الإمام الجواد (ع) والعصمة
- المجموعة: 2013
- 04 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 4456
العصمة هي ركن أساسي من أركان الإمامة و المقصود بالعصمة التي نوجبها في الإمام هي عبارة عن ملكة نفسية أو حالة نفسية تمنع صدور المعاصي والأخطاء والسهو والنسيان عمن أتصف بها مع قدرته على ارتكاب المعاصي والأخطاء.
خلاصة الخطبة
الشيخ دعموش: الحوار هو الطريق الوحيد المجدي الذي يوصل إلى معالجة الأزمات.
أشار سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: الى أن أئمتنا(ع) كانوا قدوة ونموذجاً في التزام الحق والدعوة الى الوحدة والتماسك والتعاون بين المسلمين, وكانوا الحكام الذين يراعون مصالح الناس ويحبون الخير لكل الناس, ولم يكونوا كبعض الحكام الذين يعملون على تخريب العلاقات بين المسلمين وبين الدول والحكومات الإسلامية ليبقى العدو الإسرائيلي هو الأقوى في المنطقة.
ورأى: أن رهانات بعض القوى والدول الإقليمية وغير الإقليمية التي راهنت على العدوان الأمريكي على المنطقة قد سقطت, وأصيب أصحابها بخيبات مريرة انعكست إحباطاً لدى البعض, وتوتراً وغيظاً لدى البعض الآخر.
ونبه: الى إن الخيبات التي أصابت هؤلاء تستدعي الكثير من الحذر واليقظة مما قد يعمد إليه الخائبون لتخريب جهود الحل السياسي في سوريا, ومواصلة تعطيل عمل المؤسسات وتشكيل الحكومة في لبنان.. معتبراً: أن إصرار الخائبين والمحبطين على التخريب والتعطيل لن يولد لهم إلا المزيد من خيبات الأمل..
وأكد: أن الحوار هو الطريق الوحيد المجدي الذي يمكن أن يوصل إلى معالجة الأزمات والحلول التي تعزز الاستقرار في البلد وتنفع اللبنانيين جميعاً.
نص الخطبة
بعد يومين نلتقي بذكرى شهادة الإمام التاسع من أئمة أهل البيت (ع) وهو الإمام محمد الجواد (ع) التي تصادف ذكرى شهادته في آخر ذي القعدة, وقد استشهد (ع) بسم دسته إليه زوجته بنت المأمون في سنة 220هـ بأمر من المعتصم العباسي وكان عمره 25 سنة.
والإمام محمد الجواد (ع) هو أول إمام تولى الإمامة في سن مبكر, حيث توفي أبوه الإمام الرضا (ع) وهو في عمر السابعة أو الثامنة وتولى الإمامة في هذا السن بعد شهادة أبيه (ع) مباشرة.
وقد قلنا في مناسبة سابقة إن الإمامة هي قضية إلهية ليس المعيار فيها صغر السن وكبر السن, فقد تولى بعض حجج الله مهمات قيادية وهم في سن مبكر, كعيسى ويحيى وسليمان، وإنما المعيار فيها ثلاثة أمور: النص والعلم والعصمة, فمتى توافرت هذه الأركان الثلاثة في شخص فهو الإمام المفروض الطاعة المؤتمن على قيم الدين وتشريعات الدين والحفاظ على الدين, وقد توافرت هذه الأركان في إمامنا الجواد (ع) برغم صغر سنة:
أما النص: فقد نص أبوه الإمام الرضا (ع) على إمامته في مناسبات كثيرة.
وأما العلم: فقد شهد بعلمه وسعة معرفته القاصي والداني, وهو الذي تعرض لاختبارات علمية وامتحانات من كبار علمائهم بهدف إظهار عجزه, ولكنه كان يخرج من تلك المناظرات وقد بهر الجميع بعلمه وسعة معرفته واطلاعه.
وأما العصمة: فقد اعترف بفضل الإمام وتقواه وورعه المحب والمبغض, فقد روي أن المأمون لما أراد أن يزوج ابنته المعروفة بأم الفضل للإمام الجواد (ع) أحضر مئة وصيفة من أجمل النساء, ودفع إلى كل واحدة منهن مزهرية فيها جوهر ليستقبلوا الإمام (ع) إذا دخل ليجلس في الموضع الذي يجلس فيه العريس, فدخل الإمام (ع) ولم يلتفت إليهن، وكان رجل يقال له (مخارف) كان مطرباً صاحب صوت جميل وصاحب عود وضرب، فأتى به المأمون من أجل أن يغني ويطرب الحاضرين وجلس بالقرب من مكان الإمام (ع) فالتفت إليه الإمام وقال له: اتق الله.. فسقط الضراب والعود من يده, وشلت يده ولم ينتفع بها حتى مات.
وعلى كل حال, فإن العصمة هي ركن أساسي من أركان الإمامة وهي شرط أساسي في الإمام وبدونها لا يكون الإمام إماماً, وهي ليست أمراً يخرج الإمام عن كونه إنساناً كعامة الناس, يحس بما يحسون ويشعر بما يشعرون, وهو ليس مخلوقاً آخر لا يلتقي مع الناس في خصائصهم الإنسانية, وإنما المقصود بالعصمة التي نوجبها في الإمام هي عبارة عن ملكة نفسية أو حالة نفسية تمنع صدور المعاصي والأخطاء والسهو والنسيان عمن أتصف بها مع قدرته على ارتكاب المعاصي والأخطاء.
ولذلك فإن العصمة لها جانبان:
الجانب الأول: العصمة عن الذنوب والمعاصي صغيرها وكبيرها، بحيث لا يمكن أن يرتكبوا منها شيء.
والجانب الثاني: العصمة عن الخطأ والاشتباه والسهو والنسيان، فهم منزهون عن كل ذلك.
ونظرية العصمة ليست نتاجاً عقلياً بحتاً، بل تستند إلى نصوص قرآنية ونبوية مثلها في ذلك مثل أغلب جوانب الفكر الإسلامي.
فمما يدل على العصمة من القرآن الكريم قوله تعالى مخاطباً إبراهيم (ع):
[إني جاعلك للناس إماماً قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين]. البقرة/ 134.
الآية تدل على أن الإمامة لا تجوز إلا لمن برئ من الظلم، اما من كان ظالماً فلا يكون إماماً، والظلم هوالمعصية, ويتحقق أما بظلم النفس أو ظلم الغير.
ومما يدل على العصمة من القرآن أيضاً قوله تعالى في آية التطهير:
[إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً]. الأحزاب/ 23.
فالله تعالى أراد لأهل البيت أن يكونوا منزهين عن الرجس ومطهرين من الإثم, وإذا أراد الله شيئاً فلا بد أن يتحقق [إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون].
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية عن عائشة قالت: خرج رسول الله (ص) غداة يوم وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي (ع) فأدخله، ثم قال: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً].
ومما يدل على العصمة من السنة النبوية:
حديث الثقلين، وجاء فيه: فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. والضمائر كلها ترجع إلى الكتاب والعترة.
وفي بعض الروايات عنه (ص): وليقتدي بأهل بيتي من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي.
وفي روايات أخرى: فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة.
وعن الصادق (ع): نحن قوم معصومون أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض.
وعن علي (ع): إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر, وإنما أمر بطاعة اولي الأمر لأنهم معصمون مطهرون لا يأمرون بمعصيته.
هذه هي العصمة وأدلتها التي وردت في الكتاب والسنَّة, وهنا لا بد من الالتفات إلى عدة أمور:
أولاً: إن العصمة هي عاصم نفسي للشخص الذي يمتلكها, وهي بمثابة الرقيب الذي ينبه صاحبه إلى أنه يوشك أن ينحرف ويشذ عن الطريق كلما حدثته نفسه بالانحراف والضلال.
ثانياً: إن منشأ العصمة ونبعها والموجب لها والدافع إليها هو العلم بحقائق الأشياء وعواقبها وآثارها ونتائجها, فالإمام المعصوم لأنه يعلم بعواقب المعصية وأثرها على حياة الإنسان ومصيره في الآخرة فإنه يمتنع عنها ويترفع عن ارتكابها, ولأنه تنكشف له محاسن الطاعة ونتائجها الإيجابية على حياة الإنسان ومصيره فإنه يندفع نحو الطاعة والاستقامة, وهذا تماماً كما ينكشف له أن في هذا الكوب سم قاتل فإنه يمتنع عن شربه لأن نتيجته الموت، وكمن يرى النار المشتعلة ويعرف أن من يرمي نفسه فيها سيهلك فيمتنع عن ذلك, وهكذا.. فكذلك المعصوم العالم بحقائق الأشياء فإنه يمتنع عن الذنوب لعلمه وكشفه لعواقبها وآثارها ونتائجها الوخيمة.
ثالثاً: إن العصمة التي يجب أن يتصف بها الإمام ليست إجبارية ولا اضطرارية, العصمة للإمام هي اختيارية اكتسابية, بمعنى أن الإمام ليس مجبراً أن يكون معصوماً, وليس عاجزاً عن ارتكاب المعصية, بل هو قادر على فعل المعصية وارتكاب الذنب ولكنه يعفُّ نفسه من ذلك ويترفع عن ارتكاب الذنوب لأنه يعرف أنها تحط من قيمة الإنسان ومن كرامة الإنسان, ولأنه يعلم بعواقبها السلبية في الدنيا والآخرة، وإلا لو كان المعصوم مجبراً على العصمة.. لكان أشقى الأشقياء عندما يفعل حسنة واحدة أفضل من أعظم الأنبياء والأئمة (ع)..
هذه هي العصمة.. وبذلك تصبح العصمة من الأمور التي تجعل لدى الإمام سمواً نفسياً وخلقياً يجعله قدوة وأسوة لأتباعه وشيعته, ورمزاً حياً للدين والشريعة في أخلاقه وأفعاله وتصرفاته.
إن الشيعة عندما يشترطون العصمة في الإمام فكأنهم يقررون أن المواهب التي يحملها الشخص في نفسه هي التي تجعله صالحاً للحكم والإمامة والقيادة، أما من لم يكن لديه مثل هذه المواهب فلن يكون له مثل هذا الموقع والمقام ولن يكون صالحاً للحكم والقيادة.
والعصمة ممكنة لكل إنسان يستطيع أن يلتزم بأوامر الله ونواهيه, كل إنسان يستطيع أن يدرب نفسه ويمرن نفسه على الطاعة والابتعاد عن المعصية والوصول إلى المراتب العليا عند الله, الانسان يستطيع أن يصل إلى مرتبة العصمة لأن العصمة هي عبارة عن أعلى مراتب التقوى وأعلى مراتب العدالة, وكل إنسان يستطيع أن يصل إلى أعلى مراتب التقوى والعدالة, لأن الله أودع في الإنسان من المواهب والإمكانات والطاقات ما لو استثمره الإنسان لارتفع به إلى أعلى مراتب الكمال, ولوصل من خلاله إلى مرتبة العصمة وأعلى مراتب التقوى, والفرق بين الإمام وغيره من عامة الناس في هذا الأمر هو أن الإمام يجب أن يكون معصوماً لأن الموقع الذي يحتله يحتم عليه العصمة لأنه المثال الذي يقتدي به عامة المسلمين, أما عامة الناس فلا يجب أن يكونوا معصومين..
هكذا كان أئمتنا قدوة ونموذجاً في النزاهة وفي التزام الحق والدعوة إلى الحق, والدعوة الى الوحدة والتماسك والتعاون بين المسلمين, كانوا الحكام الذين يراعون مصالح الناس ويحبون الخير لكل الناس, ولم يكونوا كبعض الحكام الذين يعملون على تخريب العلاقات بين المسلمين وبين الدول والحكومات الإسلامية ليبقى العدو الإسرائيلي هو الأقوى في المنطقة, لم يكونوا كبعض القوى والحكام الذين يحرضون على الحرب والعدوان ضد مسلمين أبرياء وضد دول إسلامية كسوريا وإيران.
لقد سقطت رهانات المراهنين على العدوان الأمريكي على المنطقة, من قوى ودول إقليمية وغير إقليمية, وأصيبوا بخيبات مريرة انعكست إحباطاً لدى البعض, وتوتراً وغيظاً لدى البعض الآخر.
إن الخيبات التي أصابت هؤلاء تستدعي الكثير من الحذر واليقظة مما قد يعمد إليه الخائبون لتخريب جهود الحل السياسي في سوريا, ومواصلة تعطيل عمل المؤسسات وتشكيل الحكومة في لبنان..
وإصرار الخائبين والمحبطين على التخريب والتعطيل لن يولد لهم إلا المزيد من خيبات الأمل..
أما الحوار فهو الطريق الوحيد المجدي الذي يمكن أن يوصل إلى معالجة الأزمات والحلول التي تعزز الاستقرار في البلد وتنفع اللبنانيين جميعاً.
والحمد لله رب العالمين