كلمة في احتفال أقامه حزب الله في مجمع السيدة زينب في بيروت بمناسبة ولادة الامام المهدي(ع) 2-5-2018
- المجموعة: نشاطات ولقاءات
- 02 أيار 2018
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1841
نحن نعيش في عصر الغيبة الكبرى وفي مرحلة انتظار خروج الامام المهدي (ع) وهذه المرحلة تفرض علينا معرفة التكاليف والمسؤوليات والوظائف الملقاة على عاتقنا ، وما يجب على المسلمين القيام به على المستوى الإيماني والفردي والسياسي والجهادي في عصر الغيبة،
وكيف ينبغي أن تكون علاقتنا - نحن المنتظِرين - بالإمام الحجة المهدي (عج).
وهذا ما سأتحدث به باختصار في هذه المناسبة.
من التكاليف و الوظائف والمسؤوليات التي تعزز علاقتنا بالإمام صاحب الزمن والتي يجب علينا القيام بها في زمن غيبته هي:
أولاً- معرفة إمام الزمان (عج):
ولا نقصد هنا بمعرفة الإمام معرفة اسمه وتاريخ مولده واسم أبيه وأمه وإن كانت مطلوبة، وقد تكون ممهدة لمعرفة أدق وأشمل، بل المقصود من المعرفة هنا معرفة مكانته ومنزلته ومقامه عند الله ومعرفة صفاته وخصائصه وأنه الحافظ للدين والدنيا، والهادي إلى الله، وأن له الولاية الكبرى، وأنه مفروض الطاعة وان الله اوكل له مهمة تطهير العالم من الشرك والفساد والظلم واقامة العدل الشامل في الارض وارساء السلام والرخاء والأمن والاستقرار والإزدهار في العالم.
وقد حثت الروايات والأحاديث على أهمية معرفتهوالإحاطة بأهدافه. فقد روي (من عرف إمامه ثم مات قبل أن يرى هذا الأمر.. كان له من الأجر كمن كان مع القائم في فسطاطه) المقصود في معسكره، و (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
كما لابد لنا أن نعلم أن قبول الأعمال إنما يكون بمعرفة الإمام، وهذا ما أشار إليه الحديث: (لو أن رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وحجّ دهره، وتصدق بكل ماله، ولم يعرف ولي الله فيواليه، وتكون جميع أعماله بدلالته إليها، ما كان له على الله من شيء، وما هو من أهل الإيمان).
وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: "إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله". وعن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً قال: "لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا".
ثانيا:التسليم والثبات على ولايته:
ومعناه الالتزام الدائم بأن تكون في صفّه وصفّ من يواليه ويتبعه ويمشي على نهجه. ففي الحديث عن الإمام الجواد عليه السلام أن رجلاً سأله: "لِمَ سُمِّيَ المُنْتَظَر؟ قال عليه السلام: لأن له غيبة تكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ويكذب به الوقاتون ويهلك فيه المستعجلون وينجو فيه المسلمون".
فالتسليم لولايته من أصعب الأعمال، ويحتاج إلى تربيةٍ خاصّة وتدرّب. ومن سعة رحمة الله بعباده، أنه يربّينا قبل ظهوره على الولاية والتسليم من خلال نائبه الوليّ الفقيه الذي يدعو إليه. والثابت على أمر أهل البيت عليهم السلام هو الملتزم بمشروعهم لتغيير العالم واعتباره مشروع حياته.
ثالثاً- انتظار الفرج:
ولعل هذه أهم وظيفة علينا في عصر الغيبة، ولا نعني الانتظار ان نترقب الظهور والخروج ونجمد ونعطل الاسلام و التكاليف والمسؤوليات، كما لا نعني بالانتظار ان يجمد الانسان حركته بانتظار الظهور ويعطل كل طاقاته بانتظار خروج الامام او ان يتوقف عن العمل والجهاد والقيام بالمسؤوليات انتظارا لخروج الامام بل الانتظار يعني ترقب هذا الحدث الالهي الكبير والعمل على توفير كل العناصر التي تساهم في تعجيل الفرج من تعميق الايمان والارتباط بالله والالتزام بالأحكام والقيام بالواجبات والمسؤوليات وتهذيب النفس والتحلي بالأخلاق والقيم والتمهيد لصاحب الزمان بهداية الناس الى الاسلام ومقاومة المستكبرين ومواجهة التكفيريين.
