الصوم غايته التقوى
- المجموعة: 2015
- 19 حزيران/يونيو 2015
- اسرة التحرير
- الزيارات: 602
الصوم هو عبادة, والصائم هو في حالة عبادة ما دام صائماً, وحالة العبادة هذه ينبغي أن تظهر عليه فيكون متزناً وعاقلاً وصاحب استقامة وخلق,أن يكون عليه وقار الصيام, تماماً كما لو كان واقفاً بين يدي الله في الصلاة, ألا يكون حال الإنسان في الصلاة مختلفاً عن حاله في غير الصلاة؟
خلاصة الخطبة
شدد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن الإرهابيين التكفيريين هم من شريحة الخوارج الذين كانوا يتحركون تحت عناوين وشعارات إسلامية ويمارسون العبادت بصورة شكلية وهم بعيدون عن الإسلام وقيمه.
ولفت الى أننا عندما نقاتل التكفريين على الحدود فإنما نقاتلهم من أجل أن نمنع تمددهم وتمدد إفسادهم وإرهابهم إلى بلدنا ومن أجل أن نحمي بلدنا وأهلنا..
وأكد: على أن كل من يقصر او يتهاون أو يتراخى أمام الإرهاب التكفيري يرتكب خطيئة بحق الوطن, وعليه أن يتحمل كامل المسؤولية عن كل ما ينتج عن هذا التراخي وهذا التقصير.
نص الخطبة
قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون].
هذه الآية تبين فلسفة وغاية الصوم.. وأن الغاية من الصوم هي التقوى [لعلكم تتقون] أي فرض عليكم الصوم رجاء أن تتقوا ومن أجل أن تحصلوا على التقوى.
والتقوى هي إرادة وقوة وملكة تدفع الإنسان للقيام بما أوجبه الله عليه وامتثال ما أمر الله به، والابتعاد عما نهى الله عنه من المحرمات والمعاصي والذنوب.
فالصوم إذا أخلصتم فيه يدفعكم إلى تجنب المحرمات واتقاء الوقوع فيها، لأن الإنسان عندما يصوم عن الأكل والشرب وسائر اللذات المادية التي أباحها الله, يتدرب على اتقاء المحرمات واجتنابها وتتربى نفسه وإرادته على الامتناع عن المعاصي والذنوب، لأن من يستجيب لأمر الله ويمتنع عن شهوات النفس المباحة كالأكل والشرب وغيره، ويطيع الله في الإمساك والكف عن ذلك، فإنه سوف يكون أكثر طاعةً واستجابةً لله في الكف والامتناع عن المحرمات التي نهى الله عنها.
الصوم يربي في الإنسان الإرادة القوية التي تجعله قادراً على الامتناع عن المعصية ومخالفة أوامر الله ونواهيه من جهة, وهو أيضاً ينمي في الإنسان الإحساس بوجود الله، والشعور برقابة الله عليه من جهة اخرى.
الصوم يربي في الإنسان الإرادة القوية والصبر على التحمل، لأننا كلنا في أيام الصوم نعيش الحِرمان فيما نحب من مأكولات ومشروبات وملذات وشهوات، والنفس تلحُ علينا، ونحن نتحمل الجوع والعطش ونصبر، نضغط على أنفسنا، نضغط على إرادتنا ونصبر تقرباً إلى الله, لأن الله أمرنا أن نصوم عن كل ذلك، هذا الصبر وهذا التحمل يدرّب ويعوّد الإنسان على الصبر عن المعاصي والسيئات والموبقات في سائر أيام السنة, يجعل الإنسان يتدرب ويعتاد على الإمتناع عن المحرمات كما يمتنع عن المفطرات.
والصوم أيضاً يربي في الإنسان الإحساس بالله وبرقابته عليه، لأن الصيام موكولٌ إلى نفس الصائم ولا رقيب عليه إلا الله، أنت في الصوم تشعر بأنك وحدك لأن الصوم سرٌ بين العبد وربه، لا يشرف ولا يطلع عليك أحدٌ غير الله، لا يراك أهلك ولا يراك الناس من حولك, فبإمكانك عندما تختلي بنفسك أن تأكل وتشرب وأن تفعل ما تشاء دون أن يشاهدك أحد, ولكنك لا تفعل ذلك، لماذا؟ لأنك تقول لنفسك عندما تدعوك إلى تناول الطعام ولا أحد هناك، وعندما تدعوك إلى الشراب ولا أحد هناك, تقول لنفسك: صحيحٌ لا أحد هناك، ولكن الله موجود يراقبني وهو أعلم مني بنفسي وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فالصوم يربي الإنسان على الشعور برقابة الله عليه, لأن من يشعر برقابة الله عليه في شهر الصيام فلا يقدم على تناول المفطرات وهو وحده, ينمو هذه الشعور عنده في غير شهر رمضان فلا يقدم على محرم لا في السر ولا في العلن.
وأيضاً عندما يصوم الإنسان يجب أن يترك الصيام أثره على سلوك الإنسان وأخلاقه وجوارحه, فلا يكفي أن تصوم البطن عن الأكل والشرب, بل ينبغي أن تصوم الجوارح أيضاً عن كل مكروه وعن كل محرم، أن يصوم اللسان عن السب والشتم, وعن ذكر عيوب الناس, وعن الكلام البذيء وقول الفحش, وأن تصوم العين عن النظر الى ما حرم الله , وأن تصوم الأذن عن سماع المحرمات, وأن تصوم اليد والقدم وسائر أعضاء الإنسان عن المحرمات وعن المكروهات وحتى عن الشبهات،فعندما يشتبه عليك أمر أو عمل أو أي شيء ولا تعرف هل هو حلال أو حرام فإن عليك أن تتوقف وتحطاط فلا تقدم على ذلك العمل.
على الإنسان إضافة الى صوم البطن أن يصوم عن الكذب، وأن يصوم عن الغيبة, وأن يصوم عن النميمة، وأن يصوم عن السب والشتم، وأن يصوم عن إيذاء الناس، وأن يصوم عن ظلم الناس وأن يصوم عن الاعتداء على أرواح الناس وأحوالهم وأعراضهم، وأن يصوم عن كل ما يكرهه الله عز وجل.
ومن هنا فقد ورد عن علي (ع) أنه قال: ليس الصوم الإمساك عن المأكل والمشرب، الصوم الإمساك عن كل ما يكرهه الله سبحانه.
فالصوم الحقيقي هو الإمساك عما يكرهه الله عز وجل .
كما ورد في بعض الروايات أن من يكذب في شهر رمضان المبارك أو يغتاب أحداً أو يتهم أحداً أو يؤذي بلسانه أحداً فإنه لا صوم له، يعني أن الصوم يفقد روحيته وقيمته ومعناه، ويتحول إلى مجرد شكل من الأشكال, وطقس من الطقوس التي لا يستفيد الإنسان منها شيئاً لحياته ولا لتقواه ولا لأخلاقه وسلوكه.
فقد ورد عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من كذّب على الله ورسوله وهو صائم فقد نقض صومه.
وسمع رسول الله (ص) امرأة صائمة تسبُ جاريةً لها، فدعا رسول الله بطعام ونادى تلك المرأة وقال لها: كلي، فقالت: إني صائمة يا رسول الله! فقال (ص): كيف تكونين صائمة وقد سبّيت جاريتك، إن الصوم ليس من الطعام والشراب. الكافي ج4/87.
وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده, إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح، ودع المراء وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصيام، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك. الكافي ج4/87.
الصوم هو عبادة, والصائم هو في حالة عبادة ما دام صائماً, وحالة العبادة هذه ينبغي أن تظهر عليه فيكون متزناً وعاقلاً وصاحب استقامة وخلق,أن يكون عليه وقار الصيام, تماماً كما لو كان واقفاً بين يدي الله في الصلاة, ألا يكون حال الإنسان في الصلاة مختلفاً عن حاله في غير الصلاة؟ نعم , كذلك لا ينبغي أن يكون حال الإنسان وهوصائم أو في أيام الصوم كحاله في سائر الأيام عندما يكون مفطراً, يجب أن تظهر آثار الصوم وحالة العبادة والطاعة لله على الإنسان الصائم, وأن لا يكون يوم صومه كيوم فطره, يجب ان ينعكس الصوم إيجاباً على أخلاق الإنسان وتصرفاته وسلوكه, أخلاقه في بيته وأسرته .. مع زوجته وأولاده, وأخلاقه وسلوكه مع جيرانه والناس من حوله.
فعن الإمام الصادق(ع) في حديث أنه قال: إنما للصوم شرط يحتاج أن يحفظ حتى يتمَّ الصوم، وهو صمت الداخل، أما تسمع ما قالت مريمُ بنت عمران: (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا) فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا, ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا, ولا تماروا, ولا تكذبوا, ولا تباشروا, ولا تخالفوا, ولا تغاضبوا, ولا تسابوا, ولا تشاتموا, ولا تجادلوا, ولا تظلموا, ولا تسافهوا, ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة, والزموا الصمت والسكوت، والحلم والصبر والصدق، ومجانبة أهل الشر، واجتنبوا قول الزور, والخصومة, وظن السوء, والغيبة, والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم، منتظرين لما وعدكم الله به متزودين للقاء الله، وعليكم بالسكينة والوقار والخشوع والخضوع.
