مقابلة مع المنار حول الرشوة
- المجموعة: مقابلات وحوارات
- 31 آب/أغسطس 2000
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5467
الرشوة حرام بإجماع المسلمين في الكتاب الكريم والسنة. وبالتالي فإن الرشوة عند المسلمين لا مذهب لها ولا طائفة. بل ليس لها دين لأنها أيضاً في بقية الأديان السماوية محرمة. وهي من الكبائر التي توعد الله عليها بالنار والعذاب الأليم، والمعطي الدافع للمال والآخذ له والوسيط بين الراشي والمرتشي كلهم ملعون كما في الحديث.
الرشوة
1. ماذا تعني الرشوة ومن هو الراشي والمرتشي.
2. إنعكاسات الرشوةعلى الفرد
3. إنعكاسات الرشوة على المجتمع واقتصاده
4. انواع الرشوة واقسامها....
5. أخذ الرشوة أو دفعها عند الاضطرار، ما الموقف؟
6. الوسيط في عمل الرشوة – دوره وخطورته – السمسار؟
7. الهدية أوالهبة – وعلاقته بالرشوة – والإكرامية؟
8. هل الرشوة تكون بدفع المال أو أخذه فقط – ماذا عن المدح والثناء؟
9. لماذا حرمة الرشوة واعتبار مالها حراماً
10. كيف نعالج الموضوع لإلغائه بين الناس؟ قوانين وغيرها.
11. خطورة الرشوة عند الحكام والقضاة؟
12. الرشوة وعلاقتها بالفقر – كما يتحجج الكثير من الناس إذا لم يأخذوها.
13. مظاهر الرشوة في حياة الناس(الشهود – الخبراء – المحامون)
14. الهدايا التي تمنح للموظف بحكم علاقاته مع الآخرين – رشوة أم ماذا؟
15. أساليب الرشوة بين الأمس واليوم (الواسطة اليوم – الحملات الإعلامية - الحسومات --)
16. الموقف من الراشي – المرتشي – النصح – المقاطعة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الرشوة:
الرشوة بمفهومها الخاص تعني: ما يدفع من مال إلى الحاكم القاضي ليحكم له أو يعينه على الباطل ويحكم له أو لأي أحد بما ليس له فيه حق، وبعبارة أخرى: ما يبذله أحد الشخصين للأخر لإبطال حق وإحقاق باطل اوتمرير باطل
وللرشوة مفهوم أوسع من ذلك بحسب الاستعمالات العرفية هو تقاضى المال أو أي نوع من الخدمات مقابل أعمال من المفترض أن تكون مجانية. كبذل المال لإنجاز عمل ما في الدوائر الرسمية أولتسريع معاملة إدارية رسمية.
الراشي:هو من يعطي من يعينه على الباطل سواء كان الباطل حكما، ظلماً، اوتعدياً على أملاك الغير أو تأخير معاملة لخصمه أو أو الخ ... وهذا يعني أن الراشي يستعين بوسيلة غير شرعية في سبيل الوصول إلى ما يريد والاستيلاء على ما ليس له حق فيه عبر هذا الطريق الملتوي ....
المرتشي: هومن يأخذ المال ليساعد ويعين من يريد الحصول والاستيلاء على ما ليس له فيه حق، أو يساعد على مخالفة القوانين والقفز فوق الأنظمة والضوابط العامة المرعية الإجراء والتلاعب بالقوانين من أجل تمرير مخالفة أو معاملة باطلة الخ ....
والرائش:هو من يسعى بين الراشي والمرتشي فيكون وسيطاً ليزيد لهذا ويستنقص للآخر، او هو المفاوض الذي يلعب دوراً في تحديد مقدار الرشوة وحجمها.
الرشوة حرام:
والرشوة حرام بإجماع المسلمين في الكتاب الكريم والسنة. وبالتالي فإن الرشوة عند المسلمين لا مذهب لها ولا طائفة. بل ليس لها دين لأنها أيضاً في بقية الأديان السماوية محرمة. وهي من الكبائر التي توعد الله عليها بالنار والعذاب الأليم، والمعطي الدافع للمال والآخذ له والوسيط بين الراشي والمرتشي كلهم ملعون كما في الحديث.
- "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون"
- عن رسول الله (ص) في وصيته لعلي (ع) : يا علي من السحت ثمن الميتة وثمن الخمر ومهر الزانية والرشوة في الحكم
- وعن رسول الله (ص): لعنة الله على الراشي والمرتشي
- وعنه (ص): لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما
- وعنه (ص): الراشي والمرتشي في النار
بل الرشوة هي الكفر بالله العظيم وعلى حد الشرك، كما في الأحاديث فعن الرسول (ص): إياكم والرشوة فإنها محض الكفر ولا يشم صاحب الرشوة ريح الجنة.
- وعن الإمام الصادق(ع): وأما الرشا في الحكم فهو الكفر بالله العظيم جل اسمه وبرسوله
انعكاسات الرشوة ومفاسدها:
على مستوى الفرد:
1- تعزز حالة الجشع والطمع وغريزة حب المال وجمعه ولو بالوسائل غير المشروعة.وبذلك يندفع الفرد لجمع المال ويحصل عليه من أي طريق، ويطمع في الحصول على مزيد من الأموال عبر الطرق الملتوية،وهذا يدفع بالإنسان إلى مزيد من إرتكاب الخيانة، خيانة السرقة.
2- سوء السمعة والسقوط الاجتماعي في أعين الناس
3- العقاب الأخروي حيث أن من يتعاطى الرشوة (المعطي والآخذ) ملعون ومغضوب عليه من الله، إلى حد اعتبار الرشوة كالكفر بالله العظيم وعلى حد الشرك بالله
على المستوى الاجتماعي:
1- هدر وتضييع حقوق الناس، لأن من يتعاطى الرشوة لإبطال حق أو إحقاق باطل هو يضيع حقوق الآخرين.
2- الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم التي لا يجوز الحصول عليها إلا عبر الأسباب والطرق الشرعية.
3- سقوط العدالة وانعدامها من المؤسسات وهذا فيه تضييع أيضا لحقوق الناس ومصالحهم وأي معنى بعد ذلك للمؤسسات إذا كانت بلا عدالة.
4- فساد الإدارة وشيوعه في المؤسسات الرسمية وغيرها وفسح المجال أمام أصحاب النفوذ والأطماع والطموحات غير المشروعة للإستيلاء على أموال الناس . ولذلك فإن من أبرز نتائج الرشوة هو الفساد الإداري في المؤسسات العامة.
5- شيوع روح النفعية في المجتمع لا روح الواجب فانظر إلى الإدارات الفاسدة التي تتعاطى الرشوة فإن الموظف لا يقوم بالعمل إذا لم يدفع له المواطن الإكرامية والبرطيل.
على المستوى الاقتصادي:
تخلق الرشوة دوافع سلوك غير إنتاجي اقتصاديا لدى الإنسان لأن الإنسان عندما يفتش عن الربح السريع ويحصل على مكاسب كبرى عن طريق الرشوة يتحول إلى عنصر غير إنتاجي في عجلة الاقتصاد وحركته العامة.
أنواع الرشوة وأقسامها:
أقسام الرشوة:
1- الرشوة في الحكم
2- الرشوة للوصول إلى أمر حرام
3- الرشوة للوصول إلى أمر حلال
الرشوة في الحكم: وهي أن يدفع الإنسان للقاضي ليحكم لصالحه أو يدله على الطريق الذي يربح من خلاله القضية، حتى لو كان الحق مع الراشي وحتى لو حكم القاضي بالحق وهذا حرام ولعل من أبرز أقسام وأنواع وأشكال الرشوة.
الرشوة للوصول إلى أمر حرام: هوما يدفع لصاحب سلطة أوقوة أو جهة ظالمة أو لمسؤول ليستعين بقوته ونفوذه على ظلم شخص أو الاعتداء عليه أوعلى ممتلكاته. أو من أجل ارتكاب معصية كالسرقة من الأموال العامة، أو إخراج شخص ظالم ومجرم من سجن يستحقه أو ما شاكل ذلك، وهذه الرشوة حرام لأن ما يبذل على فعل الحرام حرام.
الرشوة للوصول إلى أمر حلال: وهو أن تدفع مالاً لشخص لتستعين به على الوصول إلى أمر مباح، وهذا القسم حلال. كأن تدفع لشخص مقداراً من المال لِيخل لك مكاناً عاماً رصيفاً أو بسطة في شارع عام أو حي من الأحياء، فلا مانع من ذلك.
ففي الحديث عن محمد بن مسلم سألت أبا جعفر عن الرجل يرشوه الرجل على أن يتحول من منزله ليسكنه قال (ع): لا بأس به.
ولكن إعطاء وأخذ الرشوة هنا فيه كراهة، لأنه يشجع ويساعد على الرشوة الحرام،ولذلك يجب على الإنسان المتورع أن يجتنب عن القسم الحلال، لكي لا يتورط في الحرام.
وللرشوة أشكال منها: ما يكون بالمال/ بإعطاءه عيناً من الأعيان/ بالخدمات / بالمنفعة،كإسكانه في شقة لينتفع بها/ بالعمل كالعمل بالبناء له مجاناً، أو بالخياطة.
الهدية والهبة والإكرامية
الهدية والهبة: هي العطية على سبيل الملاطفة كما في اللغة.
وهي على قسمين:
القسم الاول:الهدية قبل إنجاز الحاجة والعمل.
والقسم الثاني: الهدية بعد إنجاز وقضاء الحاجة
فالهدية والهبة في القسم الأول إذا قدمت للشخص للمسؤول للقاضي على سبيل التودد والملاطفة والمجاملة من دون دواعي وغايات وخلفيات أخرى، فلا إشكال فيها، أما إذا أعطيت بقصد الرشوة لأجل الحكم بالباطل وإعطاء الراشي ما ليس فيه حق فهو حرام.
حتى إعطاء الخمس والزكاة بعنوان الرشوة لاستمالة القاضي ليحكم بغير حق، وكان القاضي ملتفتا إلى ذلك فهوحرام أيضا والخمس والزكاة في هذه الصورة لا يجزي عن صاحبه وإنما يبقى ثابتاً في ذمته، لأن شرط صحة الخمس هو قصد القربة وقصد الرشوة يتنافى مع قصد القربة.
وأما الهدية في القسم الثاني اي بعد إنجاز المعاملة على سبيل الشكر والمجازاة على قضاء الحاجة فلا إشكال فيها.
ولكن إعطاء الهدية في الموارد الحلال مكروهة ينبغي أن يتورع عنها المؤمن. وقد ورد في الحديث عن علي(ع): (أيما والٍ احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه، وإن أخذ هدية كان غلولاً). فهذا محمول على الكراهة، لأن إهداء الهدية إلى الوالي قد يحبب إليه الرشوة المحرمة.
لا ينبغي أخذ الهدايا وأنها من مقام المنصب لا من حق الموظف
وعن رسول الله (ص): من استعملناه على عملٍ فرزقناه رزقاً (ومنحناه راتباً) فما أخذه بعد ذلك فهو غلول.
وبعث رسول الله واليا يجمع الصدقات من عند قبيلة الازد، فلما جاء إلى الرسول (ص) احتفظ لنفسه ببعض ما أتى به، وقال: هذا لكم وهذا لي هدية، فغضب النبي (ص) وقال: ألا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً.
ولكن لا يخفى أن الشائع في مجتمعاتنا إعطاء الرشوة تحت عناوين مختلفة تحت عناوين هدية،هبة ، إكرامية،برطيل، براني الخ ..... بخشيش.
وإسباغ الرشوة بهذه العناوين لا يخرجها عن دائرة الحرام.
ماذا عن المدح والثناء هل يعد رشوة:
هناك خلاف بين الفقهاء.
فبعضهم لا يعد ذلك رشوة،فضلاً عن أن يكون حراماً من جهة كونه رشوة، وبعضهم يعده رشوة خاصة إذا كان يقصد استمالة القاضي عن هذا الطريق للحكم لصالحه.
الرشوة عند الاضطرار
من كان له حق مضيع ولم يجد طريقة للوصول إليه إلا بالرشوة بحيث أنه استنفذ كل الوسائل الأخرى المشروعة، ففي هذه الحالة الاضطرارية يجوز له دفع الرشوة من أجل الحصول على حقه من دون عدوان على حقوق الآخرين، فهنا يجوز الدفع ولا أثم على الراشي لكن لا يجوز للآخذ المرتشي أن يأخذ شيئاً، مقابل ذلك.
وكذلك من وقع عليه ظلم ولم يستطع دفعه او رفعه إلا بالرشوة واللجوء إلى صاحب قوة أوسلطان جاز له ذلك، ولكن لا يجوز للآخذ أن يأخذ شيئاً فالإثم على المرتشي لا على الراشي.
وفي كل الأحوال فإنه يجب على الإنسان أن يصبر حتى ييسر الله له أفضل السبل لرفع الظلم ونيل الحق.
الوسيط في الرشوة دوره وخطورته
الرائش : لا شك أنه يمارس عملاً خطيراً لأنه يشجع بذلك على شيوع ظاهرة الرشوة في المجتمع، ويسهل الطريق أمام الراشي والمرتشي لممارسة الرشوة.
وقد عبر عنه بالرائش في الأحاديث وتقدم أن تصرفه هذا حرام وهو ملعون كما في الحديث.
كيف نعالج ونكافح الرشوة بين الناس
العلاج لهذه الظاهرة يكون بعدة أمور.
1- بالحصانة الذاتية، فعندما يتمتع الموظف بحصانة اخلاقية وبجموعة من القيم الإنسانية والحضارية ويعي خطورة وعقوبة هذه الجريمة في الدنيا والآخرة فإنه يمتنع عن أخذ الرشوة
2- بمعالجة الأسباب والدوافع التي تدفع لتعاطي الرشوة
فمثلاً : أحد أهم الأسباب هوسبب اقتصادي معيشي وضعف الرواتب وهذا يجب معالجته بزيادة نسبة الرواتب لمن يحتل مواقع حساسة تمثل موضوعا للارتشاء، كالموظفين والقضاة. وهذا ما طرحه أمير المؤمنين في عهده للأشتر حيث يقول عن القضاة وسد حاجاتهم:
(ثم أكثر تعاهد قضائه وافسح له بالبذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، واعطه من المنزلة لديه ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك)
3- تعزيز أجهزة الرقابة والتفتيش الإداري وهذا ما طرحه أمير المؤمنين(ع) أيضاً عن الموظفين:
ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية... فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك اخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة، ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة.
وقد أثبتت الإحصاءات والدراسات مطالبة بهذا الأمر
4- اختيار الموظفين الأكفاء الذين يتمتعون بمواصفات أخلاقية وروحية كالعفة والصلاح وأن لا يكون اعتلاء المناصب على اساس المحابات والحسابات السياسية والطائفية وما شاكل وهذا ما ذكره أمير المؤمنين أيضا في عهده للأشتر يقول عن الموظفين:
(ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا، ولا تولهم محاباة، وأثرة وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة فإنهم أكرم اخلاقا وأصح أعراضاً وأقل في المطامع إشرافاً وأبلغ في عواقب الأمور نظرا ثم اسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح انفسهم وغنىً لهم عن تناول ما تحت أيديهم.
وعن صفات القضاة يقول (ع)
ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك من نفسك ممن لا تضيق به الأمور ... ولا يتمادى في الزلة، ولا تشرف نفسه على طمع .... وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج،واصرمهم عند اتضاح الحكم،ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء.
وقد اثبتت الاحصاءات أن70 % من العينة أرجعوا السبب في عدم ارتشاء بعض الموظفين إلى حصانتهم الأخلاقية،وإلى عامل التربية الأسرية، وإلى انتماء بعض هؤلاء إلى عائلات محترمة.