الحلقة 42
- المجموعة: هدى القرآن
- 11 كانون2/يناير 2017
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2030
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.(وإذ ابتلى ابراهيم ربُهُ بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً، قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) البقرة/124.
إبراهيم الخليل (ع) هو أبو الأنبياء, وتقر وتعترف بنبوته وعظمة شخصيته الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، وحتى المشركين العرب كانوا يعظمونه ويقدرونه، لانتسابهم إلى ولده إسماعيل (ع) ولأنهم كانوا خدمة الكعبة وحماة الكعبة التي بناها إبراهيم وولده إسماعيل.
والآية التي قرأناها تشير إلى أحد أهم ما منحه الله لإبراهيم (ع) في أواخر حياته، وهو الإمامة، هذا المنصب الإلهي الكبير استحقه ابراهيم بعد أن اجتاز اختبارات متعددة متتالية بنجاح كبير وتام.
تقول الآية: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) الابتلاء هو الاختبار, والمقصود به هنا التكليف. والمقصود بالكلمات الأوامر والمسؤوليات الإلهية التي كلفه الله بها. والمراد بكلمة فأتمهن: الطاعة والاستجابة التامة لأوامر الله، فقوله تعالى: (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن) معناه أن الله سبحانه اختبر إبراهيم (ع) وامتحنه وكلفه القيام ببعض المهام والمسؤوليات الصعبة، فامتثل وأطاع وقام بما أمره الله به على أكمل وجه وأدى ما عليه خير أداء, ولذلك استحق أن يمنحه الله الوسام الكبير جزاء لإخلاصه ووفائه وتضحيته: إني جاعلك للناس إماماً. فمنحه إمامة الناس وقيادتهم.
وهنا تمنى إبراهيم أن يستمر خط الإمامة من بعده في ذريته، وأن لا يبقى محصوراً بشخصه (قال: ومن ذريتي) لكن الله أجابه (قال: لا ينال عهدي الظالمين). وهذا القول معناه أن الله استجاب لطلب إبراهيم في استمرار خط الإمامة في ذريته، لكن هذا المقام والمنصب لا يناله إلا الطاهرون المعصومون من ذريته. أما الظالمون والعاصون فإنهم لا يليقون بهذا المنصب الإلهي.
ولكي يتضح لنا بعض ما اراده الله من الآية بشكل تام لا بد من الحديث في نقطتين أساسيتين:
النقطة الاولى: انه ما هي الكلمات والمسؤوليات والمهام الثقيلة الصعبة التي كلف الله بها ابراهيم ووضعها على عاتقه فحملها وأحسن حملها وأدى ما عليه خير أداء؟ من دراسة آيات القرآن الكريم الواردة بشأن ابراهيم نفهم أن المقصود من هذه المسؤوليات هو مجموعة الاعمال الكبيرة التي أداها هذا النبي العظيم في بعض مراحل حياته وهي عبارة عن:
1- أخذه لولده إلى المذبح والاستعداد التام لذبحه والتضحية به إطاعة لأمر الله سبحانه.
2- النهوض بوجه عبدة الأصنام والمشركين وتحطيم أصنامهم والوقوف ببطولة وشجاعة في تلك المحاكمة التاريخية، ثم رباطة جأشه وهو في وسط النار بعد أن ألقاه المشركون فيها فكانت برداً وسلاماً عليه.
3- الهجرة من أرض عبدة الأصنام والابتعاد عن الوطن والتوجه نحو مناطق نائية لأداء رسالته.
4- إسكان زوجته وولده في واد غير ذي زرع في مكة التي لم يسكن فيها إنسان آنذاك ولم تكن اسباب الحياة متوافرة فيها، والتحلي بالصبر رغم كل ذلك.
كان كل واحد من هذه الاختبارات والامتحانات ثقيلاً وصعباً, لكن إبراهيم بقوة إيمانه، بإخلاصة، بشجاعته، بجهاده وتضحياته في سبيل الله، استطاع أن ينجح في كل هذه الاختبارات والمسؤوليات وأثبت لياقته وكفاءته وأهليته لمقام ومنصب الإمامة، فمنحه الله هذا المنصب الإلهي الكبير.
النقطة الثانية: إن الإمامة التي منحها الله لإبراهيم بعد كل هذه الابتلاءات هي بمعنى قيادة الناس، وتحقيق المناهج الدينية في الحياة العامة بما في ذلك تطبيق منهج الحكم في الأرض، بالمعنى الواسع للحكومة، وإجراء الحدود وأحكام الله في الأرض، وتطبيق العدالة الاجتماعية، وتربية الناس في محتواهم الداخلي فكرياً وروحياً، وفي سلوكهم الخارجي أخلاقياً وعملياً، فالإمام هو الذي يقود الناس ويسعى بهم إلى تطبيق أحكام الله عملياً وتحقيق أهداف الدين والهداية وتنفيذ الأوامر الإلهية في الحياة العامة عن طريق إقامة حكومة إلهية في الارض، واستلام مقاليد الامور، والإمام إن لم يستطع إقامة الدولة الإلهية يسعى بحدود إمكاناته وطاقته في تنفيذ أحكام الله وتطبيق وتحقيق أهداف الدين.
وبعبارة مختصرة الإمامة هي القيادة الشاملة لجميع مجالات الحياة، الإمام قائد الناس ورئيس الدولة وزعيم المجتمع ومعلم الأخلاق ومربي النفوس، وهو بقوته المعنوية والروحية يهدي ويقود الناس على طريق التكامل، وبقدرته العلمية يعلم الناس ويرشدهم، وعن طريق إقامته للحكومة الإلهية أو من خلال أية قوة تنفيذية أخرى يطبق مبادئ العدالة في الحياة العامة وساائر المبادئ والأحكام والمفاهيم التي جاء بها الدين.
هذه هي الإمامة التي منحها الله لإبراهيم بعد أن اجتاز الاختبارات الصعبة بنجاح كبير وأظهر مقدرته وكفاءته لهذا المنصب الإلهي الكبير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين