الصفحة الرئيسية
الصدقة طريق لتزكية النفس
- 01 تشرين2/نوفمبر 2013
- الزيارات: 4675
في الفهم الإسلامي الدولة مسؤولة عن معالجة الأزمات المعيشية وظاهرة الفقر وإيجاد فرص عمل للناس حتى يحصلوا على لقمة العيش والمجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الفقراء والعاجزون والأيتام والمساكين هو أيضاً يتحمل مسؤولية من هذا النوع. وهنا تأتي ثقافة التصدق والصدقة.
خلاصة الخطبة
الشيخ دعموش: الحراك السلمي الشعبي الوطني الشريف في البحرين سيستمر حتى تحقيق أهدافه.
تساءل سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أين دعاة حقوق الإنسان مما يجري في البحرين من تصعيد قمعي خطير؟ معتبراً: أن مسار حكومة البحرين هو مسار تصعيدي تجاه شعبها المظلوم .
وقال: نحن نراهن على الشعب البحريني وإرادته وصبره, وقد صبر خلال السنتين الماضيتين ولا يزال حراكه فاعلاً ومدوياً.. ومقلقاً للنظام وللأنظمة الراعية له.
مؤكداً: أن الحراك السلمي الشعبي الوطني الشريف في البحرين سيستمر حتى يحقق أهدافه..أما أزلام النظام الجائر فلن يجدوا من خلال تصعيدهم وقمعهم وظلمهم سوى الخسران والفشل وخيبات الأمل لأن هذا الزمن هو زمن مختلف.
نص الخطبة
يقول الله سبحانه وتعالى: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون]. المائدة/ 55.
تاريخ الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة هو تاريخ تصدق الإمام علي أمير المؤمنين (ع) بخاتمه وهو راكع في صلاته. وقد اعتبر الأسبوع الذي تقع فيه هذه المناسبة أسبوعاً للصدقة.
وقد ورد في قصة تصدق أمير المؤمنين (ع) بخاتمه روايتان:
الأول: رواها الشيخ الصدوق(قدس سره) قال: إن جماعة من يهود المدينة أسلموا فجاؤوا إلى النبي (ص) وقالوا: يا نبي الله، إن موسى أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله؟ ومن وليّنا بعدك؟
فنزلت هذه الآية: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون].
فقال رسول الله (ص): قوموا, فقاموا وأتوا المسجد، فإذا سائل خارج من المسجد, فقال النبي (ص): يا سائل هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم, هذا الخاتم, فقال (ص): من أعطاكه؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي (وكان الذي يصلي علي بن أبي طالب "ع").
فقال (ص): على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعاً.
فكبر النبي (ص) وكبر أهل المسجد، فقال النبي (ص): عليٌ وليكم بعدي.
قالوا: رضينا بالله رباً, وبمحمد نبياً، وبعلي بن أبي طالب ولياً.
فأنزل الله عز وجل قوله تعالى: [ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون]. المائدة/ 56.
الرواية الثانية: مروية عن أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) قال: صليت مع رسول الله (ص) يوماً من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً، وكان علي (ع) راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وكان ذلك على مرأى النبي (ص) فلما فرغ النبي (ص) من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم موسى سألك فقال: [رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون اخي اشدد به أزري وأشركه في أمري]. فأنزلت عليه قرآنا ًناطقاً: [سنشد عضُدك أخيك ونجعلُ لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا].
اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم واشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من اهلي، علياً اشدد به ظهري.
قال أبو ذر: فما استتم رسول الله (ص) الكلمة حتى نزل جبرائيل (ع) من عند الله وقال: يا محمد إقرأ: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون].
وقد أنشأ حسان بن ثابت في هذه الواقعة شعراً فقال:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مدحي في المحبين ضائعاً وما المدح في ذات الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً فدتك نفوس القوم يا خير راكع
بخاتمك الميمون يا خير سيد ويا خير شار ثم يا خير بائع
فأنزل فيك الله خير ولاية وبيّنها في محكمات الشرائع
إن نزول آية الولاية في تصدق أمير المؤمنين (ع) يدل على القيمة الكبرى للصدقة في الإسلام، فمن أهم الصفات التي أحبها الله في عبده إلى جانب إقامة الصلاة هي صفة الإنفاق والعطاء والتصدّق.
وقد تم التعبير عن هذه الصفة في القرآن الكريم بصيغ وتعابير مختلفة.
فمرة عبَّر بالإنفاق: [مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل..]. في آية أخرى: [الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون]. البقرة/ 61 ـ 62.
ومرة عبَّر القرآن بإيتاء الزكاة: [الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة].
ومرة عبَّر بتعابير الصدقة والتصدق (والمصدقين) كما في سورة الحديد يقول تعالى: [إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم].
إذن التعابير كثيرة لكن عنوان التصدق والصدقة يشمل الجميع, لأن عنوان الصدقة هو عنوان واسع.
وعلى أي حال فإن تأكيد القرآن الكريم والأحاديث الشريفة على موضوع التصدق والصدقة والإنفاق في سبيل الله وعلى المحتاجين هو تأكيد كبير جداً.
والإسلام عندما يركز على الصدقة فإنما يريد أن يحقق هدفين دفعة واحدة:
الهدف الأول: يتعلق بنفس الإنسان، لأن الصدقة هي طريق لتزكية النفس الإنسانية وتطهيرها.. ولذلك ورد في الآية [خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها]. التوبة/ 103.
الهدف الثاني: إن الصدقة تساهم في معالجة المشاكل الاجتماعية والمعيشية التي يعيشها الناس.. ففي كل مجتمع إنساني هناك فقراء وأغنياء، مكتفون ومحتاجون، أناس قادرون على العمل وآخرون عاجزون عن العمل، أشخاص لديهم موارد يعتاشون منها وآخرون ليس لديهم أي مورد، هناك أيتام لا معيل لهم وآخرون لهم معيل الخ...
في الفهم الإسلامي الدولة مسؤولة عن معالجة الأزمات المعيشية وظاهرة الفقر في المجتمع, والمجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الفقراء والعاجزون والأيتام والمساكين هو أيضاً يتحمل مسؤولية من هذا النوع. وهنا تأتي ثقافة التصدق والصدقة. فالتصدق على الفقراء وإيتاء الزكاة ودفع الخمس والإنفاق لوجه الله والجهاد بالمال ورعاية أو تكفل الأيتام وأبناء الشهداء وقضاء حوائج المحتاجين ومساعدة المساكين.. كل هذه العناوين فرضها الإسلام وحث عليها لتعالج جانباً كبيراً من المشكلة المعيشية والاجتماعية ومشكلة الفقر، ولكن بخلفية إيمانية وأخلاقية وإنسانية.
عندما يصبح في كل بيت وفي كل دكان مكان للصدقة وصندوق للصدقة، وعندما تنتشر ثقافة الصدقة والتصدق بين الناس، هذه الأموال المتواضعة البسيطة تتراكم, وعندما تتراكم هذه المبالغ تستطيع أن تحل مشكلة عدد كبير من العائلات الفقيرة, والله سبحانه وتعالى يقول للمتصدقين: أنا الذي آخذ منكم الصدقات بشكل مباشر, الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير أو المحتاج أو اليتيم.
[ألم يعلموا أن الله يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم]. التوبة/ 104.
وكذلك فإن الله هو الذي يُربي الصدقات وينميها.
عندما يدفع الواحد منا صدقة، هذه الصدقة تنمو وتنمو إلى أن يحشر الإنسان يوم القيامة, فيفاجأ يوم القيامة كأنه تصدق بمثل جبل في حين أن كل ما تصدق به هو فقط هذا المبلغ البسيط المتواضع الذي خرج منه، لكن الله سبحانه يزيد في تزكية هذا المال ويجعل البركة فيه [يمحق الله الربا ويُربي الصدقات].
بعض الناس قد يظن أنه لو أنفق من المال الذي يملكه وإعطى منه فقيراً أو محتاجاً أو دفع خمسه أو أنفق منه في سبيل الله فإنه سينقص ماله.. ويخسر ماله، لكن الواقع أن الصدقة هي مفتاح الرزق. والإنفاق هو باب من أبواب زيادة المال والرزق وجعل البركة فيه [مثل الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم]. البقرة/ 261.
هناك روايات كثيرة تتحدث عن بركات الصدقة وآثار الصدقة، غير أنها مفتاح الرزق وسبب من أسباب استنزال الرزق..
فقد ورد على سبيل المثال أنها: تدفع البلاء, ويُتداوى بها من الأمراض, وأنها تدفع ميتة السوء, وأنها تطيل العمر, وأنها رحمة للموتى.
عن الإمام الباقر (ع): الصدقة تدفع البلاء المبرم فداووا مرضاكم بالصدقة. الوسائل/ ج2ص433.
