هل تصدق أن الرسول (ص) كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ؟!!(81)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 04 نيسان/أبريل 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 6611
تواضعه (ص) - (81)
التواضعُ خُلُقٌ إسلامي رفيع، وبقدْر ما هو عبادةٌ إسلامية فهو يعبر عن إحدى صيغ التعامل الفاضلة بين الناس لتوحيد القلوب وجمعِ الصفوف وإشاعةِ الود والوفاق والمحبة بين أبناء الأمة، وإشعارِهِم بالكرامة، وإلغاءِ أيِّ تعالٍ او تكبرٍ من واقعهم لأي سبب كان.
وقد كان رسول الله (ص) بقدْر ما يحُثُّ على التزام فضيلة التواضع في التعامل والعلاقات الاجتماعية، كان المتواضعَ الأولَ في المسلمين، بل النموذجَ المثاليَ الرائعَ في التواضع وحسن التعامل مع الآخرين.
فعن الإمام الصادق (ع) قال: كان رسول الله (ص) إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يقعد. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله (ص) يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويعتقل الشاة، ويُجيبُ دعوة المملوك على خبز الشعير.
وعن الإمام الصادق (ع) قال: ما أكل رسولُ الله(ص) متكئاً منذ أن بعثه الله عز وجل حتى قبض، وكان يأكل إكلَةَ العبد، ويجلس جِلْسَةَ العبد، قلتُ: ولِمَ ذاك؟ قال: تواضعاً لله عز وجل. وسُئلتْ عائشة: ما كان يصنع النبي (ص) إذا خلا؟ فقالت: يخيط ثوبه ويخصف نعله". أي يصلحُهُ بيده.
ومع عظمته وعلو مقامه ومع احتلاله مركزَ قيادة الأمة فإنه (ص) كان يبدو فرداً عادياً من الناس، لم يحط نفسه بهالة خاصة ولا بزخرفة المُلك ولا بألقاب خاصة كما يفعل الزعماء والسلاطين، فقد كان يجلس بين أصحابه كواحد منهم فيأتي الغريبُ فلا يدري أيُّهُم رسولُ الله (ص) حتى يسأل عنه، وكان قريباً من قلوب الناس، سهلاً هيناً يلتقي بأبعد الناس وأقربهم: أصحابِهِ وأعدائِهِ وأهلِ بيته والسفراءِ والوفود بلا تصنع ولا تكلّف، فكلُ شيء كان يصدر منه كان طبيعياً على سجيته.
فعن الإمام الحسن (ع) في حديث له عن أخلاق رسول الله (ص) يقول: لا والله ما كان يُغْلِقُ دونَه الأبواب، ولا يقومُ دونَه الحُجَّابْ، ولا يُغْدَى عليه بالجِفَان، ولا يُراحُ عليه بها. ولكنه كان بارزاً، من أراد أن يَلقىَ نبيَ الله لقيه. وعن ابنِ أبي أوفىَ قال: كان رسول الله (ص) لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضيَ له حاجتَه.
وعن ابن مسعود قال: أتى النبيَ (ص) رجلٌ يكلمُهُ فارتعد، فقال (ص): هَوِّنْ عليك، فلستُ بملك، إنما أنا ابنُ امرأةٍ كانت تأكلُ القَدَّ! . ومن تواضعه (ص) أنه كان يسلِّم على الجميع على الكبير والصغير وعلى الحر والعبد والخادم وكان ينصرف إلى محدثه بكله مصغياً إلى حديثه سواءٌ كان محدثُهُ صغيراً أو كبيراً امرأةً أو رجلاً. وكان آخرَ من يسحبُ يدُه إذا صافح أحداً. فعن أنس بن مالك قال: إن رسول الله (ص) مر على صبيان فسلَّم عليهم.
وعن أسماء بنت يزيد قالت: إن النبي (ص) مرَّ بنسوة فسلَّم عليهن. وعن الإمام الصادق (ع) قال: مرّت امرأة بدوية برسول الله (ص) وهو يأكل، وهو جالس على الحضيض، فقالت: يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه؟!..فقال لها رسول الله (ص): ويحك! أيُّ عبد أعبدُ مني؟ قالتْ: فناولني لقمة من طعامك، فناولها، فقالت: لا والله إلا التي في فمك، فأخرج رسولُ الله (ص) اللقمة من فمه فناولَهَا إياها فأكلتْهَا، قال الإمام الصادق (ع): فما أصابها داءٌ حتى فارقتِ الدنيا.
ومن تواضعه أيضاً: أنه كان إذا دخل مجلساً جلس حيث ينتهي به المجلس، ولم يكن يأنف من عمل يعملُهُ لقضاء حاجته أو حاجة صاحبٍ أو جارٍ أو مسكين، وكان يذهب إلى السوق ويحمل أغراضه بنفسه ويقول: صاحبُ الشيء أحقُّ بشيئه أن يحمله.
ولم يكن النبي (ص) يستكبر عن القيام بأي عمل يقوم به أصحابُهُ وجندُهُ، فقد ساهم في بناء المسجد في المدينة فكان ينقل الحجارة مع أصحابه، وعندما رآه أُسيدُ بنُ خُضير يحمل حجراً على بطنه قال: يا رسول الله أعطني أحملْهُ عنك، فأبى ذلك وقال له: إذهب واحمل غيرَه.
وفي أيام حفر الخندق في غزوة الأحزاب، كان الرسول الأعظم (ص) يضرب أروع الأمثلة بمشاركة المسلمين همومَهم وأعمالَهم، من دون أيِّ تميُّزٍ عليهم، كان معهم كواحد منهم، يعمل كأي واحد منهم في حفر الخندق رغم مكانته السامية وعلو مقامه، فهو رئيسُ الدولة، وخَاتَمُ النبيين والمرسلين وأعظمُ مخلوق في هذا الوجود، إلا أن ذلك لم يمنعه من المشاركة بنفسه مع سائر المسلمين في حفر الخندق. فقد روى العلامة المجلسي رضوان الله عليه في كتاب البحار، عن البَرَاء بنِ عازب قال: كان رسول الله (ص) ينقل معنا الترابَ يومَ الأحزاب وقد وارى الترابُ بياضَ بطنه.
ومن أروع ما ضربه مثلاً في التواضع والتعاون مع أصحابه أنه (ص) كان في سفر مع أصحابه، فأمر بذبح شاة للطعام. فقال رجل: يا رسول الله عليَّ ذبحُها، وقال آخر: عليَّ سلخُها، وقال ثالثٌ: عليَّ طبخُها، فقال رسول الله (ص): وعليَّ جمعُ الحطب. فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك ذلك، أي نقوم به عنك، فقال (ص): قد علمتُ أنكم تكفونني ولكنْ أكرهُ أن أتميّزَ عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميّزاً بين أصحابه، وقام فجمع الحطب.
وكان (ص) متواضعاً في ملبسه ومأكله ومشربه ومسكنه. وتواضُعُهُ الكبيرُ هذا لم يُنقصْ من هيبته ولا من محبته لدى الناس أبداً، بل كان تواضُعُهُ يزيد من محبة الناس له وتعلقِهِم به ويرفعُ من مقامه ومنزلتهِ عندهم فكان إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث.
ومن شدة حبهم له وعلاقتِهِم به كانوا يتبركون بالماء الفاضلِ من وضوءه. يَروي الإمامُ الرضا (ع) عن آبائه عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: رأيت بلالاَ الحبشيَّ وقد خرج من عند رسول الله (ص) ومعه فضلُ وضوء النبي (ص) فابتدره الناسُ أي هجموا عليه فمن أصاب منه شيئاً مسح به وجهه ومن لم يصب منه شيئاً أخذ من يدي صاحبه فمسح به وجهه.
وهكذا كانت علاقة رسول الله (ص) بأمتهِ وأصحابه وبالناس: علاقةَ حبٍ ومودةٍ وتعاونٍ وتواضعٍ كبيرٍ قلما عُرفَ بين الزعماء والقادة.
الشيخ علي دعموش