الصفحة الرئيسية
النبي (ص) على رأس المشاركين بغزوة تبوك ضد الرومان فلمن ترك المدينة ؟!!(62)
- 27 تشرين1/أكتوير 2013
- الزيارات: 3574
المواجهة بين الإسلام والجبهة البيزنطية (2) - (62)
غزوة تبوك (2)
كشفت غزوة تبوك عن مواقف وعبر عديدة تحدث عنها القرآنُ الكريم. نذكرُها في النقاط الأتية:
النقطة الأولى: إن غزوة تبوك ميَّزت مرةً أخرى المنتمين إلى معسكر الإسلام، فكشفت المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد لأعذار واهية ومحصتهم عن المؤمنين المجاهدين الذين سارعوا للانخراط في صفوف الجيش الإسلامي رغبةً في الجهاد وعشقاً للشهادة.
وقد ذكر المفسرون أن عدداً من آيات سورة التوبة نزلت بهذه الخصوص مُقارِنَةً بين موقف المنافقين وموقفِ المؤمنين من الجهاد، وفاضحةً المنافقين وأساليبَهُم، ومحذرةً من مكرهم ومؤامراتهم، ومشددةً على عدم التساهل معهم والاستعانةِ بهم أو قبولِ أعذارهم.
قال تعالى: {فرح المُخلفون بمقعدهم خِلافَ رسولِ الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تَنفِروا في الحر قلْ نارُ جهنمَ أشدُّ حراً لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كانوا يَكْسِبون} التوبة/81 – 82.
فالمنافقون الذين تخلفوا عن المشاركة في الجهاد في غزوة تبوك، وبَدلَ أن يأسفوا لما بَدَرَ منهم فإنهم فرِحوا بتخلفهم لأنهم حصلوا على الراحة والسلامة ولم يخاطروا بأنفسهم، وبَدلَ أن يضعوا كلَّ إمكاناتهم في سبيل إعلاء كلمة الله فإنهم امتنعوا وكرِهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسِهم في سبيل الله.
ولم يكتفِ هؤلاءِ بتخلفهم وتركِهم لهذا الواجب المهم بل إنهم راحوا يُخذّلون الناس ويُثبطونَهم عن الجهاد، ويقولون لهم لا تَنفِروا في الحر لأنكم لا تقدرون على القتال والصمود في مثل هذا الجو الحار، والحقيقةُ أن هؤلاء كانوا يهدفون من وراء هذا الكلام إلى إضعاف إرادةِ المسلمين وشلِ روحهم الجهادية وإحباطِ عزمِهم وتصميمِهم على مواجهة أعداء الله، وقد طلبَ اللهُ من رسوله أن يجيبهم بقوله تعالى: {قل نارُ جهنمَ أشدُّ حراً لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاءً بما كانوا يَكْسِبون}.
وفي مشهد آخر يقارنُ القرآنُ الكريمُ بين منطق المنافقين ومنطقِ المؤمنين المخلصين فيقول تعالى: {وإذا أُنزِلتْ سورةٌ أنْ آمنُوا بالله وجاهدوا مع رسوله استئذنَك أُولُوا الطَّوْلِ منهم وقالوا ذَرْنَا نَكُنْ مع القاعدين رَضُوا بأنْ يكونوا مع الخوالفِ وطُبِعَ على قلوبهم فهم لا يفقهون لكنِ الرسولُ والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسِهم وأولئك لهُمُ الخيراتُ وأولئك هُمُ المفلحون} التوبة/86 – 87 – 88.
فالمنافقون برَغم قدرتهم من الناحيتين الجسمية والماليةِ على الجهاد يطلبون من النبي (ص) حينما يدعوهُمُ الواجبُ إلى مقاومة العدو أن يأذنَ لهم بالتخلف وعدمِ المشاركة في الجهاد والبقاءِ مع القاعدين الذين لا يقدرون على القتال من المرضى والشيوخِ والصبيانِ والنساءِ وغيرِهم من ذوي الأعذارِ الذين سقط عنهم هذا الواجب.