فمن يعتقد بأنه إذا تصدق ينقص ماله أو يخسر بعضاً من ماله فهو مخطئ، لأن الإنسان معرض في الحياة للمرض والبلاء في نفسه أو في أولاده أو في أهله فلو مرض واحد منهم فإن الإنسان قد يتكلف الكثير من المال الذي احتفظ به ولم ينفق منه، فلو أنفق من ماله وتصدق لكان بإمكانه دفع المرض وتفادي البلاء...
وقد ورد أيضاً في رواياتنا حول الصدقة الكثير من أخلاقيات وآداب التصدق التي ينبغي مراعاتها، فعلى سبيل المثال: صدقة السر أفضل من صدقة العلن, وهذا ما كان يفعله أئمتنا (ع)، فقد كان الإمام زين العابدين يدور على بيوت الفقراء في جوف الليل يضع أمام أبوابهم صدقاته فلا يعرفون من وضع ذلك لهم.
والتصدق على الأرحام والأقارب الفقراء أولى من التصدق على غيرهم.
سئل رسول الله (ص): أي الصدقة أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح. أي الذي يضمر العداوة.
ومن أهم الأمور التي ينبغي مراعاتها في الصدقة والتصدق والإنفاق هو حرمة إلحاق المنّ والأذى بمن نعينهم أو بمن نساعدهم، وهذا يؤكد أن الخلفية من هذا العمل الإنساني هي خلفية أخلاقية وإنسانية [قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى]. البقرة/ 263.
هناك الكثير ممن يتصدقون أو يساعدون, أو مثل بعض الدول التي تقدم المساعدات والمعونات لدولة أو جهة معينة ثم بعد ذلك تلحق بمن ساعدتهم الأذى والمن مما يسيء إليهم ويذهب بماء وجههم.
الإسلام ركز على حفظ ماء وجه اليتيم أو الفقير أو المحتاج الذي نساعده. ولذلك ورد في بعض الروايات أن من الآداب انك عندما تعطي الفقير من مالك أن لا تنظر إلى وجهه حتى لا يخجل ولا يستحي، أن تراعي كرامة من تساعده وتسد حاجته [يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى]. عندما تتصدق على إنسان ثم تمن عليه وتؤذيه وتسيء إليه بكلمة أو بتصرف فقد أبطلت صدقتك ولم يعد لها أجر ولا ثواب ولا مكان ولا قيمة ولا معنى، وهذا يعني أن كرامة الإنسان أهم من إشباعه، فإذا كنت تريد إشباع جوعه وبطنه فإن عليك أن تحفظ ما هو أهم وهو كرامته .
هذه الكرامة التي يداس عليها من قبل الصهاينة في مواجهة الشعب الفلسطيني المظلوم, ومن قبل التكفيريين والجماعات الإرهابية الذين يقتلون الأبرياء ويفجرون السيارات المفخخة في المناطق المأهولة بالمدنيين.
هذه الكرامة الإنسانية التي يداس عليها أيضاً من قبل بعض الأنظمة الجائرة بحق شعبها وأبناء بلدها.. لمجرد مطالبتهم بحقوقهم المشروعة، كما يحصل في البحرين.
أين دعاة حقوق الإنسان من كل ما يجري في هذه المنطقة من قتل وإرهاب وتفجير بالأبرياء والمدنيين.
أين دعاة حقوق الإنسان مما يجري في البحرين من تصعيد قمعي خطير، علماء بحارنة كبار تسحب جنسياتهم ويتم إخراجهم من البلد ويهدد علماء آخرون، جمعيات ومجالس علمائية يتم حلها واعتبارها غير شرعية، مساجد تدمر، شخصيات قيادية زج بها في السجون منذ سنتين وأكثر, ويُزج الآن بقيادات سياسية ودينية جديدة، علماء زج بهم في السجون ونساء زج بهن في السجون.. جمعيات سياسية لها امتدادها الشعبي وحضورها القوي والفاعل تحاصر ويتم اقتحام مقارها..
مسار حكومة البحرين هو مسار تصعيدي تجاه هذا الشعب المظلوم والشريف.
نحن نراهن على الشعب البحريني وإرادته وصبره, وقد صبر خلال السنتين الماضيتين ولا يزال حراكه فاعلاً ومدوياً.. ومقلقاً للنظام وللأنظمة الراعية له.
هذا الحراك السلمي الشعبي الوطني الشريف سيستمر حتى يحقق أهدافه..
أما أزلام النظام الجائر فلن يجدوا من خلال تصعيدهم وقمعهم وظلمهم سوى الخسران والفشل وخيبات الأمل لأن هذا الزمن هو زمن مختلف.
والحمد لله رب العالمين