الصفحة الرئيسية
خصائص القرآن وحق التلاوة
- 26 حزيران/يونيو 2015
- الزيارات: 559
خصوصية القرآن أنه لا يتجاوزه الزمن, فلا يمكن أن يأتي يوم ولا نكتشف في القرآن شيئاً جديداً، كلما مضى الزمن كلما اكتشفنا أبعاداً جديدة في الإعجاز, ولذلك هو معجزة إلى يوم القيامة.
خلاصة الخطبة
لفت سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: الى أنه كانت ولا تزال هناك أزمة فهم حقيقي للقرآن لدى البعض, حيث هناك من يفهم القرآن بطريقة مشوهة, وهناك من يفهم القرآن فهماً صحيحاً كما فهمه رسول الله (ص) وأهل بيته(ع) الذين هم عدل القرآن والقرآن الناطق.
وقال: قديماً كان للخوارج فهماً خاصاً للقرآن إنحرف بهم نحو الهاوية.. فلم يمنعهم القرآن الذي كانوا يتلونه أكثر منا من قتل الأبرياء المسلمين من الرجال والنساء والأطفال, ولم يمنعهم من التمرد على إمام المسلمين والخروج عليه ومحاربته, ولم يمنعهم من سلب أموال المسلمين والإعتداء على ممتلكاتهم وأرزاقهم لأنهم لم يتمسكوا بالقرآن. وحديثاً جاء التكفيريون ليمارسوا هذا السلوك استناداً إلى فهم خاطئ للقرآن أيضاً.
وأكد: أن التصدي للتكفيريين هو واجب على الجميع, وينبغي أن يكون شاملاً، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليتة في هذه المواجهة التي يجب أن تكون مواجهة بالفكر والثقافة والإعلام والسياسة والأمن والعسكر والميدان.
معتبراً: أنه لا يجوز التلهي بالخلافات الداخلية والتنافس على مواقع النفوذ في الداخل عن الخطر الذي تشكله المجموعات التكفيرية على لبنان, فالخطر هو خطر على الجميع, وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته في هذه المواجهة.
نص الخطبة
يقول الله تعالى:[شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان]
ويقول سبحانه: [الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون].
القرآن الكريم الذي أنزل في شهر رمضان المبارك هو معجزة نبينا محمد (ص) هذه المعجزة التي أرادها الله أن تكون سبباً في هداية الناس الى الله والى الطريق المستقيم، هذه المعجزة التي فيها بينات من الهدى والفرقان, هذه البينات تجعلنا نفرق ونميز بين الحق والباطل.
والقرآن الكريم هو المعجزة النبوية الوحيدة الخالدة والباقية والمستمرة, وهو المعجزة الوحيدة التي لم تختص بزمان محدد, لأن كل معاجز الأنبياء الآخرين كانت تختص بأزمنتهم وبعصورهم والمراحل التي عاشوا فيها, ففي زمن إبراهيم كانت معجزة إبراهيم أن جعل الله النار برداً وسلاماً على إبراهيم عندما أراد قومه إحراقه بالنار.
وفي زمن موسى جعل الله معجزته عصا تتحول إلى أفعى أو ثعبان وتلقف ما صنعوا.
وفي زمن عيسى جعل الله معجزته إحياء الموتى وابرأ الأكمه والأعمى والأبرص، وهكذا بقية الأنبياء.
بعد وفاة الأنبياء وبعد رحيلهم لم تبق هذه المعاجز وإنما أصبحت خبراً من التاريخ، وذهبت معاجزهم معهم.
أما القرآن الكريم الذي أنزله الله على نبينا (ص) فهو المعجزة الخالدة والباقية, ولم يكن هو المعجزة الوحيدة في حياة رسول الله (ص) بل كانت له (ص) معجزات كثيرة كبيرة وعظيمة تناقلتها كتب التاريخ.
ولكن كل معجزات النبي (ص) الأخرى غير القرآن الكريم أصبحت أخباراً من التاريخ كبقية معاجز الأنبياء الذين سبقوه.
خصوصية القرآن الكريم من بين كل المعاجز الإلهية للأنبياء هي أنه يحمل صفة الخلود والبقاء والاستمرار حتى بعد رحيل النبي (ص).
المعجزة هنا لم تنقطع بموت صاحبها كما هو حال بقية المعجزات, هذه معجزة استمرت بعد موت صاحبها.
القرآن هو معجزة حاضرة في كل زمان ومكان ويستطيع الإنسان أن ينظر بعينيه إلى هذه المعجزة, وأن يتلمسها, وأن يلمس جوانبها بعقله وقلبه وروحه.
ومن عظمة القرآن المعجزة أنه كلما مضى الزمان وكلما ازدادت معارف الإنسان وكلما تعاظمت الاكتشافات العلمية وكلما تطورت إمكانات الإنسان كلما اكتشفنا جوانب عظيمة وجديدة في القرآن.
هناك معلومات مع مرور الزمان تصبح معلومات قديمة, وهناك معارف مع مرور الزمن يتجاوزها الزمان وتصبح قديمة, لكن خصوصية القرآن انه كلما مضى الزمان وعدنا لنقرأ القرآن نجد فيه شيئاً جديداً ونفهم منه شيئاً جديداً وتتوضح لنا منه مفاهيم جديدة لم تكن واضحة من قبل.
خصوصية القرآن أنه لا يتجاوزه الزمن, فلا يمكن أن يأتي يوم ولا نكتشف في القرآن شيئاً جديداً، كلما مضى الزمن كلما اكتشفنا أبعاداً جديدة في الإعجاز, ولذلك هو معجزة إلى يوم القيامة.
وقد ورد في بعض الروايات في وصف القرآن: إن هذا القرآن سوف يبقى غضاً طرياً لا يقسو مع الزمن, ولا يقف عند زمن, ولا يتجاوزه الزمن.
هذه خصوصية للقرآن, وما يتفرع عن هذه الخصوصية وهذه الصفة صفة الخلود هو أن القرآن لم ينزل لجيل دون جيل ولا لقوم دون قوم, الكتب المقدسة كانت كتباً لأجيال محددة, أما القرآن فهو للبشرية جمعاء وهو للناس جميعاً, لكل الأجيال ولكل الأقوام إلى أي جنسية انتموا وإلى أي بلد انتموا.
والإعجاز القرآني لا ينحصر بالبلاغة والفصاحة, البلاغة والفصاحة أحد أبعاد الإعجاز الإعجاز, فأبعاد ووجوه الإعجاز القرآني عديدة ومتنوعة.
أهم بُعد في الإعجاز القرآني الذي ربما يتقدم على بقية وجوه الإعجاز هو التربية الإنسانية, تربية الإنسان, تهذيب الإنسان, تزكية نفس الإنسان, صنع الإنسان, بناء شخصية الإنسان وهويته الذي هو من أصعب الأمور.
أصعب مهمة يمكن أن يتحملها الإنسان هي صنع الإنسان وتزكية النفس الإنسانية وتربية الإنسان، فهذه المهمة صعبة, ولذلك احتاجت إلى الأنبياء والرسل والى رجال عظام وكبار كالأنبياء والرسل, فهم الموكل إليهم صنع الإنسان, صنع روحه وعقله وقلبه..
هذا القرآن فيه إعجاز بما يقدمه من مناهج وتوجيهات وتعاليم لتنظيم حياة الإنسان ولتهذيب النفس الإنسانية.
رسول الله بهذا القرآن وبهذه الآيات استطاع أن يحول شعب شبه الجزيرة العربية الأمي الجاهلي القاسي الممزق المشتت الذي لا يعرف قيماً أخلاقية ولا قيماً إنسانية، أن يحوله إلى أمة عظيمة.
رسول الله (ص) خلال ثلاثة وعشرين سنة استطاع أن يحدث إنقلاباً حقيقياً وجذرياً في عقلية ومواقف وسلوك هذه الأمة المشتتة, وأن يصنع من شعب الجزيرة أمة موحدة, واستطاع أن يحول هؤلاء من واقع مأساوي سيء ومهين إلى واقع مشرق.
اليوم هذا القرآن يستطيع أن يبني أمة, وأن يوجد تحولاً هائلاً وكبيراً في أي مجتمع من المجتمعات, إذا عرفنا كيف نقدمه ونقدم مفاهيمه وقيمه وأخلاقه الى تلك المجتعمات بالطريقة الصحيحة.
وهذا القرآن الذي يحمل هذه الخصائص وهذه الأبعاد.. أًمرنا أن نتعرف عليه, وأن نتلوه وأن نرتله وأن نحفظه وأن نجعل أولادنا وأبنائنا يحفظونه ويتعلمون قيمه, أًمرنا أن نصونه ونحميه من كل تحريف وتشويه وتلاعب.
وهناك آداب وضوابط خاصة لتلاوة القرآن ولقراءة القرآن يجب أن تراعى عندما يجلس الإنسان ليقرأ القرآن, وهذه الآداب ذكرت في العديد من الروايات وهي تكشف عن عظمة القرآن وقداسة القرآن.
لكن نحن عندما نتحدث عن القراءة والتجويد والترتيل والحفظ وصولاً إلى التفسير والتدبر والتفهم لمعانيه ومضامينه هذه كلها مقدمة للعمل, هي مقدمة للسلوك وللالتزام, هي مقدمة لأن يصوغ الإنسان نفسه وعقله وروحه وقلبه وأخلاقه وسلوكه صياغة قرآنية, لتتجسد فيه آيات القرآن وتعاليم القرآن وقيم القرآن.
ولذلك كما يجب الاهتمام بالقراءة والتلاوة يجب أن لا نغفل عن الاهتمام بالهدف الأساسي وهو العمل بالقرآن والتمسك بالقرآن, لأننا نتعرف على القرآن لنتبعه, ونصغي إليه لنمشي خلفه دائماً, لأنه هو دليل الهدى ودليل الحق.
يقول تعالى: [الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون].
ما هو حق التلاوة؟ سئل رسول الله (ص) عن معنى حق التلاوة؟ فقال: يتبعونه حق اتباعه.
إذن حق التلاوة هو حق الإتباع، الإتباع الحقيقي بأعلى درجاته ومستوياته ومراتبه.
الإمام الصادق(ع) يقول في تفسير يتلونه حق تلاوته: يرتلون آياته, ويتفهمون معانيه, ويعملون بأحكامه, ويرجون وعده, ويخشون عذابه, ويتمثلون قصصه, ويعتبرون أمثاله, ويأتون أوامره, ويجتنبون نواهيه.
فالقرآن ليس مجرد كتاب نقرؤه لنزيد في معلوماتنا وثقافتنا , أو لنزيد في أجرنا وثوابنا, القرآن هو كتاب يجب أن نتفاعل معه بكل جوارحنا ووجودنا, ويجب أن يؤثر فينا في عقولنا وقلوبنا وأرواحنا وأخلاقنا وسلوكنا.
فالعلاقة مع القرآن يجب أن تكون علاقة إتباع وعلاقة اهتمام, علاقة الإنسان الذي إذا أحب شيئاً تمسك به.
والشيء الأخير الذي أريد الإشارة إليه هنا, أن الفهم للقرآن هو مقدمة للعمل, ولذلك يجب أن يكون فهمنا للقرآن صحيحاً, أن لا يكون فهماً عشوائياً أو سطحياً أو ساذجاً أو متسرعاً أو مغلوطاً, لأن الفهم سينبني عليه عمل وحركة وسلوك ونمط حياة, والعمل سيكون له نتائج في الدنيا وفي الآخرة.
المسألة الأساسية هي في فهم القرآن, فهم معانيه ومضامينه ودلالاته وأحكامه وتشريعاته, هنا في الفهم قد يقع الخطأ والإشتباه والاختلاف والتباين.
لن نختلف في القراءة والتلاوة, ولا في الحفظ والتجويد, لكن عندما نصل إلى معنى الآيات وإلى أين ترشدنا وإلى أين تأخذ بيدنا وفي أي اتجاه تريدنا أن نمشي؟ هنا المسألة الحساسة والدقيقة.. هنا يقع الإشتباه والخطأ وهذه هي المحنة التي نعيشها نحن كمسلمين قديماً وحديثاً.
منذ القدم كانت الأزمة لدى البعض في فهم القرآن, في فهم آياته ومفاهيمه وأحكامه وتشريعاته, كانت ولا تزال هناك أزمة فهم حقيقي للقرآن لدى البعض, حيث هناك من يفهم القرآن بطريقة مشوهة, وهناك من يفهم القرآن فهماً صحيحاً كما فهمه رسول الله (ص) وأهل بيته(ع) الذين هم عدل القرآن وهم القرآن الناطق.
قديماً كان للخوارج فهماً خاصاً للقرآن انحرف بهم نحو الهاوية.. فلم يمنعهم القرآن الذي كانوا يتلونه أكثر منا من قتل الأبرياء من المسلمين, ولم يمنعهم من التمرد على إمام المسلمين والخروج عليه ومحاربته, ولم يمنعهم من سلب أموال المسلمين والإعتداء على ممتلكاتهم وأرزاقهم لأنهم لم يتمسكوا بالقرآن. وحديثاً جاء التكفيريون ليمارسوا هذا السلوك استناداً إلى فهم خاطئ للقرآن أيضاً.
لذلك التصدي للتكفيريين هو واجب على الجميع, والتصدي لهم ينبغي أن يكون شاملاً، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليتة في هذه المواجهة التي يجب أن تكون مواجهة بالفكر والثقافة والإعلام والسياسة والأمن والعسكر والميدان.
ولا يجوز التلهي بالخلافات الداخلية والتنافس على مواقع النفوذ في الداخل عن الخطر الذي تشكله المجموعات التكفيرية على لبنان, فالخطر هو خطر على الجميع وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته في هذه المواجهة.
والحمد لله رب العالمين