وفي المقابل فإن المؤمنين المخلصين الذين يملكون روحيةً إيمانيةً وجهاديةً يبادرون إلى المشاركة لأنهم يَرونَ أن الجهادَ هو الطريقُ الوحيدُ للانتصار على المشاكل والأزمات التي تعترض حياتَهم، ولذلك فهم يسعون إليه بكل وجودهم. ويستفاد من هذه الآيات أن الإيمان والجهادَ إذا اتحدا أو وُجِدا في شخص فسيصحبُهُما كلُ خيرٍ وبركةٍ وأنه لا سبيل إلى الفوز والفلاحِ أو إلى شيءٍ من الخيراتِ والبركاتِ الماديةِ والمعنوية إلا في ظل هذين العاملين الإيمانِ والجهاد.
النقطةُ الثانية: في الوقت الذي تخلَّفَ فيه البعضُ عن الجهاد في تبوك ملتمسين الأعذارَ الواهية، كان البعضُ من الفقراء المجاهدين تَفيضُ أعينُهُم من الدمع لأنهم لم يتمكنوا من الخروج والمشاركة في هذه الغزوة بسبب عدمِ امتلاكهم مؤونةَ الجهاد وإمكاناتِهِ المادية.
وقد ذكر المؤرخون والمفسرون أن سبعةً من فقراء المسلمين جاؤوا إلى النبي (ص) وتوسلوا إليه أن يُهيىء لهم ما يُمكِّنُهُم من الخروج معه، شوقاً إلى الجهاد في سبيل الله. فأجابهم قائلاً: لا أجدُ ما أحملُكُم عليه، فتولَوا عنه وهم يبكون وأعينُهُم تفيض من الدمع حَزَناً وأسفاً لحِرمانِهم من شرف المشاركة، فأنزل اللهُ بهذه المناسبة قولَه تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما يُنفقون حرجٌ إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل واللهُ غفورٌ رحيم ، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملَهم قلتَ لا أجدُ ما أحملُكُم عليه تَولَّوْا وأعيُنُهُم تفيض من الدَّمع حَزَناً ألاَّ يجدوا ما يُنفقون} التوبة/91 – 92.
النقطة الثالثة: لقد شارك المسلمون الأغنياءُ في تجهيز الجيش الإسلامي والإنفاقِ عليه حتى أن الرجلَ كان يأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقولُ: هذا البعيرُ بينكما تتعاقبانِهِ، وكان يأتي الرجلُ بالنفقة فيعطيها لبعضِ من يخرجُ ويشارك، بل ورد أيضاً أن النساء المسلمات ساهمنَ بحُليِهِنَّ في غزوة تبوك وشَارَكنَ الرجالَ في دفع النفقة وتجهيزِ الجيش الإسلامي، حيث اشتركنَ بكل ما قَدرنَ عليه من أساورَ وخلاخيلَ وأقراطٍ وخواتيم، وهذا هو الجهادُ بالمال بالنسبة إلى من لا تسمحُ له الظروفُ في الجهاد بالنفس.
النقطة الرابعة: إن اختيارَ عليٍ (ع) بالذات ليكون مكانَ النبيِ في المدينة يدير شؤونَها أثناء غيابهِ في تبوك، كان إجراءً ضرورياً يستهدفُ حمايةَ المدينة وحفظَ كيانِها من المنافقين والأعراب الذين تخلفوا عن المشاركة في غزوة تبوك بأعداد كبيرة، وكان من المحتمل أن يستفيدوا من فرصة غيابِ النبيِ (ص) للانقضاض على المدينة والعبثِ بأمنها، فكانت الدولةُ بحاجةٍ الى شخصية قويةٍ مرهوبةِ الجانب تملكُ كفاءةَ القيادةِ والولاية، ولا تحسبُ لأحدٍ حساباً مهما بلغَ من القوة والمكانة، وتقفُ سداً منيعاً في وجه كلِ من يحاولُ التآمرَ أو العبثَ بأمن الدولةِ وكيانِها. وكان النبيُ (ص) يعلم بأنه لا يصلحُ لمَهَمَّةٍ كهذه غيرُ عليٍ (ع) وقد قال له النبي (ص) على ما جاء في مستدرك الصحيحين للحاكم: "إن المدينة لا تصلحُ إلا بي أو بك" ولذلك اختاره من بين كلِ الصحابةِ ليكونَ أميناً على الدولة في غيابه.
الشيخ علي دعموش