كلمة في ملتقى المسجد بعنوان (التنظيم المسجدي بمناسبة اسبوع المسجد بتاريخ 9-5-2018
- المجموعة: نشاطات ولقاءات
- 09 أيار 2018
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1679
المسجد هو أحد أهم الابتكارات والابداعات التي جاء بها الاسلام وجعلها إطاراً لاجتماع الناس ليس لعبادة الله والتوجه إليه فقط، بل إضافة إلى ذلك للتعارف وإنشاء العلاقات وتعزيز الروابط الأخوية
واكتساب العلم والمعرفة والتشاور والإدارة، وهذه هي ميزة المسجد في الاسلام عن بقية دور العبادة في الديانات الأخرى.
فالكنائس المسيحية والمعابد اليهودية والبوذية وغيرها هي أماكن لممارسة أتباع هذه الديانات لطقوسهم الدينية وعبادتهم فقط ولا تقوم هذه الدور بأي وظائف ومهمات أخرى، بينما المسجد في الاسلام لم يكن وخاصة في عهد رسول الله (ص) والعهود القريبة من عهده مجرد مركز للعبادة وأداء الصلاة فقط، بل كان المسجد مركزاً للعبادة والتعليم والحكم والادارة والتعبئة الجهادية وبعث السرايا العسكرية وغير ذلك.
وبقي المسجد عبر التاريخ وإلى الآن مركزاً للتوجيه والتعبئة الايمانية والرسالية والجهادية ولعل معظم شهدائنا الذين مضوا على طريق المقاومة كانوا من رواد المسجد وحضاره، عبدوا الله فيه وتعلموا فيه وتعبؤوا فيه وتحملوا مسؤولياتهم الإيمانية والجهادية انطلاقاً منه.. ونريد للمسجد أن يبقى كذلك، منطلقا لتعميق الإيمان والتوجه الى الله وللعمل الرسالي والجهادي، وأن يؤدي هذا الدور الكبير على كل هذه الصعد.
وأود هنا أن أركز على ما له صلة بعنوان هذه المداخلة وهو التنظيم المسجدي، فالتنظيم المسجدي يبدأ من عمارة المسجد وهندسته وشكله الخارجي والداخلي، مروراً بتشكيل اللجان التي تعنى بإدارته وصولاً إلى العناية ببرامجه ومرافقه ونظافته وطهارته وأناقته والحفاظ على حرمته وقدسيته.
فمن المفيد في إطار التنظيم المسجدي:
أولاً: تشكيل اللجان المسجدية، بغية تفعيل المسجد، وعدد اللجان ونوعها يختلف باختلاف طبيعة كل مسجد وموقعه وحجمه وحجم رواده والأدوار التي يقوم بها، ولذلك قد يكون للمسجد الواحد أكثر من لجنة مختصة مثلاً:
- لجنة ثقافية: تعنى بوضع البرامج الثقافية والدروس والمحاضرات وحلقات لتدريس القرآن.
- لجنة لإحياء المناسبات، لجنة للعلاقات: وتعنى بتعزيز العلاقات مع جيران المسجد والمحيطين به ودعوتهم إلى الحضور في المسجد ومعالجة بعض المشاكل الإجتماعية، لجنة إعلامية تعنى بالدعاية والاعلان عن جميع البرامج، وتدير الموقع الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمسجد التي باتت تساهم بشكل كبير في الدعاية والإعلان المسجدي.
ثانيا: البرامج المسجدية وهي اساس في التنظيم المسجدي وينبغي ان تتسم بالتنوع والثبات والاستمرارية والالتزام بالتوقيتات المحددة.
ثالثاً:مداومة إمام المسجد على الحضور في الأوقات المحددة للصلاة او لإلقاء المحاضرات والدروس او لتلقي المراجعات.
رابعاً: العناية بتنظيم وترتيب وأناقة كل مرفق من مرافق المسجد وشكله ومظهره العام، فضلا عن نظافته وطهارته، من القاعات الى تنظيم المكتبة والعناية بالصوتيات وموقع المنبر وشكله واللوحات المختلفة التي توضع في المسجد وموضع السجدات وكيفية ترتيب وضع المقاعد والطاولات التي يصلي عليها كبار السن وغير ذلك من الأمور التي تؤثر في أجواء المسجد وتترك انطباعات إيجابية او سلبية عن هذا المسجد او ذاك لدى المصلين.
ولعل بعض الروايات الواردة في آداب المسجد واستحباب تبخيره وإضاءته والعناية بتنظيفه وطهارته ترشدنا الى هذا النحو من التنظيم المسجدي الذي يضفي على مساجدنا ومجمّعاتنا قدسية ورونقا خاصا.
وقد اعتنى النبي بالتنظيم المسجدي فكان يقوم بمهمة الآذان في عهد النبي(ص) بلال بن رباح وابن أم مكتوم، وأضيء المسجد في زمن النبي(ص) بالقناديل وكان يقوم بذلك تميم الداري بمعونة غلام له يسمى سراج.
وأمر النبي(ص) بتجمير المساجد أي تبخيرها، ويبدو أنه عين للقيام بهذه المهمة في مسجد المدينة عبد الله المزني ولقب بالمجمر، كما كانت امرأة تتولى تنظيف المسجد واسمها أم محجن.
واعتقد ان التنظيم المسجدي له دور وتأثير كبير لا يقل عن دور وتأثير إمام المسجد في العديد من الأمور وخاصة في الأمور التالية:
- في استقطاب وجذب الناس إلى المسجد، فإذا كان المسجد نظيفاً وهادئاً وتتوافر فيه أجواء روحية يقبل الناس عليه للصلاة فيه، اما إذا كانت تعم فيه الفوضى، في الصوتيات، الضوضاء، الرائحة الكريهة احيانا، النزاعات في داخله، الخ، فإن الناس تنفر من كل ذلك وتنفر من المسجد ويصبح المسجد خاوياً.
- في خلق أجواء روحية وإيمانية داخل المسجد، فأحياناً شكل المسجد، هندسته، قناطره، حجره أبوابه ونوافذه أضواؤه هدوؤه الخ كل ذلك يضفي أجواءً خاصة في داخله بحيث يشعر الانسان فيه بتوجه خاص.(مسجد الكوفة نموذجاً).
- التنظيم المسجدي له دور في جعل المسجد محوراً لكل الأعمال المفيدة وإطاراً للعلم والثقافة والتعارف وتعزيز الصداقات وحل المشاكل الاجتماعية، فعندما يكون هناك تنظيم مسجدي يمكن تقسيم مرافق المسجد والأوقات لتستوعب الكثير من الأعمال النافعة والمفيدة.
- وأخيرا التنظيم المسجدي له تأثير على سمعة المسجد وصورته، فالمسجد المنظم والمرتب يعكس صورة إيجابية عنه وعن الجهة القائمة عليه، وقد يصل صيته الإيجابي إلى الآفاق ويصبح معلماً إسلامياً، كبعض مساجد أصفهان وغيرها..
نحن ندعو إلى أن تكون مجمعاتنا في غاية التنظيم وتتمايزعن كل المجمعات الأخرى من هذه الحيثية ومن حيث النظافة والترتيب والبرامج وغيرها...
ونحن قادرون على ذلك لأن إدارة هذه المساجد بأيدينا، وأئمة المساجد ينبغي أن يقوموا بدورهم على هذا الصعيد.
إمام المسجد كما لجنة المسجد يمكنهم أن يقوموا بدور كبير إن لم يكن بالدور الأكبر على هذا الصعيد، فنحن نعتبر أن دور إمام المسجد او المجمع لا يقتصر على أداء الصلاة والتوجيه الديني بل يتعدى ذلك الى الاشراف على التنظيم المسجدي في كل المفردات والعناوين التي أشرنا اليها، والاهتمام بعناية بكل ما يؤدي إلى جذب واستقطاب الناس إلى المسجد والتركيز على كل ما يعزز محورية المسجد.
البعض قد يهمل هذا الجوانب ولا يهتم بها، ولذلك ترى بعض المساجد مهملة بل ومهجورة وفي الحد الأدنى لا روحية فيها نتيجة ذلك.
نحن ندعو الى أن يكون إمام المسجد شريكا أساسيا في الإدارة والتنظيم المسجدي حتى مع وجود إدارات خاصة كما في المجمعات الكبيرة، وإن لم يكن لدى إمام المجمع متسع من الوقت ليباشر الإدارة والتنظيم، ففي الحد الأدنى أن يمارس دوره في الإشراف والتوجيه وطرح الأفكار على هذا الصعيد لأن تجربة إمام المسجد وأفكارهَ ومشاركتَه بهذا المستوى تغني العمل وتساهم في التفعيل والتطوير.
والحمد لله رب العالمين