الشيخ دعموش في ندوة مركز الإمام الخميني في النبطية بتاريخ 29/9/2012 يتحدث عن: الحرب الناعمة والإساءة للنبي (ص) حرب معلنة
- المجموعة: ندوات
- 29 أيلول/سبتمبر 2012
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3667
شارك سماحة الشيخ علي دعموش في الندوة التي نظمها مركز الإمام الخميني في النبطية بتاريخ 29/9/2012 بمناسبة اصدار الفيلم المسيء للنبي الأكرم (ص) حيث تحدث فيها عن: الحرب الناعمة والإساءة للنبي (ص) حرب معلنة.
وهذا نص المداخلة:
بعد فشل الولايات المتحدة في حروبها العسكرية على أفغانستان والعراق.. وعجزها عن استخدام القوة العسكرية على إيران حتى الآن لأسباب عديدة .. تحول التركيز من الحرب الصلبة التي تستعمل فيها الآلة العسكرية (المادية) إلى التركيز على الحرب الناعمة التي تستخدم فيها وسائل الإعلام والاتصال والإقناع والتي تستهدف العقل والفكر والروح الإنسانية..
فما هي حقيقة هذه الحرب؟
الحرب الناعمة مصطلح جديد يشبه في المضمون مصطلحات متداولة كحرب المعنويات، غسل العقول، الغزو الثقافي، الحرب السياسية.
وقد ولد هذا المصطلح في سياق المحطات الكبرى والأحداث والحروب العسكرية المفصلية لنهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين وتحت تأثير مجريات التطور الهائل في عالم وسائل الاتصال والإعلام.
وهو منتج جديد مبتكر مشتق من الحرب الباردة ولكن بآليات وتقنيات جديدة ومشاريع جديدة، وموجه إلى شريحة وجمهور جديد، وبمواجهة عقيدة جديدة هي الإسلام وضد بلدان وقوى جديدة مثل إيران وسوريا وحركات المقاومة وقوى الممانعة ضد المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.
الحرب الناعمة يعرفها جوزيف ناي نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق وعميد كلية الدراسات الحكومية في جامعة هارفرد، وهو من أهم المخططين الاستراتيجيين في أمريكا وهو صاحب كتاب القوة الناعمة:
يقول: (القوة الناعمة هي القدرة على تشكيل تصورات الآخرين).
وهي: (الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال).
تنشأ القوة الناعمة من الجاذبية الثقافية لبلد ما أو المُثُل السياسية التي يحملها فعندما نجعل الآخرين يعجبون بالقيم والمثل التي نؤمن بها وتجعلهم يريدون ما نريد ويحملون نفس التصورات فإننا لن نضطر إلى الإنفاق على القوة العسكرية والإغراء الاقتصادي.
والخلاصة أن جوزيف ناي يعتبر:
القوة الناعمة هي الأكفأ والأفعل في عالم اليوم على توفير القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة من دون الاضطرار إلى استخدام القوة العسكرية الصلبة.. وكل دولار يصرف في الناعمة أفضل وأجدى بأضعاف من صرف 100 دولار في القوة الصلبة.
إذن: عندما نتحدث عن قوة ناعمة تريد أن تقتحم منطقتنا وبلداننا وأفرادنا نتحدث عن مشروع أمريكي اختار القوة الناعمة ليخرب من داخلنا وليسقطنا من داخلنا بأيدينا وأدواتنا من دون أن نلتفت في كثير من الأحيان إلى ما يحصل.
أشكال الحرب الناعمة:
إن أحد أشكال الحرب الناعمة هو ضرب القيم الدينية وتسفيه معتقدات الآخرين وتجويف شخصيتهم الايديولوجية العقيدية وإضعاف علاقة الناس برموزهم الدينية وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية ثم دفع الناس للاقتتال ليسهل على أميركا أن تفرض نمطها وأسلوبها وثقافتها وسياساتها ونفوذها ولتتمكن من السيطرة على هذه الشعوب وعلى هذه المنطقة من دون جيوش ومن غير اللجوء إلى وسائل القوة والوسائل العسكرية.
