الحلقة 43
- المجموعة: هدى القرآن
- 12 كانون2/يناير 2017
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1758
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين).
قلنا في الحلقة الماضية: إن الإمامة التي منحها الله لإبراهيم هي بمعنى القيادة الشاملة لجميع المجالات المادية والمعنوية.
وقلنا: بان الإمامة بهذا المعنى هي ارفع وأكبر وأسمى من منزلة النبوة ومن منزلة الرسالة. وذلك لأن منزلة النبوة تقتصر على استلام الوحي من الله، فالنبي هو الذي ينزل عليه الوحي من الله وما يستلمه من الوحي يبلغه للناس إن طلبوا منه ذلك، وليس من وظيفته أن يبلغ الناس به.
ومنزلة الرسول: هي منزلة تبليغ الوحي ونشر أحكام الله وهداية الناس عن طريق التعليم والتوعية، فالرسول هو المكلف بالسعي لدعوة الناس إلى الله, وبيان وتوضيح الأحكام والتعاليم الإلهية للناس وبذل الجهد في سبيل تغيير فكري وعقائدي في داخل المجتمع.
وليس من مهمة الرسول ولا النبي تطبيق وتحقيق أهداف الرسالة وإجراء وتنفيذ الأحكام، وإنما بينانها وتبليغها، وإيصالها للناس عن طريق التعليم والتربية والهداية.
أما الإمامة فهي تشمل مسؤوليات النبوة والرسالة أي إبلاغ أوامر الله وبيان أحكام الله إضافة إلى قيادة الناس وتحقيق اهداف الدين والهداية وتنفيذ أحكام الله عملياً، وتطبيق المناهج والتعاليم التربوية والدينية في مختلف المجالات في الحياة العامة.
بعبارة أخرى: مهمة الامام تنفيذ الأوامر الإلهية وتطبيقها في الحياة، بينما مهمة الرسول تقتصر على تبليغ هذه الاوامر للناس.
ومن هنا كانت درجة الإمامة أعلى وأسمى من درجة النبوة والرسالة، وطبعاً لا بد أن نلتفت إلى أن كثيراً من الانبياء كانوا يتمتعون بالإضافة إلى النبوة والرسالة بمنزلة ودرجة الإمامة، بينما محمد (ص) كان نبياً ورسولاً وإماماً بالمعنى الذي ذكرناه، وإبراهيم (ع) قبل أن يكون إماماً كان نبياً ورسولاً، ولكنه بعد أن اختبره الله بتلك المسؤوليات الكبيرة وأداها بجدارة ونجاح تام واجتاز مراحل اليقين والشجاعة والاستقامة وأثبت لياقته وأهليته لتولي منصب الإمامة، منحه الله بالإضافة إلى النبوة والرسالة منزلة الإمامة فقال له: (إني جاعلك للناس إماماً) وهذا تكريم وتشريف وجزاء منه سبحانه لإبراهيم على إخلاصه وتضحياته وجهاده واستقامته في خط الله.
وهنا قد يتساءل بعض الناس ان التفسير المذكور للإمامة يستدعي أن يكون كلُ إمام نبيا ًورسولاً أولاً، ثم بعد ذلك يبلغ درجة الإمامة، مع أننا نلاحظ بأن الأئمة المعصومين (ع) الذين هم خلفاء النبي (ص) حصلوا على منزلة الإمامة ولم يكونوا أنبياء أو رسلاً؟؟
والجواب: إنه لا يجب أن يكون الإمام قد بلغ حتماً منزلة النبوة والرسالة, فالذي اجتمعت فيه منزلة النبوة والرسالة والإمامة مثل نبينا محمد خاتم الأنبياء يمكن لخليفته وللإمام من بعده أن يواصل طريق الإمامة ويتابع المرحلة التنفيذية والتطبيقية لرسالة الله, لانه ليس هناك حاجة لرسالة ونبوة جديدة بعد أن ختم الله النبوة بمحمد (ص)، وبعبارة أخرى: حين تكون مرحلة استلام الوحي الإلهي وتبليغ جميع الأحكام الإلهية للناس قد انتهت ولم يبق إلا المرحلة التنفيذية والتطبيقية لتلك الأحكام فإن الإمام الذي هو خليفة النبي يستطيع أن يواصل الخط التنفيذي للرسالة, ولا حاجة لأن يكون هذا الخليفة وهذا الإمام نبياً ورسولاً، وهذا ما حصل مع أئمة أهل البيت (ع) فإنهم واصلوا بعد النبي مهمة تطبيق أحكام الله وتنفيذ وتحقيق أهداف الدين فكانوا الامتداد الحقيقي لرسول الله (ص).
وأما النقطة الثانية: فهي ان المقصود من الظلم في التعبير القرآني في الآية (لا ينال عهدي الظالمين) ليس ظلم الآخرين فقط, بل المقصود بالظلم كل قول وعمل يصدر عن الإنسان ويتنافى مع العدالة، حتى ولو كان ذنباً صغيراً.
والمقصود من الآية: إن الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بارتكابهم ذنباً ولو مرة واحدة في العمر وكان هذا الذنب يتنافى مع العدالة، فإن هؤلاء لا يليقون بالإمامة، لأن الإمامة والقيادة منصب إلهي ومنزلة ذات مسؤوليات كبيرة وعظيمة كما ذكرنا، وإذا كان كذلك، فإن لحظة من الذنب والمعصية خلال العمر تسبب سلب لياقة واهلية هذا المنصب وهذه المنزلة عن الشخص المذنب.
ولذلك نرى أن أئمة أهل البيت (ع) يثبتون بهذه الآية انحصار الخلافة والإمامة بعد النبي (ص) بعلي (ع)، لأن الآخرين عبدو الأصنام في الجاهلية، وعلي وحده لم يسجد لصنم قط، وأي ظلم أكبر من عبادة الاصنام؟ ألم يقل لقمان لابنه (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) لقمان/ 13.
فقد روى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: قد كان ابراهيم نبياً وليس بإمام، حتى قال الله (إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي) فقال الله (لا ينال عهدي الظالمين) أي من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً.
والذي نستنتجه من كل ذلك:
أولاً: أن الإمام يجب أن يكون معصوماً عن الضلال والمعصية وإلا كان غير مهتد بنفسه فكيف يكون هادياً للناس, وكيف يكون مطبقاً لأحكام الله ومانعاً للناس عن ارتكاب الذنب والمعصية وهو قد كان عاصياً لله.
وثانياً: إن الإمام يجب أن يكون معيناً من قبل الله سبحانه ومجعولاً من قبل الله ومؤيداً من عند الله عز وجل، وبغير ذلك لا يمكن أن يكون إماما ًواجب الطاعة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين