السلوك الحسن أساس الدعوة لا الإكراه
- المجموعة: 2014
- 14 تشرين2/نوفمبر 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3608
إن الدعوة إلى الإسلام وبيان حقانيته وتوضيح وشرح عقائده ومفاهيمه وقيمه وأخلاقه وأحكامه وتشريعاته وإظهار صورته ووجهه الحقيقي للآخرين هو وظيفة كل مسلم ومسلمة, لأن المسلم كما يحب الهداية والخير والفلاح لنفسه يحب ذلك أيضاً للآخرين, ولكن يجب على المسلم أن يتعامل مع غير المسلمين باسلوب يجذبهم الى الإسلام ويحببهم به ويقربهم منه,على المسلم ان يستقطب الناس الى الاسلام بأفعاله وأخلاقه وأقواله الحسنة وسلوكه الحسن وليس بالاكراه والقوة والعنف والتهديد.
خلاصة الخطبة
اعتبر سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن التكفيريين الارهابيين من خلال سلوكهم السيء واللاانساني بل والوحشي مع غيرالمسلمين يقدمون صورة سيئة ومشوهة عن مفهوم الجهاد في الاسلام , خصوصاً عندما يعتبرون ان قتل غير المسلمين الأبرياء والمسالمين والاعتداء عليهم وتهجيرهم من بلدانهم جهاداً في سبيل الله! بينما مجاهدونا وشهداؤنا الذين كنا نحتفي بذكراهم قبل يومين في يوم الشهيد، قدموا للعالم كله صورة ناصعة عن مفهوم الجهاد والتضحية عندما واجهوا المحتلين الصهاينة لا الأبرياء والمسالمين, وعندما قدموا انفسهم فداءً للوطن في مواجهة الاحتلال الصهيوني المعتدي والوحشي وفي مواجهة التكفيريين الذين ارادوا استباحة بلدنا.
وقال: شهداء المقاومة وشهداء الدفاع المقدس هم رمز سيادة واستقلال وحرية هذا الوطن , بدمائهم الزكية هُزم الاحتلال وسقط العدوان , وبدمائهم الطاهرة لم تستطع اسرائيل ان تبقى في لبنان أو أن تهيمن على لبنان, أو حتى أن تعدّل في قواعد الاشتباك مع المقاومة,وبفضلهم وفضل المجاهدين في المقاومة أيضاً لن يستطيع التكفيريون الارهابيون ان يستبيحوا لبنان.
وأكد: أن المقاومة باتت متجذرة في العقل والقلب والوجدان , واصبحت جزءاً لا يتجزأ من لبنان وثابتة من ثوابته الوطنية, ولن تستطيع كل الترهات التي نسمعها حول المقاومة وسلاحها ان تنال من عزمها وعزم مجاهديها وتصميمهم على تحرير الأرض والدفاع عن لبنان والشعب اللبناني.
نص الخطبة:
من الممارسات اللاإسلامية التي شهدناها وشهدها العالم من قبل التيارات التكفيرية الارهابية إجبار غير المسلمين وإكراههم على اعتناق الاسلام بالقوة والتهديد وتحت طائلة التهجير والإبادة كما حصل مع المسيحيين والإيزديين وغيرهم في العراق وغيره.. ولعل من أسوء النتائج السلبية لهذه الممارسات هو إبعاد غير المسلمين عن الإسلام, وتخويف غير المسلمين من الإسلام, وتكوين انطباع سيء ومشوه عن الإسلام لدى الغربيين وفي العالم,وكأن الاسلام يريد أن يفرض نفسه على الناس بالقوة وحد السيف.
فهل هكذا تتم دعوة الناس الى الإسلام؟! وهل الدعوة إلى الإسلام تكون بالإكراه والتهديد والأساليب العنفية أم أن الدعوة إلى الإسلام تكون بالحكمة والموعظة الحسنة وعلى أساس الإقناع المستند إلى الأدلة والبراهين الواضحة والمتينة ؟.
هل يجوز في الإسلام إكراه الناس وإجبارهم على اعتناق الإسلام بالقوة؟
من الواضح أن الدعوة إلى الإسلام وبيان حقانيته وتوضيح وشرح عقائده ومفاهيمه وقيمه وأخلاقه وأحكامه وتشريعاته وإظهار صورته ووجهه الحقيقي للآخرين هو وظيفة كل مسلم ومسلمة, لأن المسلم كما يحب الهداية والخير والفلاح لنفسه يحب ذلك أيضاً للآخرين, ولكن يجب على المسلم أن يتعامل مع غير المسلمين باسلوب يجذبهم الى الإسلام ويحببهم به ويقربهم منه,على المسلم ان يستقطب الناس الى الاسلام بأفعاله وأخلاقه وأقواله الحسنة وسلوكه الحسن وليس بالاكراه والقوة والعنف والتهديد.
لقد بُعث الانبياء بهدف هداية الناس إلى الله وإلى الطريق المستقيم وتحقيق القسط والعدل على الارض، وهذا الهدف لا يسمح باستعمال الوسائل والطرق اللامشروعة وإجبار الأفراد على اتباعهم وإكراههم على قبول الدين والرسالة.
والآية التي تلوتها في بداية الحديث (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) تنفي الإكراه في قبول الدين, وتقرر حرية العقيدة بصفتها أصلاً ثابتاً للبشرية, فلا إكراه ولا إجبار على قبول الدين بعدما تبين واتضح الرشد من الغي والحق من الباطل والإيمان من الضلال.
بل ان الاسلام غير قابل للاكراه اصلاً لسببين:
الاول: ان الاسلام عقائده واضحة ومدعمة بالادلة والبراهين القوية فلا يحتاج في الاقناع الى استخدام القوة.
والثاني: ان العقائد الاسلامية قلبية , يجب اذعان القلب لها, فلا ينفع معها الاكراه لان الاجساد هي التي تستسلم للقوة اما القلوب فلا تسلم الا بالاقناع.
ولذلك فان هذه الآية التي تنفي الاكراه على الدين تنسجم مع طبيعة العقيدة الاسلامية, وتضحض كل الإدعاءات والافتراءات والأكاذيب التي يطلقها البعض عندما يقول بأن الإسلام فرض فرضاً على الناس وانتشر بالقوة وحد السيف ..
وفي آية أخرى يخاطب الله نبيه ويذكّره بأنه لا إكراه في دعوة الناس إلى الإيمان, وأن عليه أن لا يجبر الناس على قبول الدين, حيث يقول تعالى: [ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين] ـ يونس/ 99.
اذن فليست وظيفة الأنبياء إكراه الناس وإجبارهم على الإيمان وقبول الدين,وإنما وظيفة الأنبياء على صعيد الدعوة إلى الدين هي :
أولاً: إبلاغ الناس بالشرائع الإلهية وحقائق الدين.
يقول تعالى: [فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ]ـ الشورى/ 48.
فالآية تصرح بأن النبي مكلف بالإبلاغ.. إبلاغ الدين والرسالة الإلهية ودعوة الناس إليها, أما قبول الدعوة أو رفضها والإعراض عنها فهو شأن المتلقي والمدعو ولا علاقة للنبي بالقبول, وليس من وظيفته أن يكره الناس ويحملهم على القبول..
ثانياً: ان النبي مأمور بدعوة الناس إلى الدين بالمنطق والاستدلال والإقناع والحكمة والموعظة الحسنة وتقديم الأدلة والبراهين الواضحة والمتينة, ومأمور أيضاً بالعمل والسلوك المطابق لما يدعو له, وعند اللزوم فإن للنبي أن يجادل ويناقش الآخرين(في اطار الدعوة الى الاسلام) بالتي هي أحسن, كما قال تعالى مخاطباً النبي (ص): [ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن].
وهذا يعني أن الدعوة الى الاسلام تكون بداية بالحكمة , أي بالمنطق والاستدلال والمواعظ الحسنة, لأن البعض قد لا يقتنع إلا بالاستدلال والبراهين، والبعض الآخر قد يقتنع بالموعظة الحسنة ولا يحتاج إلى أدلة وبراهين.
فالله عز وجل يأمر النبي (ص) أن يدعو الناس الى الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالقوة والتهديد.
وفي مرحلة اخرى إذا لجأ أحد من الناس المدعوين إلى النقاش والجدال والمحاججة فللنبي (ص) أن يحاورهم ويجادلهم ويحاججهم ويناقشهم لكن بالتي هي أحسن وبالأسلوب الهادئ والمقنع ولا حاجة لاستعمال القوة والإجبار, ولا وجود اساساً لذكر الإكراه أو الإجبار أو الفرض أو القوة أو التهديد في هذه الآية.
فالآية تقرر بشكل واضح لا لبس فيه بأن أسلوب النبي (ص) في الدعوة إلى الإسلام يجب ان يكون بالحوار والجدال بالتي هي أحسن والسلوك الحسن والأخلاق الحسنة والتعامل الحسن والموعظة الحسنة لا التعامل الوحشي واللإنساني ولا الأسلوب الذي يقوم على الإرغام والفرض والتهديد بالتهجير والإبادة , كما تفعل اليوم داعش والجماعات التكفيرية الارهابية مع غير المسلمين.
ومن الواضح أن الموعظة الحسنة إذا صدرت من شخص ذا إيمان واستقامة وأخلاق عالية وسلوك حسن وتنسجم أفعاله وتصرفاته مع أقواله ومواعظه فإن مواعظه يكون لها تأثير كبير على الناس, وقد كان النبي (ص) وهو الداعية الأول الى الاسلام, ذا أخلاق عالية في أقواله وأفعاله وسلوكه [وإنك لعلى خلق عظيم] وهذا ما جعل الناس يتأثرون بمواعظه ويدخلون في الإسلام.
وقد حثت الروايات المسلمين على الدعوة إلى الإسلام بالأخلاق الحسنة والسلوك الحسن (كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم) أو(كونوا دعاة صامتين,قيل: وكيف نكون دعاة صامتين؟! قال: بأخلاقكم).
ولذلك فإن على المسلمين أن يدعوا إلى الإسلام بأخلاقهم وبسلوكهم الايجابي والحضاري وتعاملهم الحسن مع غير المسلمين, وبالأخص مع أهل الكتاب ومع الذين يعيشون في المجتمعات والبلدان الاسلامية , وقد قال الله تعالى: [ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن]. وهذا السلوك وتلك الأخلاق تجعل غير المسلمين أقرب إلى الاعتراف بأحقية الإسلام وسموه وانسانيته.
وقد ورد في روايات كثيرة التأكيد على التعامل بأخلاق حسنة مع غير المسلمين.
وإضافة إلى كل ذلك فإن سلوك النبي (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) مع غير المسلمين ولا سميا مع أهل الكتاب يعتبر أفضل دليل على ضرورة التعامل الإيجابي والحسن مع غير المسلمين , لأن النبي (ص) وأهل بيته (ع) كانوا يحرصون على هداية غير المسلمين بالسلوك الحسن والأخلاق الحسنة والموعظة الحسنة.
فقد كانوا يعتبرون أن سلوكهم هو أساس في الدعوة وهداية الناس, وأن سلوكهم مؤثر في قبول الآخرين للإسلام أو رفضه، ولذلك كانوا يراعون الأصول الإسلامية والقواعد الأخلاقية والإنسانية والحضارية في التعامل مع غير المسلمين ولا يقدمون على أي سلوك ينفر الناس من الإسلام ، ولذلك كان سلوكهم سبباً لدخول البعض في الإسلام,وهذا ما يجب أن نتعلمه من النبي والأئمة (ع).
إذا علمنا أن سلوكنا واخلاقنا وطريقة تعاملنا مع الآخرين ستؤثر في قبول أو رفض الناس للإسلام أو ستؤثر في أخذ صورة حسنة أو سيئة عن الاسلام , فإنه يجب علينا أن نلتفت إلى سلوكنا واخلاقنا وتصرفاتنا وممارساتنا وأعمالنا وطريقة تعاملنا مع غيرنا وأن نراعي الأصول الإسلامية في التعامل بالإحسان والرفق والرحمة والسلوك الحسن مع الآخرين, أما إذا كان سلوكنا سيئاً مع غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي وأدى هذا السلوك إلى نفورهم من الإسلام, فإننا سنتحمل المسؤولية أمام الله لأنه بإساءتنا في المعاملة والسلوك أبعدنا الناس عن الدين, ونفّرنا الناس من الدين, وأعطينا الانطباع السيء عن الدين، وهذا ما يفعله التكفيريون اليوم.
التكفيريون الارهابيون من خلال سلوكهم السيء واللاانساني بل والوحشي مع المسلمين ومع غيرالمسلمين يقدمون صورة سيئة عن مفهوم الجهاد في الاسلام, خصوصاً عندما يعتبرون ان قتل غير المسلمين الأبرياء والمسالمين والاعتداء عليهم وتهجيرهم من بلدانهم جهاداً في سبيل الله! بينما مجاهدونا وشهداؤنا الذين كنا نحتفي بذكراهم قبل يومين في يوم الشهيد، قدموا للعالم كله صورة ناصعة عن مفهوم الجهاد والتضحية عندما واجهوا المحتلين والصهاينة لا الأبرياء والمسالمين, وعندما قدموا انفسهم فداءً للوطن في مواجهة الاحتلال الصهيوني المعتدي والوحشي وفي مواجهة التكفيريين الذين ارادوا استباحة بلدنا.
شهداء المقاومة وشهداء الدفاع المقدس هم رمز سيادة واستقلال وحرية هذا الوطن , بدمائهم الزكية هُزم الاحتلال وسقط العدوان , وبدمائهم الطاهرة لم تستطع اسرائيل ان تبقى في لبنان أو أن تهيمن على لبنان, ولم تستطع ولن تستطيع حتى تعديل قواعد الاشتباك مع المقاومة, وبفضلهم وفضل المجاهدين في المقاومة أيضاً لن يستطيع التكفيريون الارهابيون ان يستبيحوا لبنان.
الشهداء صنعوا لنا هذه المقاومة التي باتت متجذرة في العقل والقلب والوجدان ,والتي اصبحت جزءاً لا يتجزأ من لبنان وثابتة من ثوابته الوطنية, ولن تستطيع كل الترهات التي نسمعها حول المقاومة وسلاحها ان تنال من عزمها وعزم مجاهديها وتصميمهم على تحرير الأرض والدفاع عن لبنان والشعب اللبناني.
والحمد لله رب العالمين