كربلاء وعوامل الخذلان
- المجموعة: 2014
- 31 تشرين1/أكتوير 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2847
المجتمع في عهد الحسين كان غافلاً عن أهداف الإسلام وقيمه وما يتعرض له من تشويه.. وعن مسؤولياته تجاه ذلك, بسبب استغراقه في أكله وشربه وحياته وانغماسه بشؤونه الخاصة.كان الإمام الحسين (ع) يحاول أن يرفع حجب الغفلة عن الأمة , وان يوقظها على الحقيقة المرة وعلى الواقع السيء والمتردي الذي وصلت اليه في ظل الحكم الجائر.
خلاصة الخطبة
شدَّد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن الطغاة والمستكبرين والظالمين على امتداد العصور كانوا ولا يزالون يحاولون شراء ضمائر الناس والنفوس الضعيفة بالمال والجاه والإغراءات المتنوعة من أجل استمالتهم إلى الباطل في مواجهة الحق.
وقال: لقد حاول الأمريكيون ذلك في السنوات الماضية مع الشباب اللبناني من أجل حرفهم عن الانخراط في المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي, وأنفقوا مئات ملايين الدولارات لأجل ذلك .. وفشلوا , لأن شبابنا كانوا يملكون من الوعي والحصانة ما يجعلهم يرفضون التخلي عن مسؤولياتهم وواجباتهم الوطنية والشرعية لقاء حفنة من الدولارات.
وأكد:على أن مشاركة حزب الله في سوريا كانت من أجل حماية لبنان والمقاومة , وأن ما يحققه الجيش اللبناني من إنجازات في مواجهة البؤر الإرهابية والجماعات التكفيرية يحمي لبنان ويجنبه الفتنة والكثير من المخاطر.
واعتبر: إن محور المقاومة عندما يُفشل خطط الأعداء ويعطّل أهدافهم ومشروعهم فهو في موقع انتصار وإن كانت المعركة طويلة قبل تحقيق الانتصار النهائي.
ورأى: أن الجماعات التكفيرية على الحدود الشرقية أعجز من أن يجتاحوا أي منطقة أو بلدة في البقاع , ونحن لن نسمح لأحد أن يستبيح أرضنا طالما لدينا نخوة حسينية وفي عروقنا دم يجري.
نص الخطبة:
واقعة كربلاء هي من أهم الوقائع التاريخية الملهمة والواعظة التي يمكن أن يستلهم الإنسان منها الدروس ويستخلص منها العبر ويتعظ من أحداثها وما جرى فيها, وهي في نفس الوقت الذي تعتبر فيه من أغنى منابع ومصادر الاستلهام والتحفيز والإثارة لكل طالبي الحق والعدالة ولكل المجاهدين في سبيل الحق والحرية... هي أيضاً - ومن جانب آخر- من أعظم الحوادث مرارة وألماً وقسوة ووحشية , بل هي من أمرّ الحوادث وألم الفجائع التي حصلت في تاريخ الإسلام على يد أمة النبي (ص).
فما جرى في كربلاء على الحسين وآل الحسين (ع) من الظلم والقهر والقتل والذبح والسبي وانتهاك الحرمات لم يحصل في تاريخ الإسلام.
فما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى ما حصل؟
لماذا بعد خمسين سنة من وفاة النبي (ص) وصلت حالة الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي إلى هذا المستوى من التردّي الى درجة أن هؤلاء المسلمين بكل طبقاتهم وشرائحهم وتوجهاتهم احتشدوا في كربلاء ليقاتلوا ابن بنت رسول الله ويقتلوه بتلك الصورة الوحشية؟؟ لماذا بلغ بهم الحال إلى الحد الذي يسوقون حرم النبي (ص) وآل النبي(ص) في الأزقة والأسواق وينتقلون بهم من بلد إلى بلد أُسارى مكبلين ومقيدين,ويتهمونهم بأنهم خوارج! من أجل تأليب الناس عليهم وعدم إظهار الشفقة والرحمة بهم؟؟
من الجدير أن يتأمل كل واحد منا لماذا حصل هذا؟
لماذا تقهقرت الأمة وتخاذلت وقصرت عن نصرة ولي أمرها وإمامها المفروض الطاعة؟
عندما ندرس واقعة كربلاء والظروف التي أحاطت بها سنجد أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ما جرى اقتصر منها على ذكر أمرين:
الأول: لا شك أن الدنيا بكل مظاهرها وأشكالها، بمالها وملذاتها وجاهها ومصالحها وشهواتها , هي سبب أساسي ورئيسي في عدم استجابة الناس لنداء الجهاد والمقاومة..
أ ـ التعلق بمظاهر الدنيا والانشداد إلى شهواتها وملذاتها، والميل نحو الرفاه والرخاء, وحب السلامة والعافية والراحة,والاهتمام بجمع المال والثروة، والاستغراق في الملذات في القصور والفلل والسيارات الفخمة والخدم والحشم والسفر وغير ذلك، فإن هذا كله من الأمور التي تصرف الإنسان عن الاهتمام بما يجري حوله أو بما هو مطلوب منه تجاه الأخطار والتحديات التي يواجهها الإسلام أو تواجهها الأمة..
ب ـ طلب الدنيا وحب الجاه والرئاسة والزعامة والسعي للحصول على المواقع والمناصب والملك، فإن حب الإنسان لهذه الأمور وسعيه للحصول عليها بأي وسيلة قد يدفع الإنسان ليس لخذلان الحق فقط بل لنصرة الباطل والوقوف في المعسكر المقابل لمعسكر الحق، وهذا تماماً ما حصل مع رجل كعمر بن سعد الذي كان يريد أن يصل إلى ملك الري الذي وعد به بأي طريق إن هو قاتل الحسين (ع).
فإن طلب الدنيا والسعي للحصول على ملكها ومناصبها وجاهها هو الذي جعل هذا الرجل يخذل الحق وينتصر للباطل ويخسر في النهاية الدنيا والآخرة.
ج ـ الخوف على امتيازات الدنيا وما بأيدينا من مال أو ديار أو رزق أو جاه أو عيال وأولاد. فإن الخوف على فقدان هذه الأمور وضياعها خصوصاً عندما يواجه الإنسان تهديداً بذلك، أو الخوف على مصير ومستقبل هذه الأمور.. يدفع الإنسان في بعض الأحيان للتخلي عن مسؤولياته وواجباته في نصرة الحق والوقوف إلى جانبه.
وهناك نماذج كثيرة في عصر الحسين (ع) خذلوه ولم ينصروه بالرغم من دعوته لهم بسبب خوفهم على أموالهم وعيالهم ومصالحهم تماماً كما يقول البعض عندما تدعوه للقيام بواجباته الوطنية والشرعية، لدي أسرة وأموال ومصالح، وقد تعبت كثيراً حتى جمعت مالي وأسست مصلحتي أو شركتي أو تجارتي، أتريدني أن أتخلى عن كل ذلك وأذهب لميادين القتال؟! ولمن أترك عيالي وأولادي؟! ومن سيتدبر شؤونهم وأمورهم من بعدي؟! إنه الخوف على امتيازات الدنيا إلى الحد الذي تقف هذه الأمور عائقاً وحاجزاً يعيق حركة الإنسان ويحجزه عن الانطلاق إلى الله والقيام بمسؤولياته في نصرة الحق.
د ـ الطغاة والظالمون وأهل الباطل يحاولون باستمرار إغراء الناس أيضاً وشراء ضمائرهم, فهم يعملون على استمالتهم إليهم ببذل الأموال لهم ومنحهم ما يحبون من مناصب ومواقع، فيبتعد الناس عن الحق.
وقد استفاد الحكم الأموي من هذا الأسلوب في مواجهة الحسين (ع) فاشترى ضمائر معظم وجوه أهل الكوفة بالمال أو بالترهيب والتخويف فخذلوا الحسين (ع) وخانوه بعد أن راسلوه ووعدوه بأن يكونوا إلى جانبه إن هو قدم إليهم.
وهذا هو أسلوب الطغاة والمستكبرين والظالمين على امتداد العصور وفي كل زمان ومكان, فقد كانوا ولا يزالون يحاولون شراء ضمائر الناس والنفوس الضعيفة بالمال والجاه والإغراءات المتنوعة من أجل استمالتهم إلى الباطل في مواجهة الحق.
وقد حاول الأمريكيون ذلك في السنوات الماضية مع الشباب اللبناني من أجل صرفهم عن الانخراط في المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأنفقوا مئات ملايين الدولارات لأجل ذلك.. وفشلوا, لأن شبابنا كانوا يملكون من الوعي والحصانة ما يجعلهم يرفضون التخلي عن مسؤولياتهم وواجباتهم الوطنية والشرعية لقاء حفنة من الدولارات.
والخلاصة: إن الإنخداع بالدنيا ينسي الآخرة ويدفع الإنسان لإجراء صفقة خاسرة ببيع الآخرة والسعادة الأبدية بدنيا فانية زائلة.
ولذلك نقرأ في زيارة الأربعين عن عن دوافع الذين خذلوا الحسين (ع) في كربلاء: (وقد توازر عليه من غرته الدنيا، وباع حظه بالأرذل الأدنى، وشرى آخرته بالثمن الأوكس، وتغطرس وتردَّى في هواه، وأسخطك وأسخط نبيك, وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار والمستوجبين النار).
الثاني: الغفلة عن الأهداف والغايات السامية, وعدم الشعور بحجم المأساة الجارية على الصعيد السياسي الاجتماعي والاخلاقي والأمني, وعدم الاهتمام بأمور الدين والإسلام والقيم وقضايا الحق , وغفلة الانسان عن مسؤولياته على هذا الصعيد.
المجتمع في عهد الحسين كان غافلاً عن أهداف الإسلام وقيمه وما يتعرض له من تشويه.. وعن مسؤولياته تجاه ذلك, بسبب استغراقه في أكله وشربه وحياته وانغماسه بشؤونه الخاصة.
كان الإمام الحسين (ع) يحاول أن يرفع حجب الغفلة عن الأمة , وان يوقظها على الحقيقة المرة وعلى الواقع السيء والمتردي الذي وصلت اليه في ظل الحكم الجائر, فقد قال في عاشوراء:
تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم, فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم.
اننا بحاجة الى معالجة حالة التعلق بالدنيا وحالة الغفلة عن مسؤولياتنا حتى لا نقع با وقع به المتخاذلون والمتخلفون عن نصرة الحسين(ع) في كربلاء, خصوصاً عندما نقع بين خيارين ويكون المطلوب منا ان نختار جانب الحق ونتحمل مسؤولياتنا تجاهه.
ونحن اخترنا المواجهة مع التكفيريين الارهابيين وتملنا مسؤولياتنا على هذا الصعيد عندما شعرنا بان هؤلاء سيشكلون خطراً داهماً على بلدنا واهلنا ومقاومتنا.
ونحن في كل يوم نزداد يقيناً بان مشاركتنا في سوريا كانت من أجل حماية لبنان والمقاومة , وأن ما يحققه الجيش اللبناني من إنجازات في مواجهة البؤر الإرهابية والجماعات التكفيرية يحمي لبنان ويجنبه الفتنة والكثير من المخاطر.
واليوم محور المقاومة عندما يُفشل خطط الأعداء ويعطّل أهدافهم ومشروعهم فهو في موقع انتصار وإن كانت المعركة طويلة قبل تحقيق الانتصار النهائي.
وليطمئن الجميع بأن الجماعات التكفيرية الارهابية على الحدود الشرقية أعجز من أن يجتاحوا أي منطقة أو بلدة في البقاع , ونحن لن نسمح لأحد أن يستبيح أرضنا طالما لدينا نخوة حسينية وفي عروقنا دم يجري.
والحمد لله رب العالمين