كلمة في احياء الليلة الثانية من رمضان في مجمع السيدةزينب(ع) 8-5-2019
- المجموعة: نشاطات ولقاءات
- 08 أيار 2019
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1302
كلمة القيت في احياء الليلة الثانية من شهر رمضان المبارك 8-5-2019 في مجمع السيدة زينب(ع) ونقلت مباشرة عبر قناتي المنار والصراط.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
يركز المتدينون في مجتمعاتنا غالباً ,وخاصة في شهر رمضان على الجانب العقيدي والعبادي والمظهر من الدين ، فالبعض يعتبر ان المتدين هو الذي يكون معتقده صحيحا وهو الذي يؤدي صلاته وصومه وحجه بشكل صحيح ويحرص على ان يكون مظهره مظهرالمتدينين. ويهتم بمثل هذه الجوانب.
اما الجانب الاخلاقي والسلوكي من الدينجانب المعاملات من الدين، فالاهتمام به من قبل حتى المتدينين غالبا ما يكون ضعيفا.
فترى المتدين حريصا على أن يكون إيمانه بالله وبأصول الدين وبالمعتقدات إيماناً راسخاً وقوياً ومتيناً، لكن هذا المتدين نفسه في الجانب الأخلاقي والسلوكي قد لا تراه حريصاً على المعاملة الحسنة مع الناس مع أهل بيته، مع زوجته وأولاده، مع والديه، مع جيرانه مع زملائه وأبناء مجتمعه..
يهتم بان تكون عباداته من صلاة وصوم وحج صحيحة ومقبولة إلى حد انك ترى البعض مصاب بالوسوسة. في طهارته، في غسله، في وضوئه، في صلاته ولكنه يتساهل في مراعاة حقوق الناس في محيطه العائلي والاجتماعي، يظلم زوجته يظلم جيرانه، يغش الناس ويحتال عليهم، يأخذ ما ليس له فيه حق، ويعادي أرحامه، أو يؤذي رفقائه.
يهتم ان يكون مظهره مظهر المتدين، لكنه في الجانب الأخلاقي والسلوكي نجده قاسي القلب ، سيء الخلق في التعاطي مع الناس، سيء المعاملة، يواجه الناس بألفاظ نابية، يسب ،يشتم، يلعن، يطلق لسانه في الكلام على الناس، يغضب بسرعة، يكون انفعالياً دائماً فيقع في أخطاء كثيرة.
الاهتمام الشديد بالجانب الايديولوجي والعبادي من الدين وفي المقابل الاهتمام الضعيف بالجانب الاخلاقي ربما كان ناشئا من الفهم السائد لدى الكثيرين من ان المعيار في الدين والتدين هو العبادة فقط! وهذا ليس صحيحا، لان الاخلاق من جوهر الدين وهي اساس في الدين.
عندما نعود إلى القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وهما المصدر الأساسي لفهم الدين ومعرفة قيمه وأحكامه سنجد أن للبعد الأخلاقي والسلوكي فيهما مقام الأولوية وموقع الصدارة.
فالأخلاق ليست قضية ثانوية أو كمالية تدخل في نطاق المستحبات والكماليات، بل هي الغاية والهدف والمقصد النهائي من الدين.
ولذلك القرآن الكريم جعل مهمة تزكية النفس الإنسانية في مقدمة وظائف الأنبياء.
يقول تعالى: [هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ]. الجمعة/2.
ويقول تعالى: [كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ]. البقرة/ 151.
رسول الله (ص) يجعل الهدف من بعثته إتمام مكارم الأخلاق (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
الأمور الاعتقادية، قيمتها أن تتجسّد في العمل الصالح وفي أخلاق الإنسان وسلوكه فإذا لم تنعكس على أخلاق الإنسان وتصرفاته وأعماله وسلوكه الشخصي والاجتماعي وطريقة تعامله مع الآخرين، فلا قيمة لها، بل هو إيمان اجوف واعتقاد ضعيف.
ولذلك فإن الآيات التي تتحدث عن الإيمان دائماً تقرن الإيمان بالعمل الصالح للتدليل على أن الإيمان الذي لا يتجسد في العمل الصالح، لا قيمة له.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(طوبى لهم/ لهم جنات النعيم/ لهم جنات الفردوس.
(انَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
[والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات]. العصر.
العبادات أيضاً تستهدف القيم الأخلاقية، فإن الهدف من بعض العبادات أن تنعكس آثارها في أخلاق الإنسان وأعماله وممارساته وسلوكه وحياته.
الصلاة هدفها اخلاقي : يقول تعالى: [وأقِم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر]. العنكبوت/ 45. فالصلاة إن لم تنهى عن اجريمة والسرقة والزنا وارتكاب الفاحشة وسرعة الغضب واكل مال الناس بغير حق والاسراف والتبذير ومقاطعة الرحم وعقوق الوالدين لا اثر لها.
الصيام: كذلك حيث إن الهدف منه هو التقوى التي تعني التقيد بأحكام الله وتشريعاته }ُكتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183) فالمقصد والهدف هو تقوى الله والتقوى لا تعني القيام بالواجبات والفرائض وترك المحرمات بل تعني الالتزام بكل ما امرنا الله به ووجهنا اليه من قيم انسانية واخلاقية وترك كل ما نهانا عنه من محرمات ومن سيئات وسلوك غير اخلاقي ولذلك من لم يؤثر صيامه في نفسه وأخلاقِه مع الناس لم يحقق هدف الصوم.
الزكاة : كذلك فالغاية منها تذكية النفس }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } (التوبة: 103)، فمع أن حقيقة الزكاة إحسان للناس ومواساتهم فهي كذلك تهذب النفس وتزكيها من البخل والحرص المذموم والأخلاق السيئة, لأن الإنسان بدفعه الصدقة للفقير يكشف عن سمو إنساني وإحساس بهموم الآخرين ومشاكلهم وحاجاتهم,فالصدقة تطهر النفس وتدفعها للمزيد من العطاء والشعور بحاجات الناس وتحسس آلامهم.
ان كل ذلك يدل على حجم اهتمام الدين بالاخلاق وبالمعاملة الحسن فالمتدين وصاحب الدين ليس هو الذي يصلي ويصوم ويحج ويقوم بالعبادات فقط، صاحب الدين والمتدين هو: الصادق الذي يصلي، الأمين الذي يصلي، العادل الذي يصلي، الرحيم الذي يصلي، المتواضع الذي يصلي وهكذا..
اما الشخص الذي يصلي لكنه يكذب، ويحتال، يصلي لكنه يراوغ، يصوم ويحج ويزور ولكنه يتلاعب بامانات الناس .. ويأخذ ما ليس له بأساليب احتيالية، ولا يصدق في معاملاته ولا يلتزم بتعهداته ... فهذا لا قيمة لصلاته وصومه وحجه وزكاته وعباداته.
عن الامام الصادق عليه السلام: لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده فإنّ ذلك شئ اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.
وعنه عليه السلام أيضاً قال: لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم فإنّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة.
واخطر ما يواجه العبادة هو ان تتحول ممارسة العبادة الى ممارسة شكلية الى مجرد طقس من الطقوس وعادة من العادات كما يقول الامام علي في حديث: كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَالظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْم ُالْأَكْيَاسِ وَإِفْطَارُهُمْ!اي العارفون والمؤمنون حقيقة نومهموفِطْرُهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم..
قد يكثر الإنسان من الصلاة والصوم والمستحبات وقراءة القران والدعاء وخصوصا في شهر رمضان الذي يضاعف الله فيه الحسنات والأجر والثواب ويبارك في آثار الأعمال ونتائجها ولكنه عندما يخرج الى الشارع أو الى السوق أو الى العمل يتعاطى بلا أخلاق مع الناس يكذب يغش يحتال يتعدى على حقوق الآخرين.. اذن ما قيمة كل الأعمال التي يقوم بها؟ ما قيمة الصلاة وقراءة القرآن اذا لم تتجسد الصلاة وآيات القرآن في أعمال الإنسان ومواقفه وعلاقاته وخطواته في الحياة
الدين هو استقامة، وأمانة، وصدق، ورحمة، والفة، وحسن عشرة وصلة الرحم، واحترام وعدل، وإنصاف، وتواضع، ومراعاة حقوق الآخرين، واحسان ومعروف وعفو وتسامح ومحبة وستر وحجاب وعفة وحشمة وكل هذه القيم الأخلاقية.
فمن كان يصلي ويصوم ولكنه ليس مستقيما ولا يتعامل باخلاق مع الناس ويكذب ويشتم ويحتال ويسيء الأمانة ويعتدي على حقوق الناس ويضرب الناس ويظلم الناس فهو مفلس, مفلس من الدين والتدين, ويأتي يوم القيامة مفلساً.
ففي الحديث عن النبي(ص): أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ فقالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له, ولا متاع, فقال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة؛ بصلاة, وصيام, وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ أُخِذَ من خطاياهم؛ فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار.
اليوم هناك أزمة أخلاق في العالم ،عندما ندقق في الأزمات الموجودة في العالم سواء أكانت ازمات إجتماعية أو سياسية أو إقتصادية أو حروب او فتن او جرائم قتل ومجازر سنجد أن السبب هو أخلاقي.
عدم الالتزام بالضوابط الاخلاقية يسبب الكثير من المشاكل الاجتماعية والحياتية كالتفكك الأسري, والعنف الاسري, وفقدان الثقة بين الناس، والفوضى العارمة, والتعدي على الاملاك العامة, وإطلاق النار, وعدم الالتزام بالقوانين والانظمة المرعية و ماشاكل ذلك. كلها بسبب انعدام الأخلاق وعدم الالتزام بالضوابط الاخلاقية والانسانية
الحروب والفتن والقتل لاسيما للابرياء للاطفال والنساء والشيوخ كما في فلسطين واليمن وغيرها سببها انعدام الضمير الانساني والحس الاخلاقي والانساني لدى مرتكبي هذه المجازر
لذلك العودة الى الاستقامة الى الاخلاق والى الالتزم بالقيم الانسانية هو الطريق الذي يوصلنا الى الله والى التخلص من كثير من الازمات التي نعيشها في حياتنا.
والحمد لله رب العالمين