ما شبع رسول الله (ص) من خبز بُرٍّ قط، أهو صحيح؟!(77)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 28 شباط/فبراير 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 4355
زهد النبي (ص) في الدنيا - (77)
إذا أردنا أن نكون فكرة واضحة عن زهد رسول الله (ص) في الدنيا علينا أن نعرف طعامَه ولباسَه ومسكنَه وما ادخرَه لنفسه ولحياته. أما طعامُهُ: فقد كان خبز رسول الله (ص) خبزَ الشعير في أكثر أحيانه، وما أكل خبزَ طحين منخول حتى قُبض، بل ما شبع من خبز الشعير قط.
فعن العيص بن القاسم قال: قلت للصادق جعفرِ بنِ محمد (ص): حديث يُروى عن أبيك الباقر (ع) أنه قال: ما شبع رسول الله (ص) من خبز بُرٍّ قط، أهو صحيح؟. فقال (ع): لا، ما أكل رسولُ الله (ص) من خبز بُرٍّ قط، ولا شبع من خبز شعير قط.
وعنه (ع) عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) أنه قال: دخلت السوق فابتعت – أي اشتريت – لحماً بدرهم، وذُرَةً بدرهم وأتيت فاطمة (ع) حتى إذا فَرَغَتْ من الخبز والطبخ قالت: لو دعوتَ أبي، فأتيتُهُ وهو مضطجع وهو يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً، ثم جاء معه وتغدى عنده.
وعن الإمام الصادق (ع) قال: ذُكر اللحمُ عند رسول الله (ص) فقال: ما ذقته منذ كذا. أي من مدة طويلة. وقال عبد الله بنُ الحسن: دخل رسول الله (ص) على فاطمة فقدّمتْ إليه كسرةً يابسة من خبزِ شعير فأفطر عليها ثم قال: يا بُنيّة هذا أولُ خبز أكله أبوك منذ ثلاثة أيام، فجعلتْ فاطمةُ تبكي ورسولُ الله (ص) يمسح وجهها بيده.
ولشدة زهد النبي (ص) بالدنيا تروي عائشة فتقول: :والذي بعث محمداً (ص) بالحق ما كان لنا مُنْخُلٌ ولا أكل النبي (ص) خبزاً منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قُبض".
زهده في اللباس والمسكن :
وأما ثياب رسول الله (ص) ولباسُهُ، فيكفينا أن نعلم أنه (ص) – كما تروي عائشة – ما اتخذ من شيء زوجين، ولا قميصين ولا رداءين ولا إزارين، ولا من النعال، وكثيراً ما كان يلبس المرَّقع من الثياب. يقول أحد اصحاب النبي (ص): دخلت على عائشة فأخرجتْ إلينا إزاراً غليظاً مما يصنع باليمن وكساءً من هذه المُلبَّدَة، فأقسمت أن رسول الله (ص) قُبض فيها.
وأما مسكنُهُ: فلم يكن قصراً أو بيتاً فاخراً وإنما كان غرفة واحدة لكل زوجة من زوجاته، فيها ينامُ وفيها يجلسُ وفيها يأكل، وكان أثاثُها بسيطاً زهيدَ الثمن وكان فراش رسول الله (ص) ومخدتُهُ التي ينام عليها من جلدٍ محشوٍّ باللّيف.
يروي أميرُ المؤمنين الإمام عليُ بنُ أبي طالب (ع) فيقول: كان فراش رسول الله (ص) عباءة، وكانت مِرفقتُهُ أدماً حشوُهَا ليف.. وكان كثيراً ما يتوسَّدُ وِسَادَةً له من أدمٍ حشوُها ليفٌ يجلس عليها. وكانت له قطيفة فدكيّة يلبسها يتخشَّعُ بها. وكانت له قطيفةٌ مِصريةٌ قصيرةُ الخمل، وكان له بساطٌ من شعر يجلس عليه.
وروي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: إن رجلاً من الأنصار أهدى إلى رسول الله (ص) صاعاً من رطب، فقال رسول الله (ص) للخادمة التي جاءت به: أدخلي فانظري هل تجدين في البيت قَصعةً أو طَبقاً فتأتيني به؟ فدخلت ثم خرجت إليه فقالت: ما أصبت قصعة ولا طبقاً! فكنسَ رسولُ الله (ص) بثوبه مكاناً من الأرض ثم قال لها: ضعيه ها هنا على الحضيض! ثم قال: والذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تعدل عند الله مثقال جَنَاحِ بعوضة ما أعطى كافراً ولا منافقاً منها شيئاً.
مدخراته وممتلكاته:
وأما مدَّخراتُهُ: فإن رسول الله (ص) لم يكن يدخر شيئاً لا من مال ولا من عقار ولا من شيء لنفسه. يقول أنس بن مالك: كان رسول الله (ص) لا يدخر شيئاً لغد.ويكفي أن نعلم أنه (ص) لما تُوفي ما ترك إلا سلاحَه وبغلتَه ودرعاً مرهونة فعن ابن عباس أنه قال: إن رسول الله (ص) تُوفي ودرعُهُ مرهونةٌ عند رجل من اليهود على ثلاثين صُواعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله.
ولم يكن ذلك عجزاً من رسول الله (ص) عن تحصيل المال أو الحصول على الدنيا ومالها وزخارفها لأن رسول الله (ص) كان قادراً على الحصول على ما يريد فقد عاش حتى فُتحتْ له الأرض وكثرت مغانمُها حتى اغتنى من لم يكن له من قبل مالٌ ولا زاد. وإنما كان ذلك زهداً من رسول الله (ص) وعفةً ورغبةً خالصةً فيما عند الله من النعيم والثواب، رغبةَ الذي يملك ولكنه يزهدُ بمتاع الدنيا الزائل، فعن الإمام علي (ع) قال: نزل جبرائيلُ على رسول الله (ص) فقال: إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك هذه بطحاءُ مكة، إن شئتَ أن تكون لك ذهباً. فنظر النبي (ص) إلى السماء ثلاثاً ثم قال: لا يا رب ولكنْ أشبع يوماً فأحْمَدُك وأجوع يوماً فأسألك.
وعن الحسن قال: خطب رسول الله (ص) فقال: والله ما أمسى في آل محمد صاعٌ من طعام وإنها لتسعةُ أبيات. ثم علق الحسن قائلاً: والله ما قالها استقلالاً لرزق الله، ولكن أراد أن تتأسى به أمته.
الشيخ علي دعموش