قبيلتا "هوازن" و"ثقيف" : "فرغ لنا محمد، فلا ناهية له دوننا والرأي أن نغزوه(49)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 14 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3310
معركة حنين (49 )
ولّدَ فتحُ مكة والانتصارُ العظيمُ الذي حققه المسلمون على قريش وقاعدتِهم الوثنيةِ الكبرى في المنطقة ردَّ فعلٍ عنيفاً لدى القبائل المشركة في شَمال الحجاز وعلى رأسها قبيلتا هوازن وثقيف, فقد رأتْ هذه القبائلُ أن تتحرك لتوجيه ضربةٍ للمسلمين قبل أن يستفحل الخطر وتجدَ هذه القبائلُ نفسَها محاطةً بالمسلمين من كل مكان.
وكانت هذه القبائلُ لدى سَمَاعِهَا بمغادرة النبي (ص) المدينةَ قبلَ فتح مكة قد ظنت أن النبي يستهدفها بخروجه وحشوده, فتجمعتْ واستعدتْ خوفاً من هجوم المسلمين وبعد أن تبين أن النبي (ص) استهدف مشركي مكة وتمّ له فتحُها قال زعماء تلك القبائل: قد فرغَ لنا محمد, فلا ناهيةَ له دوننا والرأيُ أن نغزُوَهْ.
النبي (ص) يجهز جيشه ويتجسس على العدو :
وهكذا اتخذوا قرار المواجهة وصمموا على حرب المسلمين فجهزوا جيشاً كبيراً من قبائل هوازن وثقيف ونصر وجِشْمْ وغيرِها بقيادة مالك بنِ عوف زعيمِ قبيلةِ هوازن فرأى هذا الأخيرُ أن يُسَيِّرَ مع المقاتلين نساءَهم وأطفالَهم وأموالَهم كي يستميتوا في القتال.
فلما سمع النبي (ص) خبرَ هذا التحركِ الوثنيِ الجديد بعث أحدَ أصحابه ويدعى عبدَ الله بنَ أبي حدرد الأسلمي ليجمع له المعلوماتِ عن نيات العدو وأهدافِه ومواقعِهِ وعددهِ وحجمِ عتاده, وأمره أن يدخل في صفوف الأعداء فيقيمَ فيهم حتى يعلمَ علمهم ثم يأتيَهُ بخبرهم, فتسلل عبدُ الله إلى مواقع العدو وجمع المعلومات اللازمة وعاد فأخبر النبي (ص) بما أجمع عليه هؤلاءِ من قتال المسلمين, وما سمعَهُ من قائدهم وهو يُبيِّنُ للمقاتلين خطتَهم في الهجوم على المسلمين.
فجهّزَ النبي (ص) جيشَ المسلمين وانطلق من مكةَ في مطلِعِ شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة على رأس اثني عشرَ ألفَ مقاتل, منهم عشرةُ آلافٍ كانوا قد خرجوا معه من المدينة وفتحوا معه مكة وألفانِ من المكيين الذين أسلموا بعد الفتح. وسرعان ما وجد المسلمون وهم في الطريق أنفسَهم مضطرين لاجتياز وادٍ شديدِ الانحدار من أودية تِهَامَة يدعى واد حنين, وكان المشركون قد سبقوا المسلمين إلى ذلك الوادي واتخذوا مواقعَ لهم في شِعَابهِ وعند مضيقه, وتهيأوا للانقضاض على المسلمين في جو عاصف يسوده المطرُ والضباب, وما إنْ دخلَ المسلمون الواديَ حتى فاجأهم أعداؤهم بهجوم مباغت بالنبال وغيرها, فأصابهم الفزعُ والاضطراب وفروا راجعين لا يلوون على شيء, ولم يثبتْ في ساحة المعركة سوى النبيِ (ص) وعليِ بنِ أبي طالب (ع) وجماعةٍ من بني هاشم, فأخذ النبي (ص) ينادي الفارين: أيها الناس هلموا إلي, أنا رسولُ الله, أنا محمدُ ابنُ عبد الله.
ثم أمر النبي (ص) عمه العباسَ بنَ عبد المطلب, وكان جهوري الصوت, أن يلحق بالفارين ويناديَهُم ويذكِّرَهم بالعهد الذي بينهم وبين رسولِ الله حيث كانوا قد عاهدوا النبي (ص) على الوقوف إلى جانبه مهما كانت الظروفُ لنصرة الإسلام, فأخذ العباسُ يناديِهم: يا معشرَ المهاجرين والأنصار, يا أصحابَ سورة البقرة, يا أهل بيعة الشجرة, إلى أين تفرون؟! هذا رسولُ الله ينادِيْكُمْ فعودوا يرحَمْكُمُ الله.
الله ينزل السكينة على قلوب المؤمنين :
فسمع المسلمون صوت العباس, وأنزل الله السكينة والطمأنينة على قلوب المؤمنين منهم, فبادروا للعودة إلى ساحة المعركة, واستقبلوا العدوَ بصدورهم, وقاتلوا ببسالة على قلتهم بعدما رأوا رسولَ الله يباشر القتال بنفسه وبشجاعة فائقة, ومن حوله عليٌ (ع) ومن معه من بني هاشم يقاتلون إلى جانبه.
