كلمة في المؤتمر السنوي للهيئات النسائية 26-10-2017
- المجموعة: نشاطات ولقاءات
- 26 تشرين1/أكتوير 2017
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1584
كلمة ألقيت في افتتاح المؤتمر السنوي الذي نظمته وحدة الهيئات النسائية المركزية في حزب الله بتاريخ 26—10-2017 تحت عنوان:العوامل الايمانية والروحية وأثرها في دوافع العاملين، برعاية نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش.
تعزيز الدوافع الروحية لدى العاملين
ويمكن تقسيم الدوافع كما يقول أحد العلماء[1] إلى ثلاثة أقسام:
1. الدوافع الموهومة.
2. الدوافع المادية.
3. الدوافع المعنوية.
في الدوافع الموهومة يمكن أن نجد مجموعة من الأوهام والتخيلات والخرافات تحرك مجتمعاً ما أو فئة ما كما في المجتمعات الوثنية، حيث كان للاعتقاد بالأصنام وقدرتها على معالجة الأزمات وانها وسيلة للتقرب الى الله دور في إيجاد دوافع لدى المجتمع الوثني والمشركين. لكن عندما أدرك المشركون أن تلك الأصنام لم تستطع أن تدافع عن نفسها فضلاً عمن كان يعبدها.. استيقظوا من غفلتهم وأدركوا أنهم كانوا يعيشون في الخيال والوهم وحكموا على أنفسهم بالظلم، قال تعالى: قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ، فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ
والدوافع الموهومة هي دوافع محدودة ومؤقتة وفاقدة لأي شكل من أشكال العمق والأصالة، وسرعان ما تتهاوى أمام العلم والمعرفة وتسقط لأنها لا تنبع إلا من الجهل والتعصب.
أما الدوافع المادية فقد تكون أكثر تأثيراً وأوسع نطاقاً في حركة الإنسان، ولكنها ليست عميقة إطلاقاً.. ولذلك نجد البعض قد يكون مستعداً للتضحية من أجل الحصول على مكاسب مادية أو مصالح ومناصب دنيوية، لكن عندما يجد الجد يفر من وسط المعركة كما حصل لبعض الجنود الأمريكيين في أكثر من موقع، في فيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها.. لأن الاستعداد للتضحية والايثار، وهو ما يحتاجه العاملون في مواجهة التحديات الكبيرة والحوادث المهمة، يتطلب دوافع فوق المادة، لأن الدوافع المادية تتلاشى في المحطات الصعبة واللحظات الحساسة والمصيرية وتصبح بلا قيمة.
أم الدوافع المعنوية والروحية التي تنبع من الايمانواليقين والقيم الالهية والتي تستند إلى ثقافة الاسلام الأصيلة فإنها أقوى وأعمق الدوافع، ولها تأثير كبير لا مثيل له في تحريك العاملين والمجاهدين واندفاعهم نحو العمل والعطاء وتقديم التضحيات وصنع الانجازات.
يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
فإن الاعتقاد الراسخ بالله وقوة الايمان تدفع المؤمنين إلى مثل هذه التجارة العظيمة والمربحة.
ويقول تعالى في آية آخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ،وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
يجب الاستمداد من ثقافة الاسلام الغنية بالقيم ، وتنمية المعارف ورفع مستوى الوعي والبصيرة في شخصية العاملين، من أجل ايجاد الدوافع المطلوبة لديهم في العمل والادارة والجهاد والقيادة...
ويمكن تنمية الدوافع الروحية لدى العاملين وتعميق الثقافة والقيم والأخلاق والضوابط الادارية من خلال القرآن وبالاستناد إلى السنة النبوية ونهج البلاغة والصحيفة السجادية والأدعية المختلفة التي تحتوي على الكثير من النصوص المتعلقة بالعمل الاداري والجهادي، وأيضاً بالاستناد إلى تاريخ الاسلام الحافل بالتجارب الادارية والجهادية التي تصنع الروحية المطلوبة في العاملين والمجاهدين.
وعندما نؤكد على الدوافع الروحية والايمانية المستندة إلى ثقافة الاسلام يجب أن لا نغفل عن أخذ الدوافع المادية المعقولة بعين الاعتبار عند الاستفادة من الدوافع المعنوية والروحية، لأن الانسان يتكون من جسم وروح وكلاهما بحاجة إلى محفزات.
النبي(ص) في الوقت الذي كان يؤكد على إخلاص النية لدى المجاهدين في ميدان القتال ويحذرهم من أي هدف آخر غير الله والجهاد في سبيل الله، كان أيضاً حريصاً على تقسيم الغنائم والعطايا المادية ومنحهم حصة منها. وكان القرآن الكريم من وراء ذلك يعدهم بالعطايا المعنوية والأخروية، يعدهم بالحياة الحقيقية والرزق والرضوان والجنة والنعيم والألطاف الالهية المتنوعة.
يقول تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
ويقول: وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍوَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " التوبة 72
ما يحتاجه العاملون هو تعزيز هذه الدوافع أكثر في شخصيتهم وتثبيتها بشكل أوثق، واستعادة الروح الرسالية لتكون هي المحرك الاساسي في العمل لا الروح الوظيفية، وما يحتاجونه أيضاً هو أن تبقى روح التوجه إلى الله حاضرة في العمل والسلوك حتى في غمرة الانشغالات والمتابعات التنظيمية والجهادية، وأن لا يصرفنا العمل والجهاد عن تعزيز الارتباط بالله والعبادة له والوقوف بين يديه.
بعض العاملين قد يتصور ان العمل الإداري والسياسي والجهادي يغني عن البناء الروحي والتربية الروحية والمداومة على ذكر اللّه تعالى والتضرع الى الله، البعض الآخر قد تلهيهم مشاغل العمل والتنظيم والجهاد والمقاومة عن البناء الداخلي والروحي وما يتطلب من جهد وأعمال وعبادات ورياضات ومداومة على متابعة النفس الآمارة بالسوء وتهذيبها وتزكيتها وتدريبها على الطاعة والالتزام.
حاجة الانسان الذي يعمل في إطار هذه المسيرة المباركة وفي المقاومة الى البناء الداخلي والاعداد الروحي تفوق حاجة الآخرين الذين لا تتجاوز اهتماماتهم الشؤون العادية والشؤون المعيشية مع الالتزام بالحد الادنى من التدين.
الشيطان لا يترصد هؤلاء ولا يتربص بهم ولا يبادر الى اغرائهم ووسوستهم كما يبادر الى اغراء ووسوسة اولئك الذين يعملون في صفوف المقاومة ومواجهة الاستكبار والإحتلال وأدواته، ولا يتعرض اولئك للإستهداف المباشر ولمخاطر الإختراق والإنزلاق كما يتعرض العاملون المجاهدون ، ولا تشبه خطورة سقوط واحد من عامة الناس خطورة سقوط انسان يعمل في المقاومة او في وحداتها ومؤسساتها الاعلامية والسياسية والاجتماعية والتربوية والصحية والعسكرية والأمنية وغيرها فإن الانسان الذي يعمل في مسيرة متلألئة كمسيرة حزب الله اذا سقط لا يسقط وحده وانما قد يعرض المسيرة كلها للتشويه وللسقوط وقد يسقط معه جمع من ضعاف الإيمان وممن لديهم قابليات الإنحراف والسقوط خصوصا اذا كان في مواقع المسؤولية ولذلك ورد في الحديث: (اذا هلك العالِم هلك العالم) (بالفتح)...
ولكل هذه الاعتبارات والحيثيات وغيرها، تفوق حاجة العاملين في صفوف مسيرتنا حاجة غيرهم من الناس الى الاعداد الروحي والبناء الداخلي والتربية النفسية والثبات على الدوافع الإيمانية وتعزيزها باستمرار.
لذلك نجد ان القرآن الكريم يؤكد على أهمية البناء الروحي للعاملين بشكل خاص ويربط بين العمل الرسالي الإداري والجهادي وبين الإعداد الروحي والدوافع الروحية في شخصية العامل ربطاً وثيقاً.
يقول تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ).
فهؤلاء الذين وصفهم اللّه تعالى بأنهم اشداء في مواجهة الأعداء ويتمتعون بالقوة والصلابة في ميادين القتال والمواجهة، هؤلاء في جانب آخر من شخصيتهم رحماء فيما بينهم، تملىء قلوبهم المحبة والشفقة والرأفة على المؤمنين، وهم في قمة العبادة والخضوع والخشوع والتضرع والسجود بحيث يرتسم أثر السجود على وجوههم ، ودافعهم وهدفهم هو رضا الله ونيل فضله وكرمه وجوده ونعيمه (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ).
وفي آية أخرى يخاطب اللّه تعالى العاملين من خلال خطابه للنبي (ص) داعياً اياهم الى الاستقامة في الدين، والصبر على المواجهة والاذى والصلابة في الموقف من الأعداء وألا يركنوا الى الذين ظلموا من الطغاة والمستكبرين، ثم تنتقل هذه الآيات الكريمة من هذا الجو المشحون بالصلابة والقوة والاستقامة الى جو عبق بالعبادة والصلاة والذكر، طرفي النهار وزلفاً من الليل، وكأنما الآيات الكريمة تتحدث عن وجهي حقيقة واحدة عندما تنتقل من ذلك الجو السياسي الجهادي المثقل بالعمل والحركة والصمود، الى هذا الجو العبادي الذي يسيطر عليه الخشوع بين يدي اللّه تعالى..
يقول تعالى: فاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ، وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
أما في سيرة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فهناك الكثير من الشواهد على عباداته وتوجهه نحو اللّه وهو في خضم اعماله السياسية والجهادية في مكة والمدينة، وهكذا كانت سيرة اهل بيته ومن اهتدى بهديهم واتبع نهجهم.
فقد (كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يقوم ولا يجلس الا على ذكر اللّه).(وكان يتضرع عند الدعاء حتى يكاد يسقط رداؤه). و (كان يبكي، حتى يبتل مصلاه من خشية اللّه عز وجل..).
وسار علي(ع) على نهج رسول الله (ص) فعن عروة بن الزبير قال : (كنا نتذاكر في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اعمال اهل بدر وبيعة اهل الرضوان فقال ابو الدرداء : الا اخبركم بأقل القوم مالاً واكثرهم ورعاً واجتهاداً في العبادة ؟ قالوا: من ؟ قال : علي بن ابي طالب (ع) رأيته في حائط بني النجار يدعو، ثم انغمر في الدعاء فلم أسمع له حساً وحركة، فقلت : غلب عليه النوم لطول السهر، اوقظه لصلاة الفجر فأتيته، فاذا هو كالخشبة الملقاة، فلم يتحرك، فقلت : إنا للّه وإنا إليه راجعون مات واللّه علي بن ابي طالب (ع).
فأتيت منزله مبادراً انعاه اليهم، فقالت فاطمة (ع) : يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه وقصته؟ فأخبرتها الخبر فقالت : هي والله يا أبا الدرداء الخشية التي تأخذه من خشية اللّه، ثم أتوه بماء فنضحوا على وجهه فافاق، ونظر الي وانا ابكي، فقال ما بكاؤك يا أبا الدرداء ؟ فقلت : بما أراه تنزله بنفسك فقال (ع) :«كيف بك اذا رأيتني ادعى الى الحساب، وأيقن اهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار واسلمتني الاحباب، ورفضني اهل الدنيا لكنت أشد رحمة بين يدي من لا تخفى عليه خافية».
وروي ان زينب (ع) ما تركت تهجدها للّه تعالى طوال دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم.
وعن الإمام زين العابدين (ع) قال : (رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس).
وفي حديث آخر عنه(ع) : (ان عمتي مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا الى الشام ما تركت نوافلها الليلية).
وقالت فاطمة بنت الحسين (ع) : (واما عمتي زينب فأنها لم تزل قائمة في تلك الليلة (اي العاشر من المحرم) في محرابها تستغيث الى ربها، فما سكنت لنا عين ولا هدأت لنا رنة).
وفي تاريخنا الجهادي وتاريخ مسيرتنا ومقاومتنا نرى الكثير من أمثال هذه المشاهد الرائعة من اقتران الجهاد والمقاومة في ميادين القتال بالعبادة وتهذيب النفس والابتهال والتضرع الى الله وقيام الليل.
بل إن من المميزات الأساسية التي امتاز بها حزب الله ومجاهدوه هو ارتباطهم الوثيق بالله سبحانه وتعالى وأحكامه ، وأن القيم الايمانية والروحية والرسالية كانت دوماً هي المحرك والحافز والدافع الأساسي الذي يحركهم نحو العمل والعطاء وتقديم التضحيات إلى حد الشهادة والاستشهاد في سبيل الله سبحانه.
ثقافة الايمان والالتزام بالقيم وحب الحق والعدل وكره الشر والباطل والظلم والإحتلال والإرهاب، والتطلع إلى ما عند الله، إلى رحمته وعفوه ورضوانه وثوابه وجناته ونعيمه الذي لا يفنى، كانت على الدوام هي الدافع والوقود الذي يحرك القادة والمسؤولين والأفراد والعناصر والتشكيلات المختلفة في كل المواقع ليتحملوا مسؤولياتهم على مختلف الصعد، كما كانت هي المحرك للمجاهدين والشهداء لتقديم كل هذه التضحيات على طريق المقاومة .
مجاهدو المقاومة من رجال ونساء وشهداء وأحياء صنعتهم هذه الثقافة وهذه القيم والمفاهيم، هم ليسوا مجرد حملة سلاح يندفعون من موقع الحماسة والعاطفة أو العصبية ، هم اولا من اهل المعرفة الذين يملكون رؤية واضحة عن الكون والحياة والإنسان، يؤمنون بالله وباليوم الاخر ويعرفون الدنيا حق المعرفة ويعرفون الآخرة حق المعرفة ويعرفون علة وجودهم في هذه الحياة وعلة خلق الله لهم في هذه الحياة، وبالتالي يفهمون تكليفهم ورسالتهم من خلال وجودهم في هذه الدنيا وثانيا هم من اهل اليقين، فكثير ممن يملكون علما او معرفة لا يملكون يقينا بما يعرفون ولا يقينا بما يعلمون، ، وهم مع اليقين من اهل الإرادة والعزم وأهل العمل والفعل والإقدام وأهل الجود والعطاء، وهم عندما ينطلقون في المقاومة وفي هذه المسيرة ينطلقون من موقع الوعي والفكر والإيمان والإعتقاد الراسخ والمشاعر الإنسانية الراقية والقرار الحر الشريف الذي يتخذه الإنسان بملىء ارادته ويمضي في هذا الطريق
ولذلك نحن امام قيمة إنسانية رفيعة يجسدها هؤلاء الشهداء من خلال معرفتهم ووعيهم ويقينهم وإرادتهم وعزمهم وفعلهم وعملهم ودوافعهم . وهذه القيمة يملكها من مضى ويملكها المجاهدون المقاومون الذين ما زالوا على قيد الحياة الذين نفخر بهم ونراهن عليهم ونقاتل بهم وندافع بهم عن وطننا وأهلنا ونهدد بهم كل أعدائنا في العالم.
واليوم يجب أن لا يغفل أحد عن ان الذي أغضب أميركا واسرائيل وحلفائهما وجعلهم يصرخون ويتألمون ويندفعون نحو التهديد والوعيد والتحريض ووضع استراتيجيات جديدة لمواجهتنا، هو حضور مجاهدينا في الميادين والساحات وقوتنا ومقاومتنا وثباتنا وانتصاراتنا وما حققه محور المقاومة من انجازات كبيرة في المنطقة في مقابل إحباطهم وفشلهم وعجزهم عن تحقيق أي من أهدافهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيره.
نحن أقوياء بحضورنا في الساحات وأقوياء بمقاومتنا وأقوياء باحتضان شعبنا وشعوب المنطقة لمقاومتنا وأقوياء بعزم وارادة وروحية مجاهدينا الذين أحبطوا كل مخططات العدو السابقة، وهم اليوم أكثر صلابة وقوة واستعدادا لإفشال مخططاته الجديدة.
اليوم المعادلات في المنطقة تتغير لمصلحة المقاومة ومحور المقاومة، وأن العدو الاسرائيلي، خصوصا بعد الإنتصارات التي حققتها المقاومة وحلفاؤها في سوريا ولبنان على داعش، قلق أكثر من أي وقت مضى، وهو يدرك ان الحرب على لبنان ليست سهلة، وستكون كلفتها عالية جدا، وأن المناوراتِ والتهديدات التي يطلقها الإسرائيلي ضدَّ لبنانَ ما هي الا تهويلُ القلق والخائفِ والمرعوب من المواجهة مع المقاومة، ولذلك رأينا كيف سارعت حكومةُ العدو للتبرؤِ من كلامِ وزيرِ حربِها ليبرمان، ونفت المعلوماتِ التي أدلى بها عن اطلاق حزب الله للصواريخ من الجولان ووصف بعض القادة الإسرائيليين تصريحات ليبرمان بعديمةِ المسؤوليةِ التي تأخذُ الكيان الى حربِ عبثية ..
ولذلك على العرب الذين يهللون للحرب على حزب الله ويحرضون أميركا وإسرائيل والعالم وبعض اللبنانيين للتحالف ضد حزب الله أن يتعلموا من حلفائهم الإسرائيليين عدم المغامرة والتفكير طويلا قبل الإقدام على أية حماقة ضد لبنان، وعليهم أن يعرفوا أن تهديداتهم وعقوباتهم وتحريضهم لن يقدم ولن يؤخر شيئا ولن ينفعهم ولن يخيفنا ولن يغير في مواقفنا ومسارنا، وسيكتشفون أن آمالهم ستخيب وأنهم سينتقلون من فشل الى فشل ومن هزيمة الى هزيمة إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين