الرسول(ص) خبير في العسكر والجاسوسية(85)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 08 نيسان/أبريل 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 13943
سلوكه(ص) العسكري - (85)
يصف المحللون العسكريون أن رسول الله (ص) كان قائداً عسكرياً فذاً، وقد أدار المعارك العسكرية التي خاضها ضد المشركين واليهود وغيرهم من أعداء الإسلام بكفاءة وخبرة عالية، وقد استخدم مختلف الأساليب المتاحة لتحقيق الانتصار في معاركه.
ونذكر في هذه المقالة بعض النماذج من سلوكه وتدابيره العسكرية والأمنية في عدة نقاط :
أولاً: التجسس العسكري، ويبدو أنه لم تخلُ معركةٌ من معارك الإسلام الكبرى إلا واستخدم النبي (ص) فيها التجسسَ العسكري وقام بجمع المعلومات عن العدو، واستطلع تحركاته وأوضاعَه وأحوالَه المختلفة عن طريق العيون والجواسيس وفرق الاستطلاع والرصد وغير ذلك. فعندما خرج إلى حرب بدر بعث بسبسةَ بنَ عمروٍ الجهني وعدي بنَ أبي الزغباء الجهني يتجسسان له الأخبار عن أبي سفيان ومن معه من المشركين الذين تحركوا لمواجهة المسلمين في بدر.
وفي معركة أحد أرسل النبيَ (ص) الحُبابَ بنَ المنذر إلى معسكر المشركين لجمع المعلومات عنهم فدخل بينهم وقدّرَ عددَهم وحجمَ عتادهم ونظر إلى جميع ما يريد، وكان قد بعثه سراً وقال له: لا تخبرني بين أحد من المسلمين إلا أن ترى قلة، ولعل ذلك من أجل أن لا يحبط معنويات المسلمين فيما لو كانت المعلومات التي جمعها عنهم ليست في مصلحتهم. وعندما رَجَعَ الحُبابُ من مهمته اختلى بالنبي (ص) وأخبره بالمعلومات التي جمعها عن العدو.
وقام بمهمة التجسس العسكري أيضاً حذيفةُ بنُ اليمان في معركة الخندق بأمر من النبي (ص) حيث استطاع أن يخترق صفوف العدو وأن يدخل بينهم ويطلّعَ على كل ما كان يدور في معسكرهم. كما بعث النبيُ (ص) عبدَ الله بنَ حدرد عيناً على قبيلة هوازن لجمع المعلومات عن موقفهم وخطتهم في معركة حنين وأرسل بُريدةَ بنَ الحصيب عيناً على قبيلة بني المصطلق وعبدَ الله بنَ رواحة عيناً على غطفان.
وكان النبي (ص) يبث فرقَ الاستطلاع في مقدمة جيشه لاستكشاف الأرض التي يتحرك عليها والمواقعِ الجغرافية وتحركاتِ العدو كما فعل في أكثر غزواته كالحديبية وفتحِ مكة وتبوك وغيرها..
النقطة الثانية: من التدابير العسكرية والأمنية التي اتخذها النبي (ص) في حروبه وغزواته، الكتمانُ والسريةُ وأمنُ المعلومات، فقد كان (ص) يحيط تحركاته العسكرية بالسرية التامة، ويحرص على كتمان أهدافه والجهةِ التي يستهدفها حتى عن المقربين إليه. لئلا تتسرب المعلومات إلى العدو فيستفيدَ منها، وحرصاً منه (ص) ايضا على تحقيق عنصر المباغتة ومفاجأة العدو.
فعندما قرر النبي (ص) التوجهَ إلى مكة فيما عرف بفتح مكة أخفى (ص) نياتِهِ وأهدافَه ولم يُطلع المسلمين على وجهته وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها. بل لقد روي أنه (ص) كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، أي أعلن أنه يريد هدفاً آخر غيرَ الهدف الذي يقصده وذلك من أجل التمويه وإرباك العدو.
ولم يكتف (ص) باتخاذ مثل هذه الاحتياطات بل كان يراقب الطرق والممراتِ المؤدية الى بلاد العدو ويتخذُ إجراءات أمنية مشددة كمنع الأفراد من السفر ونحو ذلك كما فعل في فتح مكة عندما أراد الخروج من المدينة، لئلا تتسرب المعلومات عن تحركاته العسكرية واستعداداته الى الأعداء عن طريق المنافقين والذين في قلوبهم مرض وغيرهم من العملاء وأعداء الاسلام.
النقطة الثالثة: من الأمور التي استخدمها النبي (ص) في حروبه الحرب النفسية، فقد استخدم النبي (ص) الحربَ النفسية ضد العدو بغية تحطيمِ معنوياته وشلِ إرادته، وتفتيتِ وحدته الداخلية، وبثِ الخوفِ والرعبِ واليأسِ في قلوب أعدائه. فقد كان يأمر أصحابه بهجاء قريش والمشركين، وكان يقوم بهذه المهمة حسانُ بنُ ثابت وعبدُ الله بنُ رواحة وغيرُهُما، وكان (ص) يقول: أهجوا قريشاً فإنها أشدُّ عليهم من رشقٍ بالنبل.
وفي عمرة القضاء عندما دخل النبي (ص) بأصحابه إلى مكة من أجل العمرة قال لأصحابه: أرملوا بالبيت ثلاثاً – أي هرولوا حول الكعبة ثلاث مرات – ليرى المشركون قوتكم فلما هرولوا قالت قريش: ما وهنتهم. أي لم يهنوا أو يضعفوا..
وعندما سار النبي (ص) إلى فتح مكة ووصل إلى مشارفها أمر (ص) أصحابه في النهار بجمع الحطب، ولما دخل الليل أمرهم بالتفرق وإشعال النيران في كل مكان ليوهم العدوَ بأنه أمام جيش كبير عظيم لا طاقة له على مواجهته. حتى إن أحد أصحابه يقول: لقد كنا تلك الليالي نُوقدُ خمسمئة نار حتى تُرىَ من المكان البعيد، وذهب صيت معسكرنا ونيراننا في كل وجه حتى كان مما كبت اللهُ به عدونا.
كما أن النبي (ص) قبل أن يدخل مكة فاتحاً إستعرض جيشَ المسلمين وأمر العباسَ بنَ عبد المطلب أن يحبس أبا سفيان في المضيق الذي تزدحم فيه الخيل حتى ينظر إلى المسلمين وقوتهم، فحبسه العباس، وجعلت القبائلُ المسلمة تمرُّ مع النبي (ص) كتيبة كتيبة على أبي سفيان في أكبر استعراض للقوة تشهده المنطقة آنذاك كحرب نفسية من أجل أن لا يفكر أبو سفيان وغيرُه من المشركين في مواجهة المسلمين وجيشهم الجرار.
هذه هي بعض التدابير العسكرية والامنية التي قام بها النبي(ص) في تلك المرحلة والتي ساهمت بالتأكيد الى جانب الايمان والاخلاص والتوكل على الله في تحقيق الانتصارات الكبرى التي سجلها تاريخ الاسلام.
الشيخ علي دعموش