مقابلة مع مجلة بقية الله حول موضوع "شروط النصر في معركتنا مع الاعداء، على ضوء معركة أحد"
- المجموعة: مقابلات وحوارات
- 03 تشرين1/أكتوير 2006
- اسرة التحرير
- الزيارات: 16146
لقد انتصر المسلمون في أحد عندما نفذوا خطط المعركة بدقة وعاشوا الانضباط أمام أوامر القيادة وتعليماتها، ولكن موازين النصر انقلبت لمصلحة الآخرين عندما تخلى المسلمون عن مواقعهم وخالفوا تعاليم القيادة وتنازعوا حول الغنائم والمكاسب, وهذا يعني أن على المسلمين أن لا يتنازعوا عندما يخوضون معركة الحق ضد الباطل، وإن عليهم إذا ارادوا الانتصار أن يكونوا صفا واحدا في الاخلاص للقضية وللهدف والأمة وأن يكونوا صفا واحدا في الالتزام بأوامر القيادة وفي الانسجام مع الخطة الحكيمة.
جانب الشيخ علي دعموش المحترم
نضع بين يديكم أسئلة مجلة بقية الله حول موضوع " شروط النصر في معركتنا مع الاعداء، على ضوء معركة أحد":
- س1: لماذا أحد في بدايات الإسلام الأولى؟
- س2: كيف خطط الرسول (ص) ولماذا حصل الخرق الذي أدى إلى الهزيمة؟.
- س3: ما هي الأخطاء التي وقعت وكان بالإمكان تلافيها؟
- س4: ما هي شروط النصر، وبالتالي ما هي أسباب الهزيمة وما هوموقعها في مسيرة الجهاد في الإسلام (هل يمكن أن يصاب الإسلام بهزيمة)
- س5: ما هي العلاقة بين الجهاد وهدف نشر الإسلام؟
- س6: جهاد الرسول (ص) كان لنشر الإسلام؟ وما الفرق بين الهدف من جهاده (ص) وجهادنا اليوم الذي هو للمحافظة على الإسلام بالدرجة الأولى؟
- س7: هل النصر هو مكافئة إلهية؟ وكذلك هل الهزيمة هي عقاب إلهي أم أن كلاهما مرتبط بالموازين والمعطيات المادية؟
مع جزيل الشكر
- جواب السؤال الأول
لعل قيمة هذه المعركة أنها جمعت للمسلمين النصر والهزيمةوعاش المسلمون فيها شروط النصر في بدايتها وشروط الهزيمة في نهايتها وكان من الضروري أن يعيش المسلمون هذه التجربة في بداية معاركهم مع اعدائهم من أجل أخذ العبرة والاستفادة من دروس هذه المعركة للمستقبل لأن واحدة من أهم دروس هذه المعركة التي استفادها المسلمون هي: أن الله يعطي الناس النصر إذا اخذوا بأسبابه وشروطه أي إذا التزموا بالصبر والثبات واحترموا خطط المعركة ولم يتنازعوا أو يقعوا تحت تأثير مطامعهم وأهوائهم الشخصية.
لقد انتصر المسلمون في أحد عندما نفذوا خطط المعركة بدقة وعاشوا الانضباط أمام أوامر القيادة وتعليماتها، ولكن موازين النصر انقلبت لمصلحة الآخرين عندما تخلى المسلمون عن مواقعهم وخالفوا تعاليم القيادة وتنازعوا حول الغنائم والمكاسب, وهذا يعني أن على المسلمين أن لا يتنازعوا عندما يخوضون معركة الحق ضد الباطل، وإن عليهم إذا ارادوا الانتصار أن يكونوا صفا واحدا في الاخلاص للقضية وللهدف والأمة وأن يكونوا صفا واحدا في الالتزام بأوامر القيادة وفي الانسجام مع الخطة الحكيمة.
- جواب السؤال الثاني:
اعتقد أن التخطيط للمعركة تركز في جانبين:
الأول : أن يكون التصدي للمشركين خارج المدينة وليس داخلها وذلك من أجل حماية المدينة من التخريب والدمار من جهة ومن جهة أخرى حتى لا يفرض العدو حصارا عليها، ومن جهة ثالثة تلافيا لأخطار متوقعة من اليهود والمنافقين المتعاطفين سرا مع العدو والذين يمكن أن يستغلوا فرصة الحصار لإثارة البلبلة وتفجير الوضع من الداخل.
ثانيا: أن يتمركز جيش المسلمين إلى جانب جبل أحد بحيث يكون ظهرهم إلى الجبل،وحيث أنه كان على يسار هذا الموقع جبل اسمه جبل عينين، وكانت فيه ثغرة يمكن أن ينفذ من خلالها العدو ويلتف على المسلمين، فقد وضع النبي (ص) خطة تقضي بأن يتمركزعلى هذا الجبل خمسون مقاتلا من الرماة وأمرهم أن يبقوا في أماكنهم مهما حدث وقال لهم فيما يروى عنه (ص): "احموا ظهورنا فإذا رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا".
