اليهود نقضوا العهود فاستحقوا العقاب من النبي (ص)(55)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 20 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3412
موقف النبي (ص) من اليهود (الاغتيالات) - (55) :
تعرّفنا في المقالات الماضية إلى تاريخ إقامة اليهود في منطقة الحجاز وفي المدينة المنورة تحديداً وإلى موقفهم من الإسلام وخلفيات هذا الموقف الذي اتسم بالرفض والكفر به، كما تعرفنا إلى بعض محاولاتهم وممارساتهم وأساليبهم العدائية التي واجهوا بها الإسلام والمسلمين بغية القضاءِ عليه أو الحدِ من امتداده وانتشاره وتأثيره ونفوذه.
ونستطيع أن نقول هنا إن جميعَ محاولات اليهود تلك للقضاء على الإسلام والمسلمين باءت بالفشل الذريع بسبب وعي القيادة الإسلامية ووعي المسلمين.
لقد صبر النبي (ص) في البداية على مؤامراتهم وخياناتِهم الكبرى تلك.. تفادياً لحرب قاسية تجر الويلاتِ على الناس في مقره الجديد في المدينة المنورة، حتى طفحَ الكيلُ وصَعَّدُوا من تحدياتهم وأصبحوا يشكلون خطراً حقيقياً يتهدد وجود الإسلام من الأساس ولا سيما أنهم كانوا يعيشون في قلب المجتمع الإسلامي ويعرفون كلَ مواقعِ الضعفِ والقوةِ فيه، ويتربصون به الدوائر، ويترصدون الفرصة المؤاتية للانقضاض عليه. فكان لا بد من صياغة التعامل معهم على أساس الحزم والقوة بدلاً من العفو والتسامح والرفق، فليس من المصلحة أن يُتركَ اليهودُ يعيثون في الأرض فساداً، وينقضون كلَ العهود والمواثيق ، ويسددون ضرباتِهم للمسلمين كيف وأنى شاءوا، بل لا بد من الردّ الحاسم والحازمِ والعادل على كل اعتداء ، ومواجهةِ كلِ تحدٍّ وتآمرٍ وكيدٍ وخيانةٍ يقومون بها قبل أن يكون الندم حيث لا ينفعُ الندم.
الاغتيالات المنظمة لكبار اليهود :
ويمكننا أن نقول: إن النبي (ص) تعامل معهم بعد أن اتضح نقضُهُم لكل العهود والمواثيق بأسلوبين أو اتجاهين:
الأسلوب الاول أو الاتجاه الأول هو الاغتيالاتُ المنظمةُ لرموزهم وبعضِ أفرادهم.
والاتجاهُ الثاني هو الحربُ الشاملةُ والمصيريةُ ضدهم.
وسوف يقتصر حديثُنا في هذا المقال على بعض تفاصيل الاتجاه الأول على أن نتحدث في الحلقات المقبلة بإذن الله عن الاتجاه الثاني والحروبِ الشاملة والمصيريةِ التي خاضها النبيُ (ص) والمسلمون ضد اليهود القاطنين في منطقة الحجاز.
ففي الاتجاه الأول: اتبع النبي (ص) مع اليهود المتآمرينَ أسلوبَ الاغتيالاتِ المنظمةِ لرموزهم وبعضِ أفرادهم الذين ظهر كيدُهم وتآمرُهم وأعلنوا الحرب على الإسلام من خلال الجهر بالتحريض على النبي (ص) وهِجائِه، والتعرضِ بالأذى لنساء المسلمين، ومدِّ يدِ العونِ والمساعدة لأعداء الإسلام، والذين كانوا يشكلون خطراً جدياً على صعيد استقرار المنطقة.
فقد قام باغتيال أبي عَفْكٍ اليهودي الذي كان يحرض على إلحاق الأذى برسول الله (ص) ويقولُ فيه الشعر حيث قتله سالمُ بنُ عميرٍ أحدُ أصحاب رسول الله (ص). وقُتلت العصماءُ بنتُ مَروان اليهودية على يد عميرِ بنِ عوفٍ ليلاً حيث كانت تَعيبُ الإسلام والمسلمين. وتُؤنبُ الأنصار على اتباعهم لرسول الله، وتقول الشعر في هجوه، وتحرضُ عليه.
ويذكر المؤرخون: أن عميرَ بنَ عوفٍ عندما أراد اغتيالها جاءها ليلاً فوجدها نائمة بين أولادها وهي ترضع طفلَها، وكان عميرُ ضعيفَ البصر، فجسها بيده فوجد الصبيَ على ثديها يرضع فنحاهُ عنها، ثم وضع سيفه في صدرها حتى أخرجه من ظهرها، ثم ذهب إلى النبي (ص) فقال له النبي (ص) أقتلتَ ابنةَ مَروان؟ قال: نعم، فقال (ص): لا ينتطحُ فيها عنزان، أي لا يعارض فيها معارض.
إن تصرُّفَ عميرٍ الدقيق في قتل العصماء بعد تنحيةِ ولدِها عن صدرها، يؤكدُ أن الإسلام قد ربى أتباعه على أنه ليس ضد الإنسان، وإنما هو ضدُ مواقفهِ وتصرفاته المنحرفة عن الحق والعدل والفطرة، فهو يريدُ فقط أن يقضيَ على مصدر الخطرِ على الحق، وحينما لا يبقى هناك خِيارٌ إلا خِيارَ القضاءِ على مصدر الفتنة والفساد، فإنه يكتفى بالحد الأدنى الذي يتحققُ فيه الهدفُ وهو إقامةُ الحقِ والعدلِ في الحياة.
وأرسل النبيُ (ص) أحدَ أصحابهِ في السنة الثالثة بعد الهجرة على رأس مجموعة أمنية فاغتالت كعبَ بنَ الأشرف أحدَ رموز اليهود الذي كان قد ذهب إلى مكة بعد حرب بدرٍ وحرضَ المشركين من قريش على المسلمين ولم يخرج منها حتى جمع أمرهم على حرب رسول الله، وعندما سأله المشركون: أدينُنا أحبُ إلى الله أم دينُ محمدٍ وأصحابِه؟. أجابهم: بل أنتم أهدى منهم سبيلاً. وكان يهجو النبيَ في شعره، ويتعرضُ بالأذى لنساء المسلمين.
الاغتيالات جزاء عادل لكل متآمر على الإسلام :
وهكذا تتابعت عملياتُ القتل والاغتيالِ لبعض أفراد اليهود ورموزهم، فاغتيل ابنُ سنينة، وأبو رافع بنُ أبي الحقيق من يهود خيبر وغيرُهُما... لقد كانت هذه العملياتُ بمثابة جزاءٍ عادل وإنذارٍ حازم لكل من ينقضُ عهداً ويتآمر على مصلحة الإسلام والمسلمين العليا، وقد نُظمتْ هذه الاغتيالاتُ ونُفذتْ ببراعة ودقةٍ فائقة وذكاءٍ وعبقرية، فأرعبتْ اليهودَ في المنطقة وأخافتهم، لا سيما بعد قتل كعبِ بنِ الأشرف حتى أنه لم يبقَ في المدينة المنورة ومحيطِِها يهوديٌ إلا وهو خائفٌ على نفسه.
ولكن على الرُغم من ذلك، فإن اليهود لم يتراجعوا عن الدس والتحريض والتآمر واستمروا في عنادهم وتماديهم في إيذاء المسلمين ونشرِ الفساد ونقضِ العهود التي وقّعُوا عليها بملء اختيارهم، وكان ذلك يتفاقمُ بين حين وآخر إلى درجةٍ بالغةِ الخطورة، فكان لا بد من التعامل معهم بأسلوب آخر، فكانت الحرب الشاملةُ والمصيريةُ ضدهم حيث لا يمكن اجتثاثُ فسادهم بغير ذلك فحاربهم النبي (ص) في داخل المدينة حيث خاض حرباً ضد بني قينقاع وضد بني النضير وحاربهم في محيط المدينة حيث واجه (ص) قبيلةَ بني قريظة التي كانت تسكن في ضواحي المدينة المنورة، وحاربَهم في خيبرَ التي كانت تمثلُ المعقلَ الأساسيَ لهم في شبه الجزيرة العربية، وسوف نتحدث عن هذه الحروب الشاملة ضد اليهود في المقالات المقبلة إن شاء الله.
الشيخ علي دعموش