وقد ذكر علماؤنا أنه في زمن غيبة الإمام المنتظر (عج) لا يجوز تجميد الإسلام، ولا تعطيل تشريعاته وأحكامه تحت عنوان الانتظار لليوم الموعود، وإنما يجب كما في أي زمان آخر تطبيق أحكام الإسلام في جميع مجالات الحياة، والقيام بكافة التكاليف والمسؤوليات الفردية والاجتماعية والسياسية والجهادية وغيرها..
ولذلك الانتظار الحقيقي يعني:
اولا: أن تعمق إيمانك والتزامك وتقوي طاعتك لله وان تلتزم بشكل تام بأحكام الله وشريعة الله،لأن الامام عندما يظهر فإنه سيجعل شريعة الله هي القانون العام لحياة البشر وحكومة المجتمع العالمي. ومن الواضح أن الذي كان ملتزماً بهذه الشريعة في كل تفاصيل حياته قبل ظهوره الشريف سيكون مستعداً لتقبّل هذا القانون أكثر من غيره. نحن إذا نظرنا إلى خصائص وصفات أنصار الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف الممهّدين له، نجد أن من أهمّ الصفات البارزة فيهم صفة التقوى التي تعني الالتزام بأحكام الله في جميع أبعاد الحياة
ثانيا: ان يعمل الانسان على تهذيب نفسه وان يهتم في تربية الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة في شخصيته، لأن الإنسان الذي يمتلك شخصية مهذّبة ويتّصف بأخلاق حسنة يكون مستعدا دوماً لقبول الحق والعمل به بخلاف من تكون شخصيته سيئة وأخلاقه سيئة.
ولذلك على الإنسان المؤمن أن يسعى لاكتساب الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة، ويهتم بأداء الطاعات والعبادات الشرعية، ويعمل على اجتناب الذنوب والمعاصي التي نهى الله عنها.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا".
ثالثا: التوبة الحقيقية من الذنوب:بان يتوب الانسان من الأعمال المحرمة ويتعهد امام الله بان لايعود الى ممارسة الذنوب،وهذا مطلوب في زمن انتظار وفي حالة الانتظار اكثر من اي زمن آخرلأن أحد أسباب غيبة الامام (عج) وطولها هو ذنوبنا العظيمة والكثيرة، فأصبحت سبباً لامتناعه عن الظهور، كما ورد ذلك في الحديث عن أمير المؤمنين (ع)، وكذلك في التوقيع الشريف المروي في "الاحتجاج" حيث يقول: (فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم).
رابعاً:ان نتوجه الى الآخرين لهدايتهم الى الله وتشجيعهم على الإلتزام بالأحكام والحلال والحرام ونربيهم على الأخلاق والقيم وندفعهم للتوبة من ذنوبهم وأعمالهم السيئةوهذه وظيفتنا جميعا أخوة وأخوات علماء ونخب وأناس عاديين ونبدأ بأولادنا وأزواجنا ثم نأتي الى أرحامنا وأقاربنا ثم الى أصدقائنا ومن حولنا ثم الى عموم مجتمعنا ، مسؤوليتنا هداية هؤلاء ودعوتهم الى الايمان والالتزام والتوبة من الذنوب يقول تعالى: ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
خامساً: التمهيد للظهور بمقاومة الظالمين والمحتلين ومواجهة الطغاة والمستكبرين والقيام بمسؤلياتك الجهادية في المواجهة والمرابطة واستنهاض الامةللقيام بمسؤولياتها الرسالية والسياسية والجهادية ليتهيأ الجميع لنصرته ومشاركته في تحقيق أهدافه الإلهية الكبيرة.
اذا قمنا بواجباتنا هذه في عصر الغيبة يكون انتظارنا انتظارا بنّاءا وإيجابيا وهذا النوع من الانتظار هو الذي عبرت عنه الروايات بأنه أفضل الأعمال وافضل العبادة، كما عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (أفضل العبادة الصبر وانتظار الفرج).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه).
المطلوب اليوم ان ننتظره انتظار المقاومين المجاهدين الذين يهدون الارض لمقدمه الشريف بالجهاد والمقاومة والدم والشهادة.
المقاومة الاسلامية في لبنان تحملت طيلة العقود الماضية مسؤولياتها السياسية والجهادية واستطاعت على الصعيد العسكري والجهادي ان تحقق انتصارات للبنان في مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني وفي مواجهة الارهاب التكفيري، كما استطاعت على الصعيد السياسي ان تحافظ على سيادة لبنان واستقلاله في مواجهة من يريد الحاق لبنان ببعض المحاور الاقليمية والدولية ليكون خاضعا للسياسة السعودية والارادة الامريكية.
المقاومة قامت بواجبها الشرعي والوطني والأخلاقي والإنساني عندما تصدت للاحتلال وللعدوان الاسرائيلي المتكرر على لبنان، وعندما منعتالارهاب التكفيري من استباحة لبنان ودحرته عن الارض اللبنانية، فانجزت للبنان التحرير الاول عام 2000 والتحرير الثاني عام 2017.
اليوم لبنان ينعم بالأمن والإستقرار وتجري فيه انتخابات نيابية بفعل المقاومة والجيش والشعب والسلاح والقتال ومعادلة الردع مع العدو وبفضل دماء الشهداء والتضحيات الجسيمة التي قدمها اهلنا في سبيل لبنان، أما الطرف الأخر الذي يريد محاصرة المقاومة من خلال الانتخابات ويحرض ضدها ويستخدم كل الاسلحة السياسية والاعلامية والمذهبية لتشويه صورتها، ماذا قدم للبنان غير المزيد من الازمات وإغراق لبنان بالديون والفساد، بحيث لا يزال لبنان يعاني من أبسط الامور الحياتية والمعيشية من كهرباء وماء ونفايات وطرقات واستشفاء وبطالة وهجرة ابنائه الى الخارج؟ ماذا قدم هؤلاء الى بيروت وطرابلس وعكار والبقاع والجنوب بالرغم من وجودهم على رأس السلطة في لبنان لما يقرب من ثلاثة عقود سوى الوعود والكلام الفارغ، وتعبئة اللبنانيين وتحريضهم ضد المقاومة، والحديث االممل عن الوصاية السورية والهيمنة الايرانية وسلاح حزب الله والتدخل في سوريا وغيرها من الامور التي ملّ الشعب اللبناني من سماعها؟ واليوم يعيدون الحديث بنفس اللغة وينبشون الماضي ويحرضون على المقاومة ويصرون على ارتكاب نفس الأخطاء السابقة ولكنهم مهما فعلوا سيصلون الى نفس النتيجة التي وصلوا اليها في السابق أي الى الفشل والإحباط وخيبات الأمل.
عنوان المعركة الانتخابية بالنسبة الى الفريق الآخر لم يعد الإنماء والبرامج الانتخابية ومواجهة الفساد ومعالجة الازمات الكثيرة التي يعاني منها المواطنون، بل بات عنوانها وبتحريض من السعودية وأميركا محاصرة المقاومة وإضعافها في البرلمان للتصويب عليها وعلى سلاحها مقدمة للقضاء عليها .
المعركة هي بهذا الحجم وتأخذ هذا المنحى.. فمع من نكون؟ هل نكون مع الذين تخلوا عن هموم الناس وعن حماية البلد ويريدون كشفه امام العدو، ام مع الذين حموا البلد وحافظوا على استقراره وسيادته، ويتجهون ليكملوا مسيرة الحماية وبناء الدولة العادلة والقوية، ويرفضون تسليم البلد لولي العهد السعودي الذي يطبع مع اسرائيل ويحرض العدو الاسرائيلي على العدوان على لبنان وايران وشعوب هذه المنطقة؟.
التصويت في صناديق الاقتراع في الانتخابات هو لحماية خياراتنا الوطنية التي تحمي البلد وتبني الدولة وتكافح الفساد المستشري في مؤسساتها.. ولذلك المشاركة والنزول بكثافة يوم السادس من ايار الى صناديق الاقتراع والتصويت للوائح الأمل والوفاء ولوائح الحلفاء هو واجب وطني ومسؤولية وطنية لحماية المقاومة ومشروعها السياسي وخياراتها الوطنية وانجازاتها وانتصاراتها وتاريخها. وكل صوت في هذه المعركة له تأثيره ولا ينبغي الاستخفاف او اللامبالاة، لأن اي استخفاف بالمشاركة في هذا الاستحقاق قد يؤدي الى ضياع الانجازات التي دفع أهلنا من اجلها دماء وشهداء من فلذات أكبادهم .
الوفاء للشهداء يعني ان تعطوا أصواتكم للنهج الذي رسموه بتضحياتهم وبدمائهم الطاهرة، ونحن مطمئنون الى خيارات اهلنا لأنهم أهل الوفاء والوعي والصدق، وهم الذين تصدوا لكل محاولات الأعداء في كل المحطات الصعبة وأفشلوها وكسروا ارادة العدو وافشلوا اعتداءاته ولم يتخلوا عن المقاومة، واليوم لن يسمحوا للأعداء وللخصوم في هذه المعركة السياسية أن يحققوا اهدافهم او ان ينالوا منهم ومن مقاومتهم او من الانجازات التي صنعوها للبنان، سيحمون هذه الإنجازات بأصواتهم كما صنعوها بتضحياتهم.