ومن أشكال هذه الحرب أيضاً ما جاء في دراسة صدرت عام 2007 لمعهد راند للأبحاث الدفاعية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية تحت عنوان (بناء شبكات إسلامية معتدلة)، حيث تدعو هذه الدراسة إلى:
دعم تيار ما يسمى بالإسلام المدني المعتدل وإيجاد شبكة إسلامية دولية مرتبطة بالغرب تعمل وفق الضوابط الأمريكية والغربية وتروج لإسلام أمريكي وغربي وعرفان وتصوف مزيف أسماه الإمام الخامنئي بالعرفانيات الكاذبة البديلة للعرفان الحقيقي.
أحد أهم وسائل وأدوات هذه الحرب بكل أشكالها هي:
(الإنتاج الإعلامي والسينمائي الأمريكي)
وهذا بالضبط ما ذكره جوزيف ناي عندما حدد مصادر وأدوات القوة الناعمة: إن الإعلام والسينما من أهم أدوات هذه الحرب.
من هنا فإن الفيلم المسيء للنبي (ص) الذي صدر في الولايات المتحدة مؤخراً وقبله إحراق القرآن هو أداة في استراتيجية الحرب الناعمة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإسلام والمنطقة.
هو أداة في هذه الحرب التي تقوم على المس بالمقدسات والرموز الدينية بهدف إضعاف الإيمان الديني لدى الشعوب وخاصة شعوب هذه المنطقة.
هو ليس عملاً فردياً قام به فرد أو مؤسسة خاصة كما حاول البعض أن يروج وإنما هو عمل تقف ورائه الولايات المتحدة الأمريكية التي سمحت بالانفتاح وعرض المقتطفات وامتنعت عن وقف العرض بحجة حرية التعبير.
الإساءة الأمريكية والفرنسية للمقدسات والرموز الدينية وقبلها ما حصل في الدانمارك أسقطت القناع عن الوجه الحقيقي للغرب وكشفت عن كنه العداء الذي يضمرونه ضد كل ما هو مقدس وديني.
هناك أهداف لهذا الفيلم ولسلسلة الإساءات المتكررة للإسلام ولرسول الله ولكتاب الله للقرآن الكريم ابتداءً من الرسوم الكاريكاتورية للنبي (ص) في الدانمارك إلى حرق القرآن من قبل جونز ومن قبل الجنود الأمريكيين في أفغانستان وغونتنامو إلى الفيلم المسيء إلى رسوم فرنسا..
يمكن أن نفترض هدفين أساسيين:
1 ـ إسقاط القداسة عن رموزنا الدينية وإبعاد الناس عن هذه الرموز حتى لا تبقى مصدر تماسك ووحدة وقوة..
تشرشل وفي معرض حديثه عن إسقاط الخلافة الإسلامية في مطلع القرن العشرين قال: أبعدوهم عن القرآن ففيه مصدر قوتهم.
2 ـ إيقاع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين جر المسلمين والمسيحيين إلى صراع ديني طائفي دموي على امتداد العالم.
وقد يكون الهدف المباشر إثارة الفتنة بين المسلمين والأقباط خصوصاً في مصر من أجل جر المصريين مسلمين ومسيحيين إلى حرب أهلية داخلية يتم بموجبها تهجير الأقباط من مصر كما هُجّر المسيحيون من فلسطين والعراق ويعمل الآن على تهجيرهم من سوريا.
والذي يؤكد هذا المعنى أن من وضع في واجهة هذا العمل الأمريكي الصهيوني هو كاهن قبطي أو جمعية مسيحية قبطية في الولايات المتحدة.
وهكذا يتم عادة الدفع بمسلمين أو برجال دين وجمعيات مسيحية إلى الواجهة ليتم باسمها الإساءة إلى الإسلام كما حصل مع جونز وهو رجل دين مسيحي حتى يتأثر المسلمون في المقابل وتحصل الفتنة..
ولكن بحمد لله تم تعطيل هذا الهدف بفعل طريقة تعاطي القادة الروحيين والسياسيين من مسلمين ومسيحيين مع هذا النوع من الإساءة.
إن مسارعة قادة مسيحيين دينيين وسياسيين وفي مقدمهم البطاركة الكبار للطوائف المسيحية في المشرق إلى إدانة هذا الفيلم المسيء واعتبارهم أن الإساءة للإسلام ولنبي الإسلام هي إساءة للمسيح وللمسيحية، كان له أثر بالغ في تعطيل هذا الهدف.. الخطير.
بل أكثر من هذا فان الفيلم المسيء هذا أعطى مفعولاً معاكساً للنيات والأهداف التي كان يضمرها الأمريكيون والصهاينة بعدما جرى تحويل هذه القضية بفعل الوعي وعي القادة ووعي الناس من مشروع انقسام وفتنة إلى مناسبة لتأكيد وتعزيز الوحدة على المستوى الإسلامي الشيعي السني وعلى المستوى الإسلامي المسيحي.
هنا في لبنان على الرغم من الإنقسام السياسي القائم وخاصة حول قانون الانتخابات مؤخراً، فإن قضية الفيلم المسيء ساهمت في جمع اللبنانيين وتلاقي معظم اللبنانيين مسلمين ومسيحيين على رفضه والتنديد به. وهنا لا بد أن ننوه بالقمة الروحية التي انعقدت في بكركي الأسبوع الماضي والبيان الذي صدر عنها والذي أكد على إصدار قانون عالمي يجرم الإساءة للمقدسات الدينية.
كما لا بد من التنويه بالخطوة التي قام بها وزير الاتصالات اللبناني قبل يومين والذي طلب فيها من القضاء اللبناني إصدار قرار بحجب الفيلم عن لبنان.
التظاهرات التي خرجت في الضاحية وصور وبعلبك وبنت جبيل والهرمل وغيرها هي تظاهرات حضارية شارك فيها مسلمون ومسيحيون من كل الطوائف والمذاهب.
الغرب متهم بالإزدواجية في التعاطي مع الإساءات التي تتعرض لها المقدسات. فعندما يكون الأمر متعلقاً بالمقدسات الإسلامية أو المسيحية يتم تبرير ذلك بحرية التعبير ، أما عندما يرتبط ذلك ليس بمقدسات اليهود والصهاينة بل حتى بمسلماتهم يعاقب الفاعل ويجرم ويفعل القانون وهذا ما حصل مع روجيه غارودي وإبراهيم نافع في فرنسا.
اليوم الغرب مطالب بدفع تهمة الإزدوجية (ازدوجية التعاطي) عنه، ودفع هذه التهمة لا يكون إلا بخطوات جادة وصادقة..
اليوم إذا كانوا صادقين فيما يقولون بأنه لا علاقة لهم بالفيلم وأنه عمل فردي فليبرهنوا عن صدقهم بخطوات واضحة.
أولاً: منع بث الفيلم كاملاً.
2 ـ حجب الفيلم عن غوغل.
3 ـ تفعيل القوانين التي تجرم من يحض على الكراهية والحقد.
فهناك قوانين في فرنسا وأمريكا وكل الدول الأوروبية تجرم من يقوم بعمل يؤدي إلى الكراهية والحقد لأسباب دينية أو عرقية.
هذه القوانين موجودة وتحتاج إلى تفعيل في مواجهة من يسيء إلى المعتقدات والرموز الدينية.
وعلى جمعيات حقوق الإنسان وكل الاحرار في العالم المطالبة بتفعيل هذه القوانين قبل المطالبة بسن قوانين جديدة. والعمل على رفع دعاوى قضائية بموجب هذه القوانين لمعاقبة المسيئين حتى لا يتكرر هذا العمل في المستقبل.