الصفحة الرئيسية
ولاية العهد والمكاسب السياسية
- 28 آب/أغسطس 2015
- الزيارات: 801
عاش الإمام الرضا (ع) في مرحلة الدولة العباسية, وعاصر الخليفة العباسي المأمون ابن الرشيد, وانخرط في العمل السياسي إضافة إلى عمله الفكري والرسالي, حيث إن المأمون العباسي أسند إليه ولاية العهد فكان ولي عهد الخليفة . وقد أتاح له هذا المنصب أن يقوم بأدوار أساسية, رسالية وفكرية وسياسية, لم يكن متاحاً له أن يقوم بها خارج إطار السلطة.
وأشار: الى عدم وجود مصلحة للبنان في ظل الأوضاع السائدة في الداخل وعلى المستوى الإقليمي في استقالة الحكومة، لأن استقالة الحكومة ستدفع بالبلد إلى الفراغ الشامل، وفي ظل الخلافات والانقسامات والتجاذبات الحاصلة في البلد لن يستطيع أحد تشكيل حكومة جديدة قادرة على الحكم ، الأمر الذي قد يؤدي إلى حالة فوضى عارمة لا يمكن للبنان أن يتحمل تداعياتها.
واعتبر:أن أزمة النفايات هي وجه من وجوه الفساد المستشري والمتراكم الذي يصيب مؤسسات الدولة, ولو تم معالجة هذا الملف بطريقة إيجابية وجادة وبناءة خلال الحكومات المتعاقبة لما كنا في أزمة اليوم, لكن مع الاسف كل الخطط التي وضعت لمعالجة هذا الملف في سنة 1997وفي سنة 2010 لم تحرك الإدارات المعنية أي ساكن من أجل تنفيذها خدمة لأطماع شخصية وسياسية على حساب مصالح المواطنين.
ورأى: أن التظاهر السلمي من بوابة النفايات أو غيرها والاعتراض على الفساد والمحاصصة وسرقة المال العام الذي تمارسه بعض الطبقة السياسية في لبنان هو حق مشروع ، فمن حق الناس أن تعبر عن أوجاعها وغضبها وسخطها واستيائها ومطالبها ومن واجب القوى الأمنية حماية المتظاهرين وعدم قمعهم بالعنف والقوة والترهيب.
ولفت: الى أن ارتقاء المسؤولين والطبقة السياسية إلى مستوى طموح الناس في العيش في دولة عادلة وقوية، ووضع الحلول المنصفة للأزمات المتراكمة التي يعيشها المواطنون هي التي يمكن ان تهدئ النفوس وترسم العمل لمصلحة الناس.
نص الخطبة
الإمام علي بن موسى الرضا (ع) هو الإمام الثامن من أئمة أهل البيت (ع) ولد في الحادي عشر من شهر ذي العقدة سنة 148هـ واستشهد سنة 203 وعمره الشريف 55 سنة.
لقد عاش الإمام الرضا (ع) في مرحلة الدولة العباسية, وعاصر الخليفة العباسي المأمون ابن الرشيد, وانخرط في العمل السياسي إضافة إلى عمله الفكري والرسالي, حيث إن المأمون العباسي أسند إليه ولاية العهد فكان ولي عهد الخليفة . وقد أتاح له هذا المنصب أن يقوم بأدوار أساسية, رسالية وفكرية وسياسية, لم يكن متاحاً له أن يقوم بها خارج إطار السلطة.
لقد أتاح هذا المنصب للإمام (ع) أن يتواجد في الوسط السياسي والاجتماعي والديني, وأن يلتقي بالعلماء والمفكرين والفقهاء والمحدثين والوزراء والسياسين الذين يدورون في فلك السلطة, وأن يفرض احترامه وتأثيره عليهم, هذا من جهة.
ووفر هذا المنصب للأمة من جهة أخرى, لجماهير الأمة سواء للموالين أو المخالفين والمعارضين فرصة التعرف على شخصية الإمام وفضله وعلمه والاستفادة منه، لان الانقسام السياسي الذي كان سائداً آنذاك, والتضييق على أئمة أهل البيت(ع) وقمع السلطات والحكام لكل من كان يتواصل معهم (ع) كان يمنع الناس من الالتقاء بالأئمة (ع) والانفتاح عليهم والاستفادة منهم، لكن في السنوات التي تولى فيها الإمام ولاية العهد أزيلت هذه الموانع ولم يعد الوصول إلى الإمام (ع) واللقاء به والاستماع إليه والاستفادة منه أمراً محظوراً كما كان الأمر بالنسبة لمعظم أئمة أهل البيت (ع).
لذلك أتيحت للإمام فرصة اللقاء به من كل أفراد الأمة, كما أتيح له أن يتواصل مع كل شرائح الأمة وأن يطل على الجميع, حتى أولئك الذين كانوا يضمرون الحقد لأئمة أهل البيت (ع) ما عاد باستطاعتهم بعد إسناد ولاية العهد للإمام الرضا(ع) أن يعبروا عن أحقادهم أو يُظهروا ما في أنفسهم, لأن مكانة الإمام فرضت نفسها على الجميع, ووضع الجميع أمام خيار وحيد هو احترام الإمام, ولذلك يقول الإمام الجواد (ع) حينما سئل لماذا سمي أبوك بالرضا؟ قال: لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه.
رضي به المخالفون من أعدائه من السياسيين والمفكرين وغيرهم ممن كان يدور في فلك السلطة, حينما وجدوا أنفسهم في وضع لا بد من احترامه وإجلاله, ورضي به الموافقون من أوليائه, لأن الموالين للأمة لم تكن الظروف الصعبة التي عاشوا فيها في ظل الحكام الظالمين تساعدهم على إظهار الولاء والاحترام والتقدير للأئمة (ع) بل كانت الظروف لا تسمح لهم بذلك, لكن بعد أن أصبح الإمام ولياً للعهد صار بإمكان الموالين أن يفعلوا ذلك بحرية, وأن يتواصلوا مع الإمام ويستفيدوا منه من دون أن يضطهدهم أحد أو يتعرض إليهم أحد بأذى.
كما أن موقف الإمام (ع) بقبول ولاية العهد, وهو منصب سياسي أساسي ومهم في الدولة, أتاح للإمام (ع) تصحيح بعض الأفكار السياسية الخاطئة بصورة عملية, حيث إن من الأفكار التي كانت سائدة عند كثير من المسلمين هو عدم علاقة الدين بالسياسة, وانه لا يليق بالأئمة والفقهاء والعلماء أن يتصدوا للمسائل السياسية وأن يتولوا المناصب السياسية, وأن المتقي هو الزاهد في السلطة والذي لا يتعاطى الشأن السياسي, وقد حاول العباسيون تركيز هذا المفهوم الخاطئ في عقول المسلمين, فأراد الإمام(ع) بقبوله ولاية العهد وتوليه لهذا المنصب السياسي أن يصحح مثل هذه الأفكار الخاطئة, ويُبيّن للمسلمين أن التصدي للمسائل السياسية من قبل الأئمة والعلماء في الظروف المناسبة لا ضير فيه, بل قد يكون واجباً إذا كان هناك مصلحة للمسلمين في ذلك.
ومن جملة مكاسب قبول الإمام(ع) بولاية العهد أيضاً توظيف وسائل الإعلام الرسمية لصالح الإمام(ع) حيث كانوا يدعون للإمام من على المنابر في كل جمعة ومناسبة, كما أن اسمه الشريف طبع على الدراهم والدنانير والعملة المتداولة المعمول بها آنذاك، وهذا مكسب للإمام (ع).. كما أن حرية الإمام (ع) في القيام بمناظرات للرد على جميع الشبهات المثارة من قبل أصحاب الأديان والمذاهب وتفنيد الآراء المنحرفة وتثبيت الاراء السليمة، ونشر مفاهيم وقيم أهل البيت (ع) وفضائلهم, وخصوصاً بين الوزراء وقادة الجيش وأركان السلطة, كلها مكاسب مهمة حصدها الإمام (ع) من خلال تولي هذا المنصب.
كل هذه المكتسبات وغيرها هي التي جعلت الإمام (ع) يقبل بهذا المنصب، ويوسع من دوره الرسالي والريادي في هداية الأمة وتوجيه الأمة نحو الأفكار السليمة والسلوك الأخلاقي الذي ينبغي أن ينتهجه الإنسان المسلم.
ولعل من التوجيهات المهمة التي كان يوجه بها الإمام أتباعه والمسلمين أنه سئل عن العجب الذي يفسد العمل؟ فقال (ع): العجب درجات: منها أن يُزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنه يُحسن صنعاً ومنها: أن يؤمن العبد بربه فيمنُّ على الله ولله المنة عليه فيه.
وروي عنه(ع) أنه قال: لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه، فأما السنة من ربه فكتمان السر, وأما السنة من نبيه فمداراة الناس, وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء.
المداراة مطلوبة على المستوى الشخصي الفردي بأن يداري أحدنا الآخر في القضايا الشخصية, ومطلوبة على المستوى العام.. يجب مداراة عموم الناس.. مداراتهم في أزماتهم ومشاكلهم واحتياجاتهم ومعيشتهم وشؤونهم الحياتية, من واجب الحكومة تلبية حاجات شعبها, وتحقيق مطالبه المحقة, وعدم مواجهة تحركاته بالقمع والقوة.
التظاهرات والتحركات الشعبية التي يشهدها لبنان هذه الأيام تكشف عن احتقان شعبي عام من كل الفئات والتيارات والطوائف والمذاهب والمناطق تجاه الفساد وحالة الاهتراء والأوضاع المزرية التي وصل إليها البلد والنظام والطبقة السياسية في لبنان, إلى الحد الذي دفعت بالمتظاهرين إلى المطالبة بإسقاط النظام! واستقالة الحكومة.
طبعاً نحن لسنا مع إسقاط الحكومة في هذه الظروف, وليس من مصلحة لبنان في ظل الأوضاع السائدة في الداخل وعلى المستوى الإقليمي في استقالة الحكومة، لأن استقالة الحكومة ستدفع بالبلد إلى الفراغ الشامل, وفي ظل الخلافات والانقسامات والتجاذبات الحاصلة في البلد لن يستطيع أحد تشكيل حكومة جديدة أو تشكيل مؤسسة قادرة على ان تحكم وفق الدستور والقانون الأمر الذي قد يؤدي إلى حالة فوضى عارمة لا يمكن للبنان أن يتحمل تداعياتها.
نعم نحن انسحبنا من جلسات الحكومة على خلفية صدور قرارات ومراسيم عن مجلس الوزراء لم يتم التوقيع عليها من قبل وزرائنا ووزراء عون, وهذا فيه تجاوز لرأي فريق سياسي وازن وخروج عن الشراكة الحقيقية.. ونحن نرفض التجاوز وعدم القبول بمبدأ الشراكة, لكن هذا شيء وإسقاط الحكومة شيء آخر..
اليوم أزمة النفايات هي وجه من وجوه الفساد المستشري والمتراكم الذي يصيب مؤسسات الدولة.
لو تم معالجة هذا الملف بطريقة إيجابية وجادة وبناءة خلال الحكومات المتعاقبة لما كنا في أزمة اليوم, لكن مع الأسف كل الخطط التي وضعت لمعالجة هذا الملف في سنة 1997 وفي سنة 2010 لم تحرك الإدارات المعنية أي ساكن من أجل تنفيذها, خدمة لأطماع شخصية وسياسية على حساب مصالح المواطنين.
اليوم التظاهر السلمي من بوابة النفايات أو غيرها والاعتراض على الفساد والمحاصصة والسرقة والنهب الذي تمارسه بعض الطبقة السياسية في لبنان هو حق مشروع.
من حق الناس أن تعبر عن أوجاعها وغضبها وسخطها واستيائها ومطالبها, ومن واجب القوى الأمنية حماية المتظاهرين وعدم قمعهم بالعنف والقوة والترهيب.
ولا يمكن أن يهدِّئ من نفوس الناس إلا ارتقاء المسؤولين والطبقة السياسية إلى مستوى طموح الناس في العيش في دولة عادلة وقوية, ووضع الحلول المنصفة للأزمات المتراكمة التي يعيشها المواطنون من كهرباء ومياه ونفايات وغير ذلك.
هذه الأموروغيرها من المعالجات الجادة هي التي يمكن ان تُهدّئ النفوس وترسم العمل لمصلحة الناس في كل الملفات الحياتية الساخنة.
والحمد لله رب العالمين