كلمة في الندوة الفكرية محمد نبي الرحمة والوحدة 8-12-2017
- المجموعة: نشاطات ولقاءات
- 08 كانون1/ديسمبر 2017
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1446
كلمة الشيخ علي دعموش في الندوة الفكرية التي أقامتها جمعية المعارف الاسلامية بمناسبة ولادة النبي محمد(ص) في قاعة مجمع المجتبى في الضاحية الجنوبية لبيروت تحت عنوان: "محمد نبي الرحمة والوحدة" 8-12-2017.
بسم الله الرحمن الرحيم
رحمة النبي(ص) كحاكم
لم تكن رحمة النبي (ص) مقتصرة على مجرد استجابة عاطفية لموقف مؤثر فقط؛ بل كانت سجية إنسانية وطبعا وملكة في شخصيته، ويشهد له بذلك كل من عرف سيرته واطلع عليها ، يقول المستشرق الألماني (برتلي سانت هيلر): إن في شخصية محمد صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما: العدالة، والرحمة.
ولن نجد صعوبة في بيان رحمة النبي (ص) برعيته والمواطنين وفي سلوكه السياسي والعسكري وغيره، فمظاهرها متنوعة، وصورها كثيرة، ولذلك لن اتحدث عن كل جوانب الرحمة في شخصيته كحاكم بل سأقتصر لأتحدث عن رحمته في الحروب وفي سلوكه الجهادي وتجاه الخصوم والاعداء، فرحمته لهؤلاء تكشف من باب أولى وأكيد عن رحمته بغيرهم من رعيته وعموم المواطنين وتكشف عن عظمة أخلاقه في مختلف جوانب سلوكه وتعاطيه السياسي كحاكم.
تتجلى رحمة النبي(ص) في الحرب بصفته حاكما وقائدا عسكريا في العديد من الامور :
أولاً:رحمته (ص)وحرصه في تجنب أصل الحرب: فقد كان النبي(ص) أحرص ما يكون على إبعاد الناس تمامًا عن الحروب، وعن كل ما يؤدي إليها، انطلاقًا من الرسالة السامية التي جاء بها من عند الله بصفتها رسالة رحمةً للإنسانية كلها ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين).
ولذلك لم يلجأ النبي(ص) في حياته للحرب إلا عند الضرورة، وبعد انسداد الأفق أمام الحلول السلمية، وكانت كل الحروب التي لجأ اليها دفاعية ولم يكن المبادر فيها، كانت من أجل الدفاع وتأمين حرية الدعوة، ولم يسجل التاريخ ان النبي(ص) بادر الى حرب ابتداءاً بدافع إكراه الناس وإجبارهم بالقوة على قبول الرسالة، خلافا للاعتقاد الخاطىء السائد لدى البعض ولكل محاولات التشويه على هذا الصعيد التي يراد منها النيل من شخصية النبي(ص) ورسالته.
ثانياً:حرص النبي (ص)على حقن الدماء: فقد كان النبي (ص) يتعامل بحساسية فائقة مع مسألة سفك الدم، أو حتى التفكير في الإقدام عليه، وهذه الحساسية تظهر بشكل واضح في إمتناعه عن الأمر بالقتل حتى مع توافر دواعيه ، وذلك لكي يربي أصحابه على عدم اللجوء للقتل والتسرع فيه أو استسهاله.
فعندما حاول عبدِ الله بنِ أُبي زعيمِ المنافقين مساعدة بني قينقاع وبني النضير وإثارةَ الفتنة بين المهاجرين والأنصار في غزوة بني المصطلق، رفض النبي(ص) قتله عندما عرض عليه بعضُ أصحابه ذلك، وبقي يتألفُهُ ويستوعبُهُ حتى انكشف نفاقُ عبدِ الله بنِ أُبيٍّ لكل الناس، وظهرتْ عدَاوتُهُ للإسلام والمسلمين، فكان قومُهُ بعد ذلك إذا أساءَ أو ارتكب مخالفةً هم الذين يعاتبونَهُ ويعنفونَه، وعندها قال رسول الله (ص) لعمر بنِ الخطاب: كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلتُهُ يومَ قلتَ لي أُقتله، لارتعدتْ له أُنُفٌ لو أمرتُهَا اليومَ بقتله لقتلته، فقال عمر: قد والله علمتُ أن أمر رسولِ الله أعظمُ بركةً من أمري.
وهناك عشرات النصوص التي تكشف عن رفض النبي(ص) عروضاً بقتل أشخاص ارتكبوا إساءات كبيرة بحق النبي(ص) ورسالته بسبب أن النبي(ص) كان يتجنب سفك الدماء ولا يريد لأتباعه أن يستسهلوا القتل.
وكان (ص) يعرض مبدأ الأمان في مقابل حقن الدماء: فالذي يُراجع تاريخ مشركي مكة مع رسول الله (ص) يتوقع أن يقوم بالإنتقام منهم انتقامًا شديدا عندما يتمكن منهم ومن رقابهم، كيف لا ؟ وهم الذين حاربوه وحاصروها وآذوه وأساؤوا اليه وحاربوا المسلمين ونكلوا بهم على مدار أكثر من عشرين سنة، لكننا لم نر هذا الانتقام، بل رأينا رغبة حقيقية في حقن دماء أهل مكة عندما دخل النبي(ص) عليهم فاتحا! لذلك عندما قال له العباس يوم فتح مكة: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئًا، لم يتردد في قبول ذلك، بل انتهزها فرصة وجعل الأمان لأهل مكة جميعًا، فقال(ص): « مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ.
وعندما قال ذلك الصحابي وهو يدخل مكة مهددا ومتوعدا أهلها في فتح مكة: اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة، زجره النبي(ص) وصحح الموقف، وقال: اليوم يوم المرحمة اليوم تراعى الحرمة.
ثالثا:رحمة النبي (ص)في المدنيين: فقد حرم الإسلام قتل المدنيين كالنساء والأطفال والشيوخ والمرضى والجرحى والمصلين في معابدهم حتى في حالة الحرب، فقد قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة190] والعدوان يكون بتجاوز المحاربين المعتدين إلى غير المحاربين من الآمنين المسالمين الذين لا يشكلون خطراً على الكيان والأمة.
ولذلك كان من أبرز أخلاق النبي(ص) في حروبه الرحمة بالنساء والأطفال والشيوخ والمرضى والجرحى وسائر المدنيين المسالمين ؛ فلقد كان رسول الله(ص) رحيمًا بالطفل الصغير، والشيخ الكبير، والنساء والمرضى والعبّاد المنقطعين للعبادة وغيرهم، ومن ينظر في وصايا النبي (ص) لقادة جيشه يدرك تماما كرم أخلاقه، وأنه جاء رحمة للعالمين، وأنه لم يجعل المدنيين هدفا للحرب، بل نهى عن قتلهم وإيذائهم، ونهى عن الغدر والتمثيل بالقتلى والخيانة، فقد كان يوصي قادة جيشه بالتقوى ومراقبة الله ؛ ليدفعهم إلى الالتزام بأخلاق الحرب، وبالرحمة في معاملة الناس، فقد روي أنه: " كان (ص) إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سريّة، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ثم قال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغُلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا..
وفي نص اخر قال: "انطلِقُوا باسم الله، وبالله، وعلى مِلَّةِ رسول الله، ولا تقتُلوا شيخاً فانياً. ولا طفلاً، ولا صغيراً، ولا امرأةً، ولا تَغُلُّوا، وضُمُّوا غنائمَكم، وأصلِحُوا {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} " [البقرة: 195]
ومما يؤكد ذلك أيضا ما جاء عن ابن عباس قال: "كان رسول الله (ص)إذا بعث جيوشه قال: "اخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع"
وعندما بعث النبي(ص) عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل قال له: " اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم"
رابعا:رحمته(ص)في المستكرهين والمجبورين على الحرب: فمن أخلاق النبي (ص) في الحروب أنه كان يعذر أولئك الذين أُكرهوا على القتال، ودفعوا اليه رغما عن أنفسهم ، أو أولئك الذين كانوا يستخدمون كدروع بشرية في المواجهة،ف قد نهى عن قتل من خرج مستكرهاً من المشركين، رغم أن ذلك في ميدان القتال والحرب، والمتعارف عليه بين جميع البشر أن من يقاتلك ويعتدي عليك تقاتله، ولكن النبي(ص) كان ينهى اصحابه عن قتل هؤلاء، فقد روى ابن عباس أن النبي(ص) قال لأصحابه قبيل غزوة بدر: "إنِّي قدْ عرفْتُ أنّ رِجالاً مِنْ بنِي هاشِمٍ وغيْرِهِمْ قدْ أُخْرِجُوا كرْهًا، لا حاجة لهُمْ بِقِتالِنا، فمنْ لقِي مِنْكُمْ أحدًا مِنْ بنِي هاشِمٍ فلا يقْتُلْهُ، ومنْ لقِي أبا الْبخْترِيِّ بْن هِشامِ بْنِ الْحارِثِ بْنِ أسدٍ فلا يقْتُلْهُ، ومنْ لقِي الْعبّاس بْن عبْدِ الْمُطّلِبِ، عمّ رسُولِ اللهِ فلا يقْتُلْهُ فإِنّهُ إِنّما أُخْرِج مُسْتكْرهاً.
خامسا :حرص النبي (ص)على البيئة وعدم الفساد في الأرض: فالحرب لا يمكن وصفها الا بأنها الدمار والعبث والفساد في كل شيء، فالأسلحة المتنوعة والحروب التكنولوجيا الحديثة بما تحويه من أسلحة بيولوجية وجرثومية ، تدمر كل شيء، وهذا شأن الحروب..الا ان حروب المسلمين لم تكن حروب تخريبٍ كالحروب المعاصرة، التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان المسلمون يحرصون أشدَّ الحرص على الحفاظ على العمران في كل مكان، ولو كان ببلاد أعدائهم، فكان النبي (ص) ينهى عن قطع الأشجار وعن عقر النخيل وإحراق المزارع والمحاصيل، وتدمير القرى والمدن ومظاهر الحضارة والمدنية الإنسانية، وكان هذا يظهر في وصاياه لأمرائه على السرايا.
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق(عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً دَعَاهُمْ فَأَجْلَسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : " سِيرُوا بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاللَّهِ ، وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، لَا تَغُلُّوا ، وَ لَا تُمَثِّلُوا ، وَ لَا تَغْدِرُوا ، وَ لَا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً ، وَ لَا صَبِيّاً ، وَ لَا امْرَأَةً ، وَ لَا تَقْطَعُوا شَجَراً إِلَّا أَنْ تُضْطَرُّوا إِلَيْهَا ، وَ أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَفْضَلِهِمْ نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ جَارٌ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ، فَإِنْ تَبِعَكُمْ فَأَخُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَ إِنْ أَبَى فَأَبْلِغُوهُ مَأْمَنَهُ وَ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ عَلَيْهِ" .
وعـن علي (ع): ان النبي (ص) كان إذا بعث جيشا من المسلمين إلى المشركين قال: ( انطلقوا باسم الله.. ولاتقتلوا وليدا طفلا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا، ولاتغورن عيناً ولا تعقرن شجرة إلا شجرا يمنعكم قتالا، أو يحجز بينكم وبين المشركين ،ولا تمثلوا بآدمي ولابهيمة ولاتغدروا ولاتغلوا).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن النبي (صلى الله عليه واله) كان إذا بعث أميرا له على سرية أمره بتقوى الله عزوجل في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامة، ثم يقول: اغز بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا وتمثلوا ولا تقتلوا وليدا ولا متبتلا في شاهق ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تحرقو زرعا لانكم لاتدرون لعلكم تحتاجون إليه ولا تعقروا من البهائم مما يؤكل لحمه إلا ما لابد لكم من أكله..
سادسا:رحمة النبي(ص) في الأسرى والمعتقلين: ففي الوقت الذي كانت فيه الحروب الجاهلية لا تعرف أبسط قواعد أخلاقيات الحرب، ظهر النبي (ص) بمبادئه العسكرية، ليشرع حقوقًا شاملة وجامعة للأسرى قبل أن تشرع المنظمات الدولية واتفاقيات جنيف حقوقا لهم بمئات السنين ، فوضع القواعد والحقوق التي تضمن حفظ كرامتهم الإنسانية التي كرمها الله وأيضا معاملتهم معاملة إنسانية لائقة, ولم يجعل النبي هذه الحقوق بنودًا نظرية بعيدة عن واقع الحروب – كما هو الحال في عصرنا -، بل جعلها منهجًا عمليًا وطبقها بنفسه في غزواته وطبقها قادته في السرايا والمعارك الإسلامية، وذلك انسجاما مع تعاليم القران الذي يقول: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}" [الأنفال: ]فإذا كان الله سبحانه يَعِدُ الأسرى الذين في قلوبهم خيرٌ بالعفو والمغفرة، فإنَّ المسلمين لا يملكون بعد هذا إلا معاملتهم بأقصى درجة ممكنة من الرحمة والإنسانيَّة.
وانطلاقاً من هذا فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم وأوصى أصحابه بحُسن معاملة الأسرى فقال: "اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًا" ،كما نهى عن تعذيبهم والإضرار بهم، حتى لو كانت الغاية اجبارهم على الإدلاء بمعلومات عن العدوِّ..
وبالمقارنة بين حروب النبي (ص) والحروب المعاصرة التي نشهدها اليوم، وأثر تلك الحروب على المدنيين وفي البيئة؛ سنجد هناك بونا واسعا بين حروب النبي(ص) وما نجم عنها وبين الحروب بالرغم من المعاهدات الدولية التي بقيت حبرا على ورق ولم يتم الالتزام بها في الميدان.
ففي أعلى إحصاء للخسائر البشرية للمعارك التي حصلت في عهد النبي (ص)، لم يتجاوز عدد الضحايا 1048 شخصاً من الأطراف جميعا خلال ثماني سنوات، في جميع غزواته وسراياه، ولا يكاد يوجد بينهم مدني، بينما عدد الذين قتلوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية فقط، بلغ 77 مليون شخص، خلال 12 عاماً تقريباً، منهم 44 مليون مدني، يعني أكثر من ثلثي القتلى من المدنيين، ناهيك عن استخدام أسلحة كيميائية دمرت البيئة بشكل رهيب.
وليس خافيًا على أحد أن المشاركين في هذه المجازر كانت الدول التي تعرف بالدول المتحضرة والراقية! كبريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا والصين وألمانيا وإيطاليا واليابان!.
وبالمقارنة بين قوانين الحرب في زمن نبي الرحمة الذي كان يمنع التعرض للمدنيين والبيئة ودور العبادة وبين ما يجري اليوم في ظل القانون الدولي وعلى مرىء ومسمع من المنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان، سنجد أن ما يُعرف بالقانون الدولي للحروب ما هو إلا مجرد نظريات، حيث إن أعداء الإسلام لا سيما الصهاينة لا يتورعون عن هدم المساجد والكنائس والمدارس وقتل المدنيين لا سيما الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين وفي أكثر من مكان في العالم.
واليوم القدس تتعرض بعد القرار الامريكي بالإعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني لخطر حقيقي لتهويدها وتزوير تاريخها وسلخ هويتها.
القرار هو عدوان على الأمتين العربية والإسلامية واهانة لمشاعر مئات ملايين المسلمين والمسيحيين وإستفزاز مُتعمّد لكثير من الدول والقوى والجهات في العالم، وهو يكشف فشل الرهان على الامريكي في استعادة الحقوق وايجاد الحلول العادلة لأزمات المنطقة، فمن كان لا يزال يراهن على الامريكي عليه ان يعلم انه يراهن على سراب وأوهام، لأن الامريكي كان ولا يزال منحازا بالكامل الى جانب اسرائيل، بل هو شريك كامل للاسرائيلي في الاحتلال وانتهاك الحقوق والقتل وارتكاب المجازر، واليوم هو شريك كامل في تهويد القدس وتزوير تاريخها.
هذا القرار لن يمر اذا وقف العرب والمسلمون وقفة قوية وجادة في مواجهته واتخذوا إجراءات عملية وحقيقية تردع ترامب عن المضي به .
اليوم المطلوب من الدول العربية والاسلامية التي ستجتمع في اطار الجامعة العربية في القاهرة او فيإطار منظمة التعاون الاسلامي في اسطنبول اتخاذ قرارات حقيقية بعزل الكيان الصهيوني وقطع العلاقات معه ومنع التواصل والتطبيع معه والتصدي لأي دول أخرى تعترف بالقدس عاصمة للكيان الغاصب، وإشعار الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط والحرج وان ما اقدمت عليه هو أمر خاطىء وخطير بل هو خطيئة كبرى بحق القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وإجبارهاعلى العودة عن قرارها.
الرئيس الأمريكي قد يعتقد أنّ الإعتراضات والإحتجاجات على قراره لن تتجاوز حُدود الغضب الشعبي والتظاهرات والإعتصامات المُتفرّقة هنا وهناك لفترة قصيرة ثم يصبح القرار أمرا واقعا وهو يراهن في ذلك على الخلافات والإنقسامات العربيّة والإسلامية ، وعلى حاجة الفلسطينيّين والدول العربيّة والعديد من الدول الإسلاميّة إلىالولايات المتحدة الأميركيّة وعدم قُدرة هؤلاء على إعتراض قراراتأميركا ، نعم قد يكون لدى الإمريكي رهان من هذا النوع بسبب اوضاع الدول العربية والاسلامية وأزماتها وانشغالاتها الداخلية وارتهانها للدول الكبرى التي تجعلها اعجز من ان تقف بوجه اميركا وقراراتها ولذلك يجب إفشال هذا الرهان وهذا الإعتقاد ويجب أن تثبت الدول العربية والاسلامية ولو لمرة واحدة ومن خلال إجراءات عملية أنها جادة في رفض القرار، كما يجب ايصال رسالة قوية لاسرائيل ولأميركابأن هذه الدول وكل الشعوب العربية والاسلامية لن تقبل بتهويد القدس ولن تتخلى عن مقدساتها ولا عن اعتبار ان القدس عاصمة أبدية لفلسطين ، وأن فلسطين والقدس لن تكون وحيدة خصوصا بعدما أثبت القرار الأمريكي فشل مسار التسوية وصوابية خيار المقاومة، التي يجب أن تتحول بعد القرار الأمريكي الى خيار لكل الأمة بكل دولها وانظمتها وقواها وشعوبها لأنها وحدها القادرة على تحرير الأرض واستعادة القدس والمقدسات.
والحمد لله رب العالمين