فكرة حفر الخندق هل هي لسلمان الفارسي فعلاً؟!!..(44)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 08 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3318
غزوة الأحزاب وعوامل الانتصار(44)
إن معركة الأحزاب، وكما هو معلومٌ من اسمها، كانت حرباً احتشدت فيها كلُ الجماعاتِ السياسية والقبائلِ والفئاتِ والأحزابِ المعادية للقضاء على رسول الله (ص) وعلى رسالته.وكان اليهودُ هم الذين خططوا لهذه الحرب, وحرّضوا عليها, وأقنعوا المشركين بها, وعقدوا التحالفات من أجلها، وكوّنُوا أكبرَ تجمعٍ عسكريٍ تشهدُهُ المنطقةُ آنذاك لمهاجمة المدينة والقضاء على الإسلام.
المشركون واليهود يتحضّرون للمعركة :
ويذكر المؤرخون أن عدد أفراد جيوش الكفر التي زحفت باتجاه المدينة في غزوة الأحزاب كان أكثرَ من عشرةِ آلافِ مقاتل, في حين أن عدد المسلمين لم يكن يتجاوزُ الثلاثةَ آلافِ رجل.
ومن المعلوم أن المسلمين حفروا خَنْدَقاً عظيماً حول المدينة بعدما وصلت إليهم أنباءُ جموع الأحزاب من أجل الدفاع عن المدينة ومنعِ هؤلاء الأعداء من اجتياحها, ولذلك سميت هذه الحرب أيضاً بغزوة الخندق نسبةً إلى هذا الخندق الكبير الذي حفره المسلمون حول المدينة. وعندما وصلت جيوش الكفار إلى حدود المدينة تفاجأوا بوجود الخندق فنزلوا عند حافته من جانبٍ, بينما تمركز المسلمون في الجانب الآخر من جهة المدينة وهم مشرفون على الخندق بحيث كانوا يستطيعون من خلال الرُماةِ السيطرةَ الكاملةَ على كل تحركات العدو ومنعَهُ من اجتياز الخندق.
وعلى كل حال فإن جيش الكفار استطاع محاصرة المسلمين في المدينة من جميع الجهات وبقي هذا الحصار عشرين يوماً وقيل خمسةً وعشرين يوماً وحَسَبَ بعض الروايات بقي شهراً كاملاً.
ومع أن العدو كان متفوقاً على المسلمين من جهات مختلفة من حيث العددُ والعتادُ والخبرةُ القتالية وغيرُ ذلك إلا أن المسلمين استطاعوا بتأييد من الله عز وجل الانتصارَ في هذه المعركة وإلحاقَ الهزيمة بكل هذه الحشود وإجبارَهَا على التقهقر والعودةِ من حيث أتت من دون أن تحقق شيئاً من أهدافها. والسؤال الذي يُطرح هنا: ما هي العواملُ التي ساعدت المسلمين على تحقيق هذا النصر رُغم عدم وجود تكافؤٍ في القوى بينهم وبين الأعداء؟ !.
الرسول (ص) يقترح فكرة الخندق وسلمان يشرحها :
في الواقعُ أن هناك عدةَ عناصرَ ساهمت في تحقيق النصر في هذه المعركة :
العنصرُ الأول: التخطيطُ العسكريُ الدقيقُ الذي تمثل بحفر الخندق وتحصينِ المدينة والحيلولةِ دون اجتياحها.
والمشهورُ بين المؤرخين أن الذي اقترح حفر الخندق حول المدينة هو سلمانُ الفارسي باعتبار أن مسألة حفر الخندق كانت أسلوباً دفاعياً معروفاً ومعتاداً في بلاد فارس آنذاك ولم يكن هذا الأسلوبُ معروفاً عند العرب إلى ذلك اليوم بل كان يعد ظاهرةً جديدة, فسلمانُ الفارسي نقل هذه التجربةَ الدفاعيةَ من بلاد فارس, وعمل بها النبيُ(ص) والمسلمون. هذا هو المعروف بين المؤرخين ولكن بعض المحققين يرى أن النبي (ص) هو صاحبُ فكرةِ حفر الخندق وليس سلمانَ الفارسي. وأن النبي (ص) هو الذي بادر إلى طرح هذه الفكرة أمام المسلمين ولكن عندما اختلف المسلمون في ذلك تكلم سلمانُ بطريقة بيّن لهم فيها وجه الحكمة في اعتماد هذا التدبير العسكري وهذا الإجراءِ الدفاعي المتقن باعتبار أن سلمان هو من بلاد فارس وهذا الإجراء كان إجراء معروفاً في بلاده.
ومما يدل على أن صاحب الفكرة هو النبيُ (ص) هو ما كتبه النبيُ(ص) في رسالته الجوابية لأبي سفيان حيث قال له فيها: وأما قولُكَ من علَّمَنَا الذي صنعنا في الخندق, فإن الله ألهمني ذلك. فإن عبارة "فإن الله ألهمني ذلك" تدل على أن فكرة حفر الخندق هي إلهامٌ من الله لرسوله, فالله هو الذي هداه إلى هذه الفكرة ولم تكن هذه الفكرةُ باقتراح من أحد غيرِه.
العنصرُ الثاني: الذي ساهم في انتصار المسلمين في هذه المعركة هو الدورُ البطوليُ الذي قام به الإمامُ عليُ بنُ أبي طالب (ع) في هذه المعركة, حيث تمكن (ع) من قتل عمروِ بنِ عبدِ ود بطل معسكر الأعداء وأحدِ أبرزِ شجعانِ العرب وأبطالِها آنذاك والذي كان يعد بألف فارس, وبقتل هذا الرجل انهارت قوةُ الأعداء فيئسوا وشعروا بالرعب والضعفِ والهزيمة فقرروا الرجوعَ مهزومين من حيث أتوا.
علي (ع) يتحدى عمر بن ود العامري
ويذكر المؤرخون في توضيح هذا الدور البطولي لعلي عليه السلام: إن عناصر من جيش الأحزاب استطاعوا اختراق الخندق والعبورَ بخيولهم إلى الجانب الآخر من خلال نقطة ضيقة فيه كانت بعيدةً نسبياً عن مرمى الرماة المسلمين, وكان من بينهم عمرُ بنُ عبد ود. فتقدم هذا الرجل بعزة واعتداد بالنفس نحو المسلمين وكانت له خبرة قتالية كبيرة, ورفع صوته طالباً من يبارزه, ولما لم يجرؤ أحد من المسلمين على إجابته, تقدم علي (ع) نحو رسول الله وقال : أنا له يا رسول الله, فقال النبي(ص) : إجلِسْ يا علي إنه عمرو بنُ عبد ود.
وكرر عمرو النداء مرة ثانية فلم يتحرك له أحد من المسلمين سوى علي, والنبي (ص) يأمره بالجلوس, فلما رأى عمرو أن أحداً لا يجيبه إلى المبارزة والقتال, بدأ يسخر من المسلمين ويتحداهم ويقول: أين جنتُكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها؟ هل فيكم من أُرسلُهُ إلى الجنة, أو يدفعني إلى النار؟.
فقال علي (ع) للمرة الثالثة وقال: أنا له يا رسول الله, فأذن له النبي(ص) وأعطاه سيفه الخاص ذا الفقار, وألبسه درعه وعممه بعمامته, وقال: اللهم أحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شِماله ومن فوقه ومن تحته. فبرز إليه علي (ع), وهنا قال النبي(ص) كلمته المشهورة: برز الإيمانُ كُلُهُ إلى الشرك كُلِهِ, وعندما تقدم علي (ع) نحوه وتقابلا, قال له عمرو: من أنت؟ .
قال: عليُ بنُ أبي طالب.
فقال عمرو: ليبرزَ إليَّ غيرُك فإني أكره أن أقتلك لأن أباك كان صديقاً لي في الجاهلية.
فقال علي: ولكنني أحبُّ أن أقتُلك, وإن قريشاً تتحدثُ عنك أنك تقول: لا يدعوني أحدٌ إلى ثلاث خِلاَلٍ إلا أجبتُ ولو إلى واحدةٍ منها.
قال: نعم هذا صحيح.
فقال علي(ع): فإني أدعوك إلى الإسلام.
فقال: دعْ عنك هذه.
قال: فإني أدعوك إلى أن ترجِعَ بمن تبعك من قريشٍ إلى مكة.
قال: إذن تتحدثُ عني نساءُ مكةَ أن غلاماً مثلَكَ خدعني.
قال: فإني أدعوك إلى القتال راجلاً.
فقال: إني لا أحبُ أن أقتلك.
فقال علي (ع): ولكنني أحبُّ أن أقتلك, فأخذه الحماس وتقابلا واستطاع عليٌ(ع) أن يضربه ضربة قاضية فقتله.
ويذكر المؤرخون أن علياً توقف عن ضربه لحظةً بعد أن وصل إليه فتعجب المسلمون من ذلك, فلما رَجَعَ سأله النبيُ(ص) عن ذلك, فقال عليٌ(ع): كان قد شتمَ أمي, وتَفَلَ في وجهي, فخشيت أن أضربه لحظِ نفسي, فتركتُهُ حتى سكنَ غضبي ثم قتلتُهُ في الله.
لقد حطمت ضربةُ علي(ع) لعمروِ بنِ عبد ود معنوياتِ الأعداء وهزمتْهُم نفسياً وبددتْ آمالَهم بالنصر, ولذلك قال النبي (ص) في حقها: ضربةُ عليٍ يومَ الخندق أفضلُ من عبادة الثَقَلين أو أفضلُ من أعمال أمتي إلى يوم القيامة, وذلك لأنه لم يبق بيتٌ من بيوت المشركين إلا وقد دخله ذُلٌ بقتل عمرو, ولم يبق بيتٌ من بيوت المسلمين إلا وقد دخلَه عِزٌ بقتل عمرو.
العنصرُ الثالث: الذي ساهم أيضاً في الانتصار في هذه المعركة هو العملُ الإعلاميُ والاستخباريُ والأمني الذي قام به نعيمُ بنُ مسعود بتوجيه من رسول الله (ص) في إيجاد الخلاف والنزاع بين الأحزاب والفئات المشاركة في هذه الحرب وبثِِ الفُرقةِ فيما بينها من خلال خطةٍ أمنيةٍ استخباراتية دقيقةٍ ومتقنة.
ولقد استطاع هذا الرجل الذي كان يخفي إسلامه, تفريقَ الأحزاب المجتمعةِ على حرب المسلمين وإيجادَ الخلاف بينهم لانعدام الثقةِ فيما بينهم, فانهار الحلفُ الذي كان بينهم وخرج بنو قريظة وغيرُهُم من المعركة فاضطر الباقون إلى الخروج من ساحة المعركة والعودةِ بالهزيمة والذلِ إلى مناطقهم وبلادهم.
والعنصر الرابع: الذي ساهم بالانتصار هو الإيمانُ بالله والاعتمادُ عليه والثقةُ بنصره التي كان يتحلى بها المسلمون بفعل توجيه النبي(ص) وروحه الكبيرة ، إضافةً إلى التأييد الإلهي الذي تمثل بجنود الله الغيبيين الذين نزلوا ساحة المعركة, والذي تمثل أيضاً بالرياح والعواصف الهوجاء التي أصابت معسكرَ الأعداء فزلزلتْ استقرارَهم وخيامَهم ومزقتْ جيوشَ الأحزاب. لقد اجتمعتْ كلُ هذه العواملِ والعناصر, ووضعتْ الأحزابَ والأعداء أمامَ خِيَارٍ وحيد هو الهزيمةُ والفرارُ من ساحة الحرب خائبين أذلاء من دون تحقيق شيء.
الشيخ علي دعموش