وعندما رأى النبي (ص) أصحابه يجابهون المشركين بكل قوة وقد احتدم القتالُ بينهم قال (ص): الآنَ حمي الوطيس. وبعد قتال عنيف تمكَّنَ الإمام عليٌ (ع) من قتل حامل راية هوازن, وبدأت الكفة تميلُ لمصلحة المسلمين, وما لبث المشركون أن أخذوا بالتراجع والفِرَارِ من ساحة القتال, وانقضَّ عليهمُ المؤمنون يُعمِلُونَ فيهم قتلاً وأسراً, فأصيبوا بهزيمة نكراء وفروا لا يلوون على شيء, تاركين وراءهم النساء والأولادَ والأموال, وما إن عاد إلى الميدان أولئك الذين تراجعوا من المسلمين حتى وجدوا أسرى المشركين مكتفين بين يدي رسول الله (ص).
إن نظرةً تحليليةً على أحداث معركة حنين تقودنا إلى تسجيل الأمور التالية:
أولاً: إن السبب في هزيمة المسلمين في بداية المعركة هو غرورُ المسلمين بأنفسهم وإعجابُهُم بكثرتهم وقوتهم, حيث لم يسبق لهم أن واجهوا عدواً بهذا العدد الكبير من المقاتلين فأراد الله سبحانه أن يعلمهم أن الكثرة لا تغني شيئاً عندما تفقدُ عناصرَ الإيمانِ والإخلاصِ والصبرِ والتوكلِ على الله. وقد كانت الكثرةُ في حنين تفقد هذه العناصر, وكان فيهم جماعةٌ من المنافقين, وفيهم من سيطرت عليه روحُ الكسب والغنيمة فخرج إلى المعركة بهدف الحصول على الدنيا, فخلى الله بينهم وبين عدوهم ولم يتدخل في البداية لغرورهم حتى ظهرتْ آثارُ الهزيمة فيهم. وقد أنزل الله سبحانه في ذلك قولَه تعالى:(لقد نصركُمُ اللهُ في مواطنَ كثيرةٍ ويومَ حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتُكُمْ فلم تغنِ عنكم شيئاً وضاقت عليكُمُ الأرضُ بما رحبت ثم وليتم مدبرين) التوبة 25. وهذا يعني أن الكثرة ليست سبباً للنصر وأن العبرة ليست في الكمية وإنما في النوعية التي تملك الإيمان وروحَ الاستشهاد في سبيل الله.
ثانياً: إن الذين عادوا إلى ساحة القتال وقاتلوا بشجاعة فائقة إلى جانب النبي (ص) وعلي (ع) هُمُ القلةُ المؤمنة, فهؤلاء هم الذين حققوا النصر في حنين, وهم الذين أنزل الله عليهمْ السكينةً والطمأنينةَ والدعة فثبتوا في الظروف الحرجة لما يملكونه من عقيدة راسخة وإيمانٍ قوي, وشجاعةٍ فائقة, وإرادةٍ صلبة, ويقينٍ راسخٍ بألطاف الله ونصره. قال تعالى: (ثم أنزل اللهُ سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذَّبَ اللذين كفروا وذلك جزاءُ الكافرين) التوبة 26.
وجملة (ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) في الآية إشارةٌ إلى أن المنافقين وأهلَ الدنيا الذين كانوا مع المسلمين في المعركة لم ينالوا سهماً من السكينة والطمأنينة, بل كانت السكينة من نصيب المؤمنين خاصة, ولذا قال (وعلى المؤمنين) ولم يقل (وعليكم) مع أن جميعَ الجمل في الآية أتتْ بصيغة ضمير المخاطب للجمع (كم). ونزولُ السكينةِ على الرسول (ص) لرفع الخوف الذي كان خوفاً على الرسالة وعلى المؤمنين, خاصة بعدما رأى النبي (ص) فرارَ أصحابه من المعركة, وإلا فان النبي كالجبل الشامخ لا تزلزله الرياحُ ولا العواصف.
ثالثاً: إن على المسلمين أن يعتبروا من حوادث معركة حنين فلا يغتروا بكثرة العدد والعتاد, فالكثرةُ العدديةُ وحدها لا تغني شيئاً بل المهم في ساحة الجهاد وجودُ المؤمنين المنصهرين بالإيمان ذوي الإرادة الصلبة والعزيمةِ الراسخة حتى لو كانوا قلة. فإن القلة هي التي استطاعت أن تحولَ الفشلَ في حنين إلى انتصار كبير على العدو وكانت الكثرةُ بسبب غرورها في بادئ الأمر سبباً للفشل والفرارِ من ساحة المعركة.
وهذا فعلاً تاريخ تعيد المقاومة الإسلامية في لبنان تجسيده مجددا في معركتها مع العدو الصهيوني، حين كانت مجموعات صغيرة، وتمكنت من إلحاق الهزائم العديدة به وصولا إلى تحرير لبنان العام 2000، إلى حرب تموز 2006، وإن شاء حتى يزول من الوجود.