صفات الفاسقين وعلاماتهم (20)
- المجموعة: هدى القرآن
- 20 كانون1/ديسمبر 2016
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2750
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.(الذين يُنقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الارض أولئك هم الخاسرون).
هذه الآية تبين مواصفات الفاسقين بعد أن تحدثت الآيةُ السابقة عن ضلال وانحراف هذه الفئة.
والآية هنا تذكر للفاسقين ثلاث صفات:
الصفة الأولى: (انهم ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه).
هناك عهد بين الله وبين الإنسان، فالإنسان مخلوق لله وهناك عهد بينه وبين الله هو أن يوحد الله وأن لا يشرك به شيئاً، وهناك عهد بين الإنسان وبين ربه هو أن يطيع الله في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه، وأن لا يطيع غيره وأن لا يتبع غيره. كما عاهد الإنسان ربه في أن لا يتبع خطوات الشيطان وأن لا يعبده ولا يعبد ويتبع أهواء النفس والشهوات. قال تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ياسين/ 60/61.
هذه العهود عاهد الإنسان بها الله من خلال فطرته ومن خلال إدراك عقله ومن خلال أنبياء الله وأولياء الله, فالإنسان عاهد ربه وأوثق هذا العهد وأبرمه وأحكمه من خلال فطرته التي فرضت عليه أن يوحد الله وأن يتحرك على أساس ما يقتضيه توحيد الله من عمل وسلوك ومواقف، فإن الإنسان مفطور على توحيد الله, وعهد التوحيد هو عهد عاهدته الفطرة وعقد عقدته فطرة الإنسان مع الله، وكذلك فإن الفطرة تفرض على الإنسان أن يعبد الله وحده وأن لا يشرك في العبادة، وقد عاهد الإنسان ربه على ذلك من خلال فطرته أيضاً.
وعندما تؤمن برسول الله معناه أنك تعاهد الله على أن تطيع أوامره الإلهية وأن تترك المعاصي والذنوب، وأن تنتهي عن كل ما نهى الله عنه، مما جاء بواسطة النبي.
وكذلك هناك عهود بين الافراد والأشخاص، مثل العهد الذي يكون بين شخصين على إرجاع حق مالي لأحدهما، أو على عدم اعتداء أحدهما على الآخر أو ما شاكل ذلك، عهد الله يراد به جميع هذه العهود التي ذكرناها، عهد الله يشمل العهود الفطرية التي عاهد الناس بها ربهم كالفطرة على التوحيد والعبادة لله وحده, ويشمل المواثيق العقلية التي يدركها الإنسان من خلال التفكير والتأمل كالتوحيد واليوم الآخر.
ويشمل العهود الشرعية وهي ما عاهدوا الرسول عليه من الطاعة للأوامر الإلهية وترك المعاصي والذنوب، ويشمل كذلك العهد بين الافراد, لأن الله سبحانه أوصى بها، فقال (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) الإسراء/ 34.
هذه العهود يجب الوفاء بها والعمل بموجبها وبما تفرضه من التزامات ومواقف. الفاسقون لهم مع الله مثل هذه العهود لكنهم ينقضون هذه العهود ويتركون العمل بها, ولم يفوا بما عاهدوا الله عليه من خلال فطرتهم أو من خلال عقولهم أو من خلال إيمانهم بنبوة الرسول.
فهم بدل أن يوحدوا الله أشركوا بالله، وبدل أن يعبدوا الله وحده , يعبدون الشيطان ويتبعون خطوات الشيطان، ويعبدون أهوائهم وشهواتهم. وهم بدل أن يطيعوا الله في كل ما أمر وفي كل ما نهى، يعصون الله ويتمردون على أوامره ونواهيه، ولذلك فهم ينقضون عهد الله ويخونون عهد الله من بعد ميثاقه وإبرامه واحكامه.
الصفة الثانية لهؤلاء الفاسقين: هي أنهم (يقطعون ما أمر الله به أن يوصل). أكثر المفسرين رأى أن القطع المذكور في الآية يعني قطع الرحم، فالفاسقون يقطعون ما أمر الله به من صلة الأرحام والأقرباء والارتباط بهم، باعتبار أن الله أمر بصلتهم في قوله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) النساء/ 1. ولكن مفهوم الآية في العمق أعم من قطع الرحم، وليس قطع الرحم إلا مفردة واحدة من مفردات ومصاديق الآية، لأن الآية عامة تتحدث عن قطع الفاسقين لكل ارتباط أمر الله به أن يوصل، والأشياء التي أمر الله بصلتها والارتباط بها وإقامة العلاقة معها لها مفردات كثيرة، منها الارتباط بالله، والارتباط بالأنبياء والأئمة (ع) وارتباط الرحم وارتباط الصداقة والارتباط الاجتماعي.
فالله تعالى أمر بالارتباط به والتوجه نحو عبادته وطاعته في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه. يقول تعالى: (قل اطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) آل عمران/ 32. وقطع الارتباط بالله وقطع العلاقة بالله بأن يتمرد الإنسان على الله ويرتكب الذنوب والمعاصي الصغيرة والكبيرة هو قطع لما أمر الله به أن يوصل, وأمره عز وجل بالارتباط بقيادة رسول الله (ص) وبالأئمة (عليهم السلام) وأولياء الأمر، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء/ 59. فعدم اتباع الرسول(ص) والأئمة (ع) وترك موالاتهم والتمسك بحبلهم هو قطع لما أمر الله به أن يوصل.
والارتباط بالولي الفقيه وبقيادته والرجوع إليه هو مما امر الله عز وجل به، فقد ورد عن الصادق (ع) أنه قال: أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً, فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله.
إذن التخلي عن قيادة الولي الفقيه والتمرد عليه وعدم اتباعه وطاعته هو قطع لما أمر الله به أن يوصل أيضاً.
والارتباطات الاجتماعية كصلة القرابة والجار والصداقة وغير ذلك أيضاً مما أمر الله به أن يوصل. قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل).
إن كل هذه العلاقات والصِلاَة هي مما أمر الله به أن يوصل, فقطعها وفك الارتباط بها هو قطع لما أمر الله به أن يوصل.
والآية وإن كانت عامة وشاملة لكل هذه الارتباطات كما ذكرنا إلا أن قطع الأرحام هي أبرزُ مفردات قطع ما امر الله به أن يوصل، لأن الإسلام اهتم اهتماماً بالغاً بصلة الأرحام وبالتودد إلى الأهل والاقارب، ونهى بشدة عن قطع الارتباط بهم وعن قطع العلاقة معهم.
والأرحام وذوو القربى: هم الوالدان والأجداد والأخوة والأعمام والأخوال وأبناؤهم، ويتمثل قطع الصلة بهم، بعدم المحبة لهم وبالحقد عليهم وترك زيارتهم وبعدم تفقد مرضاهم والتخلي عن إعانة فقرائهم وقضاء حوائجهم وترك مواساتهم في أحزانهم ومشاركتهم في افراحهم وما أشبه ذلك.
فقد ورد عن الصادق (ع): صل رحمك ولو بشربةِ ماء، وأفضل ما يُوصل به الرحم كفُ الأذى عنها.
وعن الإمام زين العابدين (ع)، وهو يحذر ولده من صحبة بعض الناس فيقول: إياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله.
يقول الله عز وجل: (فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتقطِّعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهُم الله فأصمَّهم وأعمى أبصارهم) محمد/22.
والخلاصة: إن الفاسقين يقطعون علاقتهم بالله وارتباطهم بالأنبياء والائمة (ع) وأولي الامر ويتخلون عن ارتباطاتهم بالأنبياء والائمة (ع) وأولي الامر ويتخلون عن ارتباطاتهم العائلية والاجتماعية، فلا يقومون بما امر الله به ولا يتبعون أنبياء الله وأوليائه، ويتخلون عما تفرضه عليه هذه الصِلاة والارتباطات والعلاقات من أعمال وممارسات وسلوك.
والصفة الثالثة للفاسقين: هي الفساد في الأرض (ويفسدون في الأرض)، فهم ينشرون الفساد ويدعون إلى الكفر والضلال والانحراف، ويقومون ببعض الممارسات التي تسيءُ إلى الناس, إلى أمنِ الناس وسلامة المجتمع، مثل الاعتداء على الناس، وإرهابهم وتخويفهم وتهديدهم، ومثل التعاون مع اعدائهم، ومثل الوقوف في وجه كل حركة إصلاحية ترفع من مستوى الناس ومن مستوى حياتهم. هؤلاء يقومون بكل ذلك أو ببعضه، لأن نفوسهم خالية من كل عاطفةٍ إنسانية حتى تجاه أرحامهم وأقربائهم, هؤلاء لا يتحركون إلا على خط مصالحهم وأهدافهم الذانية السيئة, فهم لا يهمهم إلا الوصول إلى امتيازاتهم ولو على حساب راحة الناس وأمنهم وسلامتهم.
وتؤكد الآية في المقطع الأخير أن (أولئك هم الخاسرون) لأنه ليس هناك خسارة أكبر من أن يستخدم الإنسان ما وهبه الله له من قوة وطاقة وإرادة ليستفيد منها فيما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة.
ليس هناك خسارة أكبر من أن يستخدم الإنسان ذلك على طريق الانحراف وفي خط الفساد وفي التمرد على الله وفي الخروج عن خط طاعته.
ويقف في مقابل هؤلاء الفاسقين, أولو الالباب, اصحاب العقول النيرة بنور الإيمان والإسلام والالتزام بخط الله, يقف هؤلاء ليوفوا بعهد الله, وليصلوا كل من أمر الله بصلته, يقول تعالى: (إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) الرعد/ 21.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين