الأم ومسؤوليات التربية
- المجموعة: 2015
- 20 آذار/مارس 2015
- اسرة التحرير
- الزيارات: 638
أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين في العديد من الآيات، ورفع من مكانة الأم, وجعل برها أصلاً من الأصول القرآنية والإنسانية والأخلاقية, كما جعل حقها أعظم من حق الأب لما تتحمله من مشاق الحمل، والولادة، والإرضاع, والتربية, ولما تقدمه من خدمات جليلة لإسعاد أسرتها, فالأب وإن كان يشارك الأم في كثير من المصاعب والمعاناة إلا أن المصاعب والمشاكل والمعاناة التي تواجهها الأم خلال رعايتها وتربيتها لأولادها هي أكبر وأكثر.
خلاصة الخطبة
أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن أمهات وزوجات وبنات الشهداء من مجاهدي المقاومة الإسلامية اقتدينا بزينب (ع) في التضحية والعطاء وتقديم الشهداء. وقال: هذا الاقتداء كان ولا يزال له الأثر الكبير في تنامي حالة المقاومة في لبنان وفي اندفاع الشباب لتحمل مسؤولياتهم الجهادية.
واعتبر: أنه عندما يشعر المجاهد بأن أمه أو زوجته أو أبناءه وبناته يشجعونه على سلوك هذا الطريق فلن يتوانى عن المضي فيه من دون قلق أو خوف أو تردد..
ورأى: أن مجاهدي المقاومة يتحملون مسؤولياتهم اليوم لحماية بلدنا وأهلنا, ويحصنون لبنان في مواجهة الصهاينة والتكفيريين, ويقومون بكل ما من شأنه أن يجعل بلدنا قوياً وعزيزاً وعصياً على كل التهديدات والأخطار التي تواجهه.
نص الخطبة
[ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين، أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون].
نبارك لكل الأمهات وخاصة لأمهات الشهداء والمجاهدين مناسبة عيد الأم الذي نستذكر فيه وصية الله بالوالدين.
لقد أوصى الله بالإحسان إلى الوالدين في العديد من الآيات، ورفع من مكانة الأم, وجعل برها أصلاً من الأصول القرآنية والإنسانية والأخلاقية, كما جعل حقها أعظم من حق الأب لما تتحمله من مشاق الحمل، والولادة، والإرضاع, والتربية, ولما تقدمه من خدمات جليلة لإسعاد أسرتها, فالأب وإن كان يشارك الأم في كثير من المصاعب والمعاناة إلا أن المصاعب والمشاكل والمعاناة التي تواجهها الأم خلال رعايتها وتربيتها لأولادها هي أكبر وأكثر.
ولذلك فإن القرآن الكريم في هذه الآية وفي غيرها ركز الحديث عن الأم وما تتحمله خلال مرحلة الحمل والوضع والإرضاع وغيرها..
وعندما نعود إلى الأحاديث الشريفة نجد أن الروايات أكدت على مكانة الأم وحقها في البر والإحسان.
فقد روي أن رجلا ًجاء إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله مَنْ أبرُّ قال: أمك، قال: ثم منْ؟ قال: أمك، قال: ثم منْ؟ قال: أمك قال: ثم منْ؟ قال: أبوك.
وبر الأم يعني: أن تحسن عشرتها ومعاملتها، وتحترمها, وتوقرها, وتقدر عطاءاتها وتضحياتها وخدماتها الكبيرة، وأن تطيعها في غير المعصية, وتطلب رضاها في كل أمر, وأن تتواضع لها بل أن تخفض جناحك لها بأن تتذلل لها, مهما كنت كبيراً أو وجيهاً أو مسؤولاً أو زعيماً.
وعن الإمام زين العابدين (ع): وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، ووقتك بجميع جوارحها, ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك, وتضحي وتظلك، وتهجر النوم لأجلك, ووقتك الحر والبرد لتكون لها, وانك لا تطيق شكرها إلا بعد الله وتوفيقه.
الإنسان يكبر وينمو بفضل رعاية الأم.. والآية تقول إن الإنسان يستمر في الحياة (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة).
وبلوغ الأشد قد يكون إشارة إلى البلوغ الجسمي, وبلوغ الأربعين قد يكون إشارة إلى البلوغ الفكري والعقلي، لأن الإنسان يصل إلى مرحلة الكمال العقلي في سن الأربعين.
والإنسان في سن الأربعين ينبغي أن يكون تائباً إلى الله وصالحاً وعاقلاً, وقد تجاوز مرحلة المراهقة والطيش واللاوعي.
ففي الحديث: إن الشيطان يمر يده على وجه زاد على الأربعين ولم يتب ويقول: بأبي وجه لا يفلح.
وفي حديث آخر عن ابن عباس: من أتى عليه الأربعون سنة فلم يغلب خيرُهُ شره فليتجهز إلى النار.
والمؤمن العاقل إذا بلغ الأربعين يطلب من الله ثلاثة أمور:
1 ـ [قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي].لأن الانسان في هذا السن يدرك عمق وحجم نعم الله عليه فيتوجه الى شكر الله على نعمه وألطافه.. ليس باللسان فقط وانما بالعمل والطاعة أيضاً.
2 ـ [وأن أعمل صالحاً ترضاه]. أي يا رب اجعلني أعمل الأعمال الصالحة والنافعة والمفيدة التي تنفعني وتنفع الآخرين لأني تجاوزت مرحلة الطيش والمراهقة واللاوعي وأصبحت في سن العمل والجد .
3 ـ [وأصلح لي في ذريتي] أي اجعل ذريتي ذرية صالحة.
وإذا فعل الانسان ذلك.. فإن الله يكافأه بثلاثة أمور:
1 ـ يتقبل الله أعماله [أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا].
2 ـ يطهره ويتجاوز عن سيئاته [ونتجاوز عن سيئاتهم].
3 ـ يجعله من أصحاب الجنة[في أصحاب الجنة].
والانسان الذي يقوم بكل تلك الأعمال الطيبة والصالحة هو الانسان الذي تربى تربية صحيحة في أحضان أُمه, فالأم هي الأساس في التربية وفي التنشئة على الطاعة وعلى القيام بالاعمال الصالحة, لأن الأم التي رفع الإسلام من مكانتها وأولاها كل تلك العناية وقرر لها كل تلك الحقوق، من واجبها أن تحسن تربية أبنائها على كل صعيد .. على الصعيد الاجتماعي, وعلى الصعيد الفردي والشخصي, وعلى الصعيد الجهادي والوطني.
فعلى الصعيد الاجتماعي: على الأم أن تربي أولادها على حسن التعاطي مع الآخرين بأدب واحترام وتقدير، أن تربيهم على الإحسان للآخرين، وعلى التواصل مع الأقرباء والأرحام، وعلى العلاقة الطيبة مع الجيران، وعلى التعامل الإيجابي مع كل الناس، وعلى وجوب مراعاة النظام العام.
وعلى المستوى الشخصي: على الأم أن تغرس الفضائل والأخلاق والقيم في نفوس أبنائها، وتبغضهم بالمعاصي والمحرمات والموبقات وكل أشكال الرذيلة، وأن تعودهم وتدربهم على طاعة الله سبحانه وتأدية العبادات والواجبات والفرائض..
على الأم أن تحسن اختيار المعلمين والمربين والمدرسة لأولادها, وأن توجههم نحو القدوة الصالحة, وتعلمهم المعارف والآداب الإسلامية والأخلاقية, لينشؤوا صالحين.
وعلى المستوى الجهادي والوطني: فإن على الأم أن تشجع أولادها على التزام جانب الحق ونصرة الحق, وأن لا تثبطهم عن الجهاد، استجابة لعاطفة الأمومة بل عليها أن تغلب نداء الحق على نداء العاطفة، وأن تقتدي بالزهراء(ع) وزينب(ع) ونساء كربلاء اللاتي كنّ يدفعن بأبنائهنّ لتحمل مسؤولياتهم الجهادية حتى الشهادة.
لقد وقفت العقيلة زينب (ع) بالرغم من كل الجو المليء بالإحباط والإنكسار, وهي التي قدمت اخوتها وأبناءها وأبناء أخوتها شهداء, وقفت بكل عزم وقوة وهي في قمة الإنضباط والثقة بالنفس والتماسك وقوة الإرادة ورسوخ العزيمة متحدية الطغاة والظالمين في عقر دارهم.
وعندما قال لها عبيد الله بن زياد كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت بكل ثقة: ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم.
إن أمهات وزوجات وبنات الشهداء من مجاهدي المقاومة الإسلامية اقتدينا بزينب حتى صرنا نسمع من كل أم شهيد وزوجة شهيد وابنة شهيد بأن لها أسوة بزينب التي قدمت أخوتها وأبناءها وأرحامها شهداء في سبيل الله وطلباً لنيل ثوابه ورحمته ورضاه.
هذا الاقتداء وهذا التأسي لا شك أنه كان ولا يزال له الأثر الكبير في تنامي حالة المقاومة في لبنان, وفي اندفاع الشباب لتحمل مسؤولياتهم الجهادية, لأنه عندما يشعر المجاهد بأن أمه أو زوجته أو أبناءه وبناته يشجعونه على سلوك هذا الطريق فلن يتوانى عن المضي فيه من دون قلق أو خوف أو تردد..
هكذا كان مجاهدونا وما زالوا يتحملون مسؤولياتهم لحماية بلدنا وأهلنا, ويحصنون لبنان في مواجهة الصهاينة والتكفيريين, ويقومون بكل ما من شأنه أن يجعل بلدنا قوياً وعزيزاً وعصياً على كل التهديدات والأخطار التي تواجهه.
والحمد لله رب العالمين