الصفحة الرئيسية
لماذا انسحب المسلمون من معركة مؤتة مع الرومان ؟!(60)
- 25 تشرين1/أكتوير 2013
- الزيارات: 3388
المواجهة بين الإسلام والجبهة البيزنطية (1) - (60)
نتحدث في هذه المقالة وما بعدها عن المواجهة بين الإسلام والجبهة البيزنطية لنسلط الضوءَ على أهم الأحداث والوقائعِ التاريخية التي سُجلت حول العلاقة بين الإسلام والبيزنطية والصراعِ الذي دار بين المسلمين والرومان وحلفائِهم العرب المحسوبين على الديانة النصرانية في عهد النبي (ص).
لقد وقف النصارى بالإجمال من الدعوة الإسلامية منذ البدء موقفَ العطفِ والتأييد أحياناً وظلوا كذلك طيلة المدة التي قضاها النبيُ (ص) في مكة قبل الهجرة إلى المدينة، ولم يقع بينهم وبين النبي (ص) احتكاكٌ وعداءُ كما وقع مع اليهود في المدينة المنورة.
ولكنَّ هذا لم يمنع الكثرةَ من النصارى العرب أن تؤدي دورَها في العصر المدني(اي بعد الهجرة الى المدينة) بمواجهة الإسلام وتتخذَ المواقفَ العدائية ضد النبي (ص) على شتى المستويات بدفعٍ وتحريضٍ من الدولة البيزنطية الرومانية فيما بعد.
ففي العصر المدني أي في الفترة التي تلت هجرةَ النبي (ص) إلى المدينة المنورة تمكَّنَ الإسلامُ من بناء دولته المركزية التي تجاوزت في سياساتها وعلاقاتها الحدودَ الإقليمية والقومية نحو العالم المحيط حيث تقبعُ الدولةُ البيزنطيةُ وحلفاؤها العرب في شَمال الحجاز وهم جميعاً محسوبون على المعسكر النصراني.
وبمرور الوقت واتساعِ نفوذ الإسلام إلى شَمال الحجاز ووصولِ أنباء انتصاراته على المشركين واليهود إلى قبائل الشَمال.. بدأ المعسكر البيزنطي وحلفاؤه يشعرون بالخوف والخطر ويقومون ببعض التصرفات المعاديةِ للإسلام والمسلمين، فبدأ مسلسل الصراع المسلح بين المسلمين والقبائل المحسوبة على النصارى، وكان من أبرز المعارك على هذا الصعيد معركةُ مؤتة ومعركةُ تبوك.
وسنتحدث هنا عن معركة مؤتة على أن نتحدث عن معركة تبوك في المقالة القادمة إن شاء اللهُ تعالى.
دوافع معركة مؤتة :
كان الدافعُ لمعركة مؤتة هو الانتقامَ لحادثة مقتل الحارثِ بنِ عُميرٍ الأَزدي مبعوثِ النبي (ص) إلى ملك بُصرى على يد شُرَحْبيلَ بنِ عمروٍ الغساني حاكمِ منطقة مؤتة والحدودِ الشمالية من قبل هرقل. فخلافاً لكل الأعراف الدبلوماسية القاضيةِ باحترام السفراء وحصانتِهم أَقدَمَ شُرَحْبيلُ على إلقاء القبض على مبعوث النبي (ص) الحارثِ بنِ عُميرٍ الأَزدي عندما نَزَلَ في مؤتة، وحققَ معه، فأبلغه بأنه يحمل كتاباً من رسول الله (ص) إلى ملك بُصرى فأمر بأن يقيد ثم قام بقتله.
فعَرَفَ النبيُ (ص) بذلك وكان لهذه الحادثة وقعٌ شديدٌ عليه وعلى المسلمين وكان لا بد للنبي (ص) من أن يتخذ موقفاً حاسماً إزاء المعتدي بعد هذا الإعتداء الغادر. فجهز جيشاً من ثلاثةِ آلافِ مقاتلٍ بقيادة جعفرِ بنِ أبي طالب رضوان الله عليه، وكان ذلك في جُمادي الأولى من السنة الثامنةِ للهجرة، وأمرهم بالانطلاق نحو المناطق الحدودية شَمالي الحجاز لتأديب القوى المعادية على فعلتها، وإشعارِها بقوة الدولة الإسلامية وقدرتِها على ردع الغادرين والمعتدين الذين يجدون في الحماية البيزنطية عاملاً وسبباً يدفعُهُم إلى الجرأة والعدوان.
وتشير الشواهدُ الصحيحة إلى أنه (ص) جعل القيادةَ لجعفر بنِ أبي طالب، ومن بعده لزيد بنِ حارثة، ومن بعدهما لعبد الله بنِ رَوَاحَة، وترك للجيش أن يختار لقيادته من يراه صالحاً إذا أصيب القادةُ الثلاثة. أعدَّ هرقلُ عندما سمع نبأ التحرك الإسلامي جيشاً كبيراً قوامُهُ مئةُ ألفِ مقاتلٍ وعسكرَ في منطقة مَآبَ من أرض البلقاء.
استشهاد القادة الثلاثة وخالد بن الوليد ينسحب بالجيش:
ولما وصل المسلمون إلى منطقة معان جنوبيَّ الأردن، بلغتهم أخبار تلك الحشود المعادية، فأقاموا ليلتين يتداولون الرأيَ فيما بينهم فاقترح بعضُهم قائلاً: نكتب إلى رسول الله فنخبرُهُ بعدد عدونا، فإما أن يُمدنَا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له، وكاد هذا الرأي يتغلبُ لولا التربيةُ الإيمانية ، والروحيةُ الجهادية التي كان لها دورُها في صنع القرار وتحديدِ الموقف في اللحظات الحرجة حيث وقف عبدُ الله بنُ رَوَاحَة وقال بكل إيمان وعزمٍ وشجاعة: "والله ما كنا نقاتل الناسَ بعددٍ ولا قوةٍ ولا كثرة، ما كنا نقاتلُهُم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما نصرٌ وإما شهادة". فكان لهذه الكلمات الواعية أثرُها الطيبُ في تلك النفوس المؤمنةِ المجاهدة فصمموا على المضي والقتالِ ومواجهةِ العدو مهما كانت النتائج.
غادر المسلمون معسكرَهم في منطقة معان واتجهوا شَمالاً حتى وصلوا تخومَ البلقاء، وهناك التَقَوْا بحشود الرومان وحلفائِهم العرب في قرية تدعى مؤتة، حيث دارت معركةٌ طاحنةٌ بين الطرفين في هذه المنطقة. استشهد خلالها القادةُ الثلاثةُ على التوالي، فقرر خالدُ بنُ الوليد الذي تولى قيادةَ الجيش الانسحابَ من ساحة المعركة والعودةَ إلى المدينة المنورة.
وقبل أن يصل جيشُ المسلمين من مؤتة إلى المدينة كانت قد وصلت إلى المسلمين أنباءُ انسحابهم وأنباءٌ سيئةٌ عن وضع الجيش الاسلامي، مما اثار ردود فعلٍ واسعةً لدى المسلمين حيث اعتبروا الانسحاب فِرَاراً من القتال وساحاتِ الجهاد، ولذلك فقد استقبلوا الجيش لدى وصوله المدينة بشعاراتٍ وانتقاداتٍ جارحة إذ قيل لهم: "يا فَرَارِ فررتم من سبيل الله!". فقال النبيُ (ص): ليسوا بالفَرَارِ ولكنهم الكَرَارِ..
وقد كان ردُّ فعلِ بعض المسلمين قوياً جداً إلى درجة أنه اضطرَ بعضَ الشخصيات التي شاركت في هذه المعركة إلى أن يقعُدَ في بيته، ولا يظهرَ في الوسط العام. ولا شك في أن ردَّ الفعلِ هذا تجاه عمليةِ الانسحاب انطلقت من روح الشهامة والبسالة وروحِ الجهاد التي صنعها الإيمانُ في نفوس المسلمين بحيثُ أصبحوا يعدون القتلَ والشهادة في سبيل الله في ساحة الجهاد والمواجهة أفضلَ من الانسحاب من الأرض المعركة.
ومهما يكن فقد حَزِنَ النبي (ص) حزناً شديداً على جعفر بنِ أبي طالب الذي كان قد استُشهد في هذه المعركة وبكى عليه وقال (ص): على جعفرٍ فلتبكِ البواكي. وجَمَعَ الناسَ وصعدَ المنبر وتحدث عن شخصية جعفرٍ وفضله ومنزلته والحزنُ ظاهرٌ على وجهه وقال: "إن الله أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوتٍ أحمر، يطير بهما مع الملائكة. وهذا التكريمُ لم يكن إلا لإيمان جعفرٍ (رض) وصدقهِ وإخلاصهِ وجهادهِ وتضحيتهِ في سبيل الله".
الشيخ علي دعموش