التصوير القرآني لشخصية النبي (ص)
- المجموعة: 2020
- 16 تشرين1/أكتوير 2020
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1043
نتقدم بالعزاء من جميع المسلمين في العالم في ذكرى وفاة رسول الانسانية محمد بن عبد الله(ص) في الثامن والعشرين من شهر صفر.
لا شك في أن أصدق كلام يصور لنا شخصية رسول الله (ص) بأبعادها المختلفة هو القرآنُ الكريم، وهو كلام الله سبحانه وتعالى {ومن أصدقُ من الله قيلا}. ومهما قيل من كلام حول معالم شخصية رسول الله(ص) قديماً وحديثاً فإن كلام الله تعالى في كتابه العزيز يبقى أصدق وأدق مرجع في تحديد معالم هذه الشخصية العظيمة وخصائصها وصفاتها الأخلاقية والإنسانية السامية.
وعندما نعود الى الصورة التي قدمها القرآن الكريم عن شخصية رسول الله محمد بن عبدالله(ص) سنجد انفسنا امام رجل عظيم لا مثيل له في التاريخ الانساني، رجل تمثلت عظمته في فكره ووعيه، ورجاحة عقله، وصوابية رايه، وحسن تدبيره، وفي أخلاقه، وسموه الانساني، كما تمثلت في إيمانه، وعبادته، وتعلقه بربه، وأسلوب تعامله مع الناس، حتى مع الذين يختلف معهم، وفي الصدق في المواطن ومواجهة الضغوط والتحديات والمحن.
فقول الله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم} يعجِزُ كلُ قَلم وكلُ بيانٍ عن تحديد عظمته، فهو شهادةٌ من الله سبحانه على عظمة أخلاق النبي(ص) وسموِ منزلته وعلوِ شأنه في مجال التعامل مع ربه ونفسه ومجتمعه، بناءً على أن الأخلاق مفهومٌ شاملٌ لجميع مظاهر السلوك الإنساني.
وقد تحدث القرآنُ الكريم في موضع آخر عن جانب العفو والرحمة والرفق واللين والتواضع في سلوك النبي (ص) وفي تعامله مع الآخرين، فقال تعالى {فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنتَ فظاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفرْ لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحبُ المتوكلين}.
ووصفتْ آياتٌ أخرى رسولَ الله (ص) بأوصاف تكشف عن مدى تأثره واهتمامه بالمسلمين وشؤونهم وحرصهِ عليهم، وتعبرُ عن مدى عطفه عليهم وشفقتهِ ورحمتهِ بهم، وكيف أنه حين كان يُصيبُ الواحدَ منهم بعضُ المشقةِ والتعب فإنه(ص) كان يحزنُ ويتألمُ وتخيمُ عليه علامات الآسى وتظهرُ في ملامحه.
ففي سورة التوبة يقول تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم – أي يَعِزُ عليه تَعبُكُم – حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم}
وقد بلغ من عظمة شخصية رسول الله (ص) أنه عندما سُئلَ عليُ بنُ أبي طالب (ع) عن أخلاق النبي (ص) أجاب(ع): كيف أصفُ أخلاقَ النبي (ص) وقد شهدَ اللهُ تعالى بأنه عظيم حيث قال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
وسئلت إحدى زوجاتِهِ عن أخلاقه (ص) فقالت: كان خُلُقُ رسول الله القرآن أو كان خلقه القرآن، أي أن أخلاق القرآن وقيمَ القرآن تجسدت في شخصيته (ص).
وسموُّ أخلاق النبي (ص) وعلوُّ شأنه في مجالات الفضيلةِ وكرمِ النفس والنبلِ والطهارةِ والرحمةِ والرفقِ واللينِ والتواضع إنما جاءت حصيلةَ إعدادٍ إلهيٍ خاص توافر لرسول الله (ص) قبل الدعوة وواكبَه بعدها. فقد صِيغتْ شخصيةُ رسول الله (ص) قبل الدعوة من قبل الله سبحانه وفق تخطيط إلهي ليكون كفوءاً وأهلاً للرسالة الإلهية وتجسيداً حياً لها. وإلى هذا النوع من الإعداد الإلهي للنبي الأعظم (ص) يشيرُ الإمامُ علي (ع) وهو أكثرُ الناس معرفة والتصاقاً به فيقول: (ولقد قرنَ اللهُ به (ص) من لَّدُنْ أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسنَ أخلاق العالم ليله ونهاره).
وبسبب تلك الرعاية الربانية الخاصة للرسول (ص) تميزت شخصيته (ص) عن جميع أبناء مجتمعة وصار علماً في سمو أخلاقه وهديه، ومضرباً للمثل في فضله وصدقه وأمانته، وقبل أن يتحدث القرآن عن عظمة أخلاقه فقد نطق الكفار والمشركون بهذه الحقيقة قبل أن يبعثه الله بالرسالة، فاتصافُ النبي (ص) بالخلق العظيم لم يكن وليد الفترة التي بُعث فيها، أو من إفرازات تلك المرحلة تماشياً مع أهمية الدور الملقى على عاتقه، لا ابداً، بل التاريخُ يذكر أن النبي (ص) كان ذا منزلةٍ أخلاقية عظيمة في العهد الجاهلي وكان محلَ إعجاب قومه ومجتمعه وتقديرهِم واحترامِهم. بل ومضربَ المثل في ذلك، وقد شهد الكفارُ أنفسُهُم لرسول الله (ص) بالعفاف وصدق الحديث وأداء الأمانة ونزاهةِ الذات. فقد روي أن الأخنسَ بنَ شَريفٍ لقي أبا جهلٍ يوم بدر فقال له: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرُك يسمع كلامنا، أخبرني عن محمد أصادقٌ هو أم كاذب؟! فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادقٌ وما كذب قط.
وقال النضرُ بنُ الحارث لقريش: قد كان محمدٌ فيكم غلاماً حَدَثاً أرضاكم فيكم، وأصدقَكُم حديثاً وأعظمَكم أمانة حتى إذا رأيتم في صُدغَيه الشيبَ وجاءكم بما جاءكم به قُلتم ساحر؟ ألاَ واللهِ ما هو بساحر.
ولما بَعَثَ رسولُ الله (ص) إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، أحضرَ قيصرُ أبا سفيان وسأله بعض الأسئلة مستفسراً عن النبي (ص) ومما سأله قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال أبو سفيان : لا، قال: فهل يغدر؟ قال: لا، قال: كيف عقلُهُ ورأيُهُ؟ قال ابو سفيان: لم نعب له عقلاً ولا رأياً قط. وروى الطبري المؤرخُ المعروف قال: كانت قريشٌ تسمي رسولَ الله (ص) قبل أن ينزل عليه الوحي بالأمين.
وروي عن أبي طالب رضوان الله عليه في حديث له عن سيرة النبي (ص) في الجاهلية قال: لقد كنت أسمعُ منه إذا ذهب من الليل كلاماً يعجبني، وكنا لا نسمي على الطعام والشراب حتى سمعتُهُ يقول: بسم الله الأحد، ثم يأكل فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيراً. فتعجبت منه وكنتُ ربما أتيتُ غفلةً فأرى من لَدُنْ رأسه نوراً ممدوداً قد بلغ السماء ثم لم أرَ فيه كذبةً قط ولا جاهليةً قط، ولا رأيتُهُ يضحك في غير موضع الضَّحك، ولا وقفَ مع صبيان في لعب، ولا التفتَ إليهم وكانت الوحدةُ أحبَّ إليه والتواضع.
هذه بعض ملامح شخصية النبي (ص) التي اشار اليها القران الكريم وهي تكشف عن سمو انساني قل نظيره، وعن رأفة ورحمة واسعة شملت الصغير والكبير والقريب والغريب والصديق والعدو .. ومع ذلك نجد بعض الحاقدين على رسول الله(ص) وعلى الاسلام يحاولون النيل من صورته المشرقة من خلال ما ينشرونه في صحفهم ووسائل اعلامهم من إساءات واتهامات وافتراءات باطلة ومزيفة، لا تمت الى شخصية رسول الله(ص) بصلة، ومن خلال ما يطلقونه من مواقف تنم عن جهل وقلة معرفة بالواقع الاسلامي وحقائق الاسلام وقيمه الحضارية السامية.
ففي فرنسا أعادت صحيفة "شارلي إيبدو" من جديد نشر رسومات مسيئة للنبي محمد (ص)، فيما وصف الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون الإساءة بـ "حرية الرأي".واشار في تصريحات اخرى: الى ان الإسلام يعيش أزمة في كل مكان من العالم!!
الاساءة لرسول الله(ص) ليست حرية رأي، بل جريمة بحق المقدسات الانسانية، وخطوة استفزازية لمشاعر المسلمين في العالم، ودعوة صريحة للكراهية والعنف، وذريعة واضحة لممارسة الارهاب ضد المسلمين.
اما التعبير عن ان الاسلام يعيش في أزمة! فهو يكشف عن حقد دفين وعنصرية بغيضة تجاه الاسلام والمسلمين، فالاسلام ليس في أزمة، بل الأزمة في الجهل به، وفي أخلاق الحاقدين عليه .