مقال لجريدة الانتقاد بعنوان: الانتظار والعوامل المؤثرة في الظهور
- المجموعة: مقالات
- 15 تشرين1/أكتوير 2002
- اسرة التحرير
- الزيارات: 6711
من المعلوم أن الله ادخر امامنا المهدي (عج) لمرحلةزمنية مستقبلية يقود فيها عملية تغيير شاملة على امتداد العالم، فيطهر الله به الأرض من الجور والفساد " ويملأ الأرض قسطا وعدلا،كما ملئت ظلما وجورا" ولا يبقى، كما في بعض الروايات، في المشارق والمغارب أرض إلا ونودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (ص).
ولا شك أن فكرة الغيبة والظهور منوطة بإرادة الله عز وجل مباشرة، ولكن الله أراد أن يتحدد الظهور ببعض العوامل والشروط لأجل إنجاح اليوم الموعود وعملية التغيير التي يقودها الإمام (ع)
وهذه العوامل هي مما يجب تحققه قبل الظهور حيث لا يمكن أن يحصل الظهور بدونها، وهنا قد يظن بعض الناس توقف الظهور على امتلاء الأرض ظلما وجورا انطلاقا من النصوص التي تفيد بأن الإمام "يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا" وبالتالي فإنهم يعتقدون بأن تطور الظلم والجور في حياتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية والإدارية والقضائية .... شرط وعامل مؤثر في الظهور وتعجيل الفرج حتى إذا امتلأت الأرض ظلما وجورا ظهر الإمام (ع) وأعلن ثورته ضد الظالمين وفرج عن المقهورين والمعذبين والمظلومين.
وواضح أن هذا الاعتقاد وإن لم يؤدي إلى المساهمة في توسيع رقعة الفساد والظلم والجور في الأرض فهو يؤدي في الحد الأدنى إلى عدم مكافحة الظلم والجور والخضوع للامر الواقع الفاسد، لأن العمل خلاف ذلك يؤدي إلى إطالة زمن الغيبة وتأخير الفرج.
وما من شك أن ذلك مخالف لمفاهيم القرآن الذي يدعو إلى رفض الظلم وعدم الركون إلى الظالمين (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) كما أن ذلك يعني تعطيل اهم فرائض الإسلام واحكامه وتشريعاته كفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وهي تكاليف عامة لا تختص بزمان دون زمان، أو بمكان دون آخر.
على أنه ليس معنى كلمة (أن تمتلئ الأرض ظلما وجورا) الواردة في بعض النصوص هو أن تعدم قيم الحق والتوحيد والعدل على وجه الأرض ولا يبقى موضع يعبد الله فيه.
فهذا امر مستحيل وعلى خلاف سنن الله ... وإنما المقصود بهذه الكلمة طغيان سلطان الباطل على الحق في الصراع الدائر بين الحق والباطل.
ولا يمكن أن يزيد طغيان سلطان الباطل على الحق اكثر مما هو عليه الآن، فقد طغى الظلم على الأرض وبلغ الذروة وإن الذي يجري على المسلمين في فلسطين بأيدي الصهاينة أمر يقل نظيره في تاريخ الظلم والإرهاب، كما أن ما تمارسه الولايات المتحدة الاميركية في مواجهة الإسلام والمسلمين وما تفرضه على العالم الإسلامي بلغ الذروة في الاستكبار والطغيان والهيمنة، وفرض النفوذ والسيطرة على دول المنطقة وشعوبها ومواردها الحيوية.
إن الذي يجري في اقطار العالم الإسلامي على المسلمين في كل مكان تقريبا – وخصوصا من قبل الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل _ أمر رهيب يدل على شيء اكثر من الظلم والجورومن امتلاء الأرض ظلما وجورا، إنه يدل على نضوب نبع الضمير في الأسرة الدولية المعاصرة وفي الحضارة البشرية المادية المعاصرة.
ونضوب الضمير مؤشر خطر في تاريخ الإنسان يعقبه دائما السقوط الحضاري الذي يعبر عنه القرآن بإهلاك الأمم.
وقد كانت غيبة الإمام المهدي (ع) بسبب طغيان الشر والفساد والظلم، ولولا ذلك لم يغب؟ فكيف يكون طغيان الفساد والظلم شرطا وسببا لظهورالإمام (عج) وخروجه؟
على أن الذي يوجد في النصوص تعبير (يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا) وليس (بعد أن ملئت ظلما وجورا)
وليس معنى ذلك أن الإمام (ع) ينتظر أن يطغى الفساد والظلم أكثر مما ظهر إلى اليوم ليخرج ، وإنما معنى النص أن الإمام (ع) إذا ظهر يملأ الأرض عدلا، ويكافح الظلم والفساد في المجتمع حتى يطهر المجتمع الإنساني منه كما امتلأ المجتمع البشري بالظلم والفساد من قبل.
وبعد هذا العرض نخلص إلى أن سيطرة الظلم او الجور ليست سببا في تأخير الفرج أو شرطا في تعجيله.
ولعل من اهم العوامل المؤثرة في تحقيق الظهور، بل وتقريبه وتعجيل الفرج هو توفر العدد الكافي من الانصار والموطئين الذين يعدون المجتمع والأمة لظهور الإمام (ع) ويوطئون الأرض ويمهدونها لثورته الشاملة، ويدعمون حركة الإمام ويسندونها.ومن دون هذه الأعداد وهذه التوطئة لا يمكن أن تتم هذه الثورة الشاملة في سنن الله تعالى في التاريخ، وذلك انطلاقا من الحقائق التالية:
أولاً: إن الإمام(ع) لا يقود حركة التغيير الشاملة بمفرده، لأن الفرد الواحد مهما أوتي من قوة وكمال عقلي وجسمي وروحي .... لا يمكن أن يحقق إنجازا كبيرا بحجم الإنجاز الضخم الذي سيحققه الإمام(ع) على امتداد الأرض، خصوصا إذا تجاوزنا الفرضية الآتية وهي استخدام المعجزة من قبله (ع) من اجل تحقيق النصر.
ثانيا: إن الإمام(ع) لا يحقق الإنجازات الكبيرة التي ادخره الله لأجل تحقيقها في آخر الزمان عن طريق المعجزة والأسباب الخارقة.... وقد نفت الروايات استخدام الإمام(ع) للمعجزة في ثورته واكدت على دور السنن الإلهية في التاريخ والمجتمع في تحقيق هذه الثورة الكونية الشاملة وتطويرها وإكمالها.
ولا يعني ذلك أن الله لا يتدخل إلى جانب هذه الثورة بالطافة وإمداده الغيبي، فإن ثورة الإمام(ع) في مواجهة الطغاة والانظمة والمؤسسات الاستكبارية الحاكمة والمتسلطة على رقاب الناس،لا تتم من دون إمداد غيبي وإسناد وتأييد من قبل الله سبحانه، والنصوص الإسلامية تؤكد وجودهذا الإمداد الإلهي في حركة الإمام (ع) وتصف كيفيته، إلا ان هذا المدد الإلهي أحد طرفي القضية والطرف الآخر هو دور الأسباب الطبيعية والوسائل العادية في تحقيق هذه الثورة وحركتها، فإن الاعتماد على هذه الأسباب لا يتعارض مع المدد والاسناد الإلهيين،وشأن حركة الإمام (ع) ، شأن دعوة رسول الله (ص) إلى الإسلام والحركة التي قام بها لتحقيق التوحيد في حياة الناس، فقد كانت هذه الحركة موضع عناية ورعاية الله وامداده الغيبي بالتأكيد، ونصر الله سبحانه رسوله (ص) بالملائكة المسومين والمردفين والرياح وجند لم يروهم، ونصره على اعدائه بالرعب، ولكن الله تعالى أمر رسوله (ص) بأن يعد العدة لهذه المعركة المصيرية (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) الأنفال / 60 وتمت مراحل هذه المعركة بموجب سنن الله في التاريخ والمجتمع، فكان يستخدم فيها رسول الله (ص) الجند والمال والسلاح، ويفاجئ العدو بوسائل واساليب جديدة للقتال،ويفاجئه في الزمان والمكان.
ولا تشذ المعركة والثورة الشاملة التي يقودها حفيد النبي (ص) الإمام المهدي (عج) عن الدعوة والثورة التي قادها رسول الله (ص) من قبل، بأمر من الله سبحانه.
ولذلك فإن من جملة هذه السنن التي لا بد منها في حركة الإمام (ع) الإعداد والتوطئة قبل ظهوره (ع) والنصرة والانصار حين ظهوره (ع) ومن دون هذا الاعداد والنصرة والتوطئة لا يمكن أن تتم ثورة بهذا الحجم الكبير في تاريخ الإنسانية.
ثالثاً: لقد اكدت النصوص على أن الإمام (ع) يعتمد في حركته الكونية الشاملة على جيلين من الناس : جيل الموطئين وهو الجيل الذي يعد الأرض والمجتمع لظهور الإمام (ع) ، وجيل الانصار وهوالجيل الذي ينهض به الامام (ع) ويقود به الثورة على الظالمين والمستكبرين.
ونحن نستعرض هنا مجموعتين من النصوص تختص أولاهما بالإعداد والتوطئة أي بجيل الممهديين الذين يمهدون الأرض لدولة الإمام وترتبط الأخرى بالأنصار ومواصفاتهم الروحية والاخلاقية والجهادية.
أما المجموعة الأولى : فمنها ما رواه الحاكم في مستدرك الصحيحين، عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله (ص) أنه قال (ص) : " إنا اهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا،وانه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريدا وتشريدا في البلاد حتى ترتفع رايات سود في المشرق فيسألون الحق فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه،ثم يسألونه فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون،فمن ادركه منكم ومن اعقابكم فليأت إمام اهل بيتي ولو حبواعلى الثلج، فإنها رايات هدى ،يدفعونها إلى رجل من اهل بيتي".
وعن الإمام الصادق (ع) :" كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما شاءوا فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم (أي الإمام المهدي (ع) قتلاهم شهداء".
وروى العلامةالمجلسي (قده) في بحار الأنوار: " رجل من قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، لا يملون من الحرب ولا يجبنون،وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين.".
ويظهر من هذه الروايات أن الصلابة والقوة والشجاعة من خصائص هذا الجيل الذي يوطئ الأرض لظهور الإمام ويواجه وحده طواغيت العالم، كما تكشف عن أن مهمة هذا الجيل هي تحدي الاستكبار العالمي والتمرد عليه واختراق انظمته، وقوة هؤلاء وميزتهم أنهم لا يخافون ولا يملون من الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون، وهذه هي مشكلتهم في حساب الأنظمة والقوى الكبرى.
وأما المجموعة الثانية التي تتحدث عن جيل الأنصار: فمنها: ما رواه المتقي الهندي في كنزالعمال والسيوطي في الحاوي في انصار الإمام من الطالقان:" ويحا للطالقان، فإن لله عز وجل بها كنوزا ليست من ذهب ولا فضة، ولكن بها رجال عرفوا الله حق معرفته وهم انصار المهدي ".
وروى العلامة المجلسي في بحار الأنوار: " له كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة وراية لم تنشر مذ طويت ، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله، اشد من الجمر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براية بلدة إلا خربوها،كأن على خيولهم العقبان يتمسحون بسرج الإمام يطلبون بذلك البركة، ويحفون به، ويقونه بأنفسهم في الحروب، يبيتون قياما على اطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار،هم اطوع من الأمة لسيدها كالمصابيح كأن في قلوبهم القناديل، وهم من خشيته مشفقون، يدعون بالشهادة،ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثارات الحسين، إذا ما ساروا يسير الرعب امامهم مسيرة شهر يمشون إلى المولى إرسالا، بهم ينصر الله إمام الحق".
وهذه الرواية تكشف عن صفات جليلة تتوافر في شخصية الانصار، وقد تضمنت شهادات عظيمة من الأئمة (ع) بحقهم، فهم اهل بصيرة ووعي ويقين ، ويملكون شجاعة وقوة وإرادة وعزما نافذا لا تردد ولا تراجع فيه، ويعشقون الشهادة في سبيل الله وبين يدي وليه الذي تربطهم به علاقة مميزة هي علاقة حب وولاء وطاعة.
ومن هذا العرض كله نخلص إلى أن إعداد جيل مؤمن يتولى نصرة الإمام والاعداد لظهوره وعيا وإيمانا وتنظيما وقوة، ووجودهذا الجيل بهذا المستوى العالي من الناحيتين الكمية والكيفية هو من أهم العوامل المؤثرة في ظهور الإمام (ع) وتعجيل الفرج.
وهذا يعني ان ظهور الامام يرتبط إذن بعملنا وواقعنا ودورنا وجهادنا وحجم تحملنا لمسؤولياتنا في عصر الغيبة، ومقدار تحقيقنا لهذا الشرط الأساسي في حركة الظهور.
وبناء على هذا المفهوم ينقلب الأمر ويكون الإمام(ع) هو الذي ينتظر مقاومتنا وجهادنا واعدادنا لانفسنا ومجتمعنا،وليس الأمر بالعكس، فإن قضية ظهور الإمام (ع) إذا كانت تتصل بواقعنا ودورنا وجهادنا في عصر الغيبة، فإننا نحن الذين نصنع هذا الواقع، وبالتالي فنحن نستطيع أن نوطئ لظهور الإمام (ع) ونمهد له بالعمل والحركة والعطاء والتضحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحمل مسؤولياتنا الجهادية في مواجهة الاحتلال والاستكبار والظالمين، وبإمكاننا أن نؤخر ذلك بالتواكل والغياب عن ساحة العمل، والتهرب من مواجهة المسؤوليات.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين