بالله عليهم .. كيف يدّعون أن رسول الله (ص) كان يحب العنف ؟!!(82)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 05 نيسان/أبريل 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 11471
حلمه وعفوه (ص) - (82)
من أبرز ما اتصفت به الأخلاقُ النبوية هو الحلمُ عن أخطاء الآخرين والعفو عن سيئاتهم. ومن المعلوم أن الحلم هو عبارةٌ عن ضبط النفس والضغط على المشاعر والانفعالات النفسية إزاء أخطاء الآخرين وممارساتِهم السلبية لئلا تتفجَّرَ غضباً وحقداً وغيظاً ينعكس سلباً على السلوك والممارسة.
وقد كان رسول الله (ص) في فضيلة الحلم عن المسيء نموذجاً رائعاً كسائر أخلاقه فهو لا يعرف الغضب إلا حين تُنتهكُ للحق حُرمتُه، أما سوى ذلك فإنه كان أبعدَ الناس عن الغضب والانفعال، فهو أحلمُ إنسان عمن أساء إليه بكلمة أو تصرف خاطىء أو سلوك مُشين.
وحلمُ رسول الله (ص) وعفوه لا تتكشف عظمتُهُما إلا إذا تذكرنا أن النبي (ص) إنما يعفو مع قدرته على معاقبة المسيء، فهو في وضعٍ يمكِّنُهُ من أن يقتص من كل من يسيءُ إليه، إذ هو رئيسُ الدولة، وهو المطاع في قومه وبين أصحابه إلى حد لا يوصف، فهو قادرٌ على أن يفعل ما يريد، ولو أنه أمر بقتل أحد أو معاقبة شخص لبادر إليه المئات منهم، ولكن رسول الله (ص) كان حليماً في كل المواقف والأحوال إلا موقفاً يُنتهكُ فيه الحق.
ولعظمة المصطفى (ص) في حلمه وعفوه عمن أساء إليه، تراه وكأنه الحلمُ قد تجسد بشراً سوياً. قال أنس بن مالك: خدمتُ رسولَ الله (ص) سنين فما سبني سبةً قط ولا ضربني ضربة، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر فتوانيتُ فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني عليه أحدٌ من أهله، قال: دعوه، فلو قُدِّرَ شيءٌ كان.
وروي: أن النبي (ص) ما ضرب امرأةً قط، ولا ضرب خادماً قط، ولا ضرب بيده شيئاً قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله عز وجل، ولا نِيلَ منه فانتقمَ من صاحبه، إلا أن تُنتهكَ محارمُهُ فينتقم. وعن هند بنِ أبي هالة قال: كان رسول الله (ص) لا تغضبُهُ الدنيا وما كان منها، فإذا تُعُدِّيَ على الحق لم يقم لغضبه شيءٌ حتى ينتصرَ له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.
وعن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله (ص) وعليه بُرْدٌ نجرانيٌّ غليظُ الحاشية، فأدركه أعرابيٌ فأخذ بردائه فجبذه (أي جذبه) جبذة شديدة حتى نظرتُ إلى صفحة عنقِ رسول الله (ص) وقد أثّرتْ به حاشيةُ الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك!. فالتفت إليه رسولُ الله (ص) فضحك ولم يغضب ولم ينفعل بل أمر له بعطاء. هذه هي أخلاقُ رسول الله (ص) حتى مع أولئك الأجلاف الذين لا يملكون وعياً ولا يحسنون التعاطي والتعاملَ مع الآخرين.
وكان رسول الله (ص) يقول: أوصاني ربي بسبع: أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، وأن أعفوَ عمن ظلمني، وأُعطيَ من حرمني، وأصلَ من قطعني، وأن يكون صمتي فكراً، ونظري عِبَرَاً. وكما كان (ص) في صفة الحلم فقد كان في صفة العفو أيضاً.
فعن الإمام الباقر (ع) قال: إن ثُمامَةَ بنَ أَثالْ أَسرتْه خيلُ المسلمين وقد كان رسول الله (ص) قد قال: اللهم أمكني من ثُمامة، فجيء به الى النبي(ص) فقال له رسول الله (ص): إني مخيرك واحدةً من ثلاث: أقتُلُك؟ قال: إذاً تقتل عظيماً، أو أُفادِيكَ؟ قال: إذاً تجدُني غالياً. أو أَمُنُّ عليك أي أعفو عنك؟ قال: إذاً تجدني شاكراً. فقال النبي (ص): فإني قد مننتُ عليك. فقال ثُمامة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسولُ الله وقد والله علمتُ أنك رسولُ الله حيثُ رأيتُك، وما كنت لأشهد بها وأنا في الوَثَاق.
ومن عظيم عفوه ما تجلى يومَ فتح مكة، فبرغم القسوة والوحشيةِ اللتين عُومل بهما جسدُ عمه الحمزةَ بنَ عبد المطلب في معركة أُحد، لم يلجأ إلى الانتقام من وحشي قاتلِ حمزة، ولا من هندٍ زوجةِ ابي سفيان التي مثلت في جسده مع أنهما كانا في قبضته وكان يستطيع معاقبتَهُما والاقتصاصَ منهما. كما أنه (ص) عفا عن أهل مكة يومَ الفتح ووقفَ منهم موقفاً رحيماً على الرغم من كل العذاب والإرهاب والمعاناة والآلام والأذى الذي صبته قريشٌ عليه وعلى المسلمين في مكةَ قبل الهجرة وبعدها.
وعلى الرغم من مؤامراتها وحروبها وإرهابها فإنه (ص) وقف على باب الكعبة يوم الفتح مخاطباً أهل مكة: ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابنُ أخ كريم. قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، يغفرُ الله لكم وهو أرحم الراحمين، إذهبوا فأنتم الطلقاء.
وعندما قال أحد أصحابه: اليومَ يومُ الملحمة اليومَ تُسبى الحرمة. قال (ص): اليومَ يومُ المرحمة، اليومَ تراعى الحرمة.
بهذه النفس الرحيمة، وبهذا الخلق الإسلامي الرفيع والسلوكِ الإنساني الحضاري الذي لم يعرف التاريخُ له نظيراً، يعاملُ رسولُ الله (ص) أشدَّ الناس عداوةً له، بعد أن تمكن منهم ومن رقابهم إنه الخُلُقُ النبويُ المحمديُ الأصيل.
الشيخ علي دعموش