان, وهكذا حماه الله ووصل إلى المدينة, وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الإسلام وفي حياة الأمة, ثم تتالت الانتصارات, وسقطت القيم الجاهلية, وبقي لها جذور في الأمة, ومضت الأيام والسنون وحصلت في العالم الإسلامي أحداث مهمة ومصيرية إلى أن جاء اليوم الذي ابتليت فيه الأمة بحاكم مثل يزيد بن معاوية.
وهنا وقف الحسين (ع) في المدينة ورأى عندما دُعي لمبايعة يزيد أن مبايعته لهذا السلطان الفاسق الفاجر البعيد كل البعد عن الإيمان والورع والقيم والأخلاق، ستقضي على قيم الإسلام ورسالته, وستعود قيم الجاهلية من جديد لتسيطر على حياة الناس بعدما سقطت بفعل هجرة النبي (ص) وانتصاراته.
وهنا خرج الحسين (ع) ليواجه هذا الخطر الجاهلي الأموي الذي يمثله يزيد، لكي يحفظ الإسلام وقيم الإسلام بالشهادة وبالدم المسفوك في كربلاء, فكانت هجرة الحسين(ع) من المدينة إلى كربلاء.
وإذا أردنا أن نقارن بين هجرة الرسول(ع) وهجرة حفيده الحسين(ع) من حيث النتائج، فإننا نستطيع أن نقول: إن هجرة الرسول(ص) كانت من أجل تعميم ونشر قيم الإسلام وإيصاله الى قلوب وعقول الناس, والإنطلاق مجدداً من موقع القوة الجديدة في المدينة للقضاء على قيم الجاهلية والشرك، وهجرة الحسين (ع) كانت هجرة من أجل الحفاظ على قيم الإسلام ومكتسبات الاسلام وإنجازات رسول الله (ص) وعدم عودة قيم الجاهلية من جديد, تلك القيم التي أراد رسول الله (ص) القضاء عليها في هجرته.
ما نستفيده من هجرة النبي (ص) ومن هجرة الحسين (ع) ومَنْ معهما, ومن تضحياتهم في سبيل الدين والعقيدة:
أولاً: ان الإنسان يجب أن يكون على استعداد كي يضحي بوطنه الذي عاش فيه وبعلاقاته وماله وكل ما يملك في سبيل الحفاظ على دينه ودين عائلته وأولاده, فالهجرة تكون واجبة شرعاً لحفظ الدين، فليست الدنيا هي كل شيء ولا المال ولا الأمن ولا السلامة ولا الراحة, هذه الأشياء يطلبها الإنسان, ولكن بالدرجة الأولى ما يجب أن يطلبه الإنسان ويحرص عليه هو سلامة الدين, لأنه بسلامة الدين ينجو الإنسان يوم القيامة ويحصل على خير الدنيا والآخرة.
وثانياً: يتسع عنوان الهجرة ليتجاوز الزمان والمكان.. وليشمل هجرة السيئات والموبقات والمعاصي والمحرمات, فعلي (ع) يقول: إنما المهاجرون الذين يهجرون السيئات ولم يأتوا بها. المهاجرون الحقيقيون إلى الله هم الذين يتركون السيئات ويهجرون المعاصي والمحرمات, وينتقلون من النفس الأمارة بالسوء إلى الله والى طاعة الله, ومن الظلمات إلى النور, ومن الجهل إلى المعرفة, ومن المعصية إلى الطاعة, ومن التكبر والعجب إلى التواضع, ومن كل ما يبعد عن الله إلى كل ما يقرب من الله.
فالنبي (ص) هاجر في الزمان والمكان, من مكة الى المدينة, ليخرج الناس من الظلمات إلى النور, ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله، والحسين(ع) هاجر في الزمان والمكان من المدينة الى كربلاء, ليعلم الناس كيف يخرجون من الضعف والوهن والاستسلام والذل ليحفظوا بدمهم إسلامهم ودينهم وليصنعوا بدمهم عزة الأمة وكرامة الأمة.
إذا أردنا اليوم أن نفتش عن أبرز مصاديق المهاجرين في سبيل الله سنجد ورثة الحسين مجاهدي المقاومة الإسلامية, هؤلاء الذين هاجروا من واقع إلى واقع, ومن بلدة الى بلدة, ومن مكان إلى مكان، هؤلاء الذين تركوا الدنيا وراء ظهورهم ومضوا إلى حيث الشهادة ولقاء الله, هؤلاء الذين يصنعون اليوم بدمائهم حصانة يحتاجها لبنان في مواجهة التهديدات الصهيونية والتكفيرية, فتضحيات المجاهدين في سوريا والشهداء الذين سقطوا في سوريا إنما سقطوا دفاعاً عن لبنان ومن أجل حماية لبنان من الجماعات التكفيرية التي لو تُركت بلا مقاومة لاجتاحت لبنان واستباحت أرضه وقتلت شعبه كما فعلت في سوريا والعراق وليبيا وغيرها..
وفي الوقت الذي نقاتل فيه التكفيريين الإرهابيين في سوريا وعلى الحدود معها تبقى عيننا على ما يجري في فلسطين وعلى الشباب الفلسطيني الذي يُسطّر بهبته الشعبية وبمقاومته الأبية بطولات كبيرة في مواجهة الصهاينة.. الصهاينة الذين يستفردون بالشعب الفلسطيني ويقتلون العشرات بأعصاب باردة على مرأى ومسمع العالم, وفي ظل صمت عربي ودولي إن لم نقل في ظل تواطؤ عربي ودولي.
اليوم هبة الشباب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال في اتساع وهي تتصاعد بقوة، وتتطور يوماً بعد يوم ويمكنها أن تتحول إلى انتفاضة ثالثة, بل يجب العمل على تطويرها لتكون انتفاضة ثالثة.. وعلى فصائل المقاومة توحيد جهودها وحشد كل طاقاتها وإمكاناتها لتحويل هذه الهبة إلى انتفاضة شاملة في وجه الاحتلال، ولإعادة الاعتبار للمقاومة المسلحة في داخل فلسطين.
فكثافة حضور جيل الشباب في ساحات المواجهة, واندفاعه للمواجهة بروحية نضالية عالية, واستعداده للتضحية والالتحام مع العدو, وارتفاع معنوياته, وازدياد حجم القلق بل الخوف والرعب الإسرائيلي من المدى الذي وصلت إليه المقاومة الشعبية الفلسطينية ومدى انتشارها وفعاليتها, كل ذلك يضع الشعب الفلسطيني أمام فرصة حقيقية لولادة انتفاضة جديدة ولتفعيل عمل المقاومة بكل الأساليب والوسائل.
اليوم إذا كانت الأنظمة صامتة أو متواطئة أو منشغلة عن فلسطين بالحرب على سوريا فإن هذا لا يعفي الشعوب من مسؤولياتها تجاه هذه القضية.
من أسوأ نتائج ما يحصل في المنطقة هو صرف اهتمام شعوب المنطقة عما يجري في فلسطين.
يجب أن تقف الشعوب العربية والإسلامية وقفة جادة لمواجهة ما يقوم به العدو من استهداف للشعب الفلسطيني وللمقدسات وللمسجد الأقصى، ولا يجوز أن تبقى القدس يتيمة أو أن يبقى الشعب الفلسطيني يتيماً يواجه الصهاينة وحده من دون أن يتحمل العرب والمسلمون مسؤولياتهم في الدفاع عنه والوقوف الى جانبه في هذه المواجهة.
والحمد لله رب العالمين