إذن: الصوم يجب أن يترك كل هذه الآثار في حياة الإنسان, وأن يغير في سلوك الإنسان وأخلاقه وأدائه وأسلوبه وطريقة تعامله مع الآخرين .. وأن يصنع الإنسان التقي الورع .
فمن صام واستطاع أن يحصل على التقوى فقد حصل على حقيقة الصوم وجوهر الصوم, ومن صام واستطاع أن يمتنع عن كل المكروهات والمحرمات فقد حصل على عمق الصوم.
أما من صام ولم يحصل على التقوى، ولم يغير الصوم في أخلاقه وسلوكه وحياته فإنه يصدق عليه القول المأثور عن رسول الله (ص): رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ, ورب قائم ليس له من قيامه إلا العناء والسهر.
من أخطر الأشياء على العبادات أن تتحول إلى مجرد شكليات وطقوس وعادات وتقاليد بلا مضمون ولا محتوى ولا أثر.
من أخطر الأشياء على الصوم أن يتحول الى مجرد عمل اعتدنا أن نقوم به في شهر رمضان من كل سنة.. من دون أن يترك أثراً فينا وفي حياتنا, ومن دون أن يغير في روحيتنا وأخلاقنا وسلوكنا نحو الأحسن.
والعبادات تتحول إلى ممارسة شكلية عندما تفقد مضمونها وجوهرها وعندما لا تحقق أهدافها وغاياتها ومقاصدها..
في التاريخ حصل أن تحولت العبادات لدى بعض المسلمين إلى عادات وتقاليد وأشكال جوفاء وفارغة من أي مضمون فلم تؤثر فيهم ولا في سلوكهم.. كالخوارج الذين كانوا يتظاهرون بالإيمان والتقوى, وكانوا يقرأون القران أكثر من غيرهم, ويقيمون الصلاة في الليل والنهار أكثر من غيرهم, ويصمون الواجب والمستحب .. الا أن كل ذلك لم يمنعهم من الإنحراف وارتكاب الجرائم, لأن ممارستهم للعبادات كانت شكلية.. كانت العبادات بالنسبة لهم شيئاً اعتادوا عليه وأصبحوا يستوحشون إذا تركوه.
كان أحدهم يقرأ القرآن, لكن القرآن لم يكن يتجاوز شفتاه ليؤثر في سلوكه.
كان أحدهم يكثر من الصلاة, لكن الصلاة لم تكن لتمنعه عن قتل الناس الأبرياء.
كان أحدهم يصوم, لكن الصوم لم يمنعه عن ارتكاب الحرام وتشويه الدين والإساءة إلى الإسلام بسلوكه وأعماله وتصرفاته.
وقد حدثنا النبي(ص) عنهم فقال حينما سئل عن الخوارج: قوم يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ, يَمْرُقُونَ من الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ, يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَ يَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ, لَئِنْ أنا أدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ.
عن علي (ع) عن رسول الله(ص) قال: يَأْتِي في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ, سُفَهَاءُالأحْلَامِ, يَقُولُونَ من خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ, يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ,لا يجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ, فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فإن في قَتْلَهُمْ أجرا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يوم الْقِيَامَةِ
اليوم التكفيريون الذين يقتلون مسلمين وغير مسلمين هم من هذه الشريحة.. يتحركون تحت عناوين وشعارات إسلامية وهم بعيدون عن الإسلام وقيم الإسلام, يقيمون حدود الله ويطبقون الشريعة على العاصين والمرتكبين.. في الوقت الذي هم أولى بالعقوبة وتطبيق حدود الله عليهم, لأنهم مجموعة من القتلة والمجرمين والمحاربين والمفسدين في الأرض..
هؤلاء يجب اجتثاثهم من الأرض، لأنهم خطر على الديانات وعلى الإسلام وعلى الإنسانية، وهم خطر على الجميع.. وما حصل ضد الموحدين الدروز الاسبوع الماضي في إدلب دليل إضافي على أنهم خطر على الجميع.. على كل الطوائف والمذاهب, ومن يعتقد بأن لديه ضمانات من هؤلاء وأنه مستثنى من دائرة استهدافاتهم واعتداءاتهم وارهابهم فهو واهم.. ونحن عندما نقاتلهم على الحدود فإنما نقاتلهم من أجل أن نمنع تمددهم وتمدد إفسادهم وإرهابهم إلى بلدنا.
نقاتلهم من أجل أن نحمي بلدنا وأهلنا.. وكل من يقصر او يتهاون أو يتراخى أمام الإرهاب التكفيري يرتكب خطيئة بحق الوطن, وعليه أن يتحمل كامل المسؤولية عن كل ما ينتج عن هذا التراخي وهذا التقصير.
والحمد لله رب العالمين