لقد خرق الرماة هذه الخطة ولم يلتزموا بتعاليم النبي (ص) فهم تنازعوا فيما بينهم واختلفوا هل يتركون مواقعهم بعدما بدأ المسلمون يجمعون الغنائم، أم أن عليهم أن يبقوا في مواقعهم لأن النبي(ص) أوصاهم بعدم مغادرتها مهما حدث ؟
وهكذا انسحب البعض وخالف أوامر النبي (ص) طمعا في الحصول على بعض المكاسب والغنائم، الأمر الذي ادى إلى انكشاف المسلمين أمام العدو فالتف عليهم من جديد وهم مشغولون بجمع الغنائم مما أدى إلى هزيمتهم بعد أن كادوا يحققوا انتصارا نهائيا على المشركين. وهذا يعني أن التنازع وعدم التقيد بالخطة الحكيمة الموضوعة من قبل القيادة للمعركة، قد تغير في مسار المعركة لمصلحة العدو وتحدث انقلابا سلبيا جذريا في نتائجها.
- جواب السؤال رقم 3.
أهم خطأ هو عدم احترام خطط المعركة وعدم التقيد بأوامر وتعاليم القيادة بدافع الحصول على بعض المكاسب، فلو أن الرماة ثبتوا في مواقعهم ولم يغادروها والتزموا بما قاله النبي (ص) لهم: "احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا" لما حصلت الهزيمة فيما بعد، ونعم كان بالإمكان تلافي هذا الخطأ الجسيم لو أن المسلمين الذين خالفوا أوامر النبي (ص) ضغطوا على انفسهم وكبحوا شهواتهم وأهواءهم وتخلوا عن اطماعهم الشخصية ولكنه حب الدنيا والطمع في الحصول على مكاسب ضيقة وعدم خلوص النية هو الذي يؤدي في حالات كثيرة إلى ممارسات ونتائج خطيرة من هذا النوع.
- جواب السؤال الرابع:
شروط النصر يمكن اختصارها في عنصرين اساسيين هما:
عنصر الإيمان وعنصر القوة المادية.
ونعني بعنصر الإيمان: الارتباط بالله سبحانه والثقة به والاعتماد عليه واللجوء إليه لأن ذلك هو الذي يجعل الإنسان يحصل على قوة معنوية تبعده عن الخوف والقلق واليأس وتدفعه إلى التضحية في سبيل الله. قال تعالى (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) ثم الصبر والثبات ،قال تعالى " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" وقال تعالى "فإن يكن مائة صابرة يغلبوا مائتين بإذن الله" ثم الطاعة لولي الأمر والقيادة والإلتزام بأوامرها والمسؤوليات التي تحددها... ثم الصدق حيث يقول أمير المؤمنين (ع) : الحرب سجال فيوم لنا من عدونا ويوم لعدونا منا، حتى إذا رأى الله صدقنا أنزل علينا النصر وبعدونا الكبت".
ونعني بالقوة المادية: أن يكون لدى المقاتلين سلاح وعتاد وخبرة وكفاءة قتالية وإعداد جيد للمعركة وتخطيط دقيق ودراية بكل الأوضاع والظروف السياسية المحيطة فهذا أمر ضروري لأن الله جعل النصر والهزيمة تابعين وخاضعين للأسباب والوسائل الطبيعية أي الأسباب المادية إلى جانب الأسباب المعنوية والروحية فالذي لا يملك وسائل المعركة المادية لا ينتصر وإن كان على حق، ولذلك فقد أكد القرآن على ضرورة الإعداد العسكري من اجل تحصيل القدرة على المواجهة وتحطيم الروح المعنوية للأعداء بقوله تعالى: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).
إذن فلا الإيمان بمعناه الشامل الذي يتضمن الإخلاص والصدق والتوكل على الله والثقة به وحده كافيا في كسب المعركة، ولا القوة المادية وحدها كافية، وإنما كلاهما عنصران ضروريان فيها وقد كانا متوافرين في كل معارك المسلمين الأولى وساهما معا في تحقيق الانتصار في هذه المعارك كما انهما كانا متوافرين في معارك المقاومة الإسلامية مع الصهاينة وخاصة في العدوان الأخير على لبنان(تموز2006)، وساهما معا في تحقيق الانتصار الإلهي التاريخي الاستراتيجي لأن أهم اسباب وخلفيات الانتصار الذي حققته المقاومة في هذه الحرب هو أن المجاهدين في هذه المقاومة كانوا يملكون قوة روحية معنوية لا نظير لها فهم على درجة عالية من الإيمان والثقة بالله والارتباط به والتوكل عليه والإخلاص له والصدق معه، وهم على درجة عالية من الشجاعة والثبات والصبر والصمود في مواجهة العدو وقد جسدوا اسمى معاني الصبر والثبات والصمود وشجاعة التصدي للعدوان في المواجهات في مارون الراس وبنت جبيل وعيتا الشعب والخيام ووادي الحجير وغيرها من المواقع كما انهم يملكون القدرة والقوة والكفاءة التي استطاعت أن تشكل مفاجآت كثيرة للعدو خصوصاً، وانه لم يكن يتوقع أن يملك المجاهدون في المقاومة الإسلامية هذا النوع من القدرة والقوة وخاصة الصاروخية وسلاح الدروع، ولا هذه الخبرة والكفاءة القتالية والتقنية العالية التي جسدها المجاهدون في ميادين الجهاد.
- جواب السؤال الخامس:
- لم يكن الجهاد في أي مرحلة من المراحل وسيلة لنشر الإسلام وهداية الناس، حيث يقول تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) ويقول تعالى: (وادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ويقول: (جادلهم بالتي هي أحسن) فالإسلام لا يُفرض على الناس بالقوة والعنف والإكراه، وإنما على أساس المنطق والإقناع، وكل الحروب الإسلامية في عهد رسول الله (ص) لم تكن بهدف نشر الإسلام وفرضه بالقوة وإنما هي في معظمها حروب دفاعية كانت من أجل صد العدو ووضع حد لاعتداءاته ومؤامراته التي كان يدبرها ضد الإسلام والمسلمين، أو أنها كانت من اجل تأمين حرية الدعوة وإزالة العراقيل والموانع من طريقها، حيث كان المشركون والكافرون يقمعون الرسالة والمسلمين الذين يؤمنون بها ، ويضعون الحواجز والعراقيل في طريقها ويمنعونها يمنعون قيمها ومفاهيمها ومنطقها من الوصول إلى عقول وقلوب الناس، مما اضطر النبي (ص) والمسلمون معه إلى الجهاد في سبيل الله من أجل توفير الحرية للدعوة لتنطلق وتنتشر على أساس الاقتناع من دون حواجز وعراقيل.
- جواب السؤال السادس:
- جهاد نبينا (ص) كما قلنا كان من أجل تأمين حرية الدعوة وحرية المسلمين في أن يؤمنوا بما يريدون وإزالة الموانع والعراقيل من طريق الدعوة والدفاع عن الإسلام والمسلمين وأرضهم وكيانهم ووجودهم الذي كان يتعرض للعدوان من قبل الأعداء.
اليوم جهادنا هو بهدف الدفاع عن بلدنا وحريتنا وسيادتنا ومن اجل الحفاظ على ديننا واستعادة مقدسات امتنا، ومن هنا فإن جهادنا يلتقي في دوافعه ومنطلقاته واهدافه مع جهاد النبي (ص) وهو بمعنى من المعاني امتداد له لاننا نقاتل الصهاينة المحتلين احفاد اولئك الذين قاتلهم النبي(ص) في واقعة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر وغيرها.
- جواب السؤال السابع:
- قلنا أن عملية النصر والهزيمة خاضعة للوسائل الطبيعية المحكومة للأسباب المعنوية والروحية وبالتالي فإن المعركة تحتاج إلى عنصرين اساسيين هما عنصر القوة المعنوية الروحية وعنصر القوة المادية فمتى توافرت هذه الشروط والمعطيات في المعركة حصل النصر ومتى فقدت فقدت المعركة قوتها وحصلت الهزيمة لكن هذا لا يعني أن الله سبحانه وتعالى لا يتدخل أو أنه يقف على الحياد من دون أن يكون له دور في المعركة.
فإنه لا شك أن الله يتدخل في الصراع الذي يكون المؤمنون طرفا فيه باعتباره وليا للمؤمنين ولصالحهم، وهو يتدخل في المعركة تدخلا شاملا منذ بدايتها حتى نهايتها كصاحب قضية فهو يتدخل في توجيه مسار الحرب لتكون النتيجة لمصلحة المؤمنين، وفي الحضور المباشر والفاعل في الميدان عن طريق إحداث بعض المفاجآت للعدو واستعمال المباغتة بحيث لا يعرف العدو من أين ومتى وكيف حصل ذلك يقول تعالى عن معركة بني النضير (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله) وهو سبحانه يقلل قوة العدو بنظر المؤمنين لرفع معنوياتهم يقول تعالى: (وإذ يريكوهم إذ التقيتم في اعيانكم قليلا ويقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا) وهو سبحانه يتدخل في تسديد الرمي وينسب القتل لنفسه لا للمجاهدين حيث يقول تعالى (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى) ويتدخل سياسيا في تسديد القيادة وعصمتها عن الانحراف والضعف والوهن أو التراجع، ويتدخل في تثبيت المؤمنين وإنزال السكينة والطمأنينة عليهم ومنحهم المزيد من الإرادة والصلابة والشجاعة (إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا) (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا مبينا) (ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين).
ويتدخل بإلقاء الرعب والخوف في قلوب الأعداء (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله) (إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) وقد القى الله الرعب في قلوب يهود بني النضير (وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم) والقى الرعب في يهود بني قريظة (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وفريقا تأسرون) ويتدخل فيراقب التحركات المشبوهة التي يقوم بها المنافقون والمتواطئون في الداخل قال تعالى: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما تعملون محيط)
نعم بهذا المعنى يكون النصر نعمة إلهية يمن الله بها على المؤمنين يقول تعالى: (وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) فهو نعمة إلهية لكنه غير منفصل عن اسبابه وشروطه الطبيعية والمادية والروحية.