ما دور اليهود في غزوة الأحزاب، ولماذا حرضّوا ضد النبي (ص)؟.(43)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 07 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3274
غزوة الأحزاب ودور اليهود (43)
في السنة الخامسةِ بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة كانت معركةُ الأحزاب والتي تسمى أيضاً معركةُ الخندق نسبة إلى الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة لمنع الأحزاب والأعداء من اقتحام المدينة المنورة. فقد كانت هذه المعركةُ في الواقع نقطةَ تحولٍ في تاريخ الإسلام وقلبت موازين القوى بين الإسلام والكفر لمصلحة المسلمين.
وكان النصرُ الذي تحقق فيها للمسلمين مفتاحاً للانتصارات المستقبلية العظيمة التي حققها المسلمون في حياة النبي(ص), فقد انقسم ظهرُ الأعداء من المشركين واليهود وغيرِهم في هذه الغزوة, ولم يستطيعوا بعد ذلك القيامَ بأي عمل عدائي مُهمٍّ تجاه المسلمين.
اليهود يحرّضون ضد النبي (ص) :
إن حرب الأحزاب وكما يدل عليها اسمُها كانت مواجهةً شاملة من عامة أعداء الإسلام والفئاتِ والأحزاب المختلفة آنذاك, من قريشٍ واليهودِ والقبائلِ العربية المشركة الذين تعرضت مصالحُهُم ومنافعُهُم جميعاً للخطر نتيجةَ توسعِ وانتشارِ الإسلام. وما أريد أن أتحدث عنه في هذه المقالة من جوانب هذه المعركة هو الجانبُ المتعلقُ بدور اليهود فيها, فماذا كان دور اليهود في معركة الأحزاب؟؟.
بالعودة إلى الوقائع التاريخية نجدُ أن اليهود كانوا هم أولَ من أطلق شَرَارةَ هذه الحرب, وخططَ لها, وحرّضَ عليها, وجمعَ الحشود والأحزابَ من أجلها, بهدف: اجتياح المدينة المنورة, وقتلِ النبي(ص), والقضاءِ على الإسلام والمسلمين إلى الأبد. والأسبابُ التي دفعتهم إلى القيام بهذا الدور العدوانيِ الكبيرِ والخطير ضد الإسلام والمسلمين هي عدةُ أمور:
أولاً: ان اليهود رأوا وبشكل واضح كيف أن المسلمين يزدادون قوة, وكيف أن الإسلام يزداد اتساعاً وانتشاراً باستمرار ويوماً بعد يوم, وهم يرون أن نفوذَهم كمصدر وحيد للمعارف والعلوم بدأ ينحسرُ ويتلاشى أمام حركةِ الإسلام ومعارفهِ وعلومهِ ومفاهيمه, وأمامَ النقدِ الذي وجهه الإسلام لادعاءاتهم, وتفنيدِهِ لكل مزاعمهم التي منها: أنهم شعبُ اللهِ المختار, حيث جاء الإسلام ورفع شعار: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وشعار: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى).
هذه المفاهيمُ الجديدةُ التي جاء بها الإسلام كانت تزلزلُ مكانتَهم ونفوذَهم وتفقدَهُمُ الشيءَ الذي كانوا يعتزون ويفتخرون به على الناس, فامتلأت قلوبُهُم بالغيظ والحقد على الإسلام وأتباعه, مما دفعهم إلى أن يتآمروا على الإسلام ويقوموا بدور تحريضي ضده وضِدَ المسلمين, وأصبحوا يتطلعون إلى هدف استئصال النبي(ص) وأتباعِهِ بأية وسيلة.
وثانياً: أن يهود المنطقة آنذاك كانوا أصحابَ أموال وأملاكٍ كبيرة بحيث إن حركة الاقتصاد والتجارة في المدينة المنورة ومحيطِها والمنطقةِ بشكل عام كانت بيدهم. كما كانوا أصحاب وجاهةٍ وزعامةٍ ورئاسة, وكان نفوذُهُمُ الاقتصاديُ والسياسيُ يمتدُ على تلك المِنْطَقَةِ وأهلها, هكذا كان حال اليهود قبل أن يأتيَ الاسلامُ وينتشرَ في ذلك المحيط, أما بعد مجيء الاسلام فإن انتشار الإسلام المستمر في ذلك المحيط الذي يعيشون فيه, جعلهم يشعرون أنهم يفقدون نفوذهم وسيطرتَهم على المنطقة وأهلها, فبدأوا يشككون الناس بنبوة النبي(ص) وانطلقوا بعد ذلك في دورهم التحريضيِ ضدَ الإسلام والمسلمين.
وثالثاً: أن النبي (ص) استطاع أن ينتصر على اليهود في واقعة بني قينقاع وواقعة بني النضير حيث تم إجلاؤهُم وإخراجُهُم من المدينة إلى منطقة خيبر وبلادِ الشام بعد أن نقضوا العهدَ مع النبي(ص) وأخلّوا بأمن الدولة.
فأرادوا أن يأخذوا بثأرهم من المسلمين الذين طردوهم من المدينة وسيطروا على جزء من أموالهم وممتلكاتهم, ولكنهم كانوا يدركون جيداً أنهم لا يستطيعون أن يأخذوا بثأرهم لوحدهم لأنهم أعجزُ من أن يحاربوا المسلمين من دون الاستعانةِ بقوى أخرى, لذلك لجأوا إلى تحريض قريشٍ والقبائلِ العربية المشركة والفئاتِ والأحزابِ المتضررةِ من الإسلام والطامعةِ في الحصول على مكاسبَ ماليةٍ وغيرِ مالية, حرضوا هؤلاء جميعاً على حرب رسول الله(ص) واجتياحِ المدينة مَعْقِلِ المسلمين, وأمدوهم بأموال كثيرة ووعدوهم بأن يقفوا إلى جانبهم حتى النَفَسِ الأخير في الحرب ضد النبي والمسلمين.
اليهود يشهدون للمشركين بأحقية دينهم :
وقد ذكر المؤرخون كشاهد على تحريض اليهود ودورِهم في إشعال فتيل حرب الأحزاب ضد المسلمين: أن بعض زعماءِ اليهود من قبيلة بني النضير كسلامِ بنِ أبي الحقيق وحيِ بنِ أخطب وغيرِهم جاؤوا إلى مكة وتكلموا مع زعماء قريش ودعوهم إلى حرب رسول الله(ص) وقالوا لهم: "إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فلقد جئنا لنحالفكم على عداوة محمدٍ وقتالهِ". وعندما سألهم المشركون: أفديننا أهدى أم دينُ محمد؟ أجاب اليهودُ: بل دينُكُم خيرٌ من دينه, وأنتم أولى بالحق!.
وهكذا شهد اليهودُ للمشركين عبدةِ الأصنامِ والأوثان: بأنهم أهدى من محمدٍ سبيلاً وأن دينهم خيرٌ من دينه , كلُ ذلك من أجل تحقيق أهدافهم في استمالة المشركين نحوَهم. مما جعلَ المشركين يثقون بهم, فتحالفوا معهم وأقنعوا بعضَ القبائل العربية الأخرى, كبني أسدٍ وبني سُليم وقبيلةِ غطفانَ اليهودية على الدخول في التحالف, وبذلوا الأموال لهم، حيث أعطوا قبيلةَ غطفانَ وحدَهَا كلَ تمر خيبرَ لمدة سنة كاملة, وهكذا التقت مصالحُ هؤلاء الأحزاب والجماعات والفئات المختلفة على حرب النبي(ص) والمسلمين في معركة الأحزاب والخندق.
وقال تعالى: "ألم تَرَ إلى الذين أُوتُوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجِبْتِ والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً, أولئك الذين لعنَهُمُ الله, ومن يَلعنِ اللهُ فلن تجد له نصيراً) النساء / 51-52.
لقد وقف المسلمون الأولون في غزوة الخندق أمامَ كلِ جموعِ وحشودِ اليهودِ والأحزاب بقوةٍ وعزمٍ وثبات, واستطاعوا بوعيهم وثباتهم أن يسقطوا كلَ خططِ الأعداء ومؤامراتِهم, والمطلوبُ اليومَ أن يقف المسلمون في العالم الاسلامي كما وقف المسلمون الأولون بكل قوة وعزمٍ وإرادة صلبة في مواجهة اسرائيل التي تحتلُ ارضَ المسلمين ومقدساتهم من اجل استعادةِ هذه الارض والمقدسات، وأن لا يبالوا بحشود العدو ولا بإمكاناته ولا بوعيده وتهديداته, وأن لا يزيدَهم ذلك إلا إيماناً بقضيتهم ورسالتهم وأرضهم ومقدساتهم, وان يكونوا كما قال الله تعالى: ولما رأى المؤمنون الأحزابَ قالوا هذا ما وعدنا اللهُ ورسُولُهُ وصدقَ اللهُ ورسُولُهُ وما زادَهُمْ إلا إيماناً وتسليماً. الأحزاب / 22.
الشيخ